التنبؤات الاقتصادية العالمية لعام 2021

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 6749 - 2020 / 12 / 1 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لقد شهد عام 2019 ضعفا متزايدا في النمو الاقتصادي حيث انخفض معدل النمو بنسبة 3.2 % مقارنة بالعام 2018 ، وقد استمر هذا النمو في التدهور في عام 2020 بسبب الحروب التجارية العالمية ، وضعف النمو في الصين ، أما في الولايات المتحد الأمريكية، فقد شهد الاقتصاد نموا محليا ملحوظا مقارنة في السنوات السابقة بلغت حتى منتصف عام 2020 ما يقارب 12.5% نتجت عن التضييق الكبير على المستوردات من الصين والخارج وسياسات الرئيس ترامب الاقتصادية .
وقد عمدت البنوك المركزية إلى التخفيف من السياسة النقدية كما لجأ المستوردون إلى التكيف مع عالم جديد من الرسوم الجمركية المرتفعة ، كما تبين للخبراء أن آثار الحروب التجارية كان لها تأثير أقل مما هو متوقع . هناك ميل دولي نحو الاستقرار وتحقيق المكاسب الاقتصادية وتقليل الحروب التجارية والعودة للعولمة مع وصول الرئيس جو بايدن للسلطة في الولايات المتحدة ، إذ أنه من المتوقع تقليص الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة والصين من جانب وبن الولايات المتحدة وبعض حلفائها .
قد يشهد عام 2021 نوعا من التغير في المواقف السياسية بين الدول المتناقضة السياسات ، وبدء الحل السياسي في أكثر من مشكلة دولية عالقة ، وعودة الولايات المتحدة إلى المنظمات الدولة التي غادرتها في عهد الرئيس ترامب ، وحوارا بين أطراف الحرب على سورية ، وبدءا للحل السياسي في اليمن ، وتعاونا دوليا في الأزمة الليبية . وفي حال بدأ الحوار السياسي بين الأقطاب المتحاربة بالوكالة في اليمن وسورية وليبيا ، قد نشهد انتعاشا اقتصاديا دوليا وتغيرا في المشهد الاقتصادي الدولي المتأزم .
المشهد المتوقع عام 2021

لقد شهد عام 2020 نموا في الاقتصاد الأمريكي مقداره 2.1 % وسيحافظ على هذا المستوى في العام القادم .
استنادًا إلى تقديرات النمو المستدام للقوى العاملة والإنتاجية لقد تطور الاقتصاد الأمريكي في عهد الرئيس ترامب بمقدار 12.5% خلال أربع سنوات ، أما النمو الاقتصادي الحقيقي الناجم عن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي فقد حقق معدا مضطردا بنسبة 2.5 % سنويا على أساس السنة التقويمية بفضل التحفيز المالي ويتوقع أن يحافظ الاقتصاد الأمريكي على هذا النمو في عام 2021.

ثبات الاقتصاد الأوروبي بعد انكماش في العام 2020 :
لقد شهدت منطقة اليورو ركودا اقتصاديا مقلقا في عامي 2019 و2020 حيث اقترب الاقتصاد الكبير المتنامي دائما في بعض الدول مثل ألمانيا وإيطاليا من الركود القاسي . قد يكون الأسوأ قد انقضى بخسارة الرئيس ترامب الانتخابات وعودة الديمقراطيين ، وقد يشهد اقتصاد منطقة اليورو نوعا من الاستقرار والثبات في النمو في نهاية عام 2020 بمقدار 0.9 % وتشير الأوضاع إلى انتهاء حالة تأرجح خروج بريطانيا من الاتحاد بعد أن أثر ذلك على حالة النمو كثيرا وقاد إلى انخفاض النمو في منطقة اليورو من 1.3% إلى 0.5 % في منتصف عام 2020 . قد يشهد العام 2021 عودة للحوار الاقتصادي الأوروبي الأمريكي وقد يؤدي ذلك إلى عودة تدريجية للنشاط الاقتصادي الأوروبي في عام 2021.

