أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - غُلُوُّ الكِتَابَةِ السِّيَاسِيَّةِ: لَغْوُ التَّنَبُّؤِ بِالتَّرَدِّي أَمْ رَغْوُ التَّبَوُّءِ بِالتَّحَدِّي؟ (1-2)















المزيد.....



غُلُوُّ الكِتَابَةِ السِّيَاسِيَّةِ: لَغْوُ التَّنَبُّؤِ بِالتَّرَدِّي أَمْ رَغْوُ التَّبَوُّءِ بِالتَّحَدِّي؟ (1-2)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 6719 - 2020 / 10 / 30 - 10:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حَذَارَيْكِ هَذْيًا مَا يَهْذِي بِهِ ذٰلِكَ ٱلْنَّبِيُّ ٱلْكَاذِبْ،
وَحْدَهُمُ ٱلْمَوْتَى يُبْصِرُونَ مُنْتَهَى ٱلْوَيْحِ ٱلْلَّازِبْ!
اَلْمَسِيحُ وَأَفْلاطُون

(1)

في سِيَاقِ الخَوْضِ في غِمَارِ الكِتَابَةِ السِّيَاسِيَّةِ بدافعٍ «تنويريٍّ» من الدَّوَافِعِ، أو حتَّى بداعٍ «تثويريٍّ» من الدَّوَاعِي، إنَّ مِنْ أهَمِّ مَا تتمَيَّزُ بِهِ لغةُ المُتُونِ لدَى الكُتَّابِ الإعلامِيِّينَ وَ/أوِ الصِّحَافيِّينَ طُرًّا في هذا العالَمِ العربيِّ المغلوبِ على أمرِهِ من جهاتٍ أربعٍ مرئيَّةٍ ومن جهاتٍ أكثرَ من أربعٍ لامرئيَّةٍ حتَّى، في هذا الزمانِ الشًّائكِ والعصيبِ (والكاتباتُ المَثيلاتُ بكَمٍّ لا بأسَ بهِ في هذا المَكانِ وفي هذا الزَّمَانِ، فيما يظهرُ، لَسْنَ، بدَوْرِهِنَّ هُنَّ الأُخْرَيَاتُ، مُسْتَثْنَيَاتٍ من هذا «التميُّزِ اللُّغَوِيِّ» بَتًّا)، إنَّ مِنْ أهَمِّ مَا تتمَيَّزُ بِهِ، في واقعِ الأمرِ، لَميزَتَيْنِ متلاصقتَيْنِ جَنْبًا إلى جَنْبٍ أو، على النّقيضِ، مُتَقَاصِيَتَيْنِ بَيْنًا على بَيْنٍ، حَسْبَمَا يقتضيهِ الاِنعطافُ، لا بَلِ الاِنحناءُ، السِّيَاسِيُّ حتَّى قبلَ النَّظيرِ الإعلاميِّ وَ/أوِ الصِّحَافيِّ، بطبيعةِ الحالِ. ثَمَّةَ في هذا السياقِ «الخَوْضِيِّ»، إذنْ، ميزةُ مَا يُمكنُ أن نُسَمِّيَهُ الآنَ مَرَامًا بـ«ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي» Prophesizing Decadence، وذلك بالفَحْوَى «اللَّغْوِيِّ» المُوَارِبِ (نسبةً إلى «اللَّغْوِ» Loquacity، تحديدًا)، كما يُشيرُ بجَلاءٍ (ودونما مُوَارَبَةٍ) مَا يبنيهِ مبدأُ الشِّقِّ الأوَّلِ من استئنافِ عنوانِ هذا المقالِ، من طَرَفٍ أوَّلَ. وثَمَّةَ في ذاتِ السياقِ «الخَوْضِيِّ»، أيضًا، ميزةُ مَا يُمكنُ أن نَدْعُوَهُ كذاك تباعًا لذاتِ المَرَامِ بـ«ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي» Monopolizing Defiance، وذلك بالفَحْوَاءِ «الرَّغْوِيِّ» المُرَاوِغِ (نسبةً إلى «الرَّغْوِ» Garrulity، تعيينًا)، كما يُشيرُ بجَلاءٍ أكثرَ حتَّى (ودونما مُرَاوَغَةٍ، كذلك) مَا يبتنيهِ مَنْهَى الشِّقِّ الثَّانِي من استئنافِ العنوانِ عينهِ، من طَرَفٍ ثَانٍ. وقدَ وقعَ الاختيارُ غيرُ الجُزَافِيِّ، في هكذا مَسَاقٍ (لَغْوِيٍّ رَغْوِيٍّ)، والحالُ هذهِ، على عينِ الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراويِّ»، فيصل القاسم، لا لشيءٍ، في هكذا مَسَاقٍ حقيقةً، سِوَى لكَوْنِهِ عينَ الكاتبِ الإعلاميِّ الأبرزِ صَوْتًا والأبرَعِ لِسَانًا، والحقُّ يُقَالُ، من بينِ كافَّةِ الكُتَّابِ الإعلامِيِّينَ وَ/أوِ الصِّحَافيِّينَ وكافَّةِ الكاتباتِ الإعلامِيَّاتِ وَ/أوِ الصِّحَافيَّاتِ في «بلادِ العُرْبِ» هذهِ (بمَنْ فيهِمْ وفيهِنَّ سائرُ «القُوَّالِ النُّظَرَاءِ» و«القَائِلاتِ النَّظيرَاتِ»، إنْ جازَ التعبيرُ بهٰتَيْنِ العبارتَيْنِ ترديفًا بالمَهَامِّ في المَجَالِ الإخْبَاريِّ القِرَائِيِّ والشِّفَاهِيِّ، لا الكتابِيِّ، لأسبابٍ بَدَهيَّةٍ بَيِّنَةٍ بذاتِهَا). سَيُعْمَدُ في هذا القسمِ الأوَّلِ من المقالِ إلى تِبْيَانِ الميزةِ الأُولى، ميزةِ «ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي»، بشيءٍ من التحليلِ السياسيِّ النفسيِّ المُبْعَدِ عن كلِّ مَا هو عَائصٌ مُغْرِقٌ في الإبْهَامِ بِقَدْرِ المُسْتَطَاعِ، وسَيُعْزَمُ في القسمِ الثاني منهُ، بالتَّوَازي المُؤَاتِي لاحِقًا، على تَبْيِينِ الميزَةِ الأُخرى، ميزةِ «ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي»، بشيءٍ مماثلٍ من هكذا تحليلٍ سياسيٍّ نفسيٍّ مُتَوَخًّى، تَبَعًا لِمَا تجترُّهُ مقتضيَاتُ كلٍّ من المبنَى والمعنَى اجترَارًا مُوَازِيًا ومُؤَاتِيًا، كذلك.

فأمَّا من حيثيَّةِ ميزةِ «ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي» بالفَحْوَى اللَّغْوِيِّ المُوَارِبِ، من الطَّرَفِ الأوَّلِ، ففي مقالهِ الإعلاميِّ وَ/أوِ الصِّحَافيِّ الأخيرِ الذي تُشْتَفُّ فيهِ نزعةٌ كَلالِيَّةٌ «تَنَبُّئِيَّةٌ» جِدُّ تَوَعُّدِيَّةٍ وجِدُّ تَشَاؤُمِيَّةٍ حتَّى من مُجَرَّدِ النَّظَرِ إلى مُفْرَدَتَيْ عنوانِهِ اليَتِيمَتَيْنِ، «القادمُ أعظمُ» (القدس العربي، 7 آب 2020)، يَسْرُدُ هذا الكاتبُ الإعلاميُّ سَرْدًا تساؤلاتٍ شتَّى كانَ قدْ خَالَهَا من لدنْ غيرِهِ من «المتسَائلينَ» الرَّقميِّينَ (الاِفترَاضِيِّينَ)، إن تواجَدُوا على أرضِ الواقعِ بَتَّةً، تساؤلاتٍ عن نوعِ المآلِ المستقبليِّ الحَالِّ بعدَ كلِّ ذَيْنِك الدَّمَارِ والخَرَابِ اللذينِ حَلاَّ في «بلادِ العُرْبِ» هذهِ، على مدى تلك السَّنواتِ المُدَمَّاةِ العشرِ الخَوَالي (أي منذُ بداياتِ مَا يُسمَّى بـ«ثوراتِ الربيعِ العربيِّ»، إجماعًا). ومن ثَمَّ، ودونَ أن يرقى إلى تفكيرِهِ أيُّ شَكٍّ أوْ تَشَكُّكٍ (أو حتَّى استغرابٍ نفسيٍّ بحدُودِهِ الدُّنْيَا) مِمَّا قدْ خَالَهُ من هكذا سَرْدٍ رقميٍّ (اِفترَاضِيٍّ) منقُولٍ، يَخْلُصُ الكاتبُ الإعلاميُّ المَعْنِيُّ بالعَيْنِ إلى الاستنتاجِ «التَّنَبُّئِيِّ» الجِدِّ تَوَعُّدِيٍّ والجِدِّ تَشَاؤُمِيٍّ بأنَّ ذلك الدَّمَارَ الخَرَابِيَّ مَسْرُودًا (أو، بالعَكْسِ، ذلك الخَرَابَ الدَّمَارِيَّ مَسْدُورًا) لا يعدو أن يكونَ، في هذا العالَمِ العربيِّ المغلوبِ على أمرِهِ بالذاتِ وفي هذا الزَّمَانِ الشًّائكِ والعصيبِ بذاتِ الذاتِ، لا يعدو أن يكونَ مرحلةً تمهيديَّةً تجهيزيَّةً لِمَا حَدَّدَهُ تحديدًا في الاِبتدَاءِ مُحَذِّرًا ولِمَا عَيَّنَهُ تعيينًا في الاِنتهاءِ مُنْذِرًا بذلك «القادِمِ الأعظمِ». وهكذا، فيمَا يبدو جَلِيًّا للقارئِ والقارئةِ «اللَّامُتَمَرِّسَيْنِ» في هكذا نوعٍ كتابيٍّ سياسيٍّ حتَّى، بينَ جَمْهَرَةِ الإرْسَالاتِ «النَّقْلِيَّةِ» التي مَالَ إليها استقرَاءُ هذا الاِبتدَاءِ التحذيريِّ، من جَانبٍ أوَّلَ، وبينَ كَوْكَبَةِ الاِسْتِرْسَالاتِ «العَقْلِيَّةِ» التي آلَ إليها استنتاجُ هذا الاِنتهَاءِ الإنْذَارِيِّ، من جَانِبٍ ثانٍ، يَغْرِفُ الكاتبُ الإعلاميُّ من الأسفارِ مُنوِّهًا بضَيْقِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ المَعْنِيَّةِ ذَرْعًا بالأحْوَالِ السياسيَّةِ والاجتمَاعيَّةِ والاقتصَاديَّةِ حتَّى قبلَ اندلاعِ «ثوراتِ الربيعِ العربيِّ» بسنينٍ وعقودٍ (على الرَّغْمِ من أفضليَّةِ تلك الأحْوَالِ بأضعافٍ مُضَاعفَةٍ مِمَّا هي عليهِ الآنَ في هذا الأوَانِ)، ويضربُ مِنْ ثَمَّ مِنَ الأمثالِ مُذَكِّرًا حتَّى ذلك الحينِ بالمِرَارِ التسعَ عشرةَ، بعدَ مثلِهَا من المِرَارِ التسعَ عشرةَ عَدًّا على الغِرَارِ الرقميِّ لهذا الكائنِ «الكورُونيِّ»، أو هكذا يتبدَّى من جَرَّاءِ الاِهتمامِ النظاميِّ آنًا بعدَ آنٍ، مُذَكِّرًا، والحَالُ هذهِ، بمَثَلِ «الفلاَّحِ والإقطاعيِّ أبي العنزتَيْنِ والدِّيكِ»، تَشَبُّهًا، في كلِّ مرَّةٍ من تيك المِرَارِ، بما يضربُ الأنبياءُ من أمثالٍ تعليميَّةٍ إرْشَادِيَّةٍ، كَمِثْلِ المَسِيحِ بالذاتِ وضَرْبِهِ، على سَبيل المِثَالِ، مَثَلَ «العَبْدِ الذي يُؤمَرُ مِنْ سَيِّدِهِ» (لُوقَا، الإصْحَاحُ السَّابِعَ عَشَرَ: 7-10)، أوْ مَثَلَ «العَبْدِ الذي لَمْ يُسَامِحْ رَفِيقَهُ» (مَتَّى، الإصْحَاحُ الثَّامِنَ عَشَرَ: 21-35)، أوْ حتَّى مَثَلَ «العَبْدِ الأَمِينِ» (مَتَّى، الإصْحَاحُ الرَّابِعُ والعِشْرُونَ: 45-51)، أو غيرَهَا من الأمثالِ التي تتعلَّقُ بالعبيدِ «الخُلَّصِ» منهُمْ أو حتىَّ بالعِبَادِ المتحدِّرينَ، أصلاً، من أصْلابِ العبيدِ – ناهيكُمَا، في هذا الزَّمَانِ «الكورُونيِّ» خَاصَّةً، عن أولئك النُّغَلاءِ الفُسَلاءِ الخِلاسيِّينَ العنصريِّينَ، أو الدُّخَلاءِ العِرْقِيِّينَ (المُضَادِّينَ)، أولئك الأَغِضَّاءِ الذينَ يُغْرَمُونَ بالاِستعمَالِ التَّنْبِيزِيِّ والتَّلْمِيزيِّ المُسْتَمِرِّ لألفاظٍ هُجَاسِيَّةٍ بَرَّاقَةٍ، كَلَفْظِ «العِلْجِ» بالمِثالِ، ظَانِّينَ ظَنَّ اللَّاأَثِيلِ الجَاهِلِ كلَّ الجَهْلِ أنَّهُ سَلْجُوقِيٌّ بالرِّقِّ، لا رُومِيٌّ، ولا حتَّى فَارِسِيٌّ بالرَّقِيقِ!

وعلى الرَّغمِ من بُدُورِ بَعْضٍ من إرْهَاصَاتِ «ذٰلِكَ ٱلْذَّكَاءِ ٱلْقَهْرِيِّ ٱلْتَّكْرَارِيِّ»، من طَرَفِ الكاتبِ الإعلاميِّ المَعْنِيِّ، في ذينك الإيرَادِ والاِستطرَادِ الحَرُونَيْنِ لحَشْدِ المُسَلَّمَاتِ والبَدِيهيَّاتِ وحتَّى البِدَائيَّاتِ في هكذا نوعٍ كتابيٍّ سياسيٍّ (لَغْوِيٍّ رَغْوِيٍّ) على مدى العَشْرِ العِجَافِ من تيك السَّنَواتِ بالذَّوَاتِ، مُورِدًا ومستطرِدًا إيَّاهَا في كلِّ مرَّةٍ (أو حتَّى في كلِّ سَانِحَةٍ بينَ المَرَّةِ والمَرَّةِ الأُخرى) وكأنَّهُ مُورِدٌ ومستطرِدٌ إيَّاهَا لأوَّلِ مرَّةٍ بِلُكْنَتِهِ الحَمَاسِيَّةِ الجِدِّ «تعلِيميَّةٍ» والجِدِّ «إرْشَادِيَّةٍ» وهْيَ تَفْهَقُ أيَّمَا فَهَقٍ بأضدادِ الأمْرِ السَّدِيدِ والنَّهْيِ الشَّدِيدِ (لٰكِنْ، بالارتدادِ المُرَادِ «عن طِيبَةِ خَاطِرٍ»، أو بالكَادِ) للخاوِيَاتِ خَيًّا عُقُولُهُمْ وعُقُولُهُنَّ من أولئك التلاميذِ القُرَّاءِ والتلميذاتِ القارئاتِ، مثلمَا يظنُّ كلَّ الظَّنِينِ – وعلى الرَّغمِ من صُدُورِ شَيْءٍ من إرْصَادَاتِ «ذٰلِكَ ٱلْزَّكَاءِ ٱلْلَّاقَهْرِيِّ ٱلْلَّاتَكْرَارِيِّ»، من طَرَفِ الكاتبِ الإعلاميِّ المَعْنِيِّ ذاتِهِ كذلك، في ذينك الاِرْتِمَاسِ والاِغْتِمَاسِ اللاحَرُونَيْنِ في مِيَاهِ التَّسَامِيَاتِ والتَّرَاقِيَاتِ وحتَّى التَّهَابِيَاتِ في هكذا النَّوعِ الكتابيِّ السياسيِّ (اللَّغْوِيِّ الرَّغْوِيِّ) بذاتِ الذَّاتِ، مُرْتَمِسًا زمنًا قصيرًا تارةً ومُغْتَمِسًا زمَانًا طويلاً تارةً أُخرى في تيك المِيَاهِ المُمَوِّهَاتِ إيهَامًا دَهَائِيًّا زَغَلِيًّا دَغَليًّا لِلسُّذَّجِ والسِّذَاجِ من أولئك التلاميذِ القُرَّاءِ والتلميذاتِ القارئاتِ بكلٍّ من أسبابِ التَّقَصِّي النظريِّ الرَّكِينِ وأسبابِ التَّقَرِّي العمليِّ المَكِينِ، مثلمَا ينقلُ، في نفسِ المقالِ مثلاً، عن مَا كتبهُ الكاتبُ الإعلاميُّ الفلسطينيُّ-الإسرائيليُّ «الجزراويُّ» الآخَرُ، مروان بشارة، في تلك الوثيقةِ الجَلِيَّةِ باللغةِ الإنكليزيةِ تحتَ العنوانِ التحذيريِّ والإنذاريِّ، بدَوْرِهِ هو الآخَرُ، Beware of the Looming Chaos in the Middle East (الجزيرة، 3 آب 2020)، بأنَّ «المؤشراتِ الجديدةَ [في الشرقِ الأوسَطِ في هذا العقدِ الثاني من القرنِ] تؤكِّدُ على أنَّ القادمَ أخطرُ وأسوأُ»، وأنَّ هذهِ المؤشراتِ سوفَ تؤدِّي بالتالي «إلى مزيدٍ من الفوضى وعدمِ الاستقرارِ والعنفِ وسفكِ الدماءِ» ممتدًّا بذاك، في غَمِيرِ مَوْجَةٍ أُخرى من ذينك الدَّمَارِ والخَرَابِ، إلى بلادٍ عربيةٍ أُخرى من هذا الشرقِ الأوْسَطِ بالعَيْنِ، أو مثلمَا ينقلُ قَبْلَذَاكَ، في مقالٍ آخَرَ، «هل كانَ تخريبُ المنطقةِ شرطًا لإنجازِ صفقةِ القرنِ؟» (القدس العربي، 1 أيلول 2018)، مثلاً آخَرَ، عن مَا كتبهُ الكاتبُ الصِّحَافِيُّ الإسرائيليُّ «اللَّاجزراويُّ»، عوديد يِنُونْ، في تلك الوثيقةِ الخَفِيَّةِ باللغةِ العبريةِ تحتَ العنوانِ التهديديِّ والوعيديِّ كذلك، «إستراتيجيةُ إسرائيلَ في الشرقِ الأوسطِ» (اتجاهات כוונים، عدد شباط 1982)، بأنَّ الكيانَ الصُّهيونيَّ، أوَّلاً وآخِرًا، إنَّمَا يهدفُ إلى إضْعَافِ، ومن ثَمَّ إلى تفتيتِ، العالَمِ العربيِّ عن بَكْرَةِ أبيهِ، وإلى حَدِّ تعريضِ هذا العالَمِ العربيِّ «لحربِ إبادةٍ حقيقيةٍ وتدميرٍ منظَّمٍ» [علمًا بأنَّ مجلَّةَ «اتجاهات» כוונים هذهِ لَهِيَ المجلَّةُ الرَّسْمِيَّةُ النَّطُوقُ باسمِ مَا يُسَمَّى بـ«المنظَّمة الصُّهيونية العالمية» WZO] – فَعَلى الرَّغمِ من كلِّ ذاك البُدُورِ الإرْهَاصِيِّ الدَّنِيِّ ومن كلِّ ذاك الصُّدُورِ الإرْصَادِيِّ القَصِيِّ، في آخِرِ المَسَارِ، نجدُ الكاتبَ الإعلاميَّ المَعْنِيَّ مستمرًّا، مع ذلك، في اعتزَاءِ دَوْرِ ذاك التَّأَمُّرِ أمْرًا سَدِيدًا وذاك التَّنَهِّي نَهْيًا شَدِيدًا، ومستمرًّا، كذلك، في ادِّعَاءِ طَوْرِ ذاك «ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي» جَائِحًا بتلك النَّبْرَةِ النُّحَاسِيَّةِ الجِدِّ تَوَعُّدِيَّةٍ والجِدِّ تَشَاؤُمِيَّةٍ، حينًا، وبتلك اللُّكْنَةِ الحَمَاسِيَّةِ الجِدِّ «تعلِيميَّةٍ» والجِدِّ «إرْشَادِيَّةٍ»، حينًا آخَرَ، وجَاهِلاً، لا مُتَجَاهِلاً، بالإطباقِ من هذا القبيلِ، فَضْلاً عن ذلك، بكلِّ مَا هو مَلْغُوٌّ، أو حتَّى لامَلْغُوٌّ، فيهِ عن مَاهِيَّةِ ذلك «القادِمِ الأعظمِ» بالذاتِ قبلَ أكثرَ من أربعينَ عَامًا لِزَامًا (حتَّى قبلَ عَامِ تلك «الوثيقةِ الخَفِيَّةِ» المُتَنَطَّعِ بهَا من مجلَّةِ «اتجاهات» כוונים، على وجْهِ الخُصُوصِ)، كمَا قالَ الغنيُّ عن التعريفِ نْعُوم تشومسكي في مقابلةٍ صِحَافِيَّةٍ طَرُوءٍ أجرتْهَا مَعَهُ صَحيفةُ «الوسط البحرينية» (العدد 293، 26 حزيران 2003)، كمَا قالَ نقلاً عن خبيرٍ سياسيٍّ اقتصاديٍّ فرنسيٍّ في شؤونِ الشرقِ الأوسطِ، في أوَاخِرِ السَّبْعِينِيَّاتِ من القرنِ الماضِي، بحرفيَّتِهِ ما يلي: «إنَّ لدى العالَمِ العربيِّ نافذةَ فرصةٍ قصيرةٍ: إنَّ لديهِ موردَ البترولِ [بالذاتِ]. وهو موردٌ قابلٌ للنَّفادِ ولن يكونَ هناك إلى الأبدِ، ولدى العالَمِ العربيِّ اليومَ فرصةٌ لاستخدامِ ذلك الموردِ من أجلِ التنميةِ. وإذا لم يستخدمْ هذا الموردَ لكيما يتطوَّرَ [بالفعلِ]، فإنَّ الأمرَ سوفَ ينتهي بِهِ إلى إبادةٍ جماعيةٍ. وبشكلٍ عامٍّ، تبدو تلك النافذةُ قدْ شرعتْ فعليًّا بالانغلاقِ. وما لم يتصالحِ العالَمُ العربيُّ بشكلٍ كاملٍ مع سيرُورَةِ التطوُّرِ والتنميةِ الجادَّةِ، فإنَّهُ سَيُوَاجِهُ مستقبلاً بالغَ القتامةِ» – إذنِ، استئناسًا أنيسًا بمَا قالَهُ الشاعرُ النهضَوِيُّ، إبراهيم اليازجي، قبلَ أكثرَ من قرنٍ وعقدَيْنِ من الزَّمَانِ، «فلا تَنَبَّهُوا ولا تَسْتَفِيقُوا، أيُّهَا العَرَبُ / وَإِنْ طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ»!

تلك هي عينُ الطامَّةِ الكبرى، إذنْ، وأعني بهَا عينَ الميزةِ الأُولى، ميزةِ «ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي» في حدِّ ذاتِهَا، تلك هي عينُ الطامَّةِ الكبرى في الهَضْبِ في سِبَاخِ الكتابةِ السياسيةِ هَضْبًا، حينمَا يتجشَّمُ عَنَاءَ هذا الهَضْبِ كاتبٌ إعلاميٌّ (وَ/أوْ صِحَافيٌّ)، كمثلِ الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراويِّ» المعنيِّ في سُطورِ هذا العَرْضِ بشيءٍ من التحليلِ السياسيِّ النفسيِّ المُتَوَخَّى – ناهيكُمَا، فوقَ ذلك كلِّهِ في هذهِ القرينةِ، عن كونِهِ (كَوْنِ هذا الكاتبِ الإعلاميِّ) غيرَ آخذٍ بعينِ الاعتبارِ، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، مَا تقتضيهِ بالاِفْتِآلِ إرادةُ الشُّعُوبِ في التسْيِيرِ الثَّوْرِيِّ الأكِيدِ، ومَا تقتضيهِ قدرتُهَا كذاك على التنظيمِ الدَّوْرِيِّ السَّدِيدِ، لا بَلْ بالمِثَالِ على التغييرِ الجذريِّ العَتيدِ، مهما احتدَّ المُحَالُ ومهما امتدَّ المَآلُ مَرَّاتٍ ومَرَّاتٍ من جديدٍ. ولٰكنَّ طامَّةَ الطَّامَّاتِ التي تشتدُّ من أمَامِ السَّامِعِ والرَّائي أكثرَ فأكْثرَ، في هذهِ القرينةِ ذاتِهَا، إنَّمَا تتخلَّقُ من عينِ الميزةِ الأُخرى، ميزةِ «ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي» بدَوْرِهَا هي الأُخرى، عندمَا يَهْضِبُ هذا الكاتبُ الإعلاميُّ «الجزراويُّ» المعنيُّ أكثرَ فأكثرَ في سِبَاخِ الكتابةِ السياسيةِ ذاتِها، دونَ أيِّمَا رَادٍّ ضَميريٍّ أو صَادٍّ وجدانيٍّ، إنْ لمْ نَقُلْ أيَّ شيءٍ آخَرَ، ها هنا، كما سنرى ببعضٍ من التفصيلِ أيضًا في القسمِ الثاني من هذا المقالِ. وكمْ كنتُ أتمنَّى أن أكتبَ في هذا النوعِ من التحليلِ السياسيِّ النفسيِّ المُتَوَخَّى بالذاتِ بغَزْرٍ وغَزَارَةٍ كَافِيَيْنِ وَافِيَيْنِ، لولا ذلك الانشغالُ الكَدِيدُ المستديمُ، أو شبهُ المستديمِ، بأفكارٍ أشَدَّ عِيَاصًا وأحَدَّ مَنَاصًا فيمَا لهُ مِسَاسٌ بسَرَائرِ النفسِ الإنسَانيَّةِ أنَّى تواجدتْ في هذا العالَمِ المُرَيَّهِ والسَّريعِ بسُرْعَةِ البَرْقِ، أو بالكَادِ، في كلٍّ من دُنَى «الوَعْيِ» و«اللَّاوَعْيِ» ومَا بَيْنَهُمَا، كذلك.

