حرب شاملة لا مناوشات على الحدود

سالم جبران

الحوار المتمدن-العدد: 1617 - 2006 / 7 / 20 - 11:09
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

كل مَن يطالع الصحافة العبرية في إسرائيل, يومياً, في هذه الأيام, ليس بحاجة إلى عقل استراتيجي خارق حتّى يصل إلى استنتاج قاطع بأن ما يدور ليس "مناوشات" على الحدود. ليس "تسخيناً" مؤقتاً على الحدود في أعقاب حادثة, بل هو, من وجهة النظر الاستراتيجية الإسرائيلية, حرب شاملة ضد لبنان.
القيادة السياسية الإسرائيلية, القيادة العسكرية والمخابراتية, تشكو منذ مدة من تراجع "قوة الردع" الإسرائيلية وتشكو من أنّ منظمات التي تسميها إسرائيل "إرهابية" تقوم بعمليات جَسورة وتطوِّر تدريبها ومهاراتها. وكان البرهان الأخير على ذلك اختطاف "حماس" لجندي إسرائيلي ونقله إلى قطاع غزة ووضعه في مخبأ "أمين" ودعوة إسرائيل إلى استعادته مقابل تحرير أسرى فلسطينيين, وبعد ذلك العملية التي قام بها نشطاء "حزب الله" على الحدود اللبنانية واختطفوا (أو أسروا) جنديين.
وتقول الصحافة الإسرائيلية إنّ صواريخ حزب الله متطورة أكثر من السابق مما جعلها تصل إلى صفد ونهاريا وحيفا وكرميئيل وطبريا.
لا نعتقد أن التوازن الاستراتيجي لصالح إسرائيل قد تصدع فعلاً, ولكن إسرائيل تريد استخدام ما تعتقد بأنه تغيُّر استراتيجي لغير صالحها, لكي تضرب بسرعة وبعنف. وهذا ما حدث .
ببساطة: إسرائيل ردّت على عمليتين محدودتين بحرب شاملة ضد لبنان شملت حصاراً بحرياً وبرياً وجوياً على لبنان وقصفاً مُكثّفا وحشياً لكل البنية التحتية اللبنانية, أملاً في استعادة سريعة للهيبة المهزوزة, لاستعادة "قوة الردع".
هناك أسئلة يجب أن تُطرح بصوت عالٍ وبقوة: لماذا يجب أن يكون "حزب الله" دولة داخل دولة؟ كيف يكون شريكاً في الحكومة بوزيرين, ويقوم بالمبادرة لحرب ضد دولة بدون علم الدولة اللبنانية والحكومة؟ هل كل فصيل مِن حقِّه توريط البلاد في حرب؟ وهل مسألة إعادة الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين هي مهمة الدولة أم مهمة يتطوع مَن يشاء لتنفيذها ؟ هل الدمار الرهيب الذي حلَّ بلبنان الآن يُصَّلحه حزب الله, ومَن يقفون وراءه؟ هل خسارة 6 مليارات دولار للسياحة هي لا شيء؟ هل التدمير للبنى التحتية في لبنان هو لا شيء ؟
ونسمح لأنفسنا أن نٍسأل أسئلة أُخرى ولو كانت محرجة : لماذا لم تُطلق سورية منذ نهاية حرب 1967 وحرب أُكتوبر 73 رصاصة واحدة لتحرير الجولان السوري المحتل؟ لماذا لا تقوم في سورية فصائل على شاكلة حزب الله, لتحرير الأرض السورية المحتلة؟ بل لماذا لم تحرك سورية ساكناً ردّاً على الهجمة الإسرائيلية البشعة والشاملة ضد لبنان؟ هل التحرير هو "مهمة"حزب الله وليس مُهمة سورية الأُسود؟
إننا نقول , بكل الصراحة والوضوح, إنَّ بقاء حزب الله دولة داخل دولة هو ضرب للسيادة اللبنانية, ضرب لبسط سلطة الدولة اللبنانية فوق كل الأراضي اللبنانية إنّ سيطرة حزب الله في جنوب لبنان, بينما الجيش النظامي غير موجود هو صفعة سياسية للسيادة الوطنية اللبنانية. ونحن نلاحظ أنّ حزب الله بسياسته وتبعيته لدول خارجية (إيران وسورية) يعرقل المسيرة الوطنية الديمقراطية في لبنان, كما يعرقل مسيرة الإعمار والتطوير الديمقراطي للبنان.
يُقال الآن إنّه بعد أن وقعت الواقعة يجب توجيه التنديد والمقاومة للإعتداء الإسرائيلي هذا صحيح. ولكن لا يمكن إغلاق ملف حزب الله الذي أوصل لبنان إلى هذه المحنة وهذا الدمار. وإذا كان النظام العربي العام هزيلاً, فهل يجب أن يدفع لبنان, وحده, ثمناً باهظاً لمغامرات حزب الله, التي قد تكون خدمة لمآرب سورية ومآرب إيرانية, أكثر مما هي نضال قومي ووطني لبناني.
هل بعد كارثة فلسطين نتيجة الخيانة والغباء, يجيء الآن دور تضييع لبنان؟
إننا نتوقف عن طرح الأسئلة القاسية ونسأل: هل العالم العربي مجتمعاً الآن قادر على حسم الصراع التاريخي مع إسرائيل حسماً عسكرياً لصالح فلسطين والعرب؟
ألم تُقرر الدول العربية في قمة بيروت نهجاً عاماً مشتركاً ومشروعاً للسلام بإجماع كل الدول العربية بما فيها لبنان؟
أليس المطلوب أن يقوم العالم العربي بجهدٍ سياسي ود يبلوماسي مستخدماً كل المقدرات, بما فيها الاقتصادية. لكسب دعم عالمي للقضايا العربية العادلة؟
إنّ النزق لا يجوز أن يُوجِّه العمل السياسي لأيّة دولة. وللأسف نقول أن ما يدفع حزب الله أكثر من نزق, وأخطر من النزق. أنّه ينفذ استراتيجية إيرانية-سورية لإخراج النظام السوري والنظام الإيراني من عزلتهما العنيفة دولياً, ومن يدفع الثمن لهذا النهج هو لبنان وشعب لبنان.
الواقع العربي العام يبدو رهيباً ويدعو إلى القلق والانقباض. للخروج من هذا المأزق لا حاجة إلى النزق والمغامرات الإنتحارية بل هناك حاجة إلى تنسيق عربي عام وعمل عربي عام لوقف التدهور, وتحقيق المكاسب الممكنة.

#سالم_جبران (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل