أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد زارا - الدين العمومي و الافتراء على ماركس















المزيد.....

الدين العمومي و الافتراء على ماركس


سعيد زارا

الحوار المتمدن-العدد: 6728 - 2020 / 11 / 10 - 17:05
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لتبرير غيهم و ضلا لتهم في تفسير ازمة الديون الراهنة التي لم يعرف مثلها العالم قبل سبعينيات القرن العشرين، غالبا ما يرجع دعاة الماركسية الى ما كتبه ماركس حول ديون الدولة او الديون العمومية (1) في كتابه راس المال ، في التراكم الاولي لراس المال بخصوص منشأ راس المال الصناعي، فيصيحون بأن الديون العمومية و الديون بشكل عام هي خصيصة رأسمالية و انها ليست بالجديدة و ان من يدعي بانهيار الرأسمالية لم يقرأ ماركس قط ، وهم بذلك يظنون انهم بالرجوع الى كتابات ماركس حول الدين العمومي و سردها على القارئ ور بطها بشكل تعسفي بالمرحلة الراهنة سيسكتوننا. بلى يا ادعياء الماركسية ، ما من نص سترجعون اليه فيما كتبه ماركس الا و انقلب ضدكم لانه ببساطة تحرفون ماركس ، فلم يعد هناك على المسرح الدولي ما يؤكد قيام الرأسمالية او توحشها كما تعتقدون.


لم نخالف ماركس في كون تطور الديون العمومية، او ديون الدولة، هي سمة ميزت نشوء الرأسمالية بل هي كما يوضح في منشأ راس المال الصناعي مصدر او ينبوع ساهم بتوليفة مع مصادر و ينابيع اخرى كالسياسة الجبائية ( الضريبية) و انتزاع اراضي السكان الزراعيين ...الخ في التراكم الاولي لراس المال " ...و تتوزع مختلف لحظات التراكم الاولي في تسلسل زمني متعاقب الى هذا الحد او ذاك بين مختلف البلدان ، و بخاصة اسبانيا و البرتغال و هولندا و فرنسا و انكلترا. و قد اندمجت هذه اللحظات في انكلترا، نحو اواخر القرن السابع عشر، في مجموع منتظم، يشمل معا نظام المستعمرات و نظام الاقتراض الحكومي، و نظام الضرائب الحديث، و نظام الحماية الجمركية. و اعتمدت هذه الطرائق في جانب منها على العنف الوحشي، كالنظام الاستعماري مثلا . و لكنها جميعا تستخدم سلطة الدولة، اي العنف المنظم و المركز في المجتمع ، بغية انما عملية تحويل نمط الانتاج الاقطاعي الى نمط رأسمالي، و تقليص مراحله الانتقالية .." ،و بذلك نؤكد ان الدين العمومي هو "واحدا من اقوى الروافع الجبارة للتراكم الاولي ".

ان نقيس القاعدة التي تقول بان "شعبا من الشعوب يزداد ثراءا بقدر ما يكون دينه أكبر" على واقعنا الراهن هو ذر الرماد في الاعين. أيد ماركس هذه القاعدة لان بحثه اوصله الى ان الدين العمومي و نظام الائتمان ساهما في ازدهار الانتاج الرأسمالي البضاعي و هو جذر الثروة في المجتمعات الرأسمالية المتطورة و على راسها انجلترا حيث يقول في بداية كتابة راس المال "تبرز ثروة المجتمعات التي يسودها الاسلوب الرأسمالي للإنتاج بوصفها تكديسا هائلا من البضائع، بينما تبرز كل بضاعة على حدة كشكل اولي لهذه الثروة، لذلك يبتدئ بحثنا بالبضاعة." . تبين كل الاحصائيات كما يجمع كل الاقتصاديين ان الديون العالمية تضاعفت بشكل صاروخي بعد سبعينيات القرن الماضي و ان هذا الوضع لم تعشه المجتمعات الرأسمالية من قبل، لكن لم يتساءل دعاة الماركسية عن سبب ذلك، و بدون تمحيص و تفكير أرجعوا ذلك الى توحش الرأسمالية. انفجار و تضاعف ديون الدول العظمى يعني حسب القاعدة أعلاه ، بعزلها عن شروطها التاريخية، ازدهار صناعتها بما يوازي تضخم ديونها و لكن الحقائق تقول عكس ذلك تماما. لما كانت امريكا ، القوة العظمى، اكبر دولة مديونية في العالم لا تغطي حاجيات شعبها من البضائع ، لتكون اكبر مستورد للبضائع فذلك يعني حصرا ان الديون المتعاظمة فيها لا توفر الشروط اللازمة للزيادة في الانتاج البضاعي كما كان الحال مع طيلة حياة الرأسمالية ، بل اصبحت تثقل عليه و تهوي به الى الاقلاع عنه. ان يشير ماركس الى ان الدين العمومي هو من احد الروافع الجبارة لتراكم راس المال الصناعي يعني ان هذه الرافعة ساهمت في تطوير قوى الانتاج و تثويرها باستمرار، لكن عندما غير هذا الدين العمومي وجهته لتتكدس الاموال بعيدا عن انتاج البضاعة جاز لنا القول بان الديون هو دعامة اساسية للاقتصاد الاستهلاكي المدمر لقوى الانتاج.