تعثر النمو في اليابان بعد رفع الضرائب سوف يساعده المزيد من الحوافز:
تسارع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليابان من 0.3٪ في عام 2018 إلى ما يقدر بنحو 1.1٪ في عام 2019. ومع ذلك ، من المتوقع أن يتحول النمو في الربع الرابع إلى مؤشر سالب نتيجة زيادة ضريبة المبيعات من 8٪ إلى 10٪ في بداية تشرين الأول 2020 . و رداً على ذلك ، أعلنت حكومة آبي عن حزمة مالية أكبر من المتوقع بقيمة 120 مليار دولار لمدة 15 شهرًا ، والتي ستعمل على تحييد الكثير من الآثار السلبية لزيادة ضريبة المبيعات. وبالتالي ، بعد انخفاض النمو إلى نسبة 0.3٪ في عام 2020 ، من المتوقع أن ينتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الياباني إلى 0.5٪ في عام 2021.

سينخفض معدل النمو في الصين إلى أقل من 6٪ لأول مرة منذ عام 1990
هناك من يلقي اللوم في التباطؤ الذي حدث مؤخرا في النمو في الصين إلى الحرب التجارية الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين ، إلا أن المؤكد أن التباطؤ الذي دام عقدًا من الزمن هو نتيجة لعوامل هيكلية ودورية في الاقتصاد الصيني مثل : شيخوخة السكان والانخفاض الحاد في نمو الإنتاجية الذي يعني أن النمو المحتمل في الصين الآن أقل مما كان عليه الحال من عقد مضى. وقد انخفض معدل النمو في الصين أكثر فأكثر حتى وصل إلى 5.7٪ في 2020 و ويتوقع أن يصل إلى 5.6٪ في 2021 إلا إذا وضعت الحكومة الصينية برنامج تحفيز أكثر قوة لإنعاش الاقتصاد .

سوف تستمر الأسواق الناشئة في السير على المياه
لقد كان معدل النمو في الصين عاملاً رئيسياً في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الناشئة حيث واجهت الأسواق الناشئة أيضًا عاصفتين متعاكستين قويتين هما : التوسع الباهت في العالم المتقدم وانخفاض أسعار السلع الأساسية. ومن المتوقع أن تظل عمليات استرداد التعافي في العالم المتقدم هشة في السنوات القليلة المقبلة ومن المتوقع أن تنخفض أسعار السلع الأساسية ، على الأقل في المدى القريب. هذا الحال، إلى جانب الحرب التجارية المستعرة حتى نهاية عهد الرئيس ترامب والانخفاض المستمر في معدل النمو الصيني ، يعني أن هناك مجالًا ضئيلًا للغاية للنمو في العالم الناشئ . بالإضافة إلى ذلك ، يمثل مستوى الديون القياسي في العالم الناشئ مصدر قلق متزايد للكثير من الاقتصاديات الناشئة .

ستتجه أسعار السلع نحو الانخفاض:
ظلت قوى الدفع والجذب في أسواق السلع الأساسية في حالة تدافع بكامل قوتها خلال عام 2019. وبينما كان التركيز منذ أوائل عام 2018 على تباطؤ نمو الطلب على السلع ، وقد تباطأ نمو الإنتاج أيضًا خلال عام 2019 ، ومع تشديد ظروف السوق في العديد من الصناعات الأساسية والاستهلاكية. سيثبت التحسن في الأساسيات نفسه تدريجياً في العام المقبل في عام 2021 بعد التراجع في النصف الأول من عام 2020 ، وسوف تستقر الأسعار ، أو سترتفع قليلاً بالنسبة لبعض السلع في النصف الأول من عام 2021 .

سيبقى التضخم تحت السيطرة:
كانت معظم التقلبات الأخيرة في التضخم العالمي ناجمة عن التقلبات في معدل ارتفاع الأسعار ، مع التقلبات في أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى أيضًا. هناك أدلة إنذار مبكرة على أن المعدلات الأساسية لتضخم الأسعار والأجور قد تزحف على بطنها في العالم المتقدم ، لكن فرص حدوث "اختراق" كبير في الحالة الاقتصادية الدولية في المدى المنظور بعيدة ، و من المتوقع أن يزداد التضخم العالمي الذي وصل عام 2020 إلى 2.7٪ فقط إلى مستوى أعلى يقارب من 3.8% على أقل تقدير في البلدان المستقرة سياسيا أما في الدول التي تعاني من أزمات وحروب فقد يصل إلى مستويات قياسية نتيجة عدم الاستقرار في سعر الصرف والحصار الاقتصادي الذي تفرضه القوى الكبرى .

من المحتمل أن تنتهي دورة التيسير النقدي العالمي
مع ضعف النمو و تلاشيه في عام 2019 ، أقر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وغيره من البنوك المركزية سياسة نقدية هدفها التيسير وليس التعسير. وتشير علامات النمو القوي في الولايات المتحدة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد لا يشعر بالحاجة إلى مزيد من التخفيضات في " التأمين" . في الواقع ، تعتقد الأسواق أن هناك فرصة أفضل تتجاوز 50 % أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة مرة واحدة في نهاية عام 2020 ، ومرة أخرى في عام 2021. في حين أن التحديات التي تواجه البنك المركزي الأوروبي أكثر تعقيدًا ، فالمعارضة القوية التي جرت مؤخرًا للمؤشرات السلبية قد تشير إلى أن أي تخفيف إضافي في المعدلات سيستمر بحذر خلال عام 2021.

الدولار الأمريكي سيرتفع قليلا في أكثر من مكان :
كان الاقتصاد الأمريكي ينمو بوتيرة أسرع من معظم الاقتصاديات المتقدمة الأخرى في العالم ، كما أن فروق أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة من ناحية ، وأوروبا واليابان من ناحية أخرى ، تفضل الأصول المسعرة بالدولار. بالإضافة إلى ذلك ، تتمتع العملة الأمريكية بوضع الملاذ الآمن إلى جانب الين الياباني والفرنك السويسري للكثير من الأسواق مما يعني أنه عندما يشعر المستثمرون بالقلق ، فإنهم يميلون إلى تجميع ومراكمة السندات والأسهم الأمريكية. ومن المفارقات أن تصعيد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة ، وبالتالي تقويض محاولات تحسين القدرة التنافسية للشركات الأمريكية من خلال فرض رسوم جمركية على الموردين غير الأمريكيين. ومن الآن فصاعدًا ، من المرجح أن تظل هذه الديناميكيات في مكانها ، لكنها قد تخفف قليلاً. من المتوقع أن يرتفع الدولار الأمريكي بنسبة 3٪ أخرى خلال العامين المقبلين ، قبل أن يبدأ تراجعا طويلا وبشكل طفيف خلال الأعوام القادمة .

على الرغم من المستويات المرتفعة تاريخياً من عدم الثبات واليقين بشأن السياسات ، لا يزال الركود الاقتصادي ليس السيناريو الأكثر ترجيحاً في عام 2021
لا تزال المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي مروعة : على المدى القريب ، يتمثل التهديد الأكبر إما في تصعيد الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين أو انتشاره إلى أجزاء أخرى من العالم ، ولا سيما أوروبا. وهناك احتمال آخر لوقوع خطأ في السياسة يتمثل في التردد من جانب العديد من الحكومات ، لا سيما في منطقة اليورو ، في توفير المزيد من الحوافز المالية. فقد يصبح هذا النهج مشكلة خطيرة في المرات القادمة التي يتعثر فيها النمو. وعلى المدى المتوسط ، تشكل مستويات ديون الشركات المرتفعة والمتصاعدة في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة تهديدًا كبيرًا للتوسع الحالي ، خاصة عندما تبدأ أسعار الفائدة في الارتفاع.
إذا كان الأدب لا ينجو من السياسة ، فإن الاقتصاد مرتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة المحلية والدولية ويسير في ركابها . فأزمات الاقتصاد مرتبطة بالأزمات الاقتصادية والاستقرار السياسي مؤشر طبيعي للازدهار الاقتصادي .

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات