أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جواد بشارة - قراءة في كتاب تاريخ الخوف لفالح مهدي















المزيد.....



قراءة في كتاب تاريخ الخوف لفالح مهدي


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 9 - 15:07
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هذا كتاب فريد من نوعه وأسلوبه وطريقة تعاطيه مع محتواه البالغ الثراء والمتعة، ولا يمكن تلخيصه، بل ويصعب نقده وتفكيكه بحثاً عن السقطات أو النقاط السلبية فيه. فهو يختزن كماً معرفياً موسوعياً هائلاً وقدرة تنظيرية يندر وجودها بين أقرانه من الباحثين في هذا الشأن.
الحيز الدائري هو المختبر التنظيري الذي يجري فيه الدكتور الباحث فالح مهدي أبحاثة ودراساته الإنسانية ومن خلاله يعرض مقارباته لمختلف المواضيع والثيمات وآخرها وليس أخيرها تاريخ الخوف، حيث يشير في عنوانه الثاني بأنه نقد المشاعر في الحيز الدائري، وهو استكمال لمشروعه النقدي الكبير والجريء " نقد العقل الدائري " الذي بده بكتابه المهم " الخضوع السني والإحباط الشيعي" الذي تحدثنا عنه بإسهاب في مقال سابق.
وكعادته، مثل أي باحث علمي جاد ورصين، يبدأ فالح مهدي بحثه بتعريف المصطلح كما ورد في القواميس الفرنسية والعربية وهو" حالة نفسية ذات خصيصة فعالة تلازم الشعور بخطر سواء أكان مبرراً أم لا، ويتضمن تهديداً للحياة مثلاً، وقد يؤدي ذلك الإحساس بالخطر إلى حالة عاطفية ذات طابع مأزوم يصعب السيطرة عليها تتمثل بالانهيار العصبي، بالرعب، بالذعر، يصاحب ذلك شعور مؤلم بعدم الأمان" حسب القواميس الفرنسية بينما يعرفه قاموس أكسفورد بأنه " شعور سيء يمتلكك عندما تكون في خطر، أو إحساس بأن أمراً جللاً قد يحصل في لحظة ما" وهو في اللغة العربية يعني" الخوف: هو مصدر فعل خاف وخوّف فعل معنى، أرعبه وأرهبه" بيد أن الباحث يعلن بأن كل تلك التعاريف لن تفيده في بحثه هذا فهو يريد أن يتوغل عميقاً في المعنى المجهول للخوف بعيداً عن البديهيات المتداولة عن إنسان مصاب بالذعر والفزع الذي قد يؤدي إلى موته بتأثير ما أصابه من ذعر وإرهاب ويستند إلى مقولة للفيلسوف الفرنسي الوجودي يقول فيها :من لا يخاف ليس سوياً" . ثم يبدأ فالح مهدي رحلته متجهاً نحو جذور الخوف وأصوله، وبداياته الأولى، أي نشأته، منذ عصر الصيد وجمع القوت مروراً بالعصر الزراعي ومن ثم العصر الصناعي والتكنولوجي، حيث بات " الخوف" موضوع أبحاث اجتماعية وفلسفية واقتصادية وأنثروبولوجية ونفسية.
هناك عالمين يتعاملان مع الخوف كل بطريقته. الغرب والشرق. الأول ليس فيه خوف من عالم آخر بعد خروج الإنسان من هذا العالم المادي الذي يحيى فيه، وليس هناك خوف من نهاية العالم وحضور المنقذ ليخلص من يؤمن برسالته وينقله إلى جنات النعيم، على حد تعبير المؤلف في مقدمته الرائعة. وهذا تعميم متسرع لأنه ما يزال يوجد في الغرب مؤمنون، وهم كثر يؤمنون بالعالم الآخر وبيوم الحساب والقيامة والأديان المختلفة لا سيما السماوية. الثاني، هو الشرق الذي ينتمي إليه المؤلف وهو يعترف بذلك عندما يخبر القارئ الشرقي الذي يتوجه له بأنه " سيلج معه في هذه الدراسة:" لفهم علاقتنا كشرقيين بعالم الخوف". وكانت بوصلة بحثه عبارة ماركس الشهيرة:" نقد الدين هو أساس كل نقد". أي الخوف الذي تولده الأيديولوجية الدينية في نفس الإنسان وعمودها الفقري ألا وهو استغلال خوف الإنسان مما ينتظره بعد الموت. لكن دهشتي جاءت عندما وجدت الدكتور فالح مهدي يبدأ هجومه المباغت على " الدين الماركس الذي دعا إليه لينين في كتابه " نصوص حول الموقف من الدين" الذي كتبه بلغة رجال الدين كما ذكر الباحث واستند إلى فقرة استشهد بها الباحث:" ففي الصفحة 87 نجد لينين يكتب بتلك اللغة اليقينية التي تشبه لغة رجال الدين: «إن برنامجنا قائم كليًّا على الفلسفة العلمية المادية الصارمة، ولكي نشرح برنامجنا يتحتم علينا أن
نشرح الجذور الحقيقية، التاريخية والاقتصادية للضباب الديني. إن دعايتنا يجب أن تكون بالضرورة مشتملة على الدعاية للإلحاد. وتحقيقًا لهذه الغاية فإن نشر الأدبيات العلمية، التي منعها ولاحقها بقسوة إلى اليوم النظام الأوتوقراطي الإقطاعي، يجب أن يصبح الآن مهمةً من مهام حزبنا... "بل ويتهم لينين بعدم الفهم عندما نقد كتاباً كبار مثل تولستوي ودستويفسكي، وإنه بالغ إلى حد الكذب والخداع عندما تكلم عن طبقة عمالية في بدايات القرن العشرين. الباحث لا يعترض على مقولة ماركس لكنه يوضح " إن نقد الدين يتمثل بفهم شروط قيامه وآليات فعله ومدوناته، فهم العلاقة بينه وبين السياسة، كيفية فعله، فهم مؤسساته التي تعمل باسم ربٍّ لم تلتقيه لا هي ولا المؤمنون الذين يدينون بالولاء لذلك الرب، وكذلك فهم الطرق التي يلجأ إليها للسيطرة على المجتمعات التي تقع بين مخالبه".
لماذا ساندت كل الديانات إلى موضوع الخوف لكي تقوم ويستقيم أمرها؟ كما تساءل الباحث؟ في معرض إجابته أن موضوع الخوف متجذر في مخيلة البشر وقد ورد في القرآن «وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» آل عمران: 175، ذلك أن الخوف من الله طريق الدخول إلى الجنة. كما جاء في المصادر الإسلامية، يُعّدُ الخوف من أعظم المنازل وأشدها نفعًا لقلب المؤمن، وهذا يرد في القرآن على النحو التالي «وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» البقرة: 40. فالله الذي تقدمه الأديان هو في غالب الأحيان مخيف ومرعب وجبار ومنتقم ومعذب وإن الأيديولوجيا الدينية متمثلة بالحديث المنسوب إلى محمد فهي من لعبت دورًا مهمًّ في صناعة الخوف. إن الغرض من نقد الدين، كما يبين الباحث، لا يعني إظهار عيوب الشيء كما قد يتبادر إلى الذهن وكما ذكر ذلك في كتابي البحث عن جذور الإله الواحد، بل الكشف عن آليات فعله والغرض من قيامه وأهدافه
المرتبطة بوجود ذلك الدين. فالدين حَكم وهيمن على الحياة البشرية منذ آلاف السنين، ولا يزال في معظم بقاع العالم. وفي هذا البحث يقدم الباحث محاولة لفهم مفهوم الخوف الذي قامت عليه كل الأديان ولا سيما التوحيدية. ولقد ركز على المشاعر الأساسية التي تقود السلوك الجماعي كالأوبئة، الموت وما بعد الموت
أي الجحيم، وحيث إن الجنة مكافأة للعبد الصالح الذي يخاف من الله ويخضه لع ويطيعه.
يضع الباحث فالح مهدي إصبعه على الجرح، وعلى السر الأكبر الذي يقف وراء الخوف، ألا وهو الموت، فالموت أساس وجوهر مخاوف الإنسان، بل كان العامل الأول في قيام الحضارات وتطور الثقافات. الموت عنصر بيولوجي شأنه شأن كل ما موجود في الطبيعة من حولنا. الإنسان كالحيوان وكالنبات يولد، ينمو ويكبر ويشيخ وفي الأخير يموت. ما يميز الإنسان عن الحيوان والنبات، تأمله في هذا العنصر البيولوجي وتحويله إلى عنصر ثقافي، بل من أهم العناصر الثقافية، هو الموضوع الجوهري في هذا البحث.
من أروع وأجمل ما جاء في هذا الكتاب هو الرحلة التي قام بها الباحث في " الزمن" ولقد أطلعني الباحث على معلومة كنت أجهلها وهي إن الزمن في العالم القديم كان زمناً دائريًّا في محتواه، ولم يُلْغَ ذلك التصور عن الزمن إلا بفضل التطور العلمي الذي بدأ في القرن السادس عشر في أوربا الغربية بالذات. فالزمن المعاصر زمن أُفقي ونسبي، تم الأخذ به بفضل التطور العلمي في نهاية القرن الثامن عشر. كما أن الثورة العلمية في النظرة إلى الكون التي بدأت في القرن السادس عشر صاحبتها ثورة في أنماط التفكير، في الأدب، والموسيقى، بل الأهم من كل ذلك وربما يكون مصاحبًا له هو الخروج من الحيز الجماعي وقيام الفردية كمنهج في التعامل مع الذات ومع الآخر. اقتصاديًّا شهدت الثورة العلمية والفكرية، قيام النظام الرأسمالي، أي قيام نمط للإنتاج لم تعرفه البشرية سابقًا. في بدايات القرن التاسع، كان الناس المثقفون على يقين بأنّ الزمن طويل) قياسًا بالزمن القديم الذي صاغه الفكر الرافديني وتبنته الديانات التوحيدية الثلاث. إن عمر الزمن التوحيدي كان ولا يزال 6000 سنة، وهذا الرقم ليس رقمً تقديريًّا بل اعتمادًا على ما ورد في سفر التكوين من أن الله خلق الكون في ستة أيام، واستراح في اليوم السابع، كان أساس ذلك الرقم المتعلق بخلق الكون، والذي أخذه القرآن حرفياً وكرر إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش. واعتمادًا على ما ورد في العهد القديم فإن الأرض عاشت 3000 سنة، ولم يبقَ أمامها إلا ثلاثة آلاف سنة! لم يردْ في سفر التكوين العبري الرقم 3000 سنة، بل وجدنا أثرًا لهذا الرقم في التلمود البابلي، إذ إن الحياة لن تستمر أكثر من ستة آلاف سنة. يتفوق التلمود البابلي في أهميته على العهد القديم. والسؤال هنا لماذا ستة آلاف سنة؟ ويأتي الجواب لأن الله خلق الكون في ستة أيام واستراح في اليوم السابع. هنا يُعبّ هذا الرقم المرتبط بالثقافة الرافدينية المبنية على رقم ستة، عن أن الحياة ستنتهي بعد ستة آلاف سنة، وبعدها سيدخل اليهودي في عالم الخلود، ذلك أن اليهود -وجريًا على الثقافة الرافدينية- جعلوا اليوم السابع، اليوم الذي يستريح فيه الله من عمله. لذا فبعد تلك السنين) 6000 سنة (، سيدخل المؤمن اليهودي في عالم الأبدية والذي يمثله الرقم سبعة أي يوم الراحة وهو شكل آخر من أشكال الموت.