نقلد ماركس دائما بأن ثروة الامم الرأسمالية هي في الانتاج الكثيف للبضائع و ان الرأسمال النقدي ،نقطة انطلاق الدورة الرأسمالية ، سواء كان مسلفا (دينا ) او مدخرا او هما معا ، لا يزيد و لا ينمو بدون انتاج فائض القيمة، و ان الاخيرة تنعدم خارج دائرة الانتاج الرأسمالي البضاعي. ان تصب الديون في خلق الدفئ لهذه الدورة الحيوية تكون فعلا قوة دفع لتوسيع الانتاج البضاعي الرأسمالي ، و ان تجري خارجها لتكون غطاءا للإنتاج الخدماتي المعادي للإنتاج البضاعي لا يجعل منها مصدرا لازدهار الامم بل ايذانا بالانهيار و الانحطاط.

ان نستنتج عن ماركس بأن "الدول الاكثر مديونية هي الاكثر ثراء" انما يجب ان يقترن ببحثه العلمي حول:
*تدفق صبيب الديون عبر الائتمان (الوطني او العالمي) يعطي الدفئ للانتاج الراسمالي الصناعي، و تعبيد طريق سيره هو ما يجعل تلك الديون رافعة جبارة للتراكم.
*ان النقود مهما تكدست، ان لم تلج الدورة الحيوية الراسمالية نقد-سلعة-نقد زائد، فهي لا تنتج ثروة، ومنها راس المال الربوي و التجاري رغم ضرورتهما للانتاج البضاعي.
من غير هذا الاقتران فان الرجوع الى نص ماركس حول الدين العمومي لتفسير الوضع الراهن انما هو كذب و افتراء على ماركس و تضليل لمجموع الطبقة العاملة. ان حركة رؤوس الاموال عبر الائتمان العالمي التي تحدث عنها ماركس بهذا الخصوص لعبت دورا "خفيا" في تنامي التفوق الصناعي و التجاري للامة الصاعدة كهولندا بفضل القروض الاتية من البندقية المنهارة، و فيما بعد، كذلك انجلترا الصاعدة، في مطلع القرن الثامن عشر، بفضل رؤوس الاموال الضخمة الاتية من هولندا المنهارة ، و كذلك نفس الشيء بين انجلترا و الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر.

