أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - ثائر البياتي - عصر عجائب الجينات















المزيد.....


عصر عجائب الجينات


ثائر البياتي

الحوار المتمدن-العدد: 6792 - 2021 / 1 / 19 - 13:18
المحور: الطب , والعلوم
    


1-19-2021
تعتبر مسألة الجينات وتعديلاتها، من المواضيع المهمة، لما لها تأثير بالغ على مستقبل حياة البشرية، فاذا كان العالم يعيش اليوم آثارالثورة الصناعية وما لحقتها من ثورة أليكترونية ورقمية، فثورة التعديلات الجينية التي بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، ستقدم العجائب والغرائب للبشرية، بما تفوق الثورات السابقة بأضعاف كثيرة، واذا كانت الكائنات الحية المعقدة قد تطورتْ من أشكال بسيطة على مدى آلالاف الملايين من السنين، فتقنية تعديل الجينات، CRISPER، مقص الجينات، ستختزل تلك الآلاف من ملايين السنين، ربما الى المئات من الساعات أو الأيام أو السنين، بفضل تعاملها مع المادة الوراثية، الجينات، الموجودة في داخل خلية الكائن الحي، المتوزعة على شريط الحامض النووي DNA . فبأجراء تلك التعديلات يكون انتاج كائن حي يمتلك صفات وراثية جديدة.
أصبحت لتقنية تعديل الجينات تطبيقات مهمة في مجالات عملية مختلفة، منها: حيوانية وطبية وزراعية وصناعية، كانتاج الأعضاء الجسمية ومعالجة بعض الأمراض الوراثية، وصناعة الأدوية والمواد الغذائية والوقود، وتحسين الإنتاج الزراعي ونوعية النباتات وأمور أخرى كثيرة. ورغم الجوانب الأيجابية لهذه التقنية، الا ان الكثير من الباحثين والمهتمين بمستقبل البشرية، يخشون من نتائجها السلبية على الإنسان والحيوان والبيئة، والبعض يعتبر التعامل معها اشبه بالتعامل مع أسلحة الدمار الشامل. ماذا لو حدث أي خطأ في تلك التعديلات، التي لا تقبل التصحيح المعاكس؟ سؤال يطرح نفسه للنقاش، في كافة المستويات العلمية والسياسية والقانونية والثقافية العامة، انه يهم مصير الحياة على الأرض، ما جعلني ان أحشر نفسي في موضوع كنتُ أعتقد أنه بعيد عن أهتماماتي:
كيف سنتعامل مع هذا العالم الجديد؟ بل، ما هو هذا العالم الجديد؟
أخترتُ أكثر إقتباسات المقال، من مشاهدة حلقة علمية- ثقافية، قدمها البرنامج الأمريكي، Ted Show، الذي عُرضَ في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 ، تكلم فيها المحاضر الأمريكي، هوان انيريكه، تحت عنوان: عصر عجائب الجينات. أرفق الرابط الأليكتروني للحلقة:
https://www.youtube.com/watch?v=-T3k6s7bev8
دعني ابدأ، (والكلام للمحاضر)، بمبدأ العَالـِمُ والباحث الأمريكي رْوي أمَرَه، Roy Amara ، بخصوص تأثير التكنولوجيا على حياتنا، يقول: نـَميلُ الى المبالغات في تأثيرات التكنولوجيا الجديدة على حياتنا في المدى القصير، ونميلُ للتقليل من تأثيراتها في المدى البعيد، بسبب تآلفنا مع تطبيقات التكنولوجيا بمرور الزمن. والأمثلة كثيرة على ذلك، منها التلسكوبات والتلفونات واجهزة الراديو والتلفزيونات والمسجلات ومختلف المخترعات الأخرى، كلها بدأت معقدة، لكنها تطورت واصبحت جزءً من حياتنا. ما يشبه ذلك الى حد كبير، يحدث اليوم مع قراءة وبرمجة الحياة. قبل ان اتكلم عن عجائب الجينات، أود ان أتكلم بعض الشيء عن التلسكوبات لغرض المقارنة.
