أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيعة العربي - حلو كالنسيان...














المزيد.....

حلو كالنسيان...


ربيعة العربي

الحوار المتمدن-العدد: 6757 - 2020 / 12 / 10 - 16:12
المحور: الادب والفن
    


حلو كالنسيان...كطائر ينقر زجاج نافذتي...كفراشة تداعب طفلة.
حلو...كلحن جميل ...كابتسامة الرضيع...كقطرة ماء في فم ظمآن.
حلو...كنسمة بعد الهجير...كعيد الفطر....كلذة العشق.
حلو...كالغيث يأتي بعد اليأس و كاخضرار بعد فصل الخريف.
حلو...رباه تعجز لغتي.يخرس بوحي. كان بمذاق البدر في ليلة صافية...وعوالمي نشوى بميلاد جديد.أتى الفجر باسما و قال لي:
- ها..كتابيا.غادري الآن و اسكني في الغد.
و أنا العجوز بدأت أصرخ بصوت طفولي:
-سنرحل من هذا الزمن...سنسكن في ذاك الزمن.
خرجت ابنتي ثورية.اجتمع الجيران.دنونا منه.تخطينا العتبة.نظرنا في عينيه بامتداد العمر.أنارت البسمة وجهه و هو يقول لنا:
- رحل الطاغية.
التفت إلى ابنتي و قلت لها:
-افتحي الباب.أضيئي الشموع و دعي الفجر يدخل كوخنا. ثورية . أسمعت ما قاله؟ لقد رحل الطاغية.
كنت أنا و ابنتي نسكن قرية صغيرة. لم نرث أرضا عن أجدادنا. لكننا ورثنا المعاول والسواعد. كنا نشتغل عند الحاج المعطي.الحاج المعطي ورث أراضي فلاحية شاسعة. وقطيعا من الأغنام والأبقار يسد عين الشمس...وسمعت أنه يملك أيضا عمارات كثيرة في المدينة وأرصدة في بنوك سويسرا.الحاج المعطي كان متزوجا بأربع نساء لم يلد منهن إلا البنات. وجهه كصفحة بيضاء لم يسطر بها أي حرف، وقسماته خلت من أي تعبير. بارد كالصخر. لا يرد التحية. كنت أنا وابنتي ثورية نشتغل في بيته الواسع مع بعض نسوة القرية الفقيرات،بينما الأخريات يشتغلن في الحقول. نبدأ يومنا بعمل شاق لا ينتهي إلا لكي نجده يتربص بسواعدنا في اليوم الموالي. طلبات الحاج وطلبات نسوته وبناته كانت كثيرة. لقد تعودوا على أخذ الكثير...الكثير ومنح القليل...القليل. فقط ما نستطيع أن نجدد به قوة عملنا. كنت أحس بالقهر وأنا أرى بناته يرفلن في الثياب الحريرية الغالية وابنتي ثورية لا تملك إلا ثوبا واحدا تغسله كل يوم أحد لتلبسه مع بداية الأسبوع... ويحز في نفسي وأنا أرى بناته يلهين و يرقصن و ابنتي ثورية تحمل إليهن كؤوس الشاي المنعنع بعد الوجبات الدسمة، وحين أقارن اكتناز أجسادهن بنحافة جسد ابنتي ينغرس سكين الحسرة في قلبي... لكن مهلا، ساداتي. هذا لم يكن ليمنعني من التفاني في عملي. لقد كنت أنا و ابنتي ثورية نشتغل بصمت ورضا بالنصيب. نشتغل والحاج المعطي كلما ازداد غنى، ازداد عملنا وكلما فاض رزقه فاض منا التعب.. وكان للحاج المعطي فرس عربي أصيل يفخر به كثيرا. كان يفضله على بناته. وقد دأبت ابنتي ثورية منذ أن كانت طفلة صغيرة على كنس مربط الفرس وتنظيفه، غير أنها اليوم خرجت متثاقلة كأن حبلا يجرها إلى الخلف. قلت لها أحثها على الإسراع:
- ما بك يا ابنتي. اذهبي سريعا لكنس المربط قبل أن يعود الحاج المعطي من جولته.
- أمي . لا أرغب في الذهاب.
- لماذا ؟ هل أنت مريضة؟
- لا.لست مريضة. لكن...
- إذن .اذهبي...اذهبي. أما أنا فسأعود إلى بيت الحاج المعطي لأساعد رقية وفاطمة وخديجة في تهيئ طعام العشاء.إذا عدت إلى المنزل تناولي عشاءك . لا تنتظريني، فأمامي عمل كثير.
لما رأتني رقية ألج الباب استعجلتني و قالت لي:
- هيا علينا أن ننهي عملنا. سيعود الحاج بعد قليل. وينبغي أن يجد كل شيء على ما يرام.
بدأ ساعدي يشتغل كآلة و عقلي كف عن التفكير. لما انتهينا قالت لي رقية:
- لقد أتى الحاج. سنخرج لحمل الأغراض،أما أنت فاهتمي بغسل الصحون قبل أن تنصرفي.
خرجن و بقيت وحدي أغسل الصحون وأجففها وأرتبها. فجأة أحسست بسوط يلهب جسدي فالتفت فرأيت نظرة قاسية تكاد تفترسني. ارتبكت وقلت:
- مساء الخير الحاج. هل بدر مني ما يغضبك؟
لم يرد علي واستمر السوط في الصعود والهبوط.
- أرجوك...أرجوك. أتوسل إليك.
صرخ الحاج المعطي في وجهي:
- اخرجي أيتها العجوز. اخرجي ولا تعودي أبدا. لا أريد أن أراك.
خرجت أجري. ماذا وقع؟ فتحت باب منزلي بقوة وأنا ألهث. قابلني الظلام وصوت يئن. فزعت، وبيدين مرتجفتين أضأت شمعة. وجدت ابنتي ملقاة على الحصير ممزقة الثياب.هوى قلبي بين ضلوعي.
- ماذا وقع ابنتي؟ من فعل بك هذا؟
قالت باكية:
- إنه الحاج المعطي. قال لي بأن أنجب له ولدا ذكرا ثم بعد ذلك يتزوجني. ساومني فرفضت.
قلت لها مفزوعة و قد قيد لساني كلماتي:
- هل...هل...
-لا .لا .أمي. كيف له ذلك وهو شيخ هرم، و أنا في عنفوان الشباب؟ له أن يستبيح رغيفي...له أن يستبيح عرق جبيني. لكن جسدي يأبى أن يكون جسرا لامتداده.اطمئني أمي. لن أكون ضحية كما كنت. يأبى جسدي أن يغتصب.
فرح قلبي . تأملت عينيها. دنوت منها لأقبلها فقرأت كلمة بين رموشها: لن تغتصب أجساد النساء بعد الآن.
اليوم رحل الطاغية. أضاءت شموعنا رقصنا في الميدان.و...و
حلو كالنسيان هذا اليوم...كطائر ينقر زجاج نافذتي...كفراشة تداعب طفلة.حلو...كلحن جميل ...كابتسامة طفل رضيع...كقطرة في فم ظمآن.حلو كنسمة بعد الهجير...كعيد الفطر...كلذة العشق...كالغيث يأتي بعد اليأس...كاخضرار يزهر بعد فصل الربيع...ك...



#ربيعة_العربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تذكرة للرحيل
- مؤسس محير
- دو سوسير و محيطه الثقافي: جدلية الامتداد و القطيعة
- ابتذال الرواية رواية الابتذال : محمد شكري نموذجا
- التداولية الاستدلالية
- الاكتساب اللغوي المبادئ و الوسائط
- ضد هذا البياص أسير
- بنية الثورات العلمية
- نظرية النحو الوظيفي
- نظرية الأنحاء التوليدية التحويلية: النشأة و التطور
- ملامح من الغني الزاهر
- عتبة العبور
- نحو نحو وظيفي للخطاب لسيمون ديك ترجمة
- بلاغة الحجاج و تقنيات التأثير
- حد الدنيا
- رجع الصدى
- سجين الصورة
- أفول
- اضطراب عسر الانتباه نموذجا
- إياب


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيعة العربي - حلو كالنسيان...