أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - ساطع الحصري ومفهوم الكينونة العربية















المزيد.....

ساطع الحصري ومفهوم الكينونة العربية


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6768 - 2020 / 12 / 22 - 00:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


انطلق الحصري من أن القومية أصبحت من أهم العوامل التي تؤثر في تطور الدول وتكوّن الأوطان منذ أوائل القرن التاسع عشر . ذلك يعني أنها ظاهرة تاريخية واجتماعية وسياسية جديدة. وإذا كان الحصري يجمع ما يدعوه بالعوامل الجامعة للقومية في كل من الاعتقاد بوحدة الأصل والمنشأ (سواء كان حقيقة أو وهما)، والتشابه في العواطف والعوائد، والتماثل في ذكريات الماضي ونزعات الحال وآمال المستقبل، فإنه رفع عامل الاشتراك في اللغة والتاريخ إلى مصاف الأصل فيها . لهذا نراه يتكلم عما اسماه بعناصر اللغة الواحدة والثقافة الواحدة، بوصفها الأكثر جوهرية في القومية. بل ونراه لاحقا يضع اللغة في أساس ما اسماه بالحقائق الكبرى للفكرة القومية العربية التي ينبغي الإيمان بها. ووضعها في عبارة تقول، بأن "جميع البلدان التي يتكلم سكانها باللغة العربية هي عربية" .
تنبع أهمية اللغة بالنسبة للقومية عند الحصري من كونها أهم الروابط المعنوية. وذلك لأن حياة الأمم تقوم على اللغة، كما يقول الحصري. وبالتالي، فهي روح الأمة وحياتها. أنها بمثابة محور القومية وعمودها الفقري. وهي من أهم مقومات شخصيتها . وإذا كانت اللغة من أهم عناصر الثقافة، فإن ذلك يعني أنها الأعمق جذورا من جميع العناصر الأخرى . كما أن وجوب الاستمساك بالأصول التاريخية للثقافة ينطلق من الاعتقاد القائل، بأن اللغة "هي أهم وأعمق الأصول التاريخية للثقافة" كما يقول الحصري . وبهذا يكون الحصري قد سار هنا بأثر زكي الارسوزي ولكن من خلال توحيد فكرة اللغة والتاريخ بصورة عضوية. من هنا قوله، بأن حياة الأمم بلغتها وشعورها بتاريخها. بعبارة أخرى، إن اللغة والتاريخ هما بمثابة الحياة والشعور، أي الوحدة الحية الفاعلة للوجود. وبالتالي، فإن الأمة هي التي تتمتع بوحدة اللغة والتاريخ بوصفها كيانا حيا.
وليس مصادفة أن يشدد الحصري بهذا الصدد على أن المقصود بالتاريخ هنا هو التاريخ الحي في النفوس، الشائع في الأذهان، المستولي على التقاليد ، أي التاريخ الذي يوّحد في ذاته الهموم والآمال والمعايير بوصفها كلا واحدا. من هنا جوهرية التاريخ بالنسبة للفكرة القومية العربية. ذلك لأنه يشكل الأساس لصنع ما اسماه الحصري بأهم عوامل "القرابة المعنوية" عوضا عن "وحدة الأصل والدم" . وضمن هذا السياق يمكن النظر إلى نقده للتسطيح النظري في فكرة السامية والآرية عن القومية. ومن ثم عدم صلاحيتها بما في ذلك من خلال استعمالها منطق اللغة في الموقف من الأقوام والأمم. وذلك لما فيها من انعزال تام عن فكرة التاريخ. من هنا قوله، بأن الانتشار السريع لفكرة السامية والآرية هو بسبب بساطتها وسطحيتها وكذلك لأسباب سياسية وأهواء تلائمها. واستشهد بعبارة ماكس ميولر الشهير بتدقيقاته اللغوية حين قال في معرض رده على هذه الفكرة والتصنيف: "القول بعرق سامي وآخر آري وما شابه ذلك يشبه بقاموس مستطيل الرأس أو نحو قصير الرأس" . ولا يعني ذلك في آراء ومواقف الحصري سوى أن وحدة اللغة والتاريخ هي وحدة حية ذاتية. ومن ثم لها أثرها الخاص في مصير الأمم. لهذا نراه يرد على أولئك الذين حاولا التقليل من الدور التاريخي الهائل للعرب بالنسبة للحضارة الكونية والثقافة الإنسانية، استنادا إلى فكرة انحطاط السامية وسمو الآرية. كما نراه يرد على من قال بأنه لم يكن دور العرب سوى دور الناقل لا المبدع، قائلا، بأنه "حتى فكرة مجرد نقل العرب للمعارف (رغم سطحيتها) فأنها كافية لأن تجعل منهم أمة من أكبر الأمم التي قدمت للحضارة العالمية اجلّ الخدمات" .
