أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - مفهوم الاستبداد















المزيد.....


مفهوم الاستبداد


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 6821 - 2021 / 2 / 22 - 12:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" المستبد هو ذلك الذي يقطع الشجرة، لكي يقطف ثمرة منها، مونتسكيو."
المقدمة:
الاستبداد وباء فتاك تصاب به بعض الأمم، وهو أسوأ أنواع الإدارة السياسية وأكثرها خطراً على الإنسان وتأخير للعمران وتمزيقاً للأوطان، والاستبداد لا يراعي كرامة الإنسان أو حرمة الأديان، ومواطن الحكومات المستبدة يتميز غالباً بالسلبية والتشاؤم والقلق وعدم الاستقرار، فلا وجود للطاقات البناءة أو الإبداعات، وهكذا تحرم البلاد من عطاءات أبناءها والمجتمع الذي يتحكم فيه الاستبداد، هو مجتمع خامل ومعطل ومتراجع في كافة مرافق الحياة ويسوده التخلف وتسيطر عليه الخرافة وتنعدم فيه القيم وتموت فيه الفضيلة، وتقتل حوافز الأفراد وطموحاتهم، ويحول المجتمع إلى جثة هامدة ينال منها العقاب، وتنهشها الذئاب ويهددها الأغراب. ويعتقد البعض أن ارسطو(384_322ق.م) أول من استعمل مصطلح الاستبداد وقصد به ذلك النوع من الحكم الذي يعامل الرعاية على أنهم عبيد، فالمستبد يعتقد أن الدولة والبشر ملك شخصي له، وليس لهم سوى السمع والطاعة، أما في الفكر الغربي الحديث، فقد وصف مونتسكيو(1689_1755) الاستبداد بأنه الحكم الذي يسوده شخص واحد وكل شيء في الدولة يسير على هواه ووفق إرادته. أما في الفكر العربي فكان عبدالرحمن الكواكبي(1855_1902) هو أول من أفرد كتاب له وحدد هذا المفهوم وتتبعه تاريخياً وحدد مظاهره وآثاره، وعرف الاستبداد بأنه غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة. أن مفهوم الاستبداد من المفاهيم التي وجدت عملياً وليس نظرياً كباقي المفاهيم مثل المدينة الفاضلة أو غيرها، بل أن أغلب المفكرين السياسيين والفلاسفة، أرادوا التخلص من الاستبداد بأي شكل من الأشكال وقد وضعوا وطرحوا عدة أنماط من الحكومات للتخلص من الاستبداد، وقد دفعت البشرية دماء كثيرة جداً للتخلص من هذا النظام، أذ أن في السابق كانت أغلب الحكومات هي ميزتها الاستبداد إلا ما ندر، وإلى الآن موجودة الحكومات الاستبدادية، لكنها تختلف عن السابق في السابق كان يقولها صراحة بأن الحاكم المستبد هو السيد ، أما الآن المستبد يتلون بلون الديمقراطية والتي هي غير موجودة بالأساس. أن مفهوم الاستبداد ليس خاص في السياسة بل من الممكن رؤية رب العائلة مستبد أو مدير الشركة مستبد والموظف مستبد والعامل البسيط مستبد، وبذلك أن الاستبداد هو مفهوم سلوكي متعلق بالإنسان، أما كيفية القضاء على الاستبداد هو بالتأكيد التعليم وتنوير الإنسان بالعلم، وزرع ثقافة الاعتقاد بأن الإنسان مصيره واحد وخلق من أجل العبادة وبناء الأرض، ولم يخلق من أجل صنع أم القنابل والقنبلة الهيدروجينية.
نشأة الدولة:
الجماعة تصبح في فوضى أن لم تكن لها سلطة تنظم اعمالها، فلا بد للجماعة من تنظيم لكي تبقى وتعمل لسد حاجاتها، والتنظيم ينقسم إلى فئتين، فئة حاكمة تتولى السلطة السياسية وتصدر القرارات، وفئة أخرى محكومة لا يكون لها سوى الطاعة والتنفيذ، وهكذا تولد السلطة من الجماعة، لأنه بغير السلطة لن يتحقق النظام، وقد يكون أن السلطة نشأت بدوافع الفطرة الإنسانية، فالإنسان بفطرته يبحث عن الكمال والتعالي وقد عظم بعض الاشخاص الرؤساء أو زعيم القبيلة وتلبية كافة احتياجاته وجعلوا في مقام أو خليفة الله في الأرض، ومن هنا بدأت حالة الاستبداد عند الإنسان، وقد أعتقد البعض أن القدماء اعتقدوا أن السلطة لابد أن تكون من طبيعة غير طبيعة البشر، وهكذا تصور القدماء الحاكم من طبيعة إلهية، فهو إله على الأرض أو هو أبن الإله، ومن هنا جاء سمو إرادته، فهي سامية لأنها إرادة إلهية عليا، ثم تدرج الأمر بعد ذلك إلى أن الله(جل جلاله) يختار الحاكم اختياراً مباشر ليمارس السلطة باسمه على الأرض، ومع الديانات السماوية كالمسيحية والإسلام لم يعد الحاكم إلهاً أو من طبيعة إلهية، ولكنه يستمد سلطته من الله(جل جلاله)، فالحاكم إنسان يعطيه الله(جل جلاله) ويودعه السلطة، وعليه أرتدى الاستبداد منذ البداية زياً دينياً، ثم انتهى في العصر الحديث إلى تأليه الحاكم، حتى لقد اصبح لدينا الاستعداد للركوع أمام الحاكم. ويعتقد ارسطو إن الإنسان مدني بالطبع وأنه يقبل على الحياة في جماعة سياسية منظمة بفطرته، وأن تنظيم أي جماعة يحتاج إلى سلطة منظمة تخضع لها الجماعة، إذ لا يمكن تصور المجتمع السياسي بغير سلطة حاكمة تنظمه وتضع له القواعد، ويعتبر ارسطو أول فيلسوف يفسر ويأخذ بنظرية التطور العائلي في تفسير نشأة الدولة، فالدولة ظهرت نتيجة تطور تاريخي من الأسرة التي هي النواة الأولى في بناء المجتمع، والأسرة نشأت نتيجة للحاجات الضرورية التي يشعر بها المرء وأهمها الحاجة التناسلية، فضلاً عن حاجات الطعام والمسكن والملبس، وهكذا كانت الأسرة هي أول التجمعات البشرية، وعند ظهور حاجات ورغبات أخرى مثل حاجة الأسرة من أسرة أخرى أو خطر من الحيوانات المفترسة، اصبحت هناك حاجة ماسة لتجمع الأسر واتحادهما في مجتمع اعلى وهو القرية، وهي ثاني مراحل الاجتماع، أما المرحلة الثالثة بعد الأسرة والقرية وهي اجتماع عدة قرى تتكون منها المدينة وهي أرقى الجماعات البشرية، لأنها تستطيع أن تكفل نفسها بنفسها وتضمن للأفراد حياة سعيدة، فالسياسة عند ارسطو هي علم السعادة الاجتماعية، كما أن الأخلاق هي علم السعادة الفردية والدولة هي الهدف النهائي للاجتماع البشري.(1)
الحكومات الاستبدادي:
1_ حكومة الطاغية، الواقع أن كلمة الطاغية( ( Tyrantلم تكن تعني بالضرورة في بداية استعمالها حاكماً شريراً، ثم بدأت الكلمة تحمل معنى كريهاً، في العصر الكلاسيكي ثم بدأ الفلاسفة لا سيما افلاطون وارسطو التفرقة بين لفظة الملك ولفظة الطاغية، الأول يطلق على الحاكم الصالح أو الجيد، في حين تطلق كلمة الطاغية على الحاكم الفاسد أو الشرير، ومن صفات العامة لحكومة الطغيان:
أ_ الطاغية رجل يصل إلى الحكم بطريقة غير مشروعة، فيمكن أن يكون قد أغتصب الحكم بالمؤامرات أو الاغتيالات، أو القهر أو الغلبة، وهو شخص لم يكن من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيراً طبيعياً.
ب_ يتحكم في شؤون الناس بإرادته ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم.
ت_ لا يعترف بقانون أو دستور بل تصبح إرادته هي القانون الذي يحكم، وما يقوله هو أمر واجب التنفيذ، وما على المواطنين سوى السمع والطاعة.
ث_ يسخر كل موارد البلاد لإشباع رغباته.
ج_ لا يخضع للمساءلة والمحاسبة ولا للرقابة، بل هو الرقابة والقانون وهو قانونه الشخصي.