حدثتْ مبالغات كثيرة عن مقدرة التلسكوبات الأولى، في أيام مخترعها غاليليو قبل اربعة قرون، حين تصور الناس، ان استخدام التلسكوب سيحطم المعتقدات الدينية، بتدخله في الكشف عن اسرار الكواكب والنجوم، لكن بمرور الزمن، لم نعد نعطي أهمية للتلسكوبات رغم تطورها الكبير. فقبل عشرة سنوات تمَّ اطلاق تلسكوبات، ذات مقدرة عالية في التقريب، تمكننا من مشاهدة ذرات الغبار المتطاير حول كوكب بعيد جداً، لا بل تجعلنا ان نشاهد بقع الضوء الأخضر والأزرق المنعكس من كوكب بعيد، ما يدل على وجود الماء والتمثيل الضوئي، وبالتالي أحتمالية وجود الحياة على ذلك الكوكب، لكننا لم نشاهد لحد الأن شيئاً من هذا القبيل، ما يعني ان إحتمالية وجود حياة بمدى إمكانية رؤيتنا الحالية هو صفر. ان مقدرة التلسكوبات، التي تمكننا من معرفة اعماق الكون، كانت تُعتبر من المعجزات في وقت ما، لكنها اليوم تُعتبر من المسلمات التي لا تثيرنا. شيء من هذا القبيل يحدث الأن في عالم الجينات.
نسمع عن تقنية CRISPER، وغيرها من التقنيات التي تعمل في مجال تعديل الجينات، حيث ان هذه التقنية تعمل كمقص، يقطع قطعة من الـ DNA، تمثل سلسلة الجين الذي يحمل صفة معينة، يستبدلها بقطعة أخرى، لغرض احداث تغيير حياتي معين. المسألة الأساسية هنا ان شفرة الحياة اصبحت معروفة، فمثلما نكتب جملة في اللغة الأنكليزية او الفرنسية، نُعدِّل أو نستنسخ أو نطبع جملة، بأستخدام الميكروسوفت وورد، اصبح بإمكاننا إجراء ذلك مع شفرة الحياة، معناه بدأنا نفهم كيف نقرأ ونكتب ونصحح لغة الحياة. لنأخذ شفرة شجرة البرتقالة كمثال، نسأل: كيف تنفذ هذه الشجرة تعليماتها المبرمجة؟ قبل ذلك دعنا نتعرف قليلاً على لغة برمجة الكومبيوتر، او شفرتها، فهناك تشابه كبير مع شفرة الحياة.
نعرف ان لغة الكومبيوتر تستند على نظام الترميز الثنائي (0،1)، وهو نظام يستخدم رمزين فقط، الصفر والواحد، ذلك يمثل فتح وغلق الدائرة الكهربائية في الكومبيوتر، فبأستخدام هذا الترميز يكون تحويل كلمات اللغة والرسائل والصور والموسيقى والفديوهات المعروفة وما الى ذلك الى لغة الكومبيوتر. فمثلاً، كل حرف في اللغة يقابله سلسلة من الرمزين 0،1، مثلاً:السلسلة 01101111 تقابل الحرف H، والسلسلة 01101111 تقابل الحرف O، والسلسلة 01110000 تقابل الحرف P وهكذا يتم تمثيل جميع حروف اللغة، وبنفس الطريقة تُقسم الصور الى أجزاء صغيرة، وتُقطع الفديوهات والموسيقى الى شرائح صغيرة تُمثـَّل بما يقابلها سلاسل من رموز 0،1.
هناك أساس عام لشفرة الحياة، يشبه نظام الكومبيوتر، يتكون من سلسلة من الحامض النووي- DNA، لها اربعة أسس، يرمز لها بالحروف: A,C,G,T، تمثل الحوامض الأمينية المختلفة، تناظر نظام الترميز (0،1 ) في لغة الكومبيوتر. بتغيير مواقع وترتيب هذه الحروف نحصل على مختلف سلاسل شفرة الحياة. الأن نعود الى شفرة شجرة البرتقالة، التي تتمثل بالسلسلة: AATCAAG لعمل الجذر، والسلسلة TCGACC لعمل الغصن، والسلسلة GAC لعمل الورقة، و السلسلة GCAA لعمل الزهرة، وهكذا.
اذا اردنا ان نـُعّدل جملة في اللغة الأنكليزية بأستخدام المايكروسوفت وورد، نتمكن من تحويل كلمة معينة الى أخرى، بمجرد تغيير حرف واحد او بعض الحروف، وقد نغير معنى الجملة والعبارة كلياً وهذا يعتمد على التعديلات التي نجريها. ينساق نفس الشيء على التعديلات التي تحصل في برنامج شفرة الحياة.
اذا اردنا ان نجري تعديلاً في شفرة شجرة البرتقالة، المتمثلة بالسلسلة GCAAC بأستخدام تقنية CRISPR، سيكون بالأمكان تحويل شجرة البرتقالة الى شجرة ليمون حامض او لالنكي أو طرنج، وهذا يعتمد على نوع التعديل الذي نجريه بالسلسلة المعينة. التقنية تمكننا علمياً، من أجراء تعديلات، تجعلنا ان نتمكن من تحويل شفرة شجرة البرتقالة مثلاً الى شفرة انتاج إنسان أو أي حيوان آخر.
فيما مضى، كانت كلفة تكنولوجيا قراءة خريطة الجينات( خريطة الــ DNA ) كبيرة جداً، كحال أي تكنولوجيا جديدة، لكنها شهدتْ أنخفاضاً كبيراً. فخلال السنوات 2001 – 2017 إنخفض السعر من 100 مليون دولار الى ألف دولار، والى 200 دولار في سنة 2018، واليوم ربما 100 دولار. تمكن العلماء بعد انجاز مشروع الجينوم البشري(معرفة الجينات أماكنها، فعلها او مسؤوليتها) من معرفة سلسلة وترتيب ومكان شفرة الجينات على شريط الـ DNA. استغرق العمل في المشروع، 20 سنة بين الأعوام 1984-2003، ساهم فيه نحو 2000 من الباحثين المرموقين من 24 معهد متخصص في الولايات المتحدة الأمريكية بالأشتراك مع دول أخرى.
جاء في موسوعة الوكيبيديا، في سبيل التوضيح، تحتوي نواة كل خلية حية على عدد ثابت من الكروموسومات، تحمل الصفات الوراثية( الجينات)، القادمة من الأب والأم، والخلية البشرية تمتلك 46 كروموسوماً، مرتبة على شكل 23 زوجاً مرتبطاً، يحمل في طياته الجينات، ولكل جين موقعه المحدد على الكروموسوم، وشفرته، سلسلة حروفه التي تمثل الحامض النووي، منها 22 زوجاً من الكروموسومات الجسمية، وزوجاً واحداً من الكروموسومات الجنسية، يكون على شكل XX في حالة الأنثى، الكروموسوم X موروث من الأم، والـ X الثانية موروث من الأب، وفي حالة الذكر يكون هذا الزوج من الكروموسومات الجنسية من نوع XY، يورث الـكروموسوم X من الأم، والـY من ألأب. الكروموسومات الجسمية مسؤولة عن تكوين خلايا مختلفة، كخلايا الشعر والجلد والدم والعظم والغضاريف وبقية اعضاء وانسجة الجسم، غير مسؤولة على تمرير الصفات الوراثية للأجيال القادمة، كالكروموسومات الجنسية. وهنا تكمن خطورة التغييرات التي تحدث على الكروموسومات الجنسية.
