أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إقبال الغربي - مقاربة نفسية و اجتماعية لظاهرة الجهاد في تونس















المزيد.....


مقاربة نفسية و اجتماعية لظاهرة الجهاد في تونس


إقبال الغربي

الحوار المتمدن-العدد: 4932 - 2015 / 9 / 21 - 17:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعتبر مفهومي الجهاد و التكفير من أكثر المواضيع راهنية ومن أكثر المسائل جدية نظرا إلى تداعياتهما الفكرية والسّلوكية وارتباطها الوثيق بالعقائدي والاجتماعي والنّفسي وبالفردي والجماعي. فهي موصولة بأمن الأفراد والجماعات وبسيْر الحياة برمّتها، وتكمن خطورة خطابات التكفير و الجهاد في إجراء عمليّات الفرز والتصنيف و التمييز بين أبناء الوطن الواحد و الأمة الموحدة فهي بالتالي تهدّد السلم الاجتماعي، وتقوّض مشروع العيش معا وفق قيم التآخي و التوافق ومبادئ المواطنة المشتركة.

و في هذا الصدد نذكر أن المركز الدولي لدراسات الشرق الأوسط أكد وجود أكثر من خمس آلاف تونسي منخرطين في الحركات الجهادية و في النزاعات المسلحة بين سوريا و العراق و ليبيا .

فما هي الأسباب التي تدفع بشباب في عمر الزهور إلى القطيعة مع مجتمعه الأصلي و الالتحاق بجماعات الموت و القتل ...

