أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - كورونا كمنعطف للتفكير الفلسفي















المزيد.....

كورونا كمنعطف للتفكير الفلسفي


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 6761 - 2020 / 12 / 15 - 01:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1 - لماذا الجمع هنا بين كورونا و المنعطف باعتبار هذا الأخير تحول نوعي ..؟
إن ما يفسر الجمع بين "كورونا" كوباء عالمي ، ومسألة "المنعطف" كمحطة تاريخية في حياة البشرية ، هو وجود بعض الاختلافات المميزة لكل طرف من جهة ، وثمة تقاطعات مشتركة بين الجانبين من جهة أخرى.

1- 1 الاختلافات
من الملاحظ أن فيروس كورونا كوفيد 19 كما يسمى علميا ، من إنتاج الطبيعة التي يعيش فيها الإنسان ، إذا جاز لنا أن ننفي أطروحة المؤامرة. يعني أنه كائن حي مجهري جزئي طبيعي مثله مثل هذا الإنسان. غير أن "المنعطف" كمفهوم له علاقة بالمرحلة الحضارية و التاريخية التي صادفت ظهور فيروس "كورونا" في الحياة البشرية. هكذا يبدو فيروس كورونا كعلة وفاعل من حيث تأثيره على الإنسان ، في حين اعتبرنا المنعطف كأرضية موضوعية وشاهد تاريخي على واقع هذا المستجد الوبائي من قبل عنصري الطبيعة: الكائن المجهري الجزئي ، نعني به فيروس كورونا ، و الكائن الحي الذي يفكر و تمكن من إنتاج الحضارة ، ونعني به الإنسان. إذن ، نكون هنا أمام مواجهة بين ما هو غرائزي – فطري في الطبيعة (فيروس) ، وبين ما هو ثقافي فكري أنتجه العقل الخالص للإنسان في هذه الطبيعة. هكذا ، نضع يدنا على أهم اختلاف أساسي بين كورونا الذي يبدو ظاهريا أنه فعل علة ، في حين يحتل الإنسان كضحية لموقع رد فعل. غير أننا ، عندما نعمق نظرنا في العلاقة الجدلية بين الطرفين سنلاحظ العكس تماما. أي أن فيروس كورونا ما هو سوى رد فعل ، وليس بفعل ، لفاعل طاغ مضاد في الطبيعة هو الكائن البشري.

1 – 2 التقاطعات
من البديهي ، و امتدادا لما قلنا سابقا ، أن القاسم المشترك بين "كورونا" ككائن مجهري يقتل بصمت عبر الجسد ، ومسألة "المنعطف" الذي يرتبط بزمان ومكان حدوث الظاهرة الوبائية. بحيث ، لا يمكن لكورونا كفيروس مرضي أن يحقق وظيفته المميتة ، بدون ولوجه الجسد البشري عبر التفاعل و القرب و الاحتكاك. كما أنه بالنسبة للمنعطف المتحدث عنه ، بدوره لا يمكنه تحقيق دوره كمحطة من أجل ضمان التحول و التغير النوعيين في مجال الطبيعة وصلتها بالإنسان ، إلا من خلال البيئة الطبيعية للمكان و علاقتها الجدلية بالزمان و التاريخ..

2 - لماذا اعتبرنا أزمة كورونا بمثابة منعطف للتفكير الفلسفي.. ؟
2 - 1 الأزمة و الفلسفة
يزدهر الفكر الفلسفي في لحظات الأزمة التي قد يعاني منها الفرد و المجتمع و العالم ككل ، باعتبار البعد النقدي للفلسفة القادرة على طرح سؤال تلك الأزمة و التفكير فيه بعمقها المعروف أكثر من أي علم أو معرفة إنسانية أخرى. لهذا ، فالعلاقة بين انتعاش التفكير الفلسفي و نشأة الأزمة لدى الأفراد و جماعات مجتمع ما ، هي علاقة جدلية ، تلقي بظلالها إلى إمكانية توسيع أفق التفكير الفلسفي كلما تعمقت الأزمة في واقع المجتمع ، و انحصر عيش الإنسان و استقراره بوجود نوع من الانقلاب في حياته القيمية.
2 - 2 كورونا و التفكير الفلسفي
إن ما يفسر العلاقة بين كورونا كمصدر للمرض و الوباء، و الفلسفة كفكر تأملي إنساني ، هو البعد الإختلالي الذي يصاحب كورونا كأزمة ، و البعد النقدي الذي يعتمده الفكر الفلسفي باعتباره معرفة للتأمل و السؤال والتعرية ، وفضح المستور السائد في واقع الحياة البشرية. إذن ، فالتفكير الفلسفي في أزمة كورونا هو تفكير طبيعي ، يمكن أن يهتم وينشغل بأي مظهر من مظاهر الأزمة في المجتمع وعند الإنسان سواء كفرد أو كجماعة. بمعنى ، أن انشغال فلسفة اليوم كما نتصور بقضية كورونا لا يختلف كثيرا عن انشغالها بقضايا المجتمع و الطبيعة المحيطة بالإنسان. غير أن تركيزها راهنا كان هو مجال الطبيعة و الوجود و القيم و المعرفة ، باعتبار كل هذه الموضوعات لها علاقة وطيدة بأسباب كورونا ونواتجها..
2 - 3 سؤال الخطورة بين الفلسفة وكورونا
ما لا يقتل يقوي كما قال نيتشه في إحدى كتاباته. لهذا ، فطعم الحياة يوجد بسلك سبل المغامرة حيث يوجد الموت وتحديات الخطورة. أما الحياة السهلة البسيطة فلا تربي في الإنسان سوى الخضوع و النزوع إلى كسل الذهن و انبطاح الجسد وجفاف الوجدان ..
هكذا ، نلاحظ مدى تشابه فعل الفلسفة وتأثير كورونا ، باعتبارهما معا يوجدان في وضعية تفرض عليهما خوض غمار التحدي وكسب رهان النصر.. فالفيلسوف محارب في تاريخه الطويل منذ حكماء الإغريق القدامى. لا يعرف المهادنة ولا التفاوض مع أعداء الحياة. لهذا ، فكان دوما و أبدا إلى جانب الإنسان وضد صناع الموت. من هنا ، نرى اليوم هذه المعركة التي تخوضها الفلسفة من حيث أنها فكر نقدي ضد الخطورة التي أنشأتها كورونا ضدّ الإنسان. الفلسفة تقارب وتحلل وتلاحظ وتقارن وتستنتج..، ولا تبرر وجود كورونا كمظهر من مظاهر مقاومة الطبيعة لصناع بوادر نهايتها..
إن الفيلسوف حين يواجه الظلام ، ويفكر في واقع الموت الذي فرضته كورونا في المجتمع العالمي ، يجد نفسه موزعا بين مستويين قد يبدوان لأول وهلة متناقضان ، لكنهما غير ذلك ، لأنهما يكمل أحدهما الآخر. نعني بهما:
من جهة ، نجد الفيلسوف مع الإنسان الذي وقع ضحية كورونا. هنا يبدو الإنسان نتيجة لعلة كورونا. لهذا ، لا يتردد الفيلسوف في الدفاع عن هذا الإنسان الضحية كقيمة عليا ، بفضح الوضعية الصحية للمجتمع الرسمي ، ضدّ المجتمع العميق في المدن و الجبال و القرى. بحيث أن كورونا التي لا تفرق بين الفقير و الغني ، نجحت في كسر ما هو سائد في تمثلات الإنسان المعاصر ، وذلك بالكشف عن ضعف السياسات العمومية الكائنة ، وهشاشة أنظمة المجتمعات الطبية سواء كانت قوية أو ضعيفة ، يعني دول متقدمة أو متخلفة بالعبارات المتداولة سياسيا.
من جهة أخرى ، نرى الفيلسوف مع كورونا..، أي مع الطبيعة الضحية ضدّ الإنسان الطاغية.
هنا نلاحظ أن الفلسفة كفكر نقدي لابد أن تموقع نفسها إلى جانب الحق و الواجب ضدّ التهور و الباطل ، لأن الفيلسوف عندما يكون مع كورونا في الحالة الثانية ، يعني أنه ينتصر إلى قوة براءة الطبيعة وقضاياها البيئية ، باعتبارها ضحية لجبروت الإنسان منذ زمن هيمنة التصنيع وسلطة الرأسمال المتوحش. لهذا ، فالوضع السوي لعلاقة الطبيعة و الإنسان الراهن هو العودة إلى حياة التوازن بدون هيمنة أو تسلط أو غرور لجانب ضدّ الجانب الآخر. ومن تمّ ، فالفلسفة كفكر الحق و العدل على الأرض ، تدعو الطرفين إلى إقرار نوع من المصالحة بين الطبيعة التي لم تكن كورونا سوى مبعوث لها ، بمعنى من المعاني ، و بين الإنسان الراهن الذي نسي أنه يعيش كضيف في أحضان أرض الطبيعة التي هو جزء منها. لهذا ، فكل خطر يصيبها لابد أن يكون هو أيضا عرضة له..
هكذا ، نلاحظ أن ما سميناه بمنعطف كورونا هو مرحلة مفصلية في العالم الإنساني المعاصر ، قصد إعادة النظر في الكثير من يقينيات الإنسان الثابتة ، و التفكير في أسئلة أخرى طالما تجنب التفكير فيها وطرحها ، خاصة ما يتعلق بسؤال قيمة القيم في المجتمع البشري ، باعتبارها قيم تمثل وجوده ككائن نسبي في حياة الوجود الطبيعي. وبالتالي ، لابد من التخلي عن تلك النظرة الطبقية الفوقية و المحورية للآخر ، سواء كان بشرا أو طبيعة ، سعيا لتحقيق حياة متوازنة عادلة لا تسلط فيها ، من حق الطبيعة أن تكون في المتناول البسيط لجميع أنواع الكائنات على وجه الأرض. ومن تمّ ، إعادة الاعتبار للعقل كقوة وحيدة لتحرير الفرد و الجماعات بثقافة التضامن و التسامح و الانفتاح على الغير المختلف..



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رهان العلاقة بين التربوي والإداري في المغرب
- الإرتقاء بالفعل القرائي عند المتعلم في السلك الإبتدائي
- نيتشه راقصا على جليد جثامين المدينة
- سوس ماسة في القرن التاسع عشر من خلال كتاب: أخبار ابراهيم الم ...
- كورونيات (9)
- كورونيات (8)
- كورونيات (7)
- كورونيات (6)
- كورونيات (5)
- كورونيات (4)
- كورونيات (3)
- كورونيات (2)
- كورونيات (1)
- دشيريات (٣)
- دشيريات (٢)
- دشيريات (١)
- الكبش مسعود
- سيرة إنسان : الأديب حسن العيساوي
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية الإنسان (7)
- مأزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا - جدلية القوة والضعف - ...


المزيد.....




- مراسل فرانس24 في طهران في قلب مراسم تشييع قتلى الحرب بين إسر ...
- ترامب: محاكمة نتنياهو تعيق قدرته على التفاوض مع إيران وحماس ...
- موجة حر شديدة تضرب جنوب أوروبا، فهل تغيّر طقس القارة العجوز؟ ...
- Day at the Races 789club – Cu?c ?ua t?c ?? m? màn chu?i th?n ...
- عاجل | وزير الخارجية الفرنسي: نعتزم مع شركائنا الأوروبيين ال ...
- العقوبات تتجدد.. هل تنجح أوروبا في كسر شوكة بوتين؟
- فيديو.. عامل معلق رأسا على عقب في الهواء بعد صدمة مفاجئة
- وسط جدل داخلي.. سلاح حزب الله يشعل الجبهة الجنوبية مجددا
- نطنز من جديد.. هل يعيد اليورانيوم خلط أوراق التهدئة؟
- 150 لسعة.. طفل يصارع للبقاء بسبب هجوم دبابير -شرسة-


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - كورونا كمنعطف للتفكير الفلسفي