ولتقريب الصورة في البحث عن الجينات، دعنا نستخدم مبدأ التلسكوب الذي تكلمنا عنه، لكن بدلاً من التلسكوب، نستخدم المجهر لمعرفة التفاصيل الدقيقة الموجودة على الكروموسومات في شريط الــ DNA، ان ذلك، يشبه البحث في خريطة كوكل، فحال معرفة عنوان معين، يأخذنا البحث الى تفاصيل أدق وأدق. نشاهد بالمجهر الضوئي وبتكبير 400 أو 550 أو 850 جينات مختلفة، تقع في اماكن معينة. يظهر ان الكروموسوم X أكبر بثلاث مرات من الكروموسوم Y، يحتوي على نحو 800 جين، غير ان الكروموسوم Y يحتوي على نحو 60 جين، ويجد الباحثون ان عدد الجينات الكلية في الخلية البشرية يتراوح بين 20 ألف – 25 ألف جين، وكل جين مسؤول عن فعل ونشاط معين، كالطول والوزن ولون العين والشعر والجلد والذكاء والأمراض الوراثية وغير ذلك من الصفات، والبحوث مستمرة في تحديد أدق لعدد الجينات ونشاطاتها، فمعروف مثلاً، جين مسؤول عن مرض اللوكيميا، بل هناك جينات مسؤولة عن أنواع من اللوكيميا المختلفة، وهناك جينات مسؤولة عن أنواع المرض السكري، وجينات مسؤولة عن مختلف أنواع السرطانات، والخرف والسل والطاعون والى آخره من الأمراض المعروفة. كل ذلك أدى الى تكوين قاعدة معلومات هائلة، ومتزايدة بالأستمرار.
لكن ماذا سنفعل بتلك المعلومات الهائلة؟
في السنين السابقة، كان علماء الأحياء يراقبون ويلاحظون عمل الأحياء وخلاياها بإستخدام المجاهر والمكبرات، أما اليوم فنحن لسنا بصدد مراقبة نشاطات الأحياء فقط، بل نحن بصدد انماء أعضاء الأحياء والخلايا الحية في المختبر، والفضل يعود الى حجم المعلومات المتوفرة والجاهزة للأستخدام، التي تمكننا من إجراء تعديلات وتصحيحات على الجينات، بغية انتاج تغيرات في الخلايا الحية.
ان بحوث الجينات ستغير العالم بشكل غير مسبوق، بجعل الصدارة لثورة علوم الحياة، التي ستنتعش فيها صناعات جديدة. فمثلما بدأت دول أوربا بإنتاج أجهزة ميكانيكية وكهربائية مختلفة على اثر الثورة الصناعية، وغزتْ الأسواق العالمية بمنتوجاتها، وكما غيرتْ مؤسسة CERN االأوربية العملاقة، أكبر مختبر للفيزياء، معالم كثيرة في العالم، فكذلك سيتغير العالم بإنتاج أجهزة حياتية جديدة، كالطابعة الحياتية المبرمجة بشفرة الحياة. أنها تشبه برامج أجهزة الكومبيوتر، لكن الطابعة البايولوجية، تستخدم شفرة الـ ATCG ، التي يتم زرقها في الخلية، لغرض تنفيذ برنامج محدد، للحصول على ناتج حياتي معين. لكن طبيعة انتاج أجهزة الطابعات الحياتية سيكون مختلفاً عن طبيعة انتاج الأجهزة التقليدية.
تصور انك تركتَ جهاز تلفونك اليدوي جنب سريرك ليلاً ونِمتَ، فأنك سوف لا تتوقع في الصباح الباكر، منتوج لمليون تلفون يدوي، ضاعف نفسه بنفسه، لكنك اذا فعلتَ ذلك مع الأحياء، فبإمكانك ان تجد عدد مضاعف من نفس الكائن الحي، بعد ساعات أو أيام، أو أشهر كالذي يحصل مع تكاثر البكتريا والأحياء الأخرى، وبالأمكان ان يحصل ذلك بمقياس كبير، كالذي يحصل في مشروع إنتاج الوقود، الخالي من الكاربون، بتكاثر انواع معينة من البكتريا، مشروع باشرت به شركة EXXON الأمريكية، وسَيـُنجز على المستوى الصناعي والإنتاجي في العام 2025. كذلك سيكون مستقبلاً، الإستعاضة عن الكثير من الأراضي الزراعية، فبدلاً من إستخدام 100 دونم لزراعة محصول معين، بالأمكان زراعة جزء أصغر، للحصول على انتاج مضاعف مئات المرات. كذلك سيمكن خزن المعلومات او اللقاحات بإستخدام أنابيب صغيرة، تحتوي على الحامض النووي DNA. فمثلاً، سيكون بالأمكان خزن جميع معلومات مؤسسة CERN العملاقة في بضع أنابيب صغيرة تحتوي على الـ DNA، او خزن جميع معلومات الكومبيوترات في العالم، بعدد من الأنابيب على نفس الطريقة. أنه تحويل المعلومات المخزونة في الحاسبات الأليكترونية، بدلالة (0،1) الى دلالة شفرة الـ DNA، السلاسل المختلفة للأسس الأربعة ATCG التي تستوعب مخزوناً هائلاً من المعلومات.
