|
شبكات الكراهية : بحث في عداء المرأة الهاذي في أوطاننا
إقبال الغربي
الحوار المتمدن-العدد: 6756 - 2020 / 12 / 9 - 21:03
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
شبكات الكراهية : بحث في عداء المرأة الهاذي في أوطاننا .
يتنامى اليوم الخطاب المعادي للمرأة في أوطاننا حني أننا أصبحنا نسمع صداه في وسائل الإعلام و في أكثر المؤسسات ديمقراطية و حداثة مثل البرلمانات . إن كراهية المرأة و عداءها ليست مشكلة النساء فحسب . أنها سمة من تناذر أي سلسلة من الميول الرجعية الخطيرة التي تهدد امن المجتمعات . اذ غالبا ما يصاحب عداء المرأة التعصب و التطرف و تحقير الأقليات و النزعة إلى العنف و العدوانية . و يؤثر عداء المرأة على المزاج العام و على السيكولوجيا الجماعية إذ يشجع الناس على الاعتقاد بان التحامل و التمييز ضد مجموعة معينة أو حتى ممارسة العنف ضدها هي أمور عادية و مقبولة . و يمكننا أن نتساءل حول عوامل و أسباب كراهية المرأة في ديار الإسلام . ولعل التأويل السيكولوجي يساعدنا على فهم عالم التعصب و التطرف الذي هو مجال المخاوف العصابية و الهلوسات الذهانية بامتياز. فما هي الجذور السيكولوجية للخطاب المعادي للمرأة في بلداننا ؟ يخبرنا مؤسس التحليل النفسي فرويد أن الكراهية هي جزء من الطبيعة البشرية و أن عاطفتي الحب و الكره متلازمتان. و تعمق العالمة النفسانية ميلاني كلاين هذه المقولة بل و تؤكد وجود تفاعل دائم و مستمر بين الحب و الحقد . الموضوع الأول في الحب و الكراهية بالنسبة لهذه المحللة هو الأم المرغوبة و المكروهة في نفس الوقت بكل القسوة و الحدة التي تميز انفعالات الرضيع الأولية. فعندما تشبع الأم حاجات رضيعها و تسد جوعه فهو يحبها و عندما تتأخر عن تلبية حاجياته و تحبط رغباته و يشعر بالحرمان و القلق و الألم تتأجج مشاعر الكراهية و العدوانية تجاهها . طبعا عناية الأم الدائمة و محبتها اللامشروطة تولد لدي الرضيع مشاعر الاعتراف بالجميل و الامتنان و تساعده على تجاوز محنة ازدواجية الحب و الحقد و على التحكم في الدوافع العدوانية لاحقا . إذن الرابطة الأولية مع الأم تحدد نمط و شكل العلاقات المستقبلية مع الآخرين . فالمتطرف الحقود هو مبدئيا طفل عجزت أمه عن بناء مناعته النفسية و ترميم ثقته بنفسه مما سبب له جرحا نرجسيا و خصاء مذلا . هذه العلاقة السقيمة مع الأم سوف تنعكس في خطابات و علاقات لاعقلانية مع المرأة نشاهد آثارها اليوم عند بعض الأحزاب و التيارات .