من المعروف اليوم أن المسألة الجهادية متعلقة بعوامل دولية و إقليمية و برهانات جيوستراتجية تلعب فيها القوى المتنفذة على المستوى العالمي و شركات الأسلحة و الدمار دورا كبيرا، حيث لا تتوانى عن استعمال كل الموارد الممكنة من أجل تحقيق مصالحها بما في ذلك التيارات التكفيرية التي يظهر أنها "ورقة رابحة"بشكل أو بآخر يسهل التلاعب بها وتوظيفها في هذا الاتجاه أو ذاك بحسب ما تمليه السياقات وموازين القوى .
فالعوامل الاقتصادية والسياسية إذن غذت مناخات بروز الحركات التكفيرية و الجهادية في تونس .إلا أن هذه العوامل الخارجية و الموضوعية لا تترسخ إلا بالتفاعل مع الأبعاد الذاتية و المحلية أي السيكولوجية و السوسيولوجية .
إذ يبدو أن التطرف الديني كسلوك عصابي يعكس بنية نفسية راسخة في أعماق النفس البشرية يحتاج أيضا لمقاربة نفسية لفك رموزه و لتفكيك دلالاته وإدراك معانيه الواعية واللاواعية..
فما هي ابرز هذه العوامل النفساجتماعية
توجد عدة آليات معرفية و سيكولوجية تؤسس للتطرف نذكر منها
1 ) التعصب والجمود الذهنيّ .
يقــدم لنا ابن منظور في لسان العرب التعريف التالي: " التعصب هو أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبيته والتألّب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين" وهذا التحديد لا يختلف في شيء عما قدمه لاحقا علم النفس حول التعصب إذ أن التعصب من وجهة نظر علم النفس هو ميل انفعالي يفرض على صاحبه أساليب وطرق في التفكير والإدراك والسلوك تتفق مع حكم بالتفضيل أو عدم التفضيل لشخص أو جماعة. وهذا الحكم يكون سابقا لوجود دليل منطقي أو دون دليل إطلاقــا
ويعرّف علم النفس الجمود الذهني بكونه عطب في المسار الذهني فهو يتمثل في عجز المرء عن تغيير وجهة نظره ووضع نفسه مكان الآخـــر لفهمه وتفهم موقفه . كما أنه يعكس عدم قدرة الفرد على تغيير أفعاله أو اتجاهاته عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك.
وهو يوجد في الحالات المرضية مثل العصاب الاستحواذي وهو إحدى السمات الجوهرية في تناذر "البرانويـا". المصاب بالجمود الذهني تنقصـه المرونة الفكرية. له رأي ومبادئ ثابتة، منغلق على حجج الآخـــر لأن مركزيته الذاتية جعل الإنسان نفسه مركـــزا للكون تجعله عاجـزا عن وضع نفسه مكان الآخر أي المختلف عنه في الرأي أو في الدين لفهمه وتفهم وجهة نظره مع ميل لاستعمال العنف مع الآخرين .
و يتشابه سلوك المتطرف في العديد من النقاط مع سلوك مرضى العصاب
ففي رأي المتطرف أن كل من يخالفه في الرأي والفكر يحكم عليه بالإقصاء و التكفير و أخيرا بالتصفية الرمزية أو الجسدية ، أما المريض النفسي فتنتابه تخيلات و هلوسات تقوم لديه مقام الواقع، والنية لديه تساوي الفعل، كما انه غالبا ما يكون فريسة مشاعر الاضطهاد وهذيانات المؤامرة و ينتابه الشك و الريبة في جميع المحيطين به.
و غالبا ما يوضع الفرد في دائرة التكفير من خلال التنشئة الاجتماعية التي تؤسس للتطرف والتعصب و تمررهما عبر الأساليب التربوية السلبية.
2 )التنشئة الاجتماعية السقيمة
أبرزت تجربة كـــورت لوين المجرات سنة 1938 مدى تأثير الأجــواء السائدة في الفضاءات التربوية في بناء الشخصية السوية.
وقد قدمت لنا هذه الأعمال عدة تجارب تتمحور حول ثلاثة أساليب تربوية:
- الأسلوب المتسلط
- الأسلوب الفوضوي
- الأسلوب الديمقراطي
وقد اتضح تفوق الأسلوب الديمقراطي القائـم على مبـــدأ النقاش وقبول الاختلاف مع تفهم الآخـــر .
و في ضل هذا المناخ القائــم على الاختلاف يكون القرار في النهاية بتراضي الجميع وهكذا يكون أمر الناس شورى بينهم فعلا ولا قولا.
و هكذا ترتبط ثقافة العنف بالبنى الذهنية التسلطيّة التي مازالت تعيق التواصل الايجابي، وأساليب التربية القاسية، ومناهج التعليم، التي تقتل في الطفل مقومات إنسانيته و تجفف إحساسه ممّا يحول دون تكريس ثقافة الاختلاف و السلام و قبول الآخر والتربية على العيش المشترك.
و في هذا السياق يؤكد المحلل النفساني مصطفى صفوان أن البنية العائلية للمجتمع تؤثر في سلوك مواطنيه فرادى أو جماعات. إذ أن المجتمع العربي ظل أسيرا لنمط القبيلة و العشيرة، أي الجماعة المغلقة و المتلاحمة ، ولم يعرف نمط الأسرة النواة التي يطلق عليها اسم الثلاثية الأوديبية. هذه الأسرة الثلاثية التي سادت في أوروبا منذ القرن الثامن عشر لم يعرفها العالم العربي إلا حديثا. وهنا يلاحظ الدكتور صفوان أن "الانتقال من الانتماء القبلي كوحدة متكاملة للمجتمع إلى الثلاثية الأوديبية قد يولِّد عنفا هائلا لا حيلة لنا أمامه " .
و هذا يعني أن أفراد هذا المجتمع، الذين يشعرون بالقلق نتيجة افتقاد الوحدة و التجانس والخوف من الاختلافات وتعدد الآراء والمذاهب والعقائد، يسعون إلى حل القلق بمحاولة القضاء على أي اختلاف و تصفية أي مغاير و مختلف تصفية مادية أو رمزية . فهم يتبنون بشكل مرضى فكرة الحقيقة الواحدة الوحيدة التي لا تقبل الشك أو التشكيك ، وكلما زاد قلقهم ازداد عنفهم في مواجهة الاختلافات و التناقضات الداخلية .
من ناحية ثانية فإن ضعف سلطة الأب الواقعي، في البيت يضاعف من قلق الأفراد ومن رعبهم ويجعلهم في حالة استماتة من أجل عودته هو أو خلق بديل أكثر قوة واستبدادا منه. فكلما « خفت فعالية الزعامة ازدادت الحاجة إليها أكثر» كما يقول الدكتور صفوان. و بالتالي فإن ضعف دور الأب في الأسرة الواقعية يدفع الأبناء، إلى استبدال صورته بأب آخر رمزي أكثر مثالية و طوباوية. فهم يريدون أب يبدل خوفهم أمنا و بؤسهم نعمة . أي أنه كلما ضعف مركز الأب في الأسرة الخاصة زاد الطلب عليه اجتماعيا و هذا من مفارقات بنيتنا النفسية.
3) متعة التحكم و الميولات العدوانية
متعة التحكم هي آلية نفسية متأصلة في أغوار النفس البشرية ترفض الاعتراف بحق الآخر في أن يكون آخر أي مختلفا و تجبره على التماهي مع الأنا.
و طبعا تتجسد هذه الآلية في ادعاء احتكار الحق المطلق وامتلاك القدرة على فرضه على من حوله وإسقاط كل شبهات ضعف الذات و التخلص منها بيقين شيطنة الآخر.
و تنعكس متعة التحكم في الآخر في ممارسات تسلّطية تسعي إلى إلغاء الفصل بين الفضاء العام و الفضاء الخاص .
فهي غالبا ما تخترق الحياة الشخصية والحميمية الذاتية و تفتش في الضمائر و تتجسس و تتلصص على السرائر و تخلق مناخا بغيضا من الترهيب و التنقيب تسود فيه المراقبة الشاملة و الوشاية المعممة.
كما تعتبر الشخصية التكفيرية نموذج من الشخصيات العدوانية والمضادة للمجتمع..
و تتسم هذه الشخصية بعدم الامتثال للقانون و بعدم احترام المعايير الاجتماعية و بالاعتداء على حقوق الآخرين .وتعاني من التمركز حول الذات واضطراب في العاطفة أي عدم الاكتراث و الاستهانة بآلام م و معانات الآخرين . كما يتميزون بالاندفاعية و بالسلوكيات المزعجة و بانعدام الشعور بالندم أو الخجل من أفعالهم .
5 ) البحث عن الاعتراف
يمثل الانخراط في المجموعات التكفيرية و الجهادية محاولة لإعادة تشكيل الهوية الفردية ورغبة في إعادة ترميمها ضمن إطار جديد؛ وهو ما يفسر تغيير الاسم و استبداله بكنية جديدة مثل أبو فلان و أم فلان . فجل الشبان الذين ينخرطون في الحركة السلفية هم من الشباب الذي يعاني من الوصم الاجتماعي و الشعور بالهوان بفعل البطالة والتهميش الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى الانحراف والسجن ، مما يخلق لديهم هوية مجروحة و موصومة.
ذلك أن كل هوية موصومة هي جرح نرجسي ينزف . فهي ليست فقط إعاقة من الصعب تحملها ولكنها نوع من اللاشخصنة ناتجة عن هوة بين الصورة المثالية التي يحملها الفرد عن ذاته والصورة السلبية التي يجدها عند الآخرين. ومن هنا يغدو الانخراط في الحركات التكفيرية محاولة لإعادة الاعتبار لهوية سلبية و الخروج من وضعية دونية لامرئية إلى وضعية مرئية تقوم على الاعتراف الايجابي .
فالخطاب التكفيري هو إذن حيلة لا شعورية معروفة حيث ينقلب الشعور العميق بالدونية إلى شعور بالتعالي و التعاظم الديني و الأخلاقي.
و ضمن هذه الآلية اللاواعية تنقلب النجاسة إلى الطهارة والنقص إلى القوة و التهميش إلى نجومية فالنكرة يتحول إلى بطل همام و المحكوم عليه في قضايا حق عام يتحول إلى قاض يوزع صكوك الطهارة و العفة و النقاوة على الآخرين .....
و المنبوذ يصبح أميرا .
و الضحية تصبح جلادا.

العوامل الاجتماعية

إن بروز الحركة التكفيرية في تونس، ليس بالمستجد أو الطارئ، بل إنها متصلة في ظهورها بسياقات الواقع التونسي و مفارقاته و نذكر منها .

1) الاستبداد السياسي.
و من نتائجه عزوف الشباب عن العمل السياسي والجمعياتي .
و هنا نذكر أن ركائز الاندماج الجمهوري المتفق عليها من طرف علماء الاجتماع هي المدرسة و الأحزاب السياسية و النقابات و المؤسسة الدينية التي تلعب دورا مهما في تاطير الشباب و تدريبه و الإحاطة به .
في ضل دولة الاستبداد و التتبعات البوليسية أصبح الشباب التونسي يعيش حالة من التهميش، والفراغ، يساوره هاجس الخوف من الانخراط في العمل الحزبي والنقابي والجمعياتي المحفوف بالمخاطر و الماسي .
ويرى عبد اللطيف حنَّاشي، الباحث الاجتماعي المتخصّص في الحركات الإسلامية، أنّ محاولة النظام مصادرة الفضاء العام و إغلاق المنابر الحوار و تجريم الجدل و النقاش " دفع بالشباب إلى الانزواء في فضائهم الخاص، الذي يشكّل البيت جزء مهماً منه". و هو ما أدي إلى تذرير المجتمع و تقسيمه.
و هكذا أدي الاستبداد السياسي إلى تدمير الفضاء العام بوصفه فضاء سياسي بامتياز وظيفته بناء إرادة سياسية بطريقة أفقية هدفها صناعة التوافق و التلاقي والتواصل على حد تعبير الفيلسوف الألماني هابر ماس.

2 ) الفقر و التهميش


يؤكد علماء الاجتماع، والمحللون المتخصصون في دراسة الحركات الإسلامية، أن القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها الحركة التكفيرية الجهادية، غالبا ما تكون من الفئات الاجتماعية الفقيرة، التي تعاني من تدني مستوى تعليمها، ومحدودية تكوينها الثقافي، ومن التهميش الاقتصادي. وفي مثل هذه البيئة الفقيرة والمهمشة، انبثقت الأصولية الجديدة ، التي لا تكتفي بمحاربة الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، بل تدين أيضا الأنظمة العربية الحاكمة، باعتبارها أنظمة كافرة ومرتدّة حسب زعمها .
لقد عرفت تونس حركة نزوح من الأرياف اقتلعت الآلاف من بيئتهم الأصلّية، الذين استقروا في الأحياء الشعبية الفقيرة في أحزمة المدن التونسية، عاجزين عن التحوّل إلى بروليتاريا صناعية بحكم عجز المنظومة الرأسمالية عن إدماجهم في دوائر اقتصادية عصرية، وعن تعويض آليات التضامن الآلي التقليدي باليات التضامن العضوي و العصري التي وصفها لنا دوركايم ، كما حدث في مرحلة "الثورة الصناعيّة" التي عرفتها الدول الرأسمالية الغربية (الضمان الاجتماعي المعمم و ماوي العجز و المحاضن و رياض الأطفال الدولية الخ ).
فالأجيال الجديدة للعائلات النازحة فقدت كلّ ارتباط بالعائلة الموسّعة، وتحديداً بالعشيرة و بالقبيلة التقليدية التي كانت تلعب دور الحماية والمساندة المادية و الرمزية .و في المقابل قوضت برامج التحرر الاقتصادي أنظمة الرعاية الاجتماعية القائمة وألغيت ضمانات التوظيف في القطاع العام من دون أن تقيم على أنقاضها بدائل إجرائية .
كما أدى انعدام الفرص الاقتصادية وضعف نظام الرعاية الاجتماعية إلى اللجوء إلى أطراف أخرى بديلة عن الدولة والقطاعات الاقتصادية القانونية. ونتيجةً لذلك تضاعف نمو اقتصاديات الظل الموازية و تفاقمت مشكلة البطالة بين الشباب حيث تصل نسبة الشباب العاطل عن العمل إلى 29%، كثيرون منهم حائزون على شهادات جامعية. .
و في بحث سوسيولوجي ، تناول ملفّات 1208 من المحكومين سابقاً في قضايا السلفيّة الجهاديّة، تبين أنّ 89 في المئة منهم شباب، وأنّ 70 في المئة منهم إمّا عمّال (ذو دخل محدود) أو تلاميذ وطلبة (لا دخل ثابت لهم عموما). ويشير الخبير بالجماعات الإرهابية عبد اللطيف الحناشي إلى أن أغلب المشاركين في "خليّة سليمان" الجهادية (نهاية 2006 - بداية 2007) أتوا من المناطق الداخليّة الفقيرة و المهمشة .
هذه الشريحة الاجتماعية التي عجزت عن الاندماج في المجموعة الوطنية، وعن تبني قيم الحداثة ، تبنت الفكر التكفيري كنتيجة منطقية لتنامي الشعور بالغبن الاجتماعي، والحقد الطبقي، والتهميش المستديم، يدفعهم إليه غضبٌ عارمٌ من جرّاء حربهم على المجتمع التونسي نفسه، وغياب أدنى شعور بالانتماء إلى الدولة التونسية التي عجزت عن احتوائهم و تلبية حاجياتهم الأساسية.
و يؤكد الخبير الفرنسي في الجماعات الإسلامية فرحات كشوفاران السمة المشتركة بين الجهاديين التكفيريين هي استبطان كراهية المجتمع و الحقد عليه مع تلبس دور الضحية والقناعة باستحالة إمكانية اندماجهم في المعايير السائدة والقوالب المهيمنة أي عمل قار ومنزل وعائلة .
فهم يصنعون غلافا مقدسا يبررون به حقدهم و عنفهم و يسعون إلى القطيعة مع هذا المجتمع الذي أقصاهم.
3 ) التحولات في علاقات الإنتاج
تواجه الفئات الشبابية اليوم تحولات عالم الشغل الذي أصبح مرنا و أدى إلى بروز ما يسمى بالعمل الهش الذي يفضي إلى نوع من الهشاشة النفسية والعلائقية، حيث تعيش الفئات الشبابية تزامن و تتابع بين فترات البطالة وفترات العمل الهش غير المستقر الذي يعيق بناء مسار مهني واضح و منزلة اجتماعية ثابتة .
وكذلك يتزايد لدى الشباب التونسي الشعور بالإحباط، وخيبة الأمل، و انعدام المعنى وعدم الثقة في المؤسسات الرسمية نتيجة عجز سوق الشغل عن استيعاب خريجي الجامعات الذين يجدون أنفسهم في قلب تجربة البطالة التي يعيشونها بطريقة دراماتيكية .
فضبابية علاقات الإنتاج و تفاقم البطالة و آثارها النفسية المدمرة تحتم إيجاد استراتيجيات فردية للتمكن من إدارة حالة اليأس واللايقين إزاء المستقبل المجهول. و هنا تلعب استراتيجيا التكفير و الجهاد أداة لتشكيل الذات وتأكيدها في الفضاء العام، بحثا عن الاعتراف الايجابي وعن قيم ثابتة، ومتأكد منها و عن كرامة مفقودة .

.4) رهاب التنميط و إرادة التميز
تعتبر العولمة في المخيال العربي الإسلامي طمس للهوية وتنميط وتوحيد للأفكار والمشاعر والأحلام والأحاسيس والأذواق..
كما أنها تأخذ في بعض الأحيان بعداً تآمرياً فالعولمة ليست سوى مرادف لأمركة العالم. فهي هجمة شرسة تشنها الحضارة الغربية لتدمير الثقافات الأخرى وخاصة الثقافة العربية الإسلامية. العولمة هي أيضا رمز الانصهار الاجتماعي وسيادة الفردانية وحرب الكل ضد الكل .
وفي هذا الإطار تمثل سلوكيات المجموعات التكفيرية و طقوسها رغبة جامحة في التمايز
فهي تجسد ما يسميه فرويد "نرجسية الفرو قات الصغيرة" أي أن يكون الفرد مسرورا بفروق صغيرة تميزه وتميز المجموعة التي ينتمي إليها .
و تتجسد هذه الفوارق في منظومة رمزية جيدة وهي مجموع الطقوس و اللغة والسلوكيات التي تبرزها هذه المجموعات وتتباهى بها في الفضاء العمومي، والتي تستخدمها بوصفها شعارات حزبية و أدوات تواصلية بين الشباب المنتمي للمجموعات ، وتتمثل خاصة في المظهر الخارجي، والمتمثل في اللباس (القميص)و(اللحية) والنقاب بالنسبة للنساء، وتلعب هذه المعالم دور التنشئة الدينية .
و تنتج جماعات مُغلقة متكونة من مريدين ومُتمحورة حول زعيم روحي وإيديولوجيا، مُعتمدة إحداث تمايز نفسي اجتماعي بين الأتباع وبين غيرهم من أفراد المجتمع.
و يؤدي مبدأ التماهي بين المريدين و سيادة الامتثالية ، إلى فقدان الفرد كلّ استقلاليّة و فردانية . فلا مجال لتفكير شخصي خارج ما تفكّر فيه الجماعة وما ترسمه من حدود للمفكّر فيه. فالجماعة هي من يفكّر، ولا مجال للخروج عن إجماعها، فكلّ خروج هو ضرب لمبدأ الولاء ويخرج صاحبه بالفعل من دائرة "أهل الحقّ" أو "الطائفة المنصورة" أو "الفرقة الناجية".
وعلى عكس منع التمايز الشخصي داخل الجماعة، فإنّ الجماعة تشجّع كلّ مظاهر التمايز عن المحيط الخارجي و تنتج ثقافة مضادة و معارضة للاديولوجيا السائدة وهو ما تختزله مقولة "الولاء و البراء"...