بقي ذلك الرقم صامدًا فيما يتعلق بالتوحيد، حتى اللحظة التي أقرت بها الجمعية الجغرافية اللندنية التي أُسست في عام 1807، أن الزمن هائل. واليوم بات البشر على يقين بأن هناك أكثر من 65 مليون سنة مرت عندما وجدت الثدييات على الأرض وبعد عشرة ملايين سنة حدثت عملية تطور بيولوجية مذهلة.
يقول الباحث في معرض حديثه عن الزمن " العلمي" في مفهومنا المعاصر، إن الدراسات والبحوث الفيزيائية لا سيما أينشتاين في بداية القرن العشرين قادت خطانا إلى مفهوم الزمن النسبي. لم يأخذ أينشتاين بنظرية نيوتن التي تقول إن هناك جسمً ما ثابتًا وآخر يتحرك. حيث كان نيوتن من المؤمنين بأن عمر الأرض 6000 سنة.
إن الزمن الذي يقصده أينشتاين، هو الزمن الخارجي والموضوعي، ولم يتطرق إلى الزمن الذاتي، والذي يستحيل قياسه. فقد تمر ساعة من الزمن الموضوعي، يشعر بها السعيد بأنها بضع دقائق ويُعاني منها التعيس وكأنها الدهر كله. الزمن الذاتي هو الزمن الذي يُطلق عليه الفلاسفة الوجوديون) الزمن الوجودي.
أما الزمن النسبي فهو الزمن الخارجي الموضوعي. الزمن الذي تتحرك داخله النجوم والكواكب وعلى ضوء مفهوم المكان عند أينشتاين والذي هو غير مطلق، اعتُبر الزمن الخارجي والذي يمكن قياسه بالساعة واليوم والشهر وهذه مصطلحات ترمز إلى دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، بمعنى أنها مصطلحات ترمز لأوضاع مختلفة في المكان. إن الزمن الذي نعيشه وتجري كل حياتنا على ضوئه مبنيٌّ على النظام الشمسي. وبما أن النظام الشمسي يتعلق بكوكبنا ولا يمكن تعميمه على كل الكون، من هنا جاءت تسميته بالزمن النسبي. الزمن المعاصر يذهب إلى حقيقة أصبحت بديهة علمية وهي أنه ليس هناك زمن واحد لكل
الكون.
عندما نتحدث عن الزمن تبرز لدينا تساؤلان عن " ما قبل" وما بعد" وعن البداية والنهاية والأصل والماهية والاتجاه.
لغز الزمن الأبدي:
قال الفيلسوف والعالم الإغريقي العظيم آنكسيماندر: "كل الأشياء تولد من رحم بعضها البعض وتختفي إحداها داخل الأخرى حسب الضرورة، وتخضع لقانون الزمن ونظامه".
فما هو الزمن؟ ... هل الزمن واقعي وحقيقي، أي كينونة حقيقية كونية موجودة، أي جزء من المادة، أم وهم مختلق ومفهوم بشري؟ وما تأثير ذلك على صورة وحقيقة وطبيعة وماهية الكون؟ ما هي المعاني الحقيقية لمفاهيم القبل والبعد، الماضي والحاضر والمستقبل، والآن وفيما بعد؟
في الأساطير القديمة التي تبنتها الأديان هناك أشخاص يعيشون حالة من الخلود. فهم إما إله للزمن، أو سيد الزمان، أو صاحب الزمان، أو خالق المكان والزمان، والمحيط بماضي وحاضر ومستقبل الوجود، ويعرف كل ما جرى ويجري وسيجري من أحداث، أي هو مستقل عن الزمن وسيده والمتحكم به.
السؤال عن الزمن، الذي يعتقد غالبية البشر أنه بسيط ولا يحتاج للتساؤل والمناقشة، يأتي على رأس قائمة المشاكل والتحديات المهمة التي يواجهها العلم والدين على حد سواء، خاصة عندما نسبر أغوار الأسس الجوهرية للكون ولعملية الخلق الرباني.
جميع الألغاز التي واجهها الفيزيائيون وعلماء الكونيات الكوسمولوجيون، من الانفجار العظيم البغ بانغ إلى معضلة نهاية ومصير الكون، ومن صداع الرؤوس الذي أحدثته الفيزياء الكمومية أو الكوانتية والنسبية الخاصة والعامة الآينشتينية عند العلماء والمفكرين والفلاسفة، إلى محاولات توحيد القوى الجوهرية الكونية، وعالم الجسيمات الأولية البدئية، كل ذلك يقودنا نحو طبيعة وماهية وحقيقة الزمن كمعضلة يجب حلها.
وهذه المعضلة تصدى لها الباحث فالح مهدي بقوة وجرأة عندما قسم الزمن إلى زمن أيديولوجي، ويقصد به الزمن الذي رافق المسيرة البشرية منذ آلاف السنين ولم يزل في كثير من بقاع الأرض. وقد تمكنَّا من إيجاد آثاره عبر نمطين، الأول وُجد في منطقة الشرق الأوسط وكان السباقون إليه السومريين في جنوب العراق ومن ثم الأكديون في وسط العراق. يطلق على هذا الزمن بالزمن السهمي ويقصد بذلك أنه ينطلق من نقطة كما هو الحال مع السهم لكي ينتهي في نقطة أخرى. أما الزمن الآخر فهو الزمن الآسيوي الذي وُجد في الهند والصين واليونان وبقية شعوب المنطقة ويطلق عليه الزمن الدائري، إذ يجري تصويره على هيئة عجلة.
إنما وقبل الولوج إلى كلا الزمنين، سنحاول أولاً تعريف الزمن، عبر هذا السؤال البسيط: ما الزمن؟ السؤال عن الزمن من أصعب الأسئلة، علماً أنه مفهوم يأخذ بنظر الاعتبار التحولات التي تجري في العالم.
في اللغة اللاتينية يعني مصطلح tempus الزمن وهو نفس المصطلح الذي أخذت به اللغات التي تمتد جذورها الى تلك اللغة كالفرنسية والإيطالية والإسبانية.. إلخ. وفي اللغة الإغريقية القديمة يشير مفهوم Temnein إلى معنى القطع أي آلة تقسيم الزمن. وفي الحضارة الإغريقية هناك الزمن التاريخي الذي يُقّطع إلى ثلاث مراحل) الماضي، الحاضر، والمستقبل (. ذلك أن مفهوم الزمن باللغة الإغريقية يعادل الحركة. وعندما نبحث عن تعريف الزمن في اللغة العربية، نجد: «والزمن في الأصل ملازم للحدث أو الفعل، وذلك أن الحدث، ومن الجانب المنطقي أو الفلسفي لا بد له من مُحدث، ولا بد له أنيجري في دائرة الزمان والمكان، إذ لا فعل ولا حدث يتحقق خارج هدا النطاق ". أما في معاجم اللغة العربية ولا سيما لسان العرب، فسنجد «زمن: الزمن والزمان: اسم لقليل الوقت وكثيره، وفي المحكم الزمن والزمان وأزمنة، وزمن زامن: شديد. وأزمن الشيء: طال عليه الزمان". وكما تلاحظ فإن القواميس عاجزة تمامًا عن إعطاء تعريف للزمن. هذا العجز بإيجاد تعريف شافٍ انتبه له أحد فلاسفة المسيحية، إذ يقول القديس أوغسطين) توفى في 430 (، لو سألتني ما هو الزمن؟ لن أتمكن من الإجابة. ولكن لو امتنعت عن السؤال فأنا أعرف ما هو الزمن! ولقد أرشدتنا الكتابات القديمة الرافدينية المسمارية والهيروغليفية المصرية إلى معرفة كيف تمكن السومريون والمصريون لاحقًا من حساب الزمن والذي هو موضوع بحثنا هذا. لقد قام كبار رجالات الدين السومريون وهم نخبة القوم بمراقبة السماء، ووجدوا أن الشمس تدور حول الأرض. تلك المراقبة تمثلت بوضع عصا مستقيمة في أعلى مكان في الزقورة، ويجري تحريك العصا عبر مرور الشمس. وقد سمحت تلك المراقبة الدقيقة وعبر تحريك العصا بدقة في كل مرة ينتقل فيها ضوء الشمس بتقسيم السنة إلى 360 يومًا، وتقسيم اليوم إلى أربع وعشرين ساعة، وتقسيم السنة إلى اثني عشر شهرًا، يبدأ مع الربيع.
لم يطلق السومريون أسماء على أشهر السنة، لكن التسمية كانت على النحو التالي: الشهر الأول، الشهر الثاني.. إلخ، في حين أطلق الأكديون أسماء على تلك الأشهر ما زالت قائمة لحد الآن. كان البابليون يحتفلون باليوم السابع من كل أسبوع ويطلقون عليه اليوم المقدس ، وفيه يُحظر العمل على عمَّل الدولة، وهو مخصص للإلهين مردوخ وعشتار. إن اليوم السابع الذي قدسه البابليون وتتوقف فيه الأعمال، أصبح في العبرية ومنذ السطور الأولى من السفر الثاني من كتاب التكوين اليوم الذي يتوقف فيه الله عن العمل ويخلد للراحة بعد أن خلق الكون!
لقد تطرق الباحث في سياق حديثه عن الزمن إلى سر الرقم سبعة كلغز تم تداوله عبر القرون. ف من السومرين وحتى يومنا الحاضر، بقي الرقم سبعة لغزًا. والسبب هو تأكيد كل الأيديولوجيات القديمة عليه. فنجد أن السومريين والبابليين تصوروا وجود سبع سنوات وأن الجحيم الذي تصوره الرافدانيون وأخذت به كل الديانات التوحيدية وأقصد بذلك أن الميت يذهب إلى باطن الأرض بعد موته. وأن باطن الأرض موزع إلى سبعة أقسام، كما أن السومريين قسموا أيام الأسبوع إلى سبعة. وأن السبت في العربية وشابات في العبرية يشير إلى الرقم سبعة. وكان هذا الرقم حاضرًا في معظم ثقافات العالم القديم، ففي الهندوسية مثلً فقد كان حاضرًا ولا يزال. واستُخدم هذا الرقم 77 مرة في العهد القديم، بل ذهبت الحكايات فيه إلى أن سليمان شيّد المعبد في سبع سنوات. كما أن أحد الكتب الأساسية في العهد القديم جرت تسميته باسم الأعداد. بل إن الطوفان في ملحمة كلكامش لم ينتهِ إلا في اليوم السابع، وكذلك الطوفان المتخيل والمنسوب إلى نوح. كما أن عجائب الدنيا سبع. والخطايا الكبرى سبع. والقارات سبع. والمحيطات سبع. بل إن عمر الإنسان حُسب وقُسّم إلى سبعة: الولادة، الطفولة، المراهقة، سن الرشد، النضج، الشيخوخة، ومن ثم الموت. كما أن الكائنات الشريرة عند البابليين والتي لا يمكن رؤيتها) الأشباح (تحولت في الديانات التوحيدية إلى شياطين، كان عددها سبعة، وأبواب الجحيم سبعة. المصائب العظيمة في الثقافة الدينيىة الفرعونية تتألف من سبعة: الطوفان، الطاعون) والحقيقة أن الطاعون كما سأشير إلى ذلك لاحقًا وُجد في القرن الثالث عشر، وهو وباء خطير في العالم القديم أُطلق عليه طاعون (، الهدم، الزلازل الأرضية، الخراب، الفوضى، وأخيرًا الإفلاس. وفي الصين وضعوا لأفعى الكوبرا سبعة رؤوس. وهناك سبعة أفلاك، وسبعة ألوان، وسبعة أذواق، وسبع روائح، وسبع عجائب في الدنيا، وعند السومريين هناك الحكماء السبعة الذين جاؤوا قبل الطوفان... أما في الثقافة الإسلامية فوجوده مؤكد لا ريب فيه، فستقوم القيامة في اليوم السابع من الأسبوع أي يوم الجمعة. وأبواب النار سبعة. والطواف حول الكعبة سبع دورات. والسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط. ويأمر نبي الإسلام بالصلاة عند سن السابعة للأطفال. وآيات سورة الفاتحة سبع. وعدد الجمرات التي يُرمى بها الشيطان في الحج سبع... إلخ. وقد ورد الرقم 7 في القرآن على عدة أوجه، فقد ورد لفظ) سبع (18 مرة، وذكر) سبعًا (مرتين، وجاءت) سبعة (4 مرات.. إلخ. كما أن الحسنات التي وردت في الأحاديث النبوية تتألف من
70 حسنة. وقد توصل الرافدنيون -ولا سيما البابليين البارعين في دراسة الأفلاك- إلى معرفة سبعة أفلاك:
المشتري) الإله مردوخ(، والزهرة )الإلهة عشتار(، وزحل )الإله ننيناب(، وعطارد )الإله نابو(، والمريخ )الإله نرغال(، والشمس )الإله شمش(، والقمر )الإله سين(. وتمكنوا من معرفة ألوان قوس قزح، والتي تتألف من سبعة ألوان. لكن أكثر ما قاد إلى إبراز أهمية الرقم سبعة هو توصُل السومريين والآكديين إلى أن الكون
يحتوي على سبعة كواكب. ذلك الاكتشاف الذي عاصر العالم القديم وساهم في صناعة الحيز الدائري هو الأصل في تقديرنا، والذي أدى بدوره إلى إبراز أهمية هذا الرقم، فقد قامت عليه كل المعادلات، إذ إن أيام الأسبوع بل الأشهر كانت تُقسّم على ضوء أيام الأسبوع.
ولم ينس الباحث دور ملحمة كلكامش في قياس الزمن استناداً ماورد في رموز اللغة الأكدية. فهذه الملحمة دلتنا على الزمن الذي تخيله السومريون ولاتزال البشرية تسير على بعض مما جاء فيه كتقسيم زمني للسنة والشهر والأسبوع واليوم والساعة. ولا ننسى أن هذه الملحمة تمثل أقدم وأعظم محاولة في التاريخ الإنساني للبحث عن الحياة الأبدية على حد تعبير الباحث. وهناك ملاحم إغريقية تتحدث عن خلود الآلهة وموت البشر ولكن أيضاً في تلك الثقافة الإغريقية نجد الأبطال يبكون وينحبون عند فقدان إنسان عزيز على أنفسهم، بل الآلهة الإغريقية تبكي أيضًا أي أنها قادرة عن التعبير على مشاعرها.
كان الخوف من الموت في تلك الثقافة من الأهمية إلى درجة أن خصصت تلك الثقافة مكانًا له في مجلس الآلهة أطلقت عليه فوبوس Phobos، وما زالت تلك التسمية في معظم اللغات اللاتينية. بل لجأ علم النفس ومنذ فرويد إلى مصطلح يعبر عن الأمراض الوهمية أطلق عليه فوبيا. في اللغة الفرنسية أصبح Phobie ويُقصد به خوف مرضي وقلق شديد في مواجهة بعض المواقف والأفعال والحالات. وفي اللغة الإنكليزية يكتب هكذا Phobia. أما في العربية فيطلق عليه رُهاب ، والذي يعني خوفًا عميقًا مستمرًّا على غير أساس من واقع الخطر أو التهديد. ورُهاب الموت: خوف مرضي من الموت. كان كلكامش يخاف من الموت ويبحث عن الخلود والحياة الأبدية ووصول كلكامش إلى نهاية الحيز الأسطوري والذي يقيم فيه أتونبشتم مع زوجته. هذا المكان الأتونبشتي هو الذي ستحوله الديانات التوحيدية إلى الزمن الأبدي، والذي سيأتي بعد أن تنتهي الحياة فوق الأرض بأمر الله والذي يعني انتهاء الزمن الأرضي.
يقول المؤلف في عرضه لمفهوم " الزمن التوحيدي" أن هناك زمن رافديني هو عبارة عن سهم وأسماه الزمن السهمي، والذي ينطلق من نقطة ويتوقف عند نقطة وهو شبيه بزمن الثقافة اليهودية المسيحية. وهناك " زمن دائري" الذي أخذت به الهند والصين واليونان، حيث نجد إن الديانة الهندوسية والبوذية أيضاً تصور الزمن على شكل دائرة وقد اخذ بهذا المفهوم الصينيون والإغريق ايضاً. إن مفهوم الزمن في الثقافة المسيحية التي حكمت أوربا منذ أكثر من ألف عام، عبارة عن سهم أو قوة موجهة لكي تسير في اتجاه واحد. هناك بداية ونهاية. فالله خلق العالم وخلق الحياة ومن ثم خلق الإنسان، ومن لحظة خلق ذلك الإنسان أصبح حبيس جدران الزمن الذي أوجده ربه له. فهذا الإنسان التوحيدي وعلى ضوء ثقافة المكان وهي بجوهرها رافدينيّة، انتبه إلى حقيقة ومنذ نعومة أظفاره أن حياته مؤقتة وأنه سيذوق الموت في اللحظة التي يقرر فيها إلهه أن لحظة رحلته التي لا عودة منها قد حانت. بل هو على يقين أيضًا وبسبب تلك الأيديولوجيا، بأن مصير العالم الفناء لا محالة، لكنه سينتقل إلى عالم آخر هو العالم الأبدي مفهوم الجنة والنار (. هنا نجد أن مفهوم السهم المرتبط بالزمن التوحيدي وهو في جوهره ذو أُصول سومرية، سيتوقف عند النقطة التي يقررها الله، ومن ثم ينطلق السهم ولكن هذه المرة ستكون انطلاقته أبدية). إن اليهود وبفضل ما يطلق عليه بالسبي البابلي، أخذوا مفهوم الزمن من البابليين، ذلك أن الأُصول الأُولى لعقيدتهم كانت بسيطة وبدائية. وتمكنوا بعد تأثرهم بالزرادشتية والتي هي بنت الثقافة الرافدينية، من صناعة الأمل عبر موضوع الجنة والنار. مفهوم الزمن الثاني الذي سيأتي بعد الموت لم يبتكره العبريون، بل أخذوه من العراقيين القدماء ومن المصريين، ذلك أن الثقافة الدينية المصرية تؤمن بأن هناك حياة بعد الموت دون أن تتمكن من خلق مفهوم الجنة التي جاءت به الزرادشتية، حالها الديانات العراقية القديمة. إن مفهوم المحاكمة الربانية بعد الموت، لم تأخذ طريقها في اليهودية إلا في القرن الثاني قبل ولادة المسيح. وبعد الميلاد بدأ التقويم البشري المحدود للزمن الأرضي. لقد خاض المؤلف بإسهاب في مفهوم المحاكمة الربانية في " نهاية الزمان" الذي سيأتي بعد موت البشرية برمتها وحلول يوم القيامة والذي وجد طريقه في اليهودية في القرن الثاني قبل ميلاد المسيح. استناداً إلى ما ورد في سفر حزقيال وروايته الخرافية عن إحياء الموتى وبث الحياة في العظام وهي رميم. وكذلك ما ورد في سفر إشعياء وهي إشارات سبق للباحث فالح مهدي أن ذكرها في كتابه السابق " البحث عن جذور الإله الواحد: نقد الأيديولوجية الدينية". إن الحياة في الديانات التوحيدية عبارة عن رحلة تعبُّد، تبدأ بنقطة وتنتهي بنقطة. ومع أن الهندوسية والبوذية تختلفان من حيث البنيوية المقدسة، لكن الحياة تبدأ عندهما بنقطة تتطلب تعبُّدًا يصل إلى حد ترك كل ما هو مُغْرٍ وممتع ولذيذ وعبر تمارين اليوغا للوصول إلى مرحلة النيرفانا أي أن يصبح المؤمن جزءًا من نور الكون. ولو عدنا إلى كتاب القديس أوغسطين) مدينة الله de Dieula Cité (، فسنجد أن الزمن عنده يعني التجربة. لذا فإن نهاية الزمن التوحيدي يعني في الحقيقة نقطة العبور من زمن مؤقت إلى زمن دائم، من الموت إلى الأبدية. الزمن المؤقت وهو الزمن الأرضي سيتم تعويضه بالزمن الدائم عبر مفهوم الأمل.
قام الكاتب بسياحة فكرية راقية فيما سماه" الزمن الهندوسي" وهو من نوع " الزمن الدائري" ويقدم على شكل عجلة ويمثل حركة مطلقة غير قابلة لأية تسوية، وهي حركة دورية تعاقبية. وكان الدخول في " الزمن الكالي" قد حدث حوالي 3200 سنة قبل ولاد المسيح في اليوم الذي شهد ولادة كرشنا الذي هو الاستنساخ الثامن للإله فيشنو والذي قال عن نفسه " أنا الزمن الذي شاخ". ولكن هل هناك مدة لهذا الزمن أم إنه زمن الديمومة؟ والملحمة الهندية العظيمة المهابهاراتا تقدم لنا معلومات مذهلة عن معضلة الزمن الهندوسي وتحدثت عن موضوع أصل الكون بأشكال عديدة عبر الأساطير المتعددة. وإحداها تقول أن الموسيقى كانت بداية الظهور على شكل اهتزازات منتظمة وعلى شكل موجات عبر أزمان سحيقة تقلت إجابات في تلك الأكوان المتعددة التي تحدثت عنها فيما بعد نظرية فيزيائية شهيرة هي نظرية الأوتار الفائقة. لقد لاحظ الفيزيائيون أن هناك عشرة أبعاد أو أحدَ عشرَ بعدًا للمكان، في حين ليس هناك إلا بعد واحد للزمان. الكل يشيخ، الكل يفنى عدا ما يطلق عليه في علم الفيزياء "الجسيمات الأولية".أنْ نخضع لقانون الزمن، يعني أن هناك تحولً وتطورًا. وكل ما يمسه الزمن ينتقل بمرور ذلك الزمن إلى الفناء. بيد أننا لاحظنا أن تلك الجسيمات لا تتطور ولا تتحول، ذلك أننا لم نعثر على إلكترون أو نيترون قد شاخ وحصل عليه تحول لا رجعةَ منه! لا يمكننا الكشف عن الجسيمات الأولية، إنما وعند المراقبة على آثاراها، نجد أن الزمن لا يمنح
الجسيمات الأولية، ولا يقوم بخلقها. وعندما تبدأ تلك الجسيمات بالتشكل على شكل أتون ويتحول الأتون إلى مثاقيل ذرية. يحمل الزمن هذه الأشكال، أي أنه لا يصنعها بل يقوم بحملها. ولأن الكائنات الحية خاضعة لقانون الزمن والمادة الأساسية التي شكّلت هذه الأشكال فلا تتبدل! لقد اعتقد أينشتاين أنّ الزمن مجرد وهم. في حين يذهب بريكوجين) عالم بلجيكي من أصل روسي (بالقول التالي «بالنسبة لنا نحن جمهور الفيزيائيين ومن هم على شاكلتي، نجد أن التفريق بين الماضي والحاضر والمستقبل، ليس إلا وهماً ف بالنسبة لهذا العالم المرموق، لا وجود لسهم الزمن. فهو من ضمن المؤمنين بأن الزمن موجودٌ قبل بداية الكون المرئي. الزمن الإلهي هو الزمن المقدس المطلق وهو بطبيعته متعالي ومتسامي وما عدداه نسبي، بمعنى أن الزمن الإنساني نسبي محدود. من هنا نشأت الخشية والخوف من نهاية العالم البشري، فالكائنات البشرية هي الوحيدة على الأرض التي تعي أنها ستموت وينتهي زمنها النسبي الأرضي. في البدء خلق الله الأرض، هذه العبارة التي تتضمن بدءًا، نجد أن لها ما يماثلها في الثقافة السومرية- الأكدية، بل إن الفكر المعاصر يحتاج هو الآخر إلى بداية. ففي البحوث الفيزيائية المعاصرة، يُعتقد أن هناك بداية تمتد إلى قرابة أربعة عشر مليار سنة لهذا الكون! إن تلك المعادلة لا تمثل يقينًا فهناك من يتساءل وماذا كان قبل الانفجار العظيم؟ ذلك السؤال الذي طرحه النص العبري) في البدء (يثير تساؤلً مهمًّ: ماذا كان يفعل الله قبل فعل الخلق ذاك؟ وعندما طرح هذا السؤال على القديس أوغسطين أجاب" كان يعد الجحيم لمن يطرحون هذا السؤال من أمثلكم". وحتى بالنسبة للمكان فالله في النصوص الدينية يسكن في السماوات ولكن أين كان موجوداً قبل خلق تلك السماوات؟ ولا توجد علاقة بين المكان والزمان الديني والزمكان الفيزيائي العلمي. لذلك كرّس الباحث فقرة مهم لمناقشة مفهوم الزمن بين الفلسفة والعلم واستشهد بأرسطو:" يذهب المفهوم الزمني والمعرفي إلى أن الزمن حركة مستقيمة تتطور على نحو يقيني. أرسطو وفي كتابه الطبيعة نجده يقول: «يقاس الزمن بالحركة، كما أن الحركة تقاس بالزمن... هنا إذنْ يمكننا قياس موضوعين من طبيعة واحدة، ذلك أن الانتقال عبر الدائرة المنتظمة سيؤدى إلى أن يكون ذلك القياس رفيع المستوى. لهذا السبب نعتقد أن الزمن هو حركة الأجرام السماوية. واعتمادًا عليه تصبح كل عمليات القياس المتعلقة بالحركة تقاس بالزمن... نحن نعتقد أن الزمن هو نفسه عبارة عن دائرة. يكون الزمن كنظام لكل الأحداث لا يتضمن حقيقة الزمن كحركة تحصل بفعل الأحداث. لكن تمييز الزمن يتم دومًا عبر المعادلات التالية: ماضٍ- حاضر- مستقبل، بمعنى آخر عبر مفهوم الخط المستقيم، ذاك الذي يحدد طبيعته. وقبل هيجل نجد الفيلسوف إيمانويل كانت الذي يعتقد هو الآخر وقبل هيجل أن الزمن في تطور مستمر من حركة إلى أخرى. ولكن هل الزمن كينونة فيزيائية موجودة على نحو مستقل عن الطبيعة أم هو خصيصة من خصائص الوعي الإنساني ولا وجود له في الطبيعة التي تخضع إلى قوانين أزلية؟ يذهب فينمان إلى أن «كل قوانين الطبيعة التي توصلنا إليها لحد هذه اللحظة، تقودنا إلى حقيقة مفادها أنه ليس هناك ما يميز الزمن الماضي عن الزمن المستقبلي. ومع كل الدراسات وفي شتى المجالات بقي الزمن أمرًا تجريديًا وخاليًا من أي معنى وغير واقعي. العلم ومنذ أكثر من قرن، توصل إلى مفهوم النسبية الذي قاد إلى مفهوم المكان– الزمان. أو الزمكان الأينشتايني، فالزمن في الأخير مرتبط بنا، متنوع كل التنوع كسلسلة من الأحداث.
الفصل الثاني من الكتاب كرسه الباحث لموضوع الذاكرة والزمن. حيث للذاكرة دور في صناعة الأوهام كما قال المؤلف في كتابه السابق البحث عن جذور الإله الواحد كما أن لها دوراً جوهرياً في صناعة الخوف المحور الأساس للبحث في هذا الكتاب. في كتابه الذي صدر في عام 1949 بعنوان) الإنسان والموت (كان آدغار موران من المبادرين لطرح هذا الموضوع الذي لم يُثر اهتمام الكثير عند صدوره ولم يتمكن الناشر على حد تعبير موران نفسه من تسويقه إلا نسخًا محدودة منه. لكن ذلك الأمر لم يحبط همته، فقام بإعادة تحريره وصياغته على نحو يدل على أن ذلك الباحث المتميز قادر على إعادة النظر بما كتب وإغناء أفكاره. النسخة التي نتناولها هنا هي تلك التي نشرت في عام 1970. انتبه موران حتى في الطبعة الأولى التي صدرت في نهاية الأربعينيات إلى حقيقة رفض الإنسان للموت، لكنه لم يتوقف عن معالجة ذلك الموضوع وتلك العلاقة. فمنذ الفترة التي نطلق عليها ما قبل التاريخ بدأ عصر تاريخ جديد للإنسان. قال جيمس فرايزر في كتابه " أعتقد أو أصدق بالخلود" أن من المستحيل أن نتصور معتقدًا وفي كل أنحاء العالم دون أن يجد الخلود والاستمرارية مرتعًا في ثناياه ذلك أنه يعتبر ذلك التفكير ينطوي على استمرارية الحياة لزمن غير محدد لكنه ليس بالضرورة خالدًا. لذا قام الكاتب بمناقشة معنى الخلود عن الإنسان خاصة إنسان ما قبل التاريخ. وفي فقرة الذاكرة والمعرفة تقوم الأولى بمهمة تغذية وعي الإنسان بمفهوم الموت وبمؤقتية وجوده، لكن هذه المعرفة تمنحه الأمل بحياة أفضل في العالم الآخر. المعرفة هنا تستند على التاريخ المؤدلج، حتى أننا نجد صعوبة في التفريق بين التاريخ والذاكرة. التاريخ وسيلة فاعلة للحد من فداحة الموت. الماضي زمن مات، بيد أن الذاكرة تجعله حيًّا يرزق بل قد يقود سلوك الأفراد والجماعات في صناعة حاضرهم.
الفصل الثالث موضوعه هو أساس هذا البحث ألا وهو الخوف الأعظم الموت أولاً. الخوف يتغير بتغير العصور والأزمنة. الإنسان القديم كان يخاف من الظلام، من الأمراض التي كان يعتبرها علامة على عدم رضا الآلهة عليه، يتطيّر ويخاف إذا رأى في أحلامه خنازير محيطة ببيته، بل يخاف من أن تطبق السماء على رأسه في يوم ما، دون أن ننسى الخوف الأعظم المتمثل بالموت. في الزمن المعاصر هناك خوف من موت عزيز على النفس، أو الخوف الآني أي ذاك الذي لن يطول كثيرًا فقد تمكن هتشكوك وعبر فيلمه Psychos من خلق حالة من الخوف عند عدد من النساء في الغرب، ذلك أن مشهد جانيت لي وهي تُقتل على ذلك النحو الشنيع المتمثل برفع ستارة الحمام وطعنها عدة طعنات أدَّى بعدد من النساء بعد عرض ذلك الفيلم في عام 1960 إلى الخوف من الاستحمام في حمام يحتوي على ستارة. إن أفلام الرعب قامت على هذه القاعدة التي برع بها هتشكوك. لكن ذلك الخوف زال بمرور الزمن، فهو ذات طبيعة مؤقتة.
هناك أنواع أُخرى كالخوف من فقدان العمل، من فقدان الذاكرة، من شيخوخة براتب لا يسد رمق العيش الكريم... يبقى الموت قديمًا وحديثًا من أعظم المخاوف، بل الخوف الأكبر. حديثًا وهنا أقصد في العالم الغربي قد تمَّ تجاهله، في حين ما زال فاعلً في المجتمعات الدائرية. شكّل الموت الهاجس الميتافيزيقي الأول للإنسانية. فمنذ الصغر، أدركنا أننا زائلون. وكم أقلقتنا معرفة أن موتنا مبرمج وأننا كغيرنا من قبلنا مغادرون في تلك الرحلة التي لا عودة منها. وعلى خلاف بقية الحيوانات، لا يأتينا الموت فقط من الخارج، فنحن نتأمل فيه ونترقبه في بعض الأحيان بل نتهيأ له، وعندما تحين ساعة حضوره، نكون غالبًا قادرين على استقباله. كما أننا لا نرمي موتانا في سلة المهملات، فاخترعنا القبور، والمسلات والأهرام، بل ابتكرنا
الحرق ليس للتخلص ممن مات بأي ثمن بل لتكريمه. وفي الأخير يخلص الباحث إلى أن كل النظام الميتافيزيقي والديني، قائمٌ في جوهره للإجابة عن هذا السؤال: لماذا نموت؟ إضافة إلى أن شروط الحياة في الأزمنة القديمة تسمح بطرح هذا الصنف من الأسئلة إذا أدركنا أن معدل متوسط الأعمار لا تتجاوز - 30 40 سنة وأن طفلً من ثلاثة معرض للموت في لحظة الولادة، ويضيف أن معظم الأمراض كانت بدون علاج، وفي غياب الدولة والشرطة وقوات الأمن، قد يموت الإنسان موتًا عنيفًا. تعرضت البنية الفكرية المتعلقة بالموت إلى الانهيار مع التقدم الحضاري في الغرب. فالعقائد الدينية خرجت من عباءة الأيديولوجيات المظلمة، وأصبحت بعيدة عن التبشير باليوم الآخر بل تدعو في غالبيتها إلى أن يعيش الإنسان بسلام وشرف مع نفسه وأقرانه. وعن الفيلسوف الإغريقي أبيقور ينقل المؤلف هذه المقولة: "والآن، رّوض نفسك على التفكير بأن الموت لا يعني شيئًا لنا؛ لأنه ليس من خير وشر إلا في الأحاسيس والموت غائب عن الأحاسيس. وفي النتيجة، إذا اعتبرنا أن الموت لا يعني شيئًا لنا سيسمح لنا ذلك بالاستمتاع بهذه الحياة الزائلة، عندها سنتوقف عن الجدل وبلا نهاية، وسننتهي مع الأسف المرافق لنا كوننا غير خالدين...عندما سألت صديقي الباحث فالح مهدي ماهو الرابط بين الزمن والخوف أجابني إنه الموت فالموت هو تجسيد للخوف واستشهد بقول للفليلسوف إيمانويل ليفيناس الأستاذ في جامعة السوربون، من محاضرتين تشبهان التأمل حول بضع كلمات: الله، الموت، الزمن. في الافتتاح والموت والزمن. حيث، ولأول مرة، تم شرح هذين المفهومين اللذين يسريان في كامل عمل الفيلسوف بالتفصيل. في الوقت نفسه، يعود ليفيناس إلى بحثه حول كلمة الله، قالبًا مصطلحات التشخيص الهايدغري: عندما تخلط الفلسفة، من أصلها، بين الله والوجود أو الكينونة، لم يكن الأمر الثاني هو الذي يُنسى، بل هو الأول الذي تم حجبه. ثم تنزل مهمة الفكر إلى تحرير الله من سطوة الميتافيزيقيا. وأخيرا، أضفى هذا ضوءًا جديدًا ومن زاوية جديدة على ثلاثة من الموضوعات الرئيسية لتفكير إيمانويل ليفيناس. التي تعود أيضًا، من خلال كلمات عابرة، إلى مفاهيم أساسية أخرى للعمل - المسؤولية، الآخرين، الصبر، القول، التعالي، الشهادة ... الزمن ليس تقييداً للوجود بل توضيح لعلاقته باللانهاية. لذا يغدو الموت ليس فناءً ولكنه سؤال ضروري لهذه العلاقة مع اللانهاية أو وقت حدوثها. الخوف من الموت هو الخوف من ترك الأثر غير مكتملاً، وبالتالي الخوف من ألا يكون موجوداً هناك فشل في كل الحياة، وحزن هذا الفشل هو طريقته في النشوء في الكينونة الناقصة أو غير المكتملة. العلاقة بالموت، والطريقة التي يضرب بها الموت حياتنا، لها تأثيرها على طول الفترة التي نعيشها، أو اندلاعها في الوقت المناسب - أو اندلاعها خارج الزمن - الشعور بالخوف أو الكرب، هل لا يزال من الممكن استيعابه بالمعرفة وبالتالي بالخبرة والوحي؟ وبهذا الصدد يتحول الباحث للغوص في مفهوم ومعنى ثقافة الموت في الإسلام وخرافة عذا القبر. إذ يعتبر القبر في الإسلام أول منازل الآخرة، وهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من النار. وطقوس الدفن في الإسلام بسيطة، وتشبه في بعض وجوهها العادات البدوية، إذ يشترط الإسلام السني ولا سيما الحنبلي ألا يظهر من القبر إلا مقدار شبر واحد. إن القبر في الإسلام ليس إلا بداية الرحلة التي ستقود مَن مات إلى الخلود في جنات النعيم إذا كان مؤمنًا صالحًا. حيث يجد المؤمن الذي أدخله ربَّهُ في جناته أن نشاطه الأساسي هو النكاح. ففي تلك الجنة يتمتع كل واحد بأكثر من سبعين من الحور العين، وله أن يتذوق النبيذ الذي حرمه ربه عليه في دنياه طوال حياته. ليس في الجنة ليل، ولا برد ولا قيظ. هناك فصل واحد هو فصل الربيع. فُرض على المسلمين دفن موتاهم في قبور بسيطة وبدائية، الغرض منها أن تزول بمرور الزمن. ففي الحديث وردت عبارة) تسوية القبر (واضحة لا لبس فيها. أمام هذه العبارة نحن هنا أمام الثقافة البدوية بكل تجلياتها. يُراد بعبارة تسوية القبر إزالته واختفاؤه بمرور الزمن. وانتقال الروح إلى، إما الجنة والنعيم حيث الربيع الدائم والحياة الأبدية، أو إلى الجحيم أو جهنم. ف صاغت ذلك مخيلة مريضة. إنها المكان الذي سيرقد فيه المذنبون إلى الأبد، كما أنه المكان الذي سيقيم فيه من أُصيب بالجذام أو بما يطلق عليه طاعون في أدبيات العالم القديم.
إن جهنم التي تكتب في اللغة العبرية على هذا النحو Guehinnom ، هي جهنم الذي أخذ بها الإسلام.
ولدت جهنوم من قبل الرب قبل ولادة العالم حسب العلم الكهنوتي العبري. فقد خلقها الله في اليوم الثاني من أيام الخلق. إنها أكبر حجمً من العالم الذي يحيا في الإنسان، ووادي حنون أحد أبوابها، لكنما هناك باب آخر موجود في الصحراء وثالث في البحر. ويستفيض الباحث في عرض مفهوم الموت عند الإيرانيين القدماء في الثقافة الفارسية القديمة وفي الدينة الزرادشتية والمزدكية والمانوية. ويعرج إلى عرض مفهوم الموت في ثقافة وادي الرافدين في الحضارات السومرية والأكدية والبابلية والآشورية. كان لأبناء الرافدين) وهنا أقصد السومريين والآكديين (ومنذ البداية، نظرة ثنائية لفهم الكون) ليلنهار، ظلام نور... إلخ (وهم ليسوا وحيدين في ذلك؛ فكل العالم القديم قائم فطريًّا على تلك الثنائية. لقد اعتقدوا أن الكون عبارة عن كرة مجوّفة تتألف من قبتين، الواحدة مضادة للأُخرى، العليا تمثل السماء) آن في السومرية (وفي الأسفل عبّ عن الكرة الأرضية بالقبة التحتية. أما الحيز المواجه للسماء فيمكن أن نطلق عليه الجحيم على حد تعبير عالم الأشوريات الفرنسي جون بوتيرو. إن طبيعة الحيز السماوي المتخيل جرى تصويره كما هو الأمر مع عالم الموتى أي تحت الأرض، فهو مسكون بعالم الآلهة.
ليس بين العالمين من اختلاف في وظائف الآلهة. فالكائنات البشرية التي تعيش فوق الأرض تجد أنفسها تحت رحمة آلهة السماء، وبعد الموت تنتقل مهمة مراقبة ومحاسبة الكائنات البشرية الى آلهة السفلي. من الملاحظ أن الثقافة الدينية لبلاد وادي الرافدين تطلق على العالم العلوي والسفلي عبارة) مملكة (. هذه العبارة ستجد طريقها إلى كل ثقافات الديانات التوحيدية. ذلك العالم السفلي أي الجحيم الذي لا عودة منه على حد تعبير أبناء تلك الحضارة حُكم من قبل الرب نيركال Nergal وزوجته إيرشكيكال Ereškigal . كلا الإلهين ينظم أمر الكوارث، الحروب، الأمراض المعدية وكل أشكال الموت التي تتم بشكل جماعي. إن الكائن الذي يذوق الموت يعود فورًا إلى تراب، بل حتى طعامه يصبح تراباً وما خبزه إلا طين. مع أن أبناء تلك الحضارة على علم بأن كل شيء يتحول إلى تراب عدا العظام وتُكتب باللغة الآكدية على نحو قريب من اللغة العربية عظمتو esmatu . وعندَ عودتنا إلى موضوع خلق الإنسان الذي ورد في) عندما في الأعالي(، نجد الرب الخالق مردوخ قام بتخثير وضغط دم الإله كنكو Kingou والذي سيؤدي إلى خلق عظام تتمكن في النهاية من أن تقف لوحدها، حيث نجده يقول: "أُريد أن أخُثِّر دمًا حتى تصبح مجموعة عظام ستؤدي إلى خلق الكائن البشري سيكون اسمه: إنسان". الذي يسيطر عليه الخوف من الأشباح وعودة الموتى بعد موتهم إلى عالم الأحياء وهو التفكير الذي انتشر في ثقافة القرون الوسطى الدينية لا سيما في أوروبا. وكذلك عرض الكاتب مفهوم الموت عند المصريين القدماء واعتقادهم بوجود حياة بعد الموت. وإن الحياة بعد الموت أهم من الحياة التي يحيونها في الواقع الحياتي الآني لأنه ليست زائلة بل خالدة ومثالية. ملوك الحضارات الرافدينية يخشون الموت ويبحثون عن الخلود على الأرض كما جاء في ملحمة كلكامش بينما يبحث ملوك المصرين القدماء والفراعنة عن الخلود في حياة مابعد الموت. حددت كلتا العقليتين نمط السلوك والحياة لكلتا الحضارتين في هذه المنطقة من العالم. المصريون انطووا على ذواتهم عبر بناء تلك الأهرمات– القبور، في حين قام العراقيون القدماء بالبحث عن المجهول أي الخلود كما تمثل ذلك في ملحمة كلكامش.
أهم نتيجة من نتائج رحلة كلكامش هو تكوين فكرة عن الزمن السهمي أي ذاك الذي ينطلق من نقطة لكي يقف في نهاية المطاف عند نقطة أخرى. هذا الزمن كما ذكر الباحث سابقًا، هو عينه الزمن التوحيدي. ويسترسل الكاتب في عرض مفهوم الموت وطقوس الدفن عند اليهود المتأثرين بالحضارات الرافدينية القديمة والحضارة الفرعونية. ولم ينس التطرق إلى موضوع الموت في الديانة الهندوسية وحرق جثث الموتى بدلاً من دفنهم وفق طقوس متميزة منتشرة في شبه القارة الهندية حيث يُكّرم الميت بإحراق جثمانه، وذلك في احتفال كبير يوضع فيه الجثمان على عربة تغطيها الزهور وتجرها الخيول إلى المكان المخصص للحرق، حيث تغطى بالأغصان الجافة لتسهيل الاشتعال، ويغسل الميت بماء الورد ويُحاط بأطواق الورد.
وبعد انتهاء عملية الحرق يجمع الرماد المتبقي في إناء، ينثره أهله فوق مياه نهر الغانج، لما له من قدسية لديهم، حيث يعتبرونه الفيض الإلهي الذي يطهر الأرواح، لإعادة الخلق من جديد عن طريق تناسخ الأرواح.
إن الطقوس المتعلقة بتذكر مَن مات يطلق عليها پيجا Puja، تتم من قبل كاهن هندي البراهمان (يُرافقه أهل الميت ومحبوه، يقوم هذا الكاهن بتلاوة المانترا mantra وهو عبارة عن صيغة من الأدعية تُلقى باللغة السنسكريتية، قبل مراسيم طلب البركة والغفران للميت أثناء عملية حرق الجثمان. إنَّ طقوس الموت في الهند تتطلب وضع الميت على حمالة، وأن يكون جثمانه موشًّ بقماش ذي لون أبيض، تُغطِّيه الزهور والأوراد) يُفضَّل القرنفل (. ويحمله أربعة اشخاص على حمَّلة ثم يضعونه في المكان المعد للحرق، ويقوم شخص بنثر الماء خلال تلك الرحلة التي تمثل نقل الميت إلى مكان الحرق. يرافق عملية الحرق في بعض الأحيان موسيقى وغناء ورقص. كما أن ابن المتوفى البكر يرتدي ملابس بيضاء بهذه المناسبة وهو مَن يقوم بإشعال النيران بجسد أبيه. ويحدد دورة التجسيد.
الهندوسية تعتبر الموت مرحلة أو عبورًا من حالة إلى أُخرى. إنه يمثل رحلة الروح إلى عالم آخر. لا يعتبر الموت في هذا الديانة كحالة مأساوية، بل إنها تحرر مَن مات مما هو فيه وتسمح له بالانتقال إلى حالة أُخرى أفضل من حالته التي كان فيها.
يحمل الفصل الرابع عنواناً مثيراً:" الخوف الأكبر، الجحيم ثانياً". عند جميع الشعوب المعتنقة للديانات السماوية خوف وجزع من الموت واستسلام له، وخوف وهلع مما بعد الموت المتمثل بيوم الحساب والآخرة والعقاب والثواب والجنة والنار. يبدأ الزمن الأخروي عندما ينتهي الزمن الدنيوي ويكون الموت حدًّا فاصلً لكن الموتى ما زالوا في زمن الانتظار الذي امتد منذ آلاف السنين ولم يزل. إن الزمن الأُخروي هو الزمن الدائم الذي يخرج فيه الموتى من التاريخ الإنساني. ولكي نفهم تلك الثقافة التي لعبت دورًا في قيام الأديان وأدت إلى شل قدرات الناس بسبب ذلك الخوف الذي سيأتي في عالم الجحيم، سنلجأ إلى ثقافتين، أخذ المخيال الأخروي فيهما مدى من الصعب أن تجد له مثيلً، وأقصد المسيحية والإسلام. ولقد استغلت المؤسسات الدينية هذا الخوف المزمن عن الناس لتنشئ صناعة الخوف من العالم الآخر، لاسيما في السيحية والإسلام وانتشار خرافة صكوك الغفران والشفاعة. لا يخاف الناس من الموت بقدر خوفهم من يوم
الحساب والعذاب الأبدي الذي سيتعرض له مَن لم يلتزم بطريق الرب فيُرمى في تلك النار الأبدية. الخوف من ذاك الذي لا يراه، لكنه على يقين بوجوده وسيكون في انتظاره. إنه على يقين من استمرارية الحياة بعد الموت. المؤمن في عالم القرون الوسطى على يقين بوجود الجنة والنار، ووجود العقاب والثواب. في الحياة اليومية كان ذلك الإنسان مكبلً بمفهوم الخطيئة. والذي يعني أنه معرَّض للعقاب في كل لحظة من حياته البائسة تلك. الأيديولوجية الدينية لذلك الزمان أوجدت الحل وهو بسيط، يتمثل في الذهاب للكنيسة يوميًّا من أجل الصلاة ومن أجل الاعتراف بذنوبه وإظهار فروض الطاعة. وفي كل الديانات التوحيدية التي قام عليها مفهوم الخوف، نجد أن الله سينتقم من أُولئك الذين لم يطيعوه ولم يسيروا في الطريق الذي رسمه لهم.
في الإسلام ورد هذا القول الشهير: "الله يمهل ولا يهمل"، وهذا يعني أن الله سيتسامح مع مَن تاب وسار على درب الرب، لكنه لن يهمل ذلك أبدًا بمعنى أنه لن ينسى أن ينتقم ممن خرج عن دروبه. الله وعد والله خير الواعدين ولا يمكن أن ينكث بوعده كما تذهب إلى ذلك الأيديولوجية الإسلامية، فهذه سنته وقانونه. إن القرون الوسطى شكلت حيزًا مأزومًا ومريضًا قائمًا على اتهام الآخرين بالإلحاد، والكفر والخروج على تعاليم المسيح حيث كان ينزع إلى زرع إيمان واحد هو الإيمان الحقيقي، وكل ما أتى به الآخرون باطل كما هو الأمر مع الإسلام على سبيل المثال. ولقد عرضت هذه العقيدة في الكثير من الأعمال الفنية والرسومات واللوحات والتماثيل المنحوتة التي تؤثث الكنائس وتعبر على نحو فذ عن العذاب الذي سينتظره الإنسان المسكين فالجحيم حاضر في كل زاوية في تلك الكنائس وشكل أساساً للخوف عند سكان القرون الوسطى. كان يقود ذلك العالم مجموعة من الدجالين والمشعوذين، ممن يبيعون تعاويذ للعبد المرعوب. كذلك وجدت سوق التطهير، حيث يبيع كبار المشعوذين والدجالين وصفات من أجل إخراج من مات توًّا من الجحيم وتوجيه مسيرته نحو الجنة. مقابل ذلك كان هؤلاء الدجالون يستولون
على ثروة مَن مات. لقد انتعشت تلك التجارة في القرن الثاني عشر))). كان يقود ذلك العالم مجموعة من الدجالين والمشعودين، ممن يبيعون تعاويذ للعبد المرعوب. كذلك وجدت سوق التطهير، حيث يبيع كبار المشعوذين والدجالين وصفات من أجل إخراج من مات توًّا من الجحيم وتوجيه مسيرته نحو الجنة ويبيعون صكوك الغفران للأحياء ممن يعتقد أنهم من مرتكبي الخطيئة وتعريضهم لأبشع عملية ترهيب من عذاب الآخرة. مقابل ذلك كان هؤلاء الدجالون يستولون على ثروة مَن مات. لقد انتعشت تلك التجارة في القرن الثاني عشر. من هنا نشأت ثقافة البحث عن المنقذ وانتظاره لدى كافة الشعوب وكل الديانات. لا سيما بعد انتشار الكوارث الطبيعية والجائحات والأوبئة وموت الآلاف من الناس في غضون أيام معدودة. كانت كل تلك التجارب والأحداث الرهيبة التربة الصالحة للتفكير بعودة الدجال ونهاية العالم، حتى أن القديس أوغسطين سيخصص كل كتابه مدينة الله La Cité de Dieu ليقول إن حضور الدجال سيسبق حضور المسيح، مستندًا في ذلك إلى عدد من النصوص المقدسة. في كل ذلك الزمن الذي مثلته القرون الوسطى كان التفكير بنهاية العالم وعودة المسيح حاضرًا في الوعي العام، بل إن الكنيسة كانت تشير إلى نهاية التاريخ ونهاية العالم في الصلوات التي كان يلقيها كهنة تلك الكنائس. هناك نصوص إسبانية ما بين القرن العاشر والقرن الثالث عشر تشير وعلى نحو متواتر إلى مفاهيم القيامة والانبعاث. في كتابه الشهير ذاك والذي أتينا على ذكره في كتابه مدينة الله، يتساءل القديس أوغسطين فيما إذا كان الزمن الذي تنفصل فيه الأرواح عن الأجساد يتطابق مع زمن الموت أو يعبر عن حالة ستحصل مستقبلً؟ ففي تقديره أن الموت كالزمن عبارة عن تعبير عن مرحلة مضت وهي موجودة في الزمن الراهن، بيد أنْ لا مستقبل لها أو أن مستقبلها سيتم في عالم آخر.. إنّ الانتقال من الحياة إلى الموت في تقديره ليس بلعنةٍ، بل يجب استقباله بحبور. في جهنم الإسلامية، بل القرآنية على وجه التحديد، نجد تلك اللغة الصارمة، الشديدة في عنفها، العظيمة المبالغة، المأزومة، نجد ما وجدناه في الثقافة الجهنمية لأوربا القرون الوسطى. وإذا اكتفينا بهاتين الآيتين من سورة النساء: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّما نضَجَتْ جُلوُدهُمْ بدَّلنْاَهُمْ جُلوُداً غيَرهَا ليِذَوقوُا العْذَابَ إنِّ اللهَّ كاَنَ عَزِيزًا حَكِيمًاً وَالذَّينَ آمَنوُا وَعَمِلُوا الصَّالحِاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تجَرِي مِنْ تحَتِهَا الأنَهْارُ خَالدِينَ فِيهَا أبَدَا لَهُمْ فِيهَا أزَوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً57 - 56 (، فسنجد ودون أية صعوبة تلك اللغة التي تعبر عن مخيلة مأزومة. وإذا أردنا أن نقرأ تلك الآية، فسنجد أن النص يؤكد ويجزم على نحو لا لبس فيه أن جلود مَن دخل تلك النار ستبدل في كل مرة تنضج فيها تلك الجلود. ولو أجرينا المعادلة التالية على ضوء الحقيقة المتاتية من أن جلد الإنسان من أرق جلود الكائنات الحية، لذا وخلال أقل من لحظة سينضج جلد ذلك الإنسان! وفي عملية حسابية بسيطة من تحويل الثواني إلى دقائق والدقائق إلى ساعات، سنجد أن جلد ذلك الإنسان سيتبدل إلى ما يعادل مليار مرة في السنة، فما بالك إذا تيقنت أن تلك العقوبة أبدية ولن تنتهي في يوم ما؟ ولو عدنا إلى الآية التي أعقبت آية} كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُوْدُهُمْ"، فسنجد أنه وضع الجنة مقابل النار، ولكن المخيلة هنا مضمرة وشديدة الاختصار، فمن آمن وعمل الصالحات سيدخله ربه جنة تجري من تحتها الأنهار! إن الجنة في الكتابات التوحيدية المقدسة مكافأة للمؤمن الذي عمل صالحًا، والنار أيضًا عقابٌ للجاحد الكافر، ذاك الذي خرج عن طريق الرب. ففي سورة الزلزلة نجد التالي:} فمَنَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَّراً يَرَه{) 8- 7(.هنا نجد أن النص يضع معيارًا لتلك المكافأة فمَن كثرت ذرات فعله الحَسَن فسيدخل الجنة، ومَن كثرت ذرات سوء فعله فسيدخل النار إلى أبد الآبدين. إن العذيب بمعناه الصريح وليس المجازي وارد في كل الديانات التوحيدية. ف لقد ابتكرت الكتابات المقدسة عبر تلك المخيلة المريضة، أساليب لم يتمكن أكبر طغاة العالم وعبر تاريخه الطويل من الوصول إليها. فلكل خطيئة صنف معين من التعذيب في الكتابات المسيحية في القرون الوسطى) سيعود الباحث للحديث عن الموضوع في الإسلام لاحقًا وبالتفصيل. وهنا نجد أن ذلك الحيز يتشظى على ضوء العذابات. كما أننا نجد براعة تلك المخيلة وبنيويتها ذات البناء المعقد، فلكل ذنب عقوبة في الحيز الجهنمي، فالخونة يتعرضون للبرد والحر، والأشرار لسوء الأحوال الجوية. هنا نجد أن الجبال والسهول والأنهار والبحيرات الموجودة في هذا الحيز تلعب دورًا مهمًّ في تنفيذ العقوبات. ولأن الحيز الأوربي بما فيه من غابات وجبال وأنهار وبحيرات فقد سمح لتلك المخيلة من إعادة توظيفها في عمليات التعذيب الأبدية. في الحيز الإسلامي الذي وُلد في أرض قاحلة وبثقافة تغلب عليها البداوة، ليس هناك أنهار وجبال وبحيرات تساهم في عمليات التعذيب الأبدي. لهذا نجد أن النار والجنة هما إعادة إنتاج أيديولوجية مستمدة من المكان الأرضي. كانت الأدوات المستخدمة في التعذيب في القرن الثاني عشر، ذات طبيعة حادة ومدببة، وذلك بسبب الثورة التكنولوجية التي حصلت في ذلك القرن))2). كما أنّ مهمة تلك الوسائل الجهنمية التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، هي صناعة الخوف. تؤدي وسائل التعذيب الجهنمية تلك إلى ثلمِ وتمزيقِ مَن تمسه. إن جلد الإنسان المُعذَّب رمز الجسد
والكينونة، وهو ومن الناحية الرمزية، يعبر عن ظهور) الأنا (على نحو متميز. الندوب والجروح العميقة التي يتركها التعذيب، والتقطيع الذي يصيب البشرة ويقوم وعبر ذلك المتخيل بإيجاد وسائل اتصال ما بين خارج وداخل ذلك الكائن المجهنم) أي الذي دخل جهنم (. في القرون الوسطى لعب التشويه الجسدي أهم الأدوار أمام الحساسية الإنسانية، والذي يراد منه في النتيجة صناعة الخوف. من المجدي فعلً، تفسير المخيال الجهنمي من ضمن علاقة التجاوز والاحتواء، فهو -وفي نفس الوقت- مغلق ومفتوح. فذلك أن المكلف من قبل الرب بإدارة شؤون الجحيم سيكون الشيطان نفسه. إنه ذلك الذي ترتكز السلطات بين يديه ويكون على نحو ما ملكًا، حتى أُطلق عليه في ثقافة القرون الوسطى أمير النار. هنا تم تصوير النار كحيز، والشيطان هو سيد ذلك الحيز. النار تعرب عن نفسها باعتبارها فمً مفتوحًا ما إنْ يُملأ حتى ينغلق على نفسه. إنَّ عملية الإملاء والتفريغ تتم دون هوادة، باعتبار أن ذلك الفعل سيتكرر ودون توقف. الجسد وعاء لا بد منه لأنه يحمل الروح. ويتحمل الجسد خطايا الروح المذنبة فتظهر عليه باعتباره ملموسًا. فتبدو آثارٌ توحي بأن تلك الروح كانت عفنة. أما الجسد في هذه الحالة فيتحول إلى سجن لعبد اسمه الروح. وعندما يربط ذلك المَلك ما بين الجسد والروح، فإنه ينزع إلى تجنيب الروح للعذاب أثناء الحياة. كما أن العذاب الذي تتعرض له الروح يتجاوز ذاك الذي يصيب الأجساد. في الجحيم يمتلك الجسد خمس حواس، أهمها حاسة النظر، فهي الحاسة الجوهرية في رسم مسيرة الإنسان في اليوم الآخر. لذا فإن كل أعضائه تتعرض إلى ذلك العنف الرهيب. الرؤيا تمثل الأساس الذي يقود إلى الخطيئة. في الرحلة الجهنمية يرى المحكوم عليه نفسه وبوضوحٍ يتمثل بقيامه باجتياز كل أبوابها عبر عينيه وروحه. تلك الرؤية تسمح له بمشاهدة جسده خاليًا من الحركة ومرميًّا فوق روحه. في ذلك العالم الجهنمي، تتوسع وتنتشر الظلمات عبر المراحل التي يمر بها مَنْ وقع عليه اختيار الرب لاجتياز تلك السفرة ببطاقة ذهاب فقط، فتبدأ تلك الظلمات بنشر العتمة وكلما تقدم ذلك المسكين ازدادت العتمة وتوسعت عبر كل مرحلة. في تلك الرحلة يتم هضم تلك الروح التي ضلّتْ طريقها في الدنيا، ومن ثمَّ تفسخُها إلى الأبد دون أن يفقد الجسد كل مكوناته الأخرى حتى لا تنتهي حفلة التعذيب الأبدية. تفَسّخ الروح والجسد وتعفنهما لا يسمح بأكلهما، لكن يتم التهامها بعد أن يتحوَّلا إلى جيف من قبل حيوانات شاذة وعنيفة وذات أشكال مرعبة. الجحيم هنا عبارة عن متخيل عظيم لالتهام الجيف. أما الشهداء والقديسون فيشترون أرواحهم عبر التضحية بأجسادهم. وستتم معاقبة مَلِك الظلمات لقيامه بالتهام جيف المغضوب عليهم في الجحيم من قبل الرب لاحقًا، حيث يقوم أمير الظلمات وهو الشيطان نفسه بشوي الجيف فوق قضبان متشابكة حيث يقوم بربط أعضاء تلك الأجساد المتهرئة. إن الغرض من تلك المخيلة المريضة هو تصوير الأهوال التي تتعرض لها أجساد وأرواح من ولج ذلك العالم المتخيل، حيث يقوم الشيطان بتقطيع الأوصال من أخمص القدميين وحتى الرأس. إن رحلة العذاب الأبدية والدائرية البنى تعطي تصورًا لعملية التقطيع التي تتم في الجحيم. الشيطان يأكل كل ما يثير انتباهه وكل ما يجسده ويشير إليه. لم يكن الشيطان ملك الظلمات بسبب قوته، بل لأنه يعاني من عذاب لا نهائي، أدهى وأعظم من أي عذاب آخر. إنه تعبير عن الموت متمثلً في الجسد بكل آيات الخزي والعار حيث يتم
حرقه إلى الأبد دون أن يموت. كما أن لحاسة اللمس علاقة حميمية مع الالتهام والتفسخ والخصب، تلك الحاسة تنتقل من نقطة إلى أُخرى. أما الروح المحترقة الممزقة فتنتقل من حيز جهنمي إلى آخر دون أن يتوقف فعل الاحتراق والتمزيق عبر تلك الدائرة الجهنمية. لكنما لحاسة اللمس جانب إيجابي لأن هناك
يد الملاك التي تلامس مَن تريد أن ترفعه من النار أو الجنة. هنا يدخل مفهوم الشفاعة الذي سيتطرق إليه الباحث لاحقًا. إنَّ حاستَي اللمس والتذوق تبرزان في الجنة والنار. وكما هو الأمر مع القديسين والشهداء، فإن العذراوات ممن يضحين بأجسادهن سيدخلن الجنة. كما أن النار ستكون شديدة الوطأة على أولئك الذين يدعون الإيمان بالله وهم أبعد الخلق عن دروبه. في النار سيتم إخصاء مَن زنى، وسترتفع بطونهم، دلالة على الحمل. وإنّ كل مَن يدخل النار رجا لً ونساء سيحمل، لكنه سيلد أفاعيَ. إن مشاهد الجحيم مرعبة ومقززة وسادية فيها نوع من التلذذ في تعذيب المارقين والكفار والمنكرين والمخطئين والزناة. من هنا نشأ الخوف الدائم في ثقافات الشعوب المؤمنة بإله السماوات لأن بطشه يتحول إلى مادة للإرهاب والذعر عندما نجد أن العالم الجهنمي يغص بالكائنات المرعبة وبالشياطين التي وجدت من أجل تعذيب الكائن الإنساني نتيجة ما اقترفه من آثام. خلق اللهُ الإنسانَ على صورته، لكن الخطيئة الأولى المتمثلة بعدم طاعة آدم، شوَّهت ذلك الإنسان. فهو فوق الأرض موزعٌ بين مجموعة من المفاهيم المتناقضة. فالإغراء يدعوه للاستمتاع
بهذه الدنيا في مقابل الخطيئة التي تشكل جرس إنذار من أن الإغراء سيؤدي به إلى كل المهالك وبين الأمل في أن يقترب من الله.
يعالج الباحث أخطر أطروحة واجهت البشر وهي الروح ومصيرها وماهيتها ومحاكمتها بعد الموت. في جميع الأديان وكافة الحق الزمنية حيث أفاض في الحديث عن الملائكة والشياطين وصراعهما أو تنافسهما على التعاطي مع بني البشر في الدنيا ومع الأرواح البشرية في الآخرة من خلال عرض ومناقشة السرديات التي تتعاطى مع هذا الموضوع. كما استفاض في شرح ووصف الجحيم ويوم القيامة سواء في المسيحية أو في الإسلام حيث تكثر الأدبيات الإسلامية وكتب التراث بوصف عذا النار وأهوال يوم القيامة حيث نجد في نصوص قرآنية أخرى أن الناس لا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يعرف أحدهم أخاه وأباه وأُمه... إلخ. هكذا يكرر القرآن كثيرًا، وشرَّاح القرآن يجدون أن التكرار لأجل الموعظة والعبرة. والأهم هنا بالنسبة للباحث هو المخيلة التي كتبت بها النصوص القرآنية عن الجحيم. فقد وجد أنها من طبيعة واحدة وتُعيد استخدام نفس المصطلحات. يذكر الباحث فقرة ذات مغزى عن أحوال الناس في يوم القيامة ويقول:" الكفار أولً: في ذلهم وهوانهم وحسرتهم ويأسهم، وإحباط اعمالهم. في ذلك اليوم يتخاصم أهل النار خصامًا شديدًا". وأتساءل من باب الطرافة كيف يتخاصم أهل النار فيما بينهم خصاماً شديداً ولماذا وهم يحترقون ويعذبون ، هل لديهم الوقت والقدرة على ذلك وهم في حالة احتراق وتعذيب؟ ومن باب السخرية يعلق المؤلف على الشفاعة والسماح الإلهي والعفو عن المذنبين:" في صحيح مسلم ورد هذا الحديث للنبي محمد: «لكل نبي دعوة دعا بها في أُمته، وخبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة 4(» )).وهناك أحاديث كثيرة عن الشفاعة وردت في الصحيحين، أروي هنا أحدها وهي تتشابه في بنائهِا ووظيفتها والعبرة من ورودها، كما ورد في الكتاب الذي أشرنا إليه: «ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد، ثم أخرُّ له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تُعَطه، واشفع تشفع، فأقول: يارب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمَن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل... .((4(» هنا وكما ذكرت في كتابي نقد العقل الدائري يكفي مثقال من حبة الخردل من إيمان، حتى يخرج الله ذلك )المؤمن( الذي ارتكب كل المعاصي وفعل أشنع الجرائم وقتل وسفك دماء الأبرياء وشن حروبًا أودت بحياة ملايين الناس، ونهب من المال العام باسم المال السائب وليس هو بسائب، لكنه بنى جامعًا هنا وحسينية هناك، وعاش طفيليًّا مرتزقًا باسم الخمس... والسبب في دخوله الجنة يأتي من أن في قلبه مثقالً من حبة الخردل! ولو تأملت بصغر حبة الخردل، فستندهش من أن مثقالً حقيرًا من تلك الحبة البائسة سيكون كافيًا لا دخالك تلك الجنة من أوسع أبوابها". و لا يختلف الشيعة عن السنة في الإسلام في وصف الجحيم والعذاب ووحشة القبر والترهيب والتخويف والتخريف كما ورد في كتاب سياحة في عالم البرزخ للسيد محمد حسن النجفي القوجاني:" يبدأ القوجاني كتابه الصغير ذاك بعنوان وحشة القبر حيث يقوم السرد بوظيفة التخويف والترهيب على النحو التالي: «في تلك الحال من الوحشة الرهيبة واليأس الشديد إلا من الله، جلست عند رأس الجنازة، ولاحظت شيئًا فشيئًا أن القبر أخذ يهتز وراح التراب ينهال من سقف اللحد، حيث كانت الأرض التي تلي قدمي الجثة تضطرب وكأن حيوانًا يحاول أن يشقها للولوج إلى داخل القبر، وأخيرًا انشقت الأرض وخرج منها شخصان لهما ملامح مخيفة وهيكلان مهيبان. كانا كوحشين قويين، يخرج من فميهما ومنخاريهما النار والدخان وبيديهما هراوتان من حديد محمر كجمرتين يتطاير منهما الشرر...»، ويستمر النص على ذلك المنوال القائم على إحداث الرعب في النفوس، فيقومان بطرح الأسئلة على الجثة، وهي نفس الأسئلة تقريبًا التي ترد في السرديات السنية: مَن ربك؟ ويتدخل السارد على النحو التالي «كنت أنا من شدة الخوف والهلع قد جف
لساني، وقلت إن هذه الجثة التي لا روح فيها، لا يمكن أن تجيب على سؤالهما، ولا شك أنهما سينهالان عليها بالضرب بهرواتي النار فيمتلئ القبر بالنار المحرقة ويشتد الأمر، فمن الخير إذنْ أن أردَّ أنا. فتوجهت إلى الله أمل اليائسين والمساكين وملجأ الحيارى وتوسلت في قلبي بعلي بن أبي طالب الذي كنت أعرفه جيدًا وأعرف أنه يدرك الملهوفين... وبعد أن قوي قلبي وانحلت عقدة لساني. أجبت بصوت ضعيف: الله ربي. وبعد ذلك سيسأل الوحشان الرهيبان: من هو نبيك؟ السرد يختلف عندما نصل إلى مَن هو إمامك؟ فأجيب إمامي؟ وأئمتي وخلفاء نبيَّ اثنا عشر إمامًا. كما يصف الجحيم والاخرة والجنة والصراط المستقيم في الديانة الزرادشتية التي أخذ منها الإسلام الكثير من النصوص والتفاصيل ونسبها لنفسه، في رسم رحلة الموت في الإسلام التي تبدأ بطقوس الدفن والبرزخ والانتظار وعبور الصراط المستقيم والحساب النهائي عقاباً أو ثواباً في الجنة أو النار، حيث هناك حضور دائم للشيطان في حياة المرء وفي مماته وما بعد وفاته. بات التخويف والترهيب ديباجة تشترك فيها جميع الأديان والخوف صناعة متقنة تتقنها المؤسسات الدينية كما جاء في الفصل الخامس من كتاب الدكتور فالح مهدي تحت عنوان" دور الخطيئة في صناعة الخوف". وكالعادة يتعمق الباحث في شرح مفهوم الخطيئة الأولى التي ارتكبها أبو البشر آدم، حيث لا اعتبار لأم البشر حواء لأنها تابعة له وأخرجت من ضلعه رغم اعتبار حوار رمز الأنثى هي مصدر الخطيئة والمحرضة على ارتكابها بتحريض من الشيطان لارتكاب المعصية ومخالفة أمر الله بالاقتراب من الشجرة المحرمة. ومن هنا نشأ الخوف من القيامة وعلاقته بالخطيئة حيث يبعث الموتى ويخرجون من قبورهم ليوم الآخرة، كما جاء في لاهوت الخطيئة الذي حكمت به الكنيسة مصائر الأتباع والمؤمنين طيلة قرون عديدة بذريعة أن هناك شرًّا متجذرًا في الطبيعة الإنسانية. وهذا يعني أيضًا التخلي كليًّا عن اعتبار الطبيعة نموذجًا وسنّة. وحتى في الوقت الحاضر، وعندما نعود إلى كتابات أهم المفكرين بل من أهم رواد الحداثة والعلمانية، نجد أنهم لم يغفلوا عن موضوع الخطيئة. فجان جاك روسو اعتبر أنَّ الخطيئة الأولى ولدت مع الإنسان الاجتماعي، أي في لحظة تغليبه أنانيته ومصالحه على المصلحة العامة. وإيمانويل كانط لا يعتقد بوجود خطيئة إلا عند ممارسة الحرية. وهناك شر أساسي يكمن في طبيعة الفرد عندما يكون موضع خيار عام أي يشمل المجتمع، إذ نجده يغلّب مصلحته على الصالح العام. أما كارل ماركس فقد كتب عن شر بدائي كان ولم يزل، في حين اعتبر فرويد أن الخطيئة الأولى تمثلت "بقتل الأب". وعندما تناول سارتر وكامي موضوع الخطيئة، وجدا أننا سجناء تراث يضعنا في تضاد مع ذواتنا. ذلك التراث يمنعنا من العيش بسلام ويعيق خياراتنا في أن نمتلك القدرة على الاختيار. بل يذهب بالتاسار وبارت إلى أن مفهوم الخطيئة شديد الغموض، إنه غيظُ وغضب يقوم بتحطيم ذاته، ويؤدي في النهاية إلى دمار وانهيار هويتنا الأخلاقية. وينهي الباحث كتابه بفصل أخير كرسه للخروج من الخوف وطرح مجموعة من الملاحظات والانطباعات. وخلص إلى أن تاريخ الخوف هو تاريخ الدين بمعناه الواسع؛ إذ قام الإنسان ومنذ عصر الصيد أي منذ أكثر من مئة ألف سنة بالتأمل بوجوده، بطفولته بشبابه، بشيخوخته والتأمل في فنائه. إذ ليست الولادة هي التي أقضّت مضجعه، بل الموت والفناء. باعتبار الولادة تمثل حضورًا منتظرًا لا سيما إذا كان المولود ذكرًا، واعتبار الموت يمثل غيابًا مطلقًا لمن كان حاضرًا. شكّل الموت الهاجس الميتافيزيقي الأول، فمنذ نعومة أظافرنا قد راودنا هذا السؤال. البسيط والجوهري: لِمَ ولدنا ولِمَ نموت؟ ليس الموت وحده من قاد إلى ولادة الدين، بل كان حاسمً وجوهريًّا في النظام الذي رسمه ذلك الإنسان للكون المحيط به. وإن الزمن كان حاسمً في ولادة تفكير الإنسان بالكون المحيط به. إن التعاقب الذي يشاهده في كل لحظة، كان المساهم الأكبر في صناعة مخيلته وحبْك أفكاره الأولى. وأن هناك " هندسة للخوف في الحيز الدائري الذي ابتكره الباحث كوعاء مجازي يحصر فيه مقارباته التنظيرية فيما يخص سلوك الإنسان والأديان ويقول بهذا الصدد:" قام الحيز الدائري على اعتبار مفهوم الجهات الأربعة) شرق، غرب، شمال جنوب (ومفهوم
فوق) السماء (وتحت) الأرض (... إلخ. لكنه لم يتخيل إلا بعدًا واحدًا للزمان، فتصوره كسهم ينطلق من نقطة لكي يقف في نقطة أخرى، ومن ثم يبدأ من جديد. هذا الزمن الذي لا يعود إلى الوراء ويسير باتجاه واحد هو الزمن السهمي الذي ابتكره السومريون، وأخذ به الآكديون، وأصبح أساس التفكير في مفهوم الزمن في حضارة وادي الرافدين وارتكزت عليه كل الديانات التوحيدية. لقد تصور البابليون وعلى ضوء مشاهدتهم وملاحظاتهم للكواكب أن هناك سبع سماوات، وأن العالم السفلي وعلى ضوء السماوات السبع، قسم إلى سبع طبقات. ساد هذا المفهوم الزمني كل المنطقة الشرق أوسطية من العالم القديم، بل أخذت به كل الديانات التوحيدية. وهو أن الزمن السهمي قائم أيديولوجيًّا على المحن والتجارب. هناك زمن آخر هو الزمن الدائري الذي وجد في آسيا وأخذت به الحضارة اليونانية، هو الآخر ذو بعد واحد إذ ينطلق من نقطة، وفي نهاية المطاف سيبدأ بداية جديدة تُعّبر عن لحظة الإشراق المنتظرة. كما أن المكان رسم مخيلة الإنسان القديم، فأصبح السهم معبرًا ومنذ السومريين ولحد هذه اللحظة عن تصور تلك الأقوام التي وجدت قبل أكثر من خمسة آلاف سنة عن الموت وما بعد الموت. وهكذا فعلت الهندوسية التي أوجدت الزمن الدائري. وهنا أصر على الهندوسية كما أخذت به الثقافة الإغريقية وآسيا بدءًا من الصين، لكن الزمن الهندوسي ما زال فاعلً في ثقافة هذا البلد. لقد غلب الزمن السهمي على كل ثقافات العالم المعاصر، عدا الهند في ثقافتها العميقة. بات واضحاً أن الخوف في هذا البحث هو تعبير عن غريزتنا الأساسية وهي بطبيعتها حيوانية من أجل البقاء. لذا فهو رد فعل لكل تهديد لحياتنا سواء كانت حقيقية أم مفترضة. لأنَّ أهم المخاطر التي تهدد حياتنا تتمثل أولاً بالموت، أو تلك التي تهدد الأمن والسلام الذي ننعم به. أمّا الخوف من الله، فإنه يختلف عن ذاك الذي أتينا على ذكره، لكنما يجمعهما الكثير من الوشائج. الأول غريزي ولكن الثاني تزودنا به ثقافتنا المؤدلجة، حيث تتحكم بمفهوم الخوف من الله. لذا فإننا لا نولد مع ذلك الخوف، إنما تقدمه لنا الثقافة السائدة ولن يحتاج المرء أن يتعلمه في المدرسة وهو غض أهيف، إنما ترد إلى مسمعه عبارة "خاف من الله، والله سيرميك في النار. ويستنتج الكاتب أنه ليس هناك أخطر على السلوك الإنساني من الخوف الممنهج. ولكي يتمكن الكائن البشري الخاضع لأهوال هذه المخاوف من تطليقها سيحتاج إلى التخلي عن الأساطير واللجوء إلى العقل في كل ما يتعلق بحياته، وهذا يعني الخروج من بؤس الدائرة والولوج في العالم الأفقي. ليس الخروج من الخوف بوصفة سحرية ما إن يقرؤها المرء حتى يصبح حرًّا؛ لأن الخروج من
الخوف يعني الخروج من عبودية الأيديولوجيات المطلقة.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكون الكمومي أو الكوانتي 7-10
- الكون الكمومي أو الكوانتي 6-10
- الكون الكمومي أو الكوانتي 5-10
- الكون الكمومي أو الكوانتي 4-8
- الكون الكمومي أو الكوانتي 3-10
- الكون الكمومي أو الوانتي 2-10
- الكون الكمومي أو حكيات الكوانتوم الغرائبية 1-10
- نظرية الكون التعاقبي 8-8
- نظرية الكون التعاقبي 7-8
- نظرية الكون التعاقبي 6-8
- نظرية الكون التعاقبي أو الدوري 5-8
- نظرية الكون التعاقبي أو الدوري 4-8
- الكون التعاقبي أو الدوري 3-8
- نظرية الكون التعاقبي أو الدوري 2-8
- نظرية الكون التعاقبي أو الدوري 1-8
- هل نوبل يمكن أن تصنع شاعراً كبيراً أم العكس الشاعر الكبير هو ...
- هل للكون حدود؟
- العراق: الاقتراب من الهاوية؟
- الكون البدئي والدعوة لعلم الفلك والكونيات البديل
- الله ذلك المجهول


المزيد.....




- هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام ...
- زيلينسكي يشكو.. الغرب يدافع عن إسرائيل ولا يدعم أوكرانيا
- رئيسة وزراء بريطانيا السابقة: العالم كان أكثر أمانا في عهد ت ...
- شاهد: إسرائيل تعرض مخلفات الصواريخ الإيرانية التي تم إسقاطها ...
- ما هو مخدر الكوش الذي دفع رئيس سيراليون لإعلان حالة الطوارئ ...
- ناسا تكشف ماهية -الجسم الفضائي- الذي سقط في فلوريدا
- مصر تعلق على إمكانية تأثرها بالتغيرات الجوية التي عمت الخليج ...
- خلاف أوروبي حول تصنيف الحرس الثوري الإيراني -منظمة إرهابية- ...
- 8 قتلى بقصف إسرائيلي استهدف سيارة شرطة وسط غزة
- الجيش الإسرائيلي يعرض صاروخا إيرانيا تم اعتراضه خلال الهجوم ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جواد بشارة - قراءة في كتاب تاريخ الخوف لفالح مهدي