كيف سيؤثر ذلك على تطور علوم الحياة والطب؟
ستشهد علوم الحياة النظرية والطبية، تصاعداً كبيراً في المرحلة القادمة. ففي وقتنا الحاضر، نجد ان كليات الطب، من أكثر المدارس التقليدية في تدريسها، حيث ان الطريقة التي يتم فيها تدريس طلاب الطب، طريقة قديمة، إذ توضع جثة على الطاولة ويبدأ الطلاب بتشريحها والتعرف على أجزائها، وهي وسيلة لا تختلف عن الطريقة المتبعة قبل مئة سنة. لكن تبعاً للتطورات الجديدة، لابد من تأسيس اقسام جديدة لكليات الطب، تواكب التطورات الحياتية. بدأ البروفسور اسحاق كوهين في جامعة هارفرد بفتح، اول قسم طبي جديد معتمداً على توفر قاعدة المعلومات الكبيرة، ما يعطي الأمكانية لحدوث بعض التنبؤات في الطب. ان أمر تطور علوم الحياة والطب، بشكل من الأشكال، يشبه خطوات تطور علم الفيزياء، حيث الأنتقال من مرحلة الملاحظة وتسجيل المشاهدات الى مرحلة الدراسة النظرية والتنبؤات.
الشيء الأخر الذي سيحصل، نتيجة التطورات، العلاقات المتبادلة مع المستهلكين. فحصولنا على سلاسل الجينات أدى الى نشوء شركات جديدة، مثل 23 andMe ، تكشف الخرائط الجينية، التي تزودنا بمعلومات جديدة دورياً، ليس حول أقاربنا فقط، بل حول أمراضنا ومستقبل صحتنا، وبمرور الزمن سيتم مقارنة المعلومات بشكل أفضل، وستتوسع قاعدة المعلومات أكثر وأكثر، وهذا يؤثر على ازدهار مصالح مختلفة بأشكال غير متوقعة.
نعيش اليوم، في عصر البايولوجية الصناعية، حيث يمكننا انماء أعضاء الجسم الحي. تمكن الباحثون منذ سنوات، انماء أعضاء الجسم، مقلدين الطريقة التي يعمل بها الجسم، فاذا انكسر عظم، او إحترق جزء من الجلد، فالجسم يعيد التحام العظم وينتج الجلد المحروق ويرقعه. تمكن الباحثون بأستخدام بعض خلايا الجسم بأنماء عضو أو نسيج معين، كالعظم والجلد وقصبة التنفس الهوائية، او المثانة ومن ثم زرعها في الجسم. ان بحوث الدكتورTony Atala واعدة في انتاج الكثير من أعضاء الجسم، فمختبره يَنتج اليوم أكثر من 32 عضواً مختلفاً. ان تقنية التعديلات الجينية، ستسهل على الباحثين انتاج الأعضاء الجسمية المختلفة.
بدأت بعض الشركات بانتاج مكائن طباعة حياتية، لتصميم وأنتاج خلايا حياتية جديدة، يتم طبعها واستنساخها، وقد تمً تصدير 78 جهازاً من هذا النوع من صنع شركة أمريكية الى دولة مختلفة، والأمل في المستقبل القريب، بأستخدام تقنية تعديل الجينات، الكشف عن أمراض مختلفة وصنع لقاحات مضادة بسرعة كبيرة، فلو تمَّ تشخيص أنتشار فيروس بين ركاب طائرة عند اقلاعها، فسيكون بالأمكان انتاج اللقاح واستخدامه، قبل وصول الطائرة الى مطار المقصد.
ان للتعديلات الجينية، دور كبير في أعادة هندسة بناء الكائنات الحية من نباتات وزهور وحيوانات ولحوم وحليب واجبان وغيرها. ذلك يطرح السؤال التالي:
كيف ومتى يمكننا إعادة بناء هندسة الإنسان؟
ان تقنية اعادة هندسة الإنسان من الناحية العملية موجودة، لكن البعض منا يقول: لا، لا، نحن لا نريد اعادة هندسة بناء الإنسان، الا في بعض الحالات، كإنقاذ الأطفال المعرضين للموت بسبب جينات قاتلة، أو اعادة هندسة أطفالنا واحفادنا، الذين لو تركناهم لحالهم، سيكونون من المعاقين. بالتأكيد ان هذه القرارات صعبة، البعض لا يريد حتى مناقشتها لأعتبارات خاصة، لكنها ستواجهنا قريباً ان شئنا أم ابينا. هناك أمثلة واقعية على نقاشات تخص آثار وابعاد التعديلات الجينية والتخوف من مستقبلها، منها التعديل الجيني الذي يمكن أجراؤه على البعوض للتخلص منه، بأعتباره الناقل لطفيلي الملاريا قاتل الملايين من البشر سنوياً.
يجري نقاشاً حاداً في الأوساط العلمية والوطنية اليوم، بخصوص مسألة التعديل الجيني المراد إجراؤه على البعوض، الذي يحول الأناث الى خنثى، لا تستطيع وضع البيوض، بالتالي يتم تقليل عدد البعوض الحامل للملاريا، الذي يقتل الملايين من الناس سنوياً. المعارضون لتنفيذ التعديل، يخشون ان ذلك سيؤثر على البيئة بشكل كبير، خاصة على انتاجية المحاصيل الزراعية، التي تعتمد على البعوض كملقح أساسي، كما وانهم يخشون من تأثير ذلك التعديل على الحيوانات التي تتغذى على البعوض المُعدَّل جينياً. أضف الى ذلك ان القرار سوف لا يؤثرعلى منطقة محددة، فسرعان ما يـُطلق البعوض المعدَّل جينياً في الفضاء، لا حدود دولية تحد حركته وتناسله، وبالتالي سيكون القرار ليس محلياً بل عالمياً. ان موضوع تعديل الجينات، يتعدى معالجة الأمراض، الى طرح أسئلة كبيرة، مثلاً:
هل هناك معالجة لمحدودية عمر الإنسان؟ هذا هو التحدي القادم للإنسان.
دعني أنهي كلامي بمقولة لأينشتاين: تتمكن العيش في عالم كأنما كل شيء معجزة، او تتمكن العيش كإنما لا توجد أي معجزة. والخيار متروك اليك.
بإمكانك التركيز على الجانب المخيف من الحياة، والأشياء المخيفة كثيرة. وما عليك الا ان تستخدم نسبة صغير من تفكيرك للتركيز على الجوانب المخيفة، لكن تذكر، اننا نعيش في عصر العجائب والمعجزات، ومحظوظون ان نكون أحياء، نشهد التطورات الحاصلة، نتفاعل مع بعضنا ومع المبدعين الذي يصنعون كل ما هو جميل في هذا العالم. هنا تنتهي الأقتباسات من المحاضرة، التي جعلتني ان أقف على خيط رفيع، اتذبذب محتاراً بين واقع نعيشه وخيال على وشك الحدوث. هذا يثير السؤال:
كيف سنتعامل مع هذا العالم الجديد؟
طبقاً لنظرية دارون في التطور، ان الحياة بدأت على كوكبنا بشكل بسيط، ثم تطورت بمرور ملايين السنين الى أشكال معقدة، استناداً الى مبدأ الأختيار الطبيعي، بما في ذلك حدوث الطفرات العشوائية، ودورها في تـَكـّيف الأحياء للظروف المختلفة، واستمرارها في البقاء والتكاثر.