ظاهرة الجهاد و التكفير التي تنخر مجتمعاتنا تعكس أيضا إقصاء جموعا هائلة من مواطنينا من الحداثة السلعية . هذا الإقصاء يؤجج محنتها و يجعلها فريسة سهلة للحركات السياسية التي تتلاعب بمخاوفها و باحباطاتها . هي كذلك نتيجة من نتائج تفكك المنظومة الرأسمالية التي عجزت عن إدارة تناقضاتها الهيكلية و أزماتها البنيوية .
المراجع

سعد الدين إبراهيم ، وآخرون (1989) : مستقبل النظام العالمي وتجارب تطوير التعليم ... أنماطها الأساسية واتجاهاتها العالمية العاصرة ، ط2 ، دار القلم للنشر والتوزيع ، الكويت
عبداللطيف الحناشي 2014 : التيارات السلفية المدرسية في المغرب العربي الموقع العلمي للدراسات الوهابية
أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة بيروت : دار ساقي، 1997.
، Jürgen Habermas. L intégration républicaine. Paris, Fayard, 1998,
Gilles Kepel Les Banlieues de l islam. Naissance d une religion en France, Seuil, Paris, 1987.
« Farhad Khosrokha-var-: "Des jeunes radicalisés qui se rêvent en héros négatifs"», article de Farhad Khosrokha-var-dans Le Monde, 9 janvier 2015.



#إقبال_الغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرعية -السحرية- أو اختطاف الديمقراطية.
- التحرش الجنسي ليس قضية جنسية بل هو مسالة سلطة و نفوذ
- الثورة التونسية بين الجهويات و العروشية
- الحقائق الخفية عن ثورة الحرية
- من يكترث لدم مسيحيي العراق و دموعهم في ارض الإسلام
- الاسلاموفوبيا :محنة و فرص
- التحرش الجنسي ضد المرأة :الإرهاب المخفي
- بشرى البشير و ردود الفعل السيكوباتية
- غزة ׃المأساة و اللعنة
- من روزا لكسمبورغ إلى نهلة حسين شالي مسلسل قتل النساء
- الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية: دراسة جندرية
- الفضاء الافتراضي للمرأة المسلمة : دراسة مضمون بعض المواقع ال ...
- في ذكرى 11 سبتمبر , العقل و اللاعقل
- الفتاوى الهاذية بين علم النفس و التراث الإسلامي
- رياح الأنوثة تهب على الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان
- تأملات جديدة حول الحجاب
- -ستار أكادمي- و -على الهواء- التداعيات السياسية و النفسية
- الثورة الجنسية : نداء إلى تطور دون تهور
- دفاعا عن الكلمة الحرة وعن حرية التعبير.
- المثقف الليبرالي والتعذيب


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إقبال الغربي - مقاربة نفسية و اجتماعية لظاهرة الجهاد في تونس