أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - ذات مطر ثقيل-قصة قصيرة















المزيد.....

ذات مطر ثقيل-قصة قصيرة


سامي الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 6833 - 2021 / 3 / 6 - 12:43
المحور: الادب والفن
    


المطر الغزير الذي ظل ينهمر في الليلة الفائتة واستمر صباحاً يمنعك من الخروج. الأمطار في النصف الشمالي للكرة الأرضية في الصيف تحيّر أبناء المناطق التي لا تعرف مطراً غير مطر الشتاء، ولذلك يدعون المطر شتا. تتذكر بضبابية قصة إبراهيم عبد القادر المازني التي قرأتها في كتاب النصوص في المدرسة الإعدادية وقد اعتبرتها يومذاك مجرد نكتة، الشاب الذي لم يجد شيئاً للحديث مع والد الفتاة التي صادقها سوى الحديث عن الطقس والسؤال هل ستمطر اليوم، فيرد عليه الرجل "مطر في أغسطس؟" ويبدأ بمطاردته، فتقول بلسان ذلك الطفل الذي كنت "مطر في تموز؟". مرات عديدة مشيت في شوارع وطرقات هذه المدن ونزل عليك رذاذ جميل فتذكرت شعر محمود درويش "مطر ناعم في خريف بعيد"، جميل جداً أن يسقط عليك رذاذ منعش لا يصاحبه برد الشتاء. هكذا تحملك الذكريات ويحتضنك حنين الغريب ليلقي بك في تفاصيل الحياة في الوطن، هناك الشتاء شتاء والصيف صيف، وجدّتك كانت تقول "من قلة تقاهم انقلب صيفهم شتاهم". تتساءل وشجون الذكريات والتفكير تأخذك من فكرة إلى أخرى: هل فعلاً يا جدتي نحن تقاة وهؤلاء ليسوا تقاة، اسمحي لي بهذه، ما أراه من هؤلاء القوم يفوق التقوى التي نتباهى بها.
المطر الغزير الذي ينزل مدراراً من هذا النوع الذي لم ينقطع منذ ساعات شيء والمطر الناعم شيء آخر. دائماً عندما ينزل المطر الخفيف رذاذاً تستفيق فيك رغبة ملحّة لتمشي تحته حتى لو كنت في البيت، تفرح به فرحك الطفولي بالمشي تحت المطر، وإن لم يسعفك الحال لسبب ما فإنك تستعيض عن المشي بالجلوس على رصيف مقهى تحت مظلة أو على شرفة مفتوحة الأفق مغطاة من الأعلى. تحب المطر الناعم وترافقه وتعتبره مصدر انتعاش وإلهام، لا تحمل في وجهه مظلة، المظلة حرام في وجه المطر الناعم، المطر الناعم ليس عدواً لتصده بهذه الأداة. أما هذا المطر الثقيل فلا تنفع معه حتى أقوى المظلات، إنه حاجز لعين يحجزك عن الخروج والمشي في يوم العطلة، يحرمك مشي الصباح الجميل، لماذا لا تشكوه لهيئات حقوق الإنسان، مشيك في يوم العطلة حق إنساني ينتهكه هذا المطر اللئيم فدافع عنه. تقفز إلى ذهنك كلمات درويش آتية من ارتداد صدى بعيد، تأتي من زمن قراءتك الأولى للقصيدة، مقاطع كثيرة في القصيدة غابت عن الذاكرة، إلاّ أن صدى العنوان يقفز ليرحب معك بالمطر الخفيف الرذاذي، مطر ناعم في خريف بعيد، أو خريف حزين أو أي صفات أخرى للخريف، لا تتذكر منها بشكل كامل غير مقطع "وأنا لا أريد من بلادي التي ذبحتني غير منديل أمي وأسباب موت جديد". لماذا لم تختر غير هذا المقطع لتحفظه مستقراً في ذاكرتك؟ أو قل لماذا لم يثبت في ذاكرتك غير هذا المقطع؟ فالمسألة ليست خياراً، إنها خيار المقطع أو قوة وقعه القهرية القدرية على الفلسطيني، الذي تذبحه بلاده بحبها، أو يسلمه حبها لسكاكين الذابحين، ويبحث عن أسباب موت جديد لأنه ملّ الموت الرتيب.
على وقع المطر غير الناعم هذا في هذه البلدة الشمالية البعيدة، وأسباب الموت التي تكرر نفسها على الفلسطيني غير آبهة بأنه قد ملّها كما يملّ السجين ملابس سجنه، أسباب موت يلتقي فيها لؤم الجلاد وانسداد أفق الضحية الذي "يعمي ضوّه" ليفعلا فعلهما في التكرار الرتيب للعبة الموت هذه. ومنديل أمك يحضر في المطر الناعم والمطر غير الناعم مؤطراً وجهها الذي تعلوه بسمة الرضا.
مع هذا المطر الخشن ليس بإمكانك أن تذهب إلى أي مكان، لن تمارس رياضة المشي الممتعة هذا اليوم على ما يبدو، فهذا مطر غير ناعم في صيف بعيد، في تموز بعيد خلف محيط يمتد حتى آخر الدني، تصله بعد عبور المطارات وخلال طرق تعبر الغابات وتحاذي البحيرات والأنهار، صيف بعيد يختال بجماله، جمال تأسره اليوم هذه الغزارة من المطر الوحشي. صادفت هذا المطر في مدن كثيرة لكنك لن تنسى ذلك المطر الصيفي اللئيم، كم حقدت عليه يومها، حين فاجأكم ذات صباح في المخيم الشبابي وحاصركم في الخيام وأنت وصحبك بأمس الحاجة لبعض الوقت للتجوال في المدينة، كان لئيماً جداً في مفاجأته فقد نمتم وسماء الصيف صافية متلألئة النجوم، فوضعتم خطة للغد فرحين بانضمام أصدقاء جدد تعرفتم عليهم في السهرة التي عقدتموها بين الخيام على عشب الملعب الأخضر الذي نصبت فيه الخيام، خرّبها المطر الخشن الذي لم تكن قد عهدته، وخسرتم يوماً جميلاً رسمتم تفاصيله بدقة وحماس، خسرت رفقة تلك الجميلة التي تحمست للجولة معك.