من الأسباب التي تغذي خطاب و مشاعر الكراهية تجاه المرأة نجد :
1) الأزمة الاقتصادية . يبحث الخطاب المتطرف على الأمن و الطمأنينة و راحة البال . فهو يواجه هذا العالم بتفسيرات بسيطة و قليلة التكلفة نفسيا و عقليا لا تتعب مريده المنهكين أصلا. سرعت الأزمات الاقتصادية تفكك المجتمعات و تهميشها ، فالمنوال التنموي الرأسمالي لم يعطي الرفاهة الموعودة بل عكسها و نقيضها . حيث تحولت أحزمة المدن إلى مصانع للعنف و الجريمة نتيجة اقتلاع الآلاف من بيئتهم الأصلية و عجز السياسات الحالية عن إدماجهم في المؤسسات التعليمية أو الدوائر الاقتصادية العصرية و تفشي اليأس من المستقبل. لدي هذه الجموع المقصاة من الحداثة الاستهلاكية المستفزة يجد الخطاب المعادي للمرأة صدى ايجابيا . فالحل الأمثل بالنسبة لها هو الرجوع إلى الطبيعة إلى الفطرة الأولى إلى العصور الذهبية . فالطبيعة حددت الأدوار و الهويات الجنسية بكل دقة و ثبات . فمهمة المرأة هي الحفاظ على الأمة و على النسل من خلال إنجاب عدد كبير من الأطفال و رعايتهم وفقا للمعايير الأخلاقية التقليدية بينما تبرز مهمة الرجل من خلال صورة الجندي المستعد لحماية نسائه و أطفاله و عقيدته . كما ام تقسيم العمل القائم على الدونية الجوهرانية للمرأة هو أمر صادر عن الطبيعة أو عن الله لخيرها وخير مجتمعها. و بالتالي فكل حياد عن هذا التقسيم يؤدي ضرورة إلى الفوضى و بأس المصير ..
2) رهاب المساواة و منطق المنافسة أول ضحيا البطالة في عالمنا العربي هم الشباب الطامح إلى الاندماج و استثمار مؤهلاته في سوق شغل ميؤس منه. و غالبا ما يكون هذا الشباب الطموح فريسة سهلة للتحريض المتطرف و المعادي للمرأة الذي يخاطب فيه غرائزه البدائية و يوفر له شماعة لتعليق فشله . المعروف انه في ضل الأزمات عندما تنحسر الآفاق و تتضاءل الإمكانيات ينصرف الأفراد إلى التسابق لتامين حياتهم و يعاش نجاح الآخر المنافس - المرأة - كعدوان ضد الذات و كتهديد للانا فتتأجج الغيرة و تتنامى الأحقاد . فمن الطبيعي أن تجد المقولات الاقصائية و التبريرات المضللة التي تدعو إلى بقاء المرأة - العورة - في المنزل للإنجاب و تربية النشء عوض التهالك على غزو سوق الشغل و حرمان الرجال من الوظائف صدى . فالخطاب التحريضي لا يتوجه إلى العقل و لا يبحث عن الأسباب العميقة و المتشعبة لازمة البطالة و لا يحلل هيكلة المنظومة الاقتصادية الحالية ، بل يخاطب الاحباطات و المخاوف و يريد فقط تسمية كبش فداء يسقط عليه البؤساء عدوانيتهم و يريحهم من شبهات الضعف و القصور البشري . الخطاب التحريضي لا يصنع الحلول بل يعد متابعيه بتحويلهم من ضحايا يثيرون الشفقة إلى جلادين يرهبون النساء ينادون بقبرهم فعليا أو رمزيا .
3) الكراهية هي الطريق إلى الهوية يعيش المتطرف العولمة ،التي هي تدامج السوق الرأسمالية الدولية في اقتصاد مفتوح على بعضه بعضا ، كاندثار للثوابت الثقافية و الاجتماعية و الجنسية كتفريغ للهوية التي يختزلها طبعا في البعد الديني . بينما يتفق الجميع على أن الهوية مسار ديناميكي و منظومة متكاملة مترابطة قائمة على الاستمرارية و الكلية و التمايز . وهي تتكون من جانب انطولوجي و معنوي يتمثل في تشرب قيم و معايير المجموعة و جانب قيمي يلبي حاجة تقدير الذات و الانسجام مع الدور الاجتماعي المتعارف عليه و جانب براغماتي أو الواقعي أي التكيف و التأقلم مع مستجدات الواقع المتحول بطريقة مرنة و جدلية . المتطرف يعيش أزمة الهوية بشكل مأساوي . كجرح نرجسي، كانهيار لمنزلته الاجتماعية و الرمزية . لذلك نراه يتشبث بالثوابت المتعالية على الزمان و المكان و يشيطن كل من يخرج عن "صحيح الدين" و خاصة المرأة التي اقتحمت سوق الشغل و نزعت الحجاب واختارت زوجها بكل حرية و أكدت ملكيتها لعقلها و لجسدها . ذلك أن تحرر المرأة فتنة تقوض المجتمعات التقليدية القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج فهو عدوانا على ملكية الزوج . كما يعاش هذا التحرر كتمرد ضد حقوق الزوج و سلطته كافتقاد لأمنه المادي و الوجداني و كانتقاص من رأسماله الرمزي أي سمعته و مكانته الاجتماعية .
