أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد دوير - الموناليزا ومارلين مونرو














المزيد.....

الموناليزا ومارلين مونرو


محمد دوير

الحوار المتمدن-العدد: 6839 - 2021 / 3 / 13 - 08:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنت دائما أبحث عن العلاقة بينهما، فما الذي يجمع رمز المقدمات برمز النهايات ؟ الموناليزا لوحة دافنشي الشهيرة التي عاشت قرونا عديدة يكتب عنها المفكرون والفنانون ويشاهدها الناس يوميا. ومارلين ممثلة الإغراء الأمريكية التي صارت– هكذا قرروا– رمزا للأنوثة في العالم.

وجدت أن التشابه قائم، والعلاقة حاضرة بوضوح، فعندما كانت أوربا في طريقها لبناء حضارتها، كانت في حاجة إلي نماذج جاذبة للعقل وللوجدان، فخرجت الفنون معلنة التحدي لسلطة الكهنوت، وانطلقت الموسيقي متحولة من الترانيم إلي السيمفونيات الكبرى، وواجه زعماء الإصلاح الديني رجال الكنيسة المتسلطين باسم الرب وسلطته، واكتشف الملاحون العالم الجديد، فخرجوا من دائرة حوض البحر المتوسط، وكان العلماء في طريقهم لبناء معمار العلم الحديث مع كوبرنيق.
كانت أوربا حينئذ في حاجة إلي رمزية تعبيرية، ولم تكن الموناليزا سوي تعبيرا عن تلك الروح، روح التقدم في كل شيء، فغموض اللوحة وأسرارها، وما طرحته من تقنيات جديدة في فنون الرسم، جعلها هي المؤهلة أكثر من غيرها في التعبير عن ما قدمه لوثر في تعاليمه، وما طرحه كوبرنيق في انقلاب مفاهيمي، وما تناوله برونو من أفكار حول الألوهية، وما تحدثت عنه الحركة الإنسانية بكافة رموزها.. الموناليزا صارت اختزالا لعصر الحداثة، تحتوي بداخلها شكلا ومضمونا كل من أفرزته العقلية الأوربية من إبداع..

فيما مثلت مارلين مونرو العكس تماما في كل شيء، فقد تلقفتها الشركات لكي تقدمها للعالم بوصفها " الأنثى" لا المرأة، نموذج " الإغراء" لا نموذج التفكير العقلاني، هي الضد تماما من هيباثيا، كقيمة معرفية، والضد تماما من" الموناليزا" كقيمة حضارية، واستطاعت الشركات وجهات التمويل الأمريكية أن تجعل منها مقياسا للجمال، مقياسا لطغيان الجسد علي العقل، مقياسا لسطوة الحسي علي الشعوري، فوقع العالم أسيرا في قبضتها، حتي أن كاتبا مهما – أرثر ميللر – تزوجها، ليعبر هذا الزواج عن خضوع العقل إلي الجسد، وعن ما تمثله قيم الشكلانية من تأثير علي الحضارة الغربية في ترهلها المعرفي والفلسفي والثقافي.

كانت مارلين هي مقدمة مشهد " المابعديات" الذي ملأ العالم اعتبارا من أواخر الستينيات، إنها– كحالة رمزية - نقطة البدء في حالة التخطي، فالجمال المبهر صار كل شيء"( في هذا التوقيت بدأت لمبات النيون تزين واجهات المحلات بكثافة ) وتراجعت الموهبة تدريجيا، حتي تحولت هوليوود إلي ممر طويل للأنثويات، كما تحول المناخ الثقافي العالمي أيضا إلي ممر طويل للسرديات المعادية للمضمون، لأن المضمون صار محملا بالأيديولوجيات.. وكما كانت مارلين امرأة ضد الخطأ الجسدي، كانت السرديات أيضا كتابة ضد التوجه الاجتماعي.. وكما كانت مارلين إمرآة في مواجهة كل نساء الأرض، كان الفكر الأوربي نموذجا لكل ثقافات الأرض..

هكذا تحولت مارلين إلي أيقونة، كما كانت الموناليزا أيقونة..ولكن الفارق الكبير، أن الموناليزا كانت تعبيرا عن قدرة الإنسان علي الإبداع، فيما تم تصدير مارلين مونرو أنها تعبير عن قدرة الخالق علي الإبداع، ولم يقصد الخالق إنتاج كل تلك الأفاعي التي خرجت من سيدة مسكينة أرادت لها ماكينة الدعاية الأمريكية أن تكون النموذج التي تعبر عن حضارة الكاو بوي.

إن المسافة بين موناليزا ومارلين مونرو،كالمسافة بين ديكارت وفوكوياما، أو بين حضارة انشغلت بالعالم في البداية، ثم حاولت أن ينشغل بها العالم في النهاية.



#محمد_دوير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظريات المعني بين التصور والاستخدام
- رعب يناير: عشر سنوات من الثورة المضادة
- الله .. في الفلسفة (3 )
- الله... في الفلسفة (2)
- الله .. في الفلسفة (1)
- مقدمة في فلسفة اللغة
- الحلاج وأزمة العقل الديني
- العرب.. وسؤال الحداثة
- في فقه الهزيمة
- وهج اللاوعي في رواية -التاج- لعبير قورة
- هل صارت الكتابة بديلا للانتحار ؟
- خصخصة الألوهية
- علي شاطئ الذاكرة للروائي الجزائري مصطفي الشيخ زاوي
- الماركسية .. كاستنارة
- ملخص الكتاب ماركس ضد نيتشه ..
- سيناريوهات المستقبل في مصر
- الحداثة الغائبة والتحديث الريعي
- وفاة مرسي
- في فقه المصالحة: العسكر والإخوان واليسار
- الثورة المصرية.. والبحث عن دولة يناير (3)


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد دوير - الموناليزا ومارلين مونرو