لم تستسلم، بقيت تتحيّن الفرصة، فرصة انقطاع المطر، انقشاع يَعِدُ بفجوة من المطر. تنتبه وأنت تفكر بانتظار فجوة المطر، إذن من هنا اشتق الفلاح تعبيره، "لما أفجت غادرت الحقل، وعندما تفجي سأذهب إلى الحقل". وأخيراً أفجت، فتح المطر الخشن باب السجن الذي فرضه عليك، فبدأت مشوار المشي، الخطة جاهزة ولو تأخر تنفيذها، ستمشي نكاية بالسجان الذي سجنك لثلاث ساعات ونزع فرحة المشي المبكر الذي تقطف فيه زهرة الشروق، ستمشي باتجاه الغابة القريبة، ومنها ستتجه إلى المرفأ الصغير وهناك ستتناول كوب قهوة من شاحنة المأكولات السريعة وتجلس على المقعد المنزوي في طرف الرصيف مقابل القوارب الراسية.
تمر بساحة سوق المزارعين الأسبوعي، السوق الذي يأتي إليه مزارعو القرى القريبة بمحاصيل مزارعهم الصغيرة أو حدائقهم المنزلية، خضار طازجة ومصنوعات بيتية. مررتم به الأحد الماضي وكان عامراً وأخذتم حاجتكم من الخضار الورقية. ما زالوا منشغلين بإعادة ترتيب معروضاتهم التي كانوا قد غطوها من المطر الخشن واحتموا تحت المظلات الكبيرة التي نصبوها. لفتت نظرك اللافتة الموضوعة في طرف السوق "المزارعون يطعمون المدينة"، تتساءل: إذن ماذا ستفعل المدينة لو غابوا عنها؟ هل ستجوع المدينة؟ أليس هذا ما كتبه الفلاحون، ضحكت في سرك، ماذا لو كتب أحد الفلاحين في بلادنا "الفلاحون يطعمون المدينة"؟ أي جدال سيثور وأي تراشق بالتهم والتلاسنات الثقيلة سيبدأ، وأي اشتباكات بالأيدي لا تحمد عقباها ستندلع.
الفجوة كانت كريمة، جعلتك تتمشى على مهلك فقررت أن تستمر في المشي لمسافة أكبر مستمتعاً بالجو الخاص الذي أعقب هذا المطر الخشن تترافق مع قنوات مياه خفيفة من مخلفات المطر ما زالت تتعرج على سطح الشارع لتصب في نهاية المطاف في البحيرة، وقبل أن تتوجه أنت إلى مقعدك المنتظر على رصيف الميناء الصغير.
من بعيد تلمح شخصاً ما على المقعد، يتضح بعد أمتار أنها فتاة، تتوجه نحوها وتلقي تحية الصباح فترد بوجه بشوش التحية بأحسن منها. تقول لها مازحاً وجاداً هذا مقعدي الصباحي ولكني لم أحضر في الوقت المبكر المعتاد، منعني المطر الثقيل". تضحك وتتحرك إلى طرف المقعد بعد أن تمسح بقايا الماء عنه، وتقول لك "تفضل"، تفعل مثلها وتجلس. تنظر في وجهها المشرق وفيك رغبة أن تسألها "هل كنت في مخيم الشباب سنة …."، تتذكر قصة الطفل الذي سأل أمه محتاراً وقلقاً "عندما أكبر، مع من سيلعب أصدقائي الصغار؟" وتضحك في سرك، فتتدارك الأمر وتسألها "هل أنت زائرة لهذه المدينة؟"، تجيبك "نعم، وأنت؟" تهز رأسك موافقاً، وتسألها رأيها بالمدينة، ويبدأ حديث مطول عن جمال المدينة يستمر دافئاً من أشعة الشمس التي خرجت كاملة من خلف غيوم خفيفة كانت تشوش عليها تجلّيها.