ح_ يرهب الناس بأساليب القمع والتجويع، لذلك لا يجدوا ملجأً إلا له والتملق له.(2)
2_ حكومة الدكتاتور، أن مصطلح الدكتاتور (Dictator) روماني الأصل، ظهر أول مرة في عصر الجمهورية الرومانية كمنصب حاكم ويتمتع هذا الحاكم بسلطات استثنائية وتخضع له الدولة، وتعني الحكومة الدكتاتورية، وهي النظام الذي يتولى فيه شخص واحد جميع السلطات ويملي أوامره وقراراته السياسية، ولا يكون أمام الشعب إلا الخضوع والطاعة، وحكومة الدكتاتور والطغيان ممكن أن يتمثل في مجموعة، أما المستبد فقد يكون متمثل في فرد. وقد كان لكلمة الدكتاتور معنى مختلف في مجلس الشيوخ الروماني، فارتأى مجلس الشيوخ الروماني، أنهم بحاجة إلى شخص واحد يتخذ القرارات في بعض الأوقات، وكان للدكتاتور سلطة على جميع السياسيين وبإمكان الدكتاتور الروماني تغيير القانون والدستور، ولكنه ليس بإمكانه استقلال المال العام باستثناء ما يمنحه إياه مجلس الشيوخ.(3)
3_ الشمولية: شكل من أشكال التنظيم السياسي يقوم على إذابة جميع الأفراد والمؤسسات والجماعات في الكل الاجتماعي( المجتمع أو الشعب أو الأمة أو الدولة) عن طريق العنف والإرهاب ويمثل هذا الكل قائد واحد يجمع في يديه كل السلطات، وهو في الغالب شخصية كاريزمية له قوة سحرية على جذب الجماهير ولهذا يلقبونه بالزعيم، وأن مصطلح الشمولية مصطلح جديد استعمل في الثلاثينيات من القرن العشرين، والأمثلة كثيرة على هذا النظام مثل موسوليني(1883_1945) في ايطاليا وهتلر(1889_1945) في المانيا، وقد عبر شكل هذا النظام بقول موسوليني " الكل في الدولة ولا قيمة لشيء إنساني أو روحي خارج الدولة، فالفاشية شمولية والدولة الفاشية تشمل جميع القيم وتوحدها، وهي التي تؤول هذه القيم وتفسرها، إنها تعيد صياغة حياة الشعب كلها" وبذلك أن النظام الشمولي كتلة واحدة ولا تقبل بمبدأ فصل السلطات أو بأي شكل من أشكال الديمقراطية، وكل معارضة لهذا الكل تحطم بالقوة فلا رأي ولا تنظيم ولا تكتل خارج الدولة، ومن صفات النظام الشمولي:
أ_ تتمسك بالمظهر الديمقراطي لتسويغ سلطتها وإعطاء نظام حكمها طابع الشرعية، وتلتزم الشمولية بالمبدأ القائل إن الاساس الوحيد لقبول شرعية النظام هو قبول المحكوم بالحاكم وموافقته عليه.
ب_ إرادة الزعيم هي إرادة الشعب ويثبت القادة الشموليين إن إرادتهم هي إرادة الشعب، ويلجأ الزعماء الشموليين في العادة إلى الاستفتاء العام.
ت_ الزعيم يعبر عن الشعب وباسم الديمقراطية، وهنا يظهر ضعف الديمقراطية، لذلك الكثير من الفلاسفة رفضوا الديمقراطية مثل افلاطون(427_347ق.م) وتوماس هوبز(1588_1679)، أو البعض اعتقد أن الديمقراطية لم تكتمل بعد مثل مارسيل غوشيه(1946_؟)، الديمقراطية يسهل عملية التلاعب بها، وتتمثل الديمقراطية بحكم الأغلبية وبالتالي الأقلية لا تحصل على حقوقها، لأن القاعدة الأساسية للديمقراطية وهي الأغلبية، لذلك يعتقد جون ستيوارت مل(1806_1873) أن الديمقراطية هي طغيان الأغلبية، وهذا الطغيان أدهى وأمر من كثير من ضروب الاضطهاد السياسي، ومن ثم فإنه لا يكفي حماية الفرد من طغيان الحاكم وإنما الحاجة ماسة إلى حمايته من طغيان الرأي العام، أن مل يصف سيكلوجية الأغلبية وتصرفاتها بأنها لا معقولة، وهو ما سيعبر عنها علم النفس فيما بعد باسم (غريزة القطيع)، ولقد أدرك الاستبداديون هذه الحقيقة فاتجهوا إلى مشاعر الناس لا إلى عقولهم وإثارة مشاعر الناس بالخطب والحماس والشعارات الكبرى.(4) ( ومن الطرافة نذكر هنا أن أغلب رؤساء الوطن العربي في ما مضى كان شعارهم عند استلام الحاكمية في لدولة، هي إثارة مشاعر الشعب حول القضية الفلسطينية، أما في الوقت الحاضر وهو الوعد بالديمقراطية ومحاربة الفساد والعيش الكريم، والأثنان لم نحصل عليهما لم تتحرر فلسطين ولم نقضي على الفساد والاستبداد، وإن كنا نعتقد وللإنصاف أن الدول العربية افضل نسبياً من السابق).