امريكا اليوم التي ينعتها دعاة الماركسية بأعتى الرأسماليات تستدين من اجل تغطية عجزها في الميزان التجاري(500 ما يناهز مليار دولار عجز في موازنة البضائع اتجاه الصين) ، تستدين لتستورد البضائع و تستدين من الخارج (ما يزيد عن تريليون و 300 مليار دولار من سندات الخزينة الامريكية هي ملك الصين) لكي تغطي نفقات قطاعاتها السيادية من عسكر و موظفين ...الخ.
نضطر دائما لنذكر دعاة الماركسية بهذا لعلهم ينزعون نظاراتهم الوسخة ليروا حال العالم اليوم الذي تسوده البورجوازية الوضيعة "الطبقة" التي تفتقد لكل مقومات الطبقة ، تستدين من اجل رفاهها. رفاه انخدعوا به فاعتقدوا انه ثروة حقيقية. لم يتبصر هؤلاء الى البضاعة و النقد كما درسهما ماركس في راس المال بحيث لا علاقة لهما بالبضاعة و النقد بعد منتصف سبعينيات القرن العشرين. لا الدولارات المتكدسة في هيئة اوراق نقدية او سندات خزينة... لها قيمة، فهي في انهيار مدو منذ اعلان رامبوييه عندما فكت ارتباطها بالذهب و لا علاقة لها بالنقود المليئة التي تحدث عنها ماركس، و لا البضاعة الصينية التي تغمر السوق الامريكية بضاعة . انكماش الطبقتين المنتجتين حصريا للثروة و هما الرأسماليون و البروليتاريا جعل من رفاه هذه الشعوب زيفا و لحظة عابرة يتحقق على حساب الاجيال القادمة لتجد نفسها مضطرة للاستدانة كل سنة من اجل تغطية نفقاتها السيادية ( عسكر و موظفين و رواتب المتقاعدين و صيانة الممتلكات العمومية...الخ). في الربع الاول من سنة 2019 اعلن الرئيس الامريكي ترمب :"يجب علي ان اعيد ترتيب الجيش قبل الاهتمام ب22000 مليار من الديون" .

يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون ان الدين العمومي هو اداة تغتني بها الطغمة المالية المسيطرة على دواليب الحكم، و لكأن الاستدانة انما هي سياسة اقتصادية موجهة عن طواعية لتغتني هذه الطغمة. قبل ان تغتني الطغمة المالية يتوجب على دولة البورجوازية الوضيعة ان تستدين لتغطي تكاليف خدماتها ، و هنا لا يهمنا اغتناء هذه الطغمة بمقدار ما يهمنا ان هذه الديون المتراكمة لا تساهم في ازدهار الرأسمال الخالق للثروة، و عليه تجد دولة البورجوازية الوضيعة نفسها في مأزق تراكم الديون دون تراكم الثروة الحقيقية، فتضطر لرفع سقف الدين كل
سنة كما هو حال الولايات المتحدة الامريكية، حلقة مفرغة لن تنكسر الا بالعودة الى الانتاج البضاعي و هو ما صرح به اوباما خلال ازمة الرهن العقاري 2007/2008.

نرجع الى ماركس لنفضح الكذبة و المضللين ، و نلتزم ببوصلته لنهتدي الى نجم الشمال و نتعرف على وضعنا الدولي معرفة علمية . بل نرجع اليه ليس كما يرجع اليه الذين على عيونهم غشاوة فقرؤوا نصوص ماركس ليعادوا بها ماركس نفسه و البلاشفة الجدد تلامذة لينين و ستالين هم الاكثر حرصا على تنظيف منظار الماركسية من اوساخ اعداء الشيوعية .


----------------------------------------------

(1)- النص من الصفحة 928 الى 933 ، راس المال ، المجلد الاول ترجمة فالح عبد الجبار.



#سعيد_زارا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقلاع عن التعامل بالدولار في الاقتصاد الدولي La dé-dollari ...
- النفاق البورجوازي
- من وراء تقادم القيم الاستعمالية المتسارع ؟؟؟ او التقادم المب ...
- سمير أمين يخون الإنسانية
- بمناسبة الذكرى المئوية لثورة البلاشفة.
- الخدمات: حجر العثرة التي زلت عندها أقدام -الماركسيين- (1)
- مؤشر الإنتاج الصناعي و حسين علوان حسين
- -مفارقة النمري- تصحح -مفارقة تريفان paradoxe de Triffin-
- هل للماركسية -مستقبل-؟
- مساهمة في نقد خلاصة قراءة الرفيق النمري المختلفة للتاريخ
- عندما يدافع الاسدي عن الأسد...!!!
- حقيقة المخابرات السوفياتية
- -كل ما أعرفه هو أنني لست ماركسيا-
- مات ستالين ذبلت الاشتراكية
- ثروة -الأمم- الاستهلاكية
- -صنع في أمريكا- بين ترغيب اوباما و تهديد ترامب.
- حول شيوعيي البورجوازية الوضيعة
- ضباع البورجوازية الوضيعة الروسية تغرق في الفاشية
- رأسمالية بدون رأسماليين !!! حوار مع الرفيقة نجاة طلحة
- من هناك نبدأ و من ثمة المنعطف.


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد زارا - الدين العمومي و الافتراء على ماركس