إن إدراك القيمة التاريخية للتاريخ الذاتي (القومي) بالنسبة للحصري هو الوجه الآخر للرؤية المستقبلية. من هنا رده النظري على فكرة انعدام "وحدة التاريخ" العربي. ولا يعني ذلك سوى انقطاعه المتكرر. وبالتالي لا يمكن الحديث عن تاريخ عربي موحد. وتوصل إلى أن "وحدة التاريخ" لا تتحقق في تاريخ أمة أو دولة من الدول. وعندما نقول "وحدة التاريخ" فالمقصود بها "الوحدة النسبية والغالبة التي تتجلى في أهم صفحات التاريخ، والتي أوجدت ثقافة الأمة الأساسية، وأعطتها لغتها الحالية وطبعتها بطابعها الخاص" . ويحتوي التاريخ العربي على هذه الوحدة الحية التي يمكن رؤيتها على وحدة لغته وثقافته الذاتية، أي كل ما طبعها بطابعها الخاص. لكن التاريخ العربي، شأن كل التواريخ الكبرى يحتوي، بفعل امتداده وعراقته وتنوعه الهائل وصراعاته وصعوده وهبوطه. من هنا مهمة إعادة كتابته بالشكل الذي يبرز وحدته الداخلية، بمعنى إعادة كتابته بطريقة تحتوي بقدر معقول ومتناسب على وحدة القومي والعلمي.
إن البحث عن نسبة معقولة ومقبولة بين القومي والعلمي في كتابة التاريخ عند الحصري ليست إلا الصيغة التي تتوحد فيها الرؤية العلمية الدقيقة ووحدة التاريخ من أجل صنع الأنا المشتركة بمعايير الرؤية الدقيقة والعملية للماضي والحاضر والمستقبل. وضمن هذا السياق يمكن فهم مطالبته بما اسماه بكتابة التاريخ العربي"بعقلية غربية ونزعة قومية" . فهو يشير إلى أن اغلب الكتب التاريخية العربية الحديثة والقديمة أيضا تهتم بخصوصيات حياة الشخصيات (من علماء وأدباء ورجال دولة وغيرهم) أكثر مما تدرس مآثرهم الحقيقية وخدماتهم الفعلية. وبالمقابل نراه يشدد على أهمية فكرة نسيان جزء من التاريخ القومي، التي قال بها البعض في موقفهم من التاريخ القومي. وكتب بهذا الصدد يقول، بأنه "على كل أمة أن تنسى قسما من تاريخها"، بوصفه الأسلوب الضروري لبلوغ "وحدة التاريخ"، أي الوجه النظري الموِّحد للهموم والآمال. وللتدليل على ذلك نراه يقول، بأن "الوحدة الحقيقية في أمة من الأمم لا يمكن أن تضمن إلا بنسيان قسم من الوقائع التي حدثت لها خلال تاريخها الطويل... وليس المقصود بذلك حذف أخبار تلك الوقائع من الكتب، بل إهمالها وإبعادها من منطقة "الفكر الفعالة"، وإخراجها من عداد "الفكر...." وتغلب التاريخ المشترك عليها" . وهذا بدوره يعني، بأن فكرة "النسيان" هذه هي فكرة منهجية وظيفية جزئية وليست مبدأ شاملا.
مما سبق يتضح، بأن مساعي الحصري لتوحيد التاريخ القومي هو الاستكمال الضروري لوحدة اللغة والتاريخ الجوهرية في تأسيسه للقومية. لهذا نراه يشدد في معرض رده على الاتهامات والنقد الفكري من جانب أولئك الذين وجدوا في أرائه إبعادا للدين من الفكرة القومية، قائلا، بأن نفي تهمة الدينية واللادينية عن القومية يستلزم استكمالها بفكرة أخرى وهي "أن القوميين يعتقدون بوجوب الاستمساك بالأصول التاريخية للثقافة. لكنهم يعتقدون بأن أهم وأعمق الأصول التاريخية للثقافة هي اللغة" . ولا يعني ذلك من الناحية النظرية سوى محاولة تنقية الفكرة القومية من كل العوارض المحتملة عبر إرجاعها إلى أصولها المجردة. كما سعى الارسوزي إلى ذلك أيضا. من هنا مطالبة الحصري بتدريس التاريخ العربي بحيث لا يخضع لاعتبارات الدين والدعاية وما شابه ذلك، بل من اجل "المصلحة القومية" ، لما في ذلك من خفي وعلني، مباشر وغير مباشر على المستقبل.
فالتاريخ بالنسبة للحصري ليس ماض ومستقبل بل وكينونة كامنة في فكرة الأثر الفاعل للتاريخ في المستقبل. من هنا نراه يتحدث عما يمكن دعوته بالرؤية المستقبلية المتفائلة. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن المتشاءم يمكنه الرجوع إلى التاريخ بشكل عام ودراسة تواريخ النهضات القومية الحديثة. واستكمل ذلك بفكرة تقول، بأن الأمة العربية وصلت إلى أرقى درجات الحضارة (فيما مضى) وكانت أقوى منار للعلم في العالم خلال عهد طويل. ولعبت دورا هاما في تاريخ تقدم البشر لم يتيسر مثله إلا لبضعة أمم. ولا يعقل ولا يمكن أن تصبح غير قادرة على النهوض .
إن توصل الحصري إلى وحدة التاريخ واللغة الجوهرية بالنسبة للقومية، لم يعن إهمال غيرها من العناصر الضرورية. لكنه حاول أن يجعل منها أصولا في الفكرة القومية أيضا. وقد أكد الحصري على أن القول بأهمية وجوهرية اللغة والتاريخ بالنسبة للقومية لا يعني أنها العناصر الوحيدة . لهذا نراه يضيف إليهما خمسة عناصر أخرى وهي كل من الدين والدولة والاقتصاد والتراب والدم. لكنها تبقى عناصر إضافية، أي ليست جوهرية.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الارسوزي وفلسفة العبقرية القومية (5)
- الارسوزي وفكرة الأصول الثقافية للقومية العربية(4)
- الارسوزي : اللغة العربية والفكرة القومية (3)
- الارسوزي وتأسيس وحدة اللغة والفكر والثقافة القومية (2)
- فلسفة الفكرة القومية عند الارسوزي(1)
- الصعود الأول للوعي القومي العربي الذاتي
- مستقبل الفكرة القومية العربية(2-2)
- مستقبل الفكرة القومية العربية (1-2)
- حقيقة الكمال الإنساني عند الغزالي
- جمال عبد الناصر ودراما التجربة الناصرية (2-2)
- جمال عبد الناصر ودراما التجربة الناصرية (1-2)
- نجيب عازوري ومشروع البديل العربي العقلاني
- نجيب عازوري: العالم العربي والمسألة الشرقية
- نجيب عازوري حول الاثار التركية العثمانية والخطر اليهودي
- الفكرة القومية عند نجيب عازوري
- من أعلام التصوف : معروف الكرخي
- من أعلام التصوف : شقيق البلخي
- من أعلام التصوف: الفضيل بن عياض(2-2)
- من أعلام التصوف: الفضيل بن عياض(1-2)
- من أعلام التصوف : داوود الطائي


المزيد.....




- بايدن: دعمنا لإسرائيل ثابت ولن يتغير حتى لو كان هناك خلافات ...
- تيك توك تقاتل من أجل البقاء.. الشركة الصينية ترفع دعوى قضائي ...
- بيلاروس تستعرض قوتها بمناورات عسكرية نووية وسط تصاعد التوتر ...
- فض اعتصامين لمحتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعتين ألمانيتين
- الولايات المتحدة لا تزال تؤيد تعيين الهولندي ريوتيه أمينا عا ...
- -بوليتيكو-: واشنطن توقف شحنة قنابل لإسرائيل لتبعث لها برسالة ...
- بحوزته مخدرات.. السلطات التونسية تلقي القبض على -عنصر تكفيري ...
- رئيسة -يوروكلير-: مصادرة الأصول الروسية ستفتح -صندوق باندورا ...
- سماع دوي إطلاق نار في مصر من جهة قطاع غزة على حدود رفح
- انتخابات الهند: مودي يدلي بصوته على وقع تصريحاته المناهضة لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - ساطع الحصري ومفهوم الكينونة العربية