4_ السلطة المطلقة ( Absolutism ): وتعني الحكومة المطلقة نظرياً وعملياً، أو الحكومة التي لا يحدها حد من الداخل، وينبغي التفرقة بين الحكومة المطلقة والسلطة المطلقة، فالسلطة متضمنة في الدولة باستمرار، وقد تحدها سلطات أخرى والحكومة يمكن أن تكون مطلقة حتى دون استيلائها على السلطة المطلقة، وهي تكون كذلك عندما لا تكون هناك كوابح دستورية، فلا يخضع أي تصرف لها للنقد أو المعارضة باسم الحكومة، وأن هذا الحكم يدل الآن على الحكومات التي تمارس السلطة بلا مؤسسات نيابية أو كوابح دستورية، وهذا الحكم تم التحاقه أبان القرن التاسع عشر بوساطة نابليون بونابرت(1769_1821)، لكنه يتميز عن الشمولية بأنه لا توجد فيه رقابة شاملة على كل وظائف المجتمع، وإنما يعبر عن سلطة للحكومة لا تتقيد بقيد.(5)
5_ الأوتوقراطية( Autocracy) تعني الحاكم الفرد الذي يجمع السلطة في يده ويمارسها على نحو تعسفي، وقد يكون هناك دستور وقد تكون هناك قوانين تبدو في الظاهر أنها تحد سلطة الحاكم أو ترشده، غير أن الواقع أنه يقدر يبطلها إذا شاء، أو يحطمها بإرادته، والحكم الأوتوقراطي هو دائماً حكم الفرد الواحد، أي لا حزب أو مؤتمر.(6)
الاستبداد:
يعرف الاستبداد في اللغة بأنه الانفراد بالرأي دون المشاورة مع الغير، ودون الرجوع إلى أي أحد فيكون المستبد هو الحاكم والسلطة والمشرع، ويعتقد محمد عبده(1849_1905) أن المستبد هو الذي يحكم بما يفضي هواه، وافق الشرع أو خالفه، أما الكواكبي يعتقد في الاستبداد هو أسوأ أنواع الأنظمة وأكثرها فتكاً بالإنسان، ويسود الظلم والطغيان في المجتمع، مما يؤدي إلى التراجع في كافة مرافق الحياة ووجودها، وإلى تعطيل الطاقات وهدرها وإلى سيادة النفاق بين مختلف فئات الشعب حكاماً ومحكومين. الاستبداد جريمة كبرى في حق الإنسانية، فهو يهدم إنسانية الإنسان ويحول الناس إلى عبيد فقدوا قيمهم، فلا أمانة ولا هدف ولا شجاعة، بل يعيش الإنسان في الكذب والنفاق والتملق والرياء والذل والمهانة، ومحاولة الوصول إلى الأغراض من أحط السبل، ويتحول المجتمع في عهد الاستبداد إلى عيون وجواسيس يراقب بعضهم بعض، ويرشد بعضهم على بعض، وأخ يرشد على أخيه وجار يكتب التقارير عن جاره، ومرؤوس يكتب زيفاً عن رئيسه، والمستبد كان طوال التاريخ موضوع للكراهية والخوف، ولم يكونوا أبداً موضوع اعجاب إلا من الجهلاء والحمقى، ومهما ينجزه المستبد فلا قيمة لأعماله إذ يكفي أنه دمر الإنسانية. الحكم الاستبدادي يخلو من كل فضيلة، إنه نظام يقوم على خوف المواطنين ويلقي بالناس في هوة الذل والمهانة، ويحافظ وجوده بسفك الدماء، والطاعة التي يطلبها من رعاياه هي الطاعة العمياء، أما التربية والتعليم في النظام الاستبدادي لا تهدف إلا تكوين أفراد يدينون بالولاء والطاعة والاخلاص إلى الحاكم ويتميزون بالطاعة العمياء في تنفيذ أوامره، وهكذا يميل الاستبداد إلى هدم الدولة ذاتها بهدم إنسانية الشعب الذي هو أساس هذه الدولة.(7)