#سامي_الكيلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضوء القصيدة-قصة قصيرة
- ما تخافيش-قصة قصيرة
- ثلثي المشاهدة-قصة قصيرة
- انثروا الطيبة-قصة
- عصير ليمون-قصة قصيرة
- عين-قصة قصيرة
- مشاعرة-قصة قصيرة
- وجوه هذا الصباح-قصة
- طعم آخر للورق-قصة قصيرة
- وجبة-قصة قصيرة
- بريموس-قصة قصيرة
- المظاهرة الأولى-قصة قصيرة
- لروحك السلام يا أبو سامي
- لا يعرف الكتابة-قصة قصيرة
- رجل الفسبا-قصة قصيرة
- تلك الطاولة-قصة قصيرة
- ندبة في ظاهر اليد-قصة قصيرة
- أوّل يوم-قصة قصيرة


المزيد.....




- تحرير القدس قادم.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 25.. مواع ...
- البعثة الأممية في ليبيا تعرب عن قلقها العميق إزاء اختفاء عضو ...
- مسلسل روسي أرجنتيني مشترك يعرض في مهرجان المسلسلات السينمائي ...
- عيد مع أحبابك في السينيما.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك أ ...
- في معرض الدوحة للكتاب.. دور سودانية لم تمنعها الحرب من الحضو ...
- الرباط تحتضن الدورة ال 23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية ...
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 161 على قناة ا ...
- -أماكن روحية-في معرض فوتوغرافي للمغربي أحمد بن إسماعيل
- تمتع بأقوي الأفلام الجديدة… تردد قناة روتانا سنيما الجديد 20 ...
- عارضات عالميات بأزياء البحر.. انطلاق أسبوع الموضة لأول مرة ف ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي الكيلاني - ذات مطر ثقيل-قصة قصيرة