4) رهاب الاختلاف و البحث عن النقاء و الطهارة . تؤجج أزمة الهوية هوس البحث عن الطهارة و النقاوة في ضل مجموعة متجانسة و متماثلة لا تشوبها أية تناقضات تدعم هويته و ترمم ثغراتها و نقائصها . لذلك نرى المتطرف ويطالب بوحدانية الدين - بوحدانية اللغة المقدسة بوحدانية الأمة و بوحدانية الجنس أي حجب الجنس الآخر و طمس الأنثوي و إقصائه . ويؤدي هاجس الوحدة والتوحد إلى معاداة ومحاولة نفي وفي بعض الحالات إلى إبادة كل ما ومن يهدد هذا الوهم ويكذب هذه الادعاءات الهلوسية. لماﺬا ؟ لأنه يعرض المجموعة إلى الخطر- خطر الشك - خطر زعزعة اليقينيات - خطر الانقسام - خطر التلوث. وهو ما تجسده بامتياز مقولة "الولاء و البراء " أو "نحن" و "هم " التي تعزز لديه الشّعور اللذيذ بالانتماء، والإحساس بنشوة القوّة. ولعل اخطر اختلاف يعاني منه المتطرف هو الاختلاف الجنسي الذي يطرح عنده قضية الازدواجية الجنسية و إشكالية الفحولة السامة التي لا تكتمل إلا باهانة النساء و التسلط عليهن .
#إقبال_الغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيكولوجيا الجموع و الطبائع الشعبوية
-
الشعبوية اليوم - العوامل و النتائج
-
التقنيات النفسية لصناعة الارهاب مدرسة الرقاب أنموذجا
-
أزمات التعليم في تونس و إدارة التوحش
-
رمضان و حرية الضمير في تونس الثورة
-
الارهاب يفجر المواخير في تونس ، من الضحية و من الجلاد
-
لماذا تنتج الكليات العلمية في عالمنا العربي الإرهابيين? مقار
...
-
مقاربة نفسية و اجتماعية لظاهرة الجهاد في تونس
-
الشرعية -السحرية- أو اختطاف الديمقراطية.
-
التحرش الجنسي ليس قضية جنسية بل هو مسالة سلطة و نفوذ
-
الثورة التونسية بين الجهويات و العروشية
-
الحقائق الخفية عن ثورة الحرية
-
من يكترث لدم مسيحيي العراق و دموعهم في ارض الإسلام
-
الاسلاموفوبيا :محنة و فرص
-
التحرش الجنسي ضد المرأة :الإرهاب المخفي
-
بشرى البشير و ردود الفعل السيكوباتية
-
غزة ׃المأساة و اللعنة
-
من روزا لكسمبورغ إلى نهلة حسين شالي مسلسل قتل النساء
-
الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية: دراسة جندرية
-
الفضاء الافتراضي للمرأة المسلمة : دراسة مضمون بعض المواقع ال
...
المزيد.....
-
“800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم
...
-
البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
-
مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة
...
-
“سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف
...
-
إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى
...
-
هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
-
اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر
...
-
“الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت
...
-
جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
-
لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو
...
المزيد.....
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
-
الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم
...
/ سلمى وجيران
-
المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست
...
/ ألينا ساجد
-
اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019
/ طيبة علي
-
الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1]
/ إلهام مانع
المزيد.....
|