أما الاستبداد في الوطن العربي فلقد ساهمت الأنظمة العربية في تبديد الكثير من ثروات الأمة العربية وأنفقت أموالاً طائلة في شراء وتكديس اسلحة لن تستعمل إلا لقهر شعوبها، كما ساهم الاستبداد العربي في تجذر التجزئة والفرقة بين الشعوب العربية وأفرغت مفهوم الوحدة القومية من مضمونه، وجعلت من الوحدة العربية مستحيل تنفيذه، وقد نجحت الأنظمة الاستبدادية السياسية في منطقتنا في تحويل مجتمعاتنا إلى مجتمعات ميته سياسياً وفقيرة اجتماعياً واقتصادياً، ولذا غدت قليلة الفاعلية والأثر ليس فقط في احداث العالم، بل في قضايا العرب المصيرية إلا على نحو سلبي وعقيم ،وقد عاش الشعب العربي تاريخ طويل جداً من الاستبداد، إلى درجة أنه اعتقد المفكرون الغربيون وهم على خطأ بأن الشعب العربي لا يمكن أن تستقر حالته السياسية إلا بنظام الاستبداد، فهذا مثلاً ارسطو ومونتسكيو يعتقدون أن النظام الاستبدادي بالنسبة للشرق حالة طبيعية، أما للغرب فهو نظام خطير، فالشرق لا تصلح له إلا الحكومات الاستبدادية. لكن يبدو أن الشعب العربي إلا الآن يعاني من الاستبداد فكلما سمحت له الفرصة أي الاستبداد تجده يطل برأسه هنا وهناك، وتارة نجده يلبس الاستبداد عباءة الدين وتارة يلبس عباءة العلمانية والليبرالية، ونعتقد أن الاستبداد كان في الوطن العربي يشكل حاله أو ظاهرة اجتماعية خطيرة، لكن في وقتنا الحاضر بدأت المجتمعات العربية بنبذ فكرة الاستبداد، فمثلاً تجد الكثير حالياً من النساء تستطيع تقرير مصيرها وخاصة في قضية الزواج، وإن لم نصل إلى المستوى المطلوب من نبذ الاستبداد لكن اعتقد أن الفكر الغربي المتنور استطاع أن يؤثر على المجتمعات العربية، من خلال وسائل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي.
المستبد:
كلمة المستبد( (Despot مشتقة من الكلمة اليونانية ديسبوتيس ( Despotes) التي تعني رب الأسرة أو سيد المنزل، أو السيد على عبيده، ثم خرجت من هذا النطاق الأسري إلى عالم السياسة، لكي تطلق على نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه ممثلة لسلطة الأب على أبناءه في الأسرة، أو السيد على عبيده، وقد ظهر مصطلح المستبد أول مرة أثناء الحرب الفارسية الهيلينية في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد كان ارسطو هو الذي طوره وقابل بينه وبين الطغيان، واعتقد أن إنهما ضربان من الحكم يعاملان الرعايا على أنهم عبيد، واصبح مصطلح المستبد عند ارسطو يعني رب الأسرة والسيد على عبيده وملك البرابرة الذي يحكم رعاياه كالعبيد، أما البيزنطيون فقد كانوا أول من أدخل المصطلح إلى قاموس السياسة وكانوا يطلقونه كلقب شرف على الحاكم، أما الكسيوس الثالث( أنجليوس)(1153_1211) جعل هذا اللقب أعلى الألقاب السياسية مرتبة بعد لقب الإمبراطور، أما مكيافيلي(1469_1527) يعتبر أول من قارن بينه وبين الطغيان، عندما قابل النظام الملكي في أوربا الاستبدادي، بالطغيان الشرقي في الدولة العثمانية، فالمستبد هو من يتفرد برأيه، فقد يكون مصلحاً يريد الخير ويأتيه، أما الطاغية فيستبد بالظلم والمعاصي، وقد يلجأ في طغيانه إلى أتخاذ القوانين والشرائع ستراً له، ويطلق الطاغية في الأغلب على السياسي ومن يتولى سلطة الدولة، أما المستبد فقد يكون حاكماً أو يكون رب الأسرة أو عالم أو معلم أو موظف، فالمستبد يطلق على كل شخص مستبد في طبعه.(8)