كيف يمكن الجمع بين العالم الداروني الذي نعرفه وعالم تعديل الجينات القادم؟
اصبح لدينا بفضل التعديلات الجينية، عالماً جديدا،ً موازياً للعالم الداروني، لا يخضع لمبدأ التطور والإختيار الطبيعي فقط، إذ أصبح من الممكن احداث اختيارات غير طبيعية وفعل طفرات غير عشوائية في المختبر، ينتج منها انواع جديدة من الكائنات الحية، تتصف بصفات مرغوبة، على الأغلب يمكننا توقعها.
هل يتقاطع العالم الداروني مع عالم تعديل الجينات أم يسيران بالتوازي؟
هل يـُكّمِل أحدهما الأخر؟
ان نظام جينات الكائنات الحية، نظام معقد جداً، فأي تغيير على جين معين، لا يُعرف بالدقة تأثيراته على نشاط جين آخر. ان إحتمالية الخطأ موجود في التعديلات الجينية، اذا حدث يكون مجحفاً، خاصة ان تعديل الجينات، فعل بإتجاه واحد، لا يمكن عكسه، أو إيقاف تأثيره على مستقبل الحياة. التعديلات لا تتوقف بحدود معالجة الأمراض الوراثية، بل تتعدى الى ترك آثار مجتمعية، خاصة اذا كان بالأمكان تغيير صفات ودرجة ذكاء الأفراد، وهذا أمر مكلف جداً، لكنه ممكن.

كل ذلك بحاجة الى نقاشات مستفضية، تشارك فيها جميع القطاعات الأجتماعية، لوضع سياسات محددة وقوانيين مسؤولة للتعامل مع بحوث التعديلات الجينية.



#ثائر_البياتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مفهوم الحظ
- اشهر عشرة أساطير حول نظرية التطور
- الأنظمةُ مُعَقَدةُ التَّكيُّفِ
- طبيعة العلوم والوسائل العلمية
- فيروس واهان، وتغيرات المناخ، والأوبئة في المستقبل
- سكنة وادي الرافدين رواد الرياضيات
- نظرية الفوضى والثقافة الأحادية للرأسمالية
- الإحتلالات والإمبراطوريات: لماذا العراق ليس اليابان؟
- مراجعة كتاب: حكايات تعليمية في الرياضيات
- وقفة تضامنية مع الشعب العراقي، في مدينة ساند ياكو – كاليفورن ...
- رحلة العدد اثنا عشر بين الحضارات والأديان
- دعوة تضامن على خلفية صدور فتاوى سنية وشيعية تسيء للشعب العرا ...
- افراح وسرور ... بمناسبة رأس السنة الميلادية 2019
- البينة على من ادعى
- صحوتي الفكرية
- أنقذوا حياة السيدة السودانية مريم
- فرحة الجالية العراقية في أمريكا لأختيار الأب فرانك مطرانا ً ...
- أستاذة الرياضيات الدكتورة سعدية مراد مكي في ذمة الخلود
- حاضر العرب بين البداوة والدين
- في رحيل الشخصية الوطنية سعيد يوسف سيبو


المزيد.....




- الصحة العالمية تحذر من انهيار النظام الصحي بقطاع غزة
- الشرطة الدنماركية تحذر من -أصحاب النميمة- ممن يشاركون الشبا ...
- متى يخضع مريض السرطان لـ بزل النخاع؟ فى ضوء أحداث مسلسل بدون ...
- حملة قومية للتطعيم ضد الحصبة.. كل ما تريد معرفته عن الأعراض ...
- عاصفة جيومغناطيسية شديدة تضرب الأرض وتلهب الشفق القطبي
- صحف عالمية: الجيش الإسرائيلي قتل مدنيين بالخطأ بسبب اعتماده ...
- الدنيا تراب وصيام.. نصائح للوقاية وتطهير الجسم
- الحكومة الروسية: 90% من سكان روسيا يستخدمون الإنترنت
- -مشكلة تصبح أسوأ كل عام-.. لماذا يضرب هذا النوع من السرطان ع ...
- وفاة 2400 سوداني في جبل مرة بسبب سوء التغذية


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - ثائر البياتي - عصر عجائب الجينات