يسيطر المستبد على السلطة بالقوة أو التحايل، ويسعى بعد استلامه السلطة التخلص من كل الذين ساعدوه بالوصول إلى السلطة، ويحاول افتعال الازمات والحروب للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، ويعمل المستبد على تكوين مملكة من التابعين له وينفذون قراراته، ويجبر الأخرين على السمع والطاعة، فليس هناك رأي معارض، ومن يعترض يكون مصيره النفي أو السجن نتيجة تهم وهمية، ويحاول المستبد أن يجعل من فريقه الحكومي، مجموعة من اللصوص والجهلاء، لكي تسهل عليه مهمة السيطرة عليهم، فيملي عليهم ما يريد وأن خالفوه فيكون مصيرهم القتل أو السجن، ونتيجة لهذا الظلم الذي يمارسه المستبد ظهر مصطلح اغتيال الطاغية، وقد نادت به بعض النظريات السياسية الإغريقية والرومانية كرد فعل على سوأ استعمال الطغاة والمستبدون لسلطتهم، أما في العالم العربي فقد انقسم العلماء فيما بينهم إلى فريقين، فريق يرى وجوب الصبر والنصح والتقويم للخليفة الظالم، والثاني يرى وجوب الخروج عليه بالقوة واستبداله.
المستبد العادل (المستنير):
ظهر هذا المصطلح في الفكر السياسي الأوربي، واستعمله في البداية المؤرخون الألمان للدلالة على نظام معين في تاريخ أوربا الحديث، والمستبد العادل هو من يعتمد في نظام حكمه على العقد الاجتماعي، ويعتبر فردريك الثاني(1712_1786) ملك بروسيا( من1740إلى 1786) هو النموذج للملك المستبد العادل، فقد أهتم بإصلاح الامة اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً.(9) وقد اعتقد بعض المفكرين العرب مثل جمال الدين الأفغاني(1838_1897) ومحمد عبده، أن الحل والنهوض بالمجتمع العربي يتطلب مستبد عادل ، فيقول الأفغاني" لن تحيا مصر ولا الشرق بدولة، إلا إذا أتاح الله(جل جلاله) لكل منهما رجلاً قوياً عادلاً يحكمه بأهله على غير تفرد بالقوة والسلطان". لا نعتقد أنه يوجد هناك مستبد عادل بل من الممكن أن يكون هناك مستبد مستنير، وفي الحقيقة المجتمع العربي يوجد فيه الكثير من الحكام المستنيرون، لكنهم ليس عادلون، وأعني هنا ليس عادلون في توزيع مناصب الدولة أما مع المجتمع هم هنا مستنيرون ويساهمون في بناء بلدانهم، والحقيقة أن البعض منهم جعل دولهم في مصاف الدول المتقدمة واستطاعوا أن يبنوا دولة.
الهوامش:
1_ينظر إمام عبدالفتاح إمام: الطاغية (دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي)، عالم المعرفة، الكويت،1996، ص26_127_128.
2_ينظر المصدر نفسه، ص47_48_50_51.
3_ينظر المصدر نفسه، ص60.
4_ينظرالمصدر نفسه، ص63_64_65_66.
5_ينظر المصدر نفسه، ص67.
6_ينظر المصدر نفسه، ص71
7_ينظر عبدالرحمن الكواكبي: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تقديم اسعد السمحراني، دار النفائس، بيروت، 2006، ص7_16_17. وأيضاً إمام عبدالفتاح إمام: الطاغية، ص76_272_273.
8_ينظر إمام عبدالفتاح إمام: الطاغية، ص46_52_54_55_56.
9_ينظر المصدر نفسه، ص72_73.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفار اليقينيات عبدالرزاق الجبران
- المرأة في فكر قاسم أمين
- الدين والدولة في فلسفة مارسيل غوشيه
- الثقافة عند سلامة موسى


المزيد.....




- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - مفهوم الاستبداد