(2)

قُلنا ببعضٍ من التوكيدِ في القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ إنَّ أُسْلُوبَ الكِتَابَةِ السِّيَاسِيَّةِ التي يخُوضُ في غمَارِهَا معشرُ الكُتَّابِ (والكاتباتِ) الإعلامِيِّينَ وَ/أوِ الصِّحَافيِّينَ، في هذا العالَمِ العربيِّ الكَلِيمِ من كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، إنَّمَا يتطبَّعُ بالنَّفسِ بطابعٍ «إغْرَاقِيٍّ قَهْرِيِّ» في أحسنِ أحوالِهِ، حتَّى لو كانَ هذا الأُسْلُوبُ مدفوعًا بدافعٍ «تنويريٍّ» من الدَّوَافِعِ، أو حتَّى محفوزًا بحافزٍ «تثويريٍّ» من الحَوَافِزِ. وقُلنا كذلك إنَّ هذا الأُسْلُوبَ، فيمَا يبدُو واقعًا أكثرَ من فاشٍ وأكثرَ من جَليٍّ، إنَّمَا يتمَيَّزُ باللِّسَانِ بميزَتَيْنِ متلاصقتَيْنِ جَنْبًا إلى جَنْبٍ أو، على النّقيضِ، مُتَقَاصِيَتَيْنِ بَيْنًا على بَيْنٍ، حَسْبَمَا يقتضيهِ الاِنعطافُ، أوِ الاِنحناءُ، السِّيَاسِيُّ حتَّى قبلَ النَّظيرِ الإعلاميِّ وَ/أوِ الصِّحَافيِّ، بطبيعةِ الحَالِ. ثَمَّةَ في هذهِ القرينةِ «الخَوْضِيَّةِ»، إذنْ، تلك الميزةُ التي سُمِّيَتْ إذَّاك مَرَامًا بـ«ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي» Prophesizing Decadence، وذلك بالفَحْوَى «اللَّغْوِيِّ» المُوَارِبِ (نسبةً إلى «اللَّغْوِ» Loquacity، تحديدًا)، كما يُشيرُ بجَلاءٍ (ودونما مُوَارَبَةٍ) مَا يبنيهِ مبدأُ الشِّقِّ الأوَّلِ من استئنافِ عنوانِ هذا المقالِ، من طَرَفٍ أوَّلَ. وثَمَّةَ في ذاتِ القرينةِ «الخَوْضِيَّةِ»، أيضًا، تلك الميزةُ التي دُعِيَتْ كذاك تباعًا لذاتِ المَرَامِ بـ«ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي» Monopolizing Defiance، وذلك بالفَحْوَاءِ «الرَّغْوِيِّ» المُرَاوِغِ (نسبةً إلى «الرَّغْوِ» Garrulity، تعيينًا)، كما يُشيرُ بجَلاءٍ أكثرَ حتَّى (ودونما مُرَاوَغَةٍ، كذلك) مَا يبتنيهِ مَنْهَى الشِّقِّ الثَّانِي من استئنافِ العنوانِ عينهِ، من طَرَفٍ ثَانٍ. وبعدَ وُقوعِ الاختيارِ غيرِ الجُزَافِيِّ، في هكذا مَسَاقٍ (لَغْوِيٍّ رَغْوِيٍّ)، على ذاتِ الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراويِّ»، فيصل القاسم بالذاتِ، لتلك الأسبابِ «التفضيلِيَّةِ» و«الإيثارِيَّةِ» التي تَمَّ إيرَادُهَا في بدايةِ القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ، فقدْ عُمِدَ فيمَا تلا هذهِ البدايةَ عَمْدًا، والحَالُ هناك، إلى تِبْيَانِ الميزةِ الأُولى، ميزةِ «ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي»، بشيءٍ من التحليلِ السياسيِّ النفسيِّ المُبْعَدِ عن كلِّ مَا هو عَائصٌ مُغْرِقٌ في الإبْهَامِ بِقَدْرِ المُسْتَطَاعِ – ابتدَاءً مِمَّا جاءَ بِهِ الكاتبُ الإعلاميُّ المَعْنِيُّ من مَعْنَى الاِستنتاجِ «التَّنَبُّئِيِّ» الجِدِّ تَوَعُّدِيٍّ والجِدِّ تَشَاؤُمِيٍّ بأنَّ ذينك الدَّمَارَ والخَرَابَ اللذين حَلاَّ في هذا العالَمِ العربيِّ الرَّثِيمِ، في الأسَاسِ، لا يعدوانِ أن يكونَا وجهَيْنِ مُوَجَّهَيْنِ لمرحلةٍ تمهيديَّةٍ تجهيزيَّةٍ تُحَذِّرُ تحديدًا وتُنْذِرُ تعيينًا بذلك «القادِمِ الأعظمِ»، ومُرُورًا كذاك بِمَا سَاقَ هذا الكاتبُ الإعلاميُّ المَعْنِيُّ من «مَثَلِ الأمثالِ» القَنَانِيِّ-الإقطاعِيِّ بالمِرَارِ تَشَبُّهًا، في كلِّ مرَّةٍ، بما يضربُ الأنبياءُ من أمثالٍ تعليميَّةٍ إرْشَادِيَّةٍ، كَمِثْلِ المَسِيحِ بالذاتِ وضَرْبِهِ بعضًا من أمثالِ الأقْنَانِ والعبيدِ (وأنجَاسِ الخِلاسِيِّينَ المُتَحَدِّرِينَ منهم) هُنَا وهُنَاك في ثنايَا «العَهْدِ الجَدِيدِ»، وانتهَاءً بذاك بمَا آلَ إليهِ من إرْهَاصِ «ذَكَائِهِ ٱلْقَهْرِيِّ ٱلْتَّكْرَارِيِّ» في ذينك الإيرَادِ والاِستطرَادِ الحَرُونَيْنِ لحَشْدِ المُسَلَّمَاتِ والبَدِيهيَّاتِ وحتَّى البِدَائيَّاتِ في هكذا نوعٍ كتابيٍّ سياسيٍّ (لَغْوِيٍّ رَغْوِيٍّ) آمرًا فَاهِقًا كلَّ الأمْرِ وناهيًا مُفَهَّقًا كلَّ النَّهْيِ، من جَانِبٍ أوَّلَ، وبِمَا آلَ إليهِ من إرْصَادِ «زَكَائِهِ ٱلْلَّاقَهْرِيِّ ٱلْلَّاتَكْرَارِيِّ» في ذينك الاِرْتِمَاسِ والاِغْتِمَاسِ اللاحَرُونَيْنِ في مِيَاهِ التَّسَامِيَاتِ والتَّرَاقِيَاتِ وحتَّى التَّهَابِيَاتِ في هكذا النَّوعِ الكتابيِّ السياسيِّ (اللَّغْوِيِّ الرَّغْوِيِّ) ذاتِهِ، مُعْتَزِيًا دونمَا تحفُّظٍ، أوِ حتَّى احْتِرَازٍ، بالنَّقلِ من غيرِهِ من الكُتَّابِ الإعلاميِّينَ «الجزراويِّينَ» و«اللَّاجزراويِّينَ»، مُعْتَزِيًا بِدَوْرِ ذاك الآمرِ الفَاهِقِ وذاك النَّاهِي المُفَهَّقِ من جديدٍ، من جَانِبٍ آخَرَ – وكلُّ ذلك لمْ يَكُنْ بالوَعْيِ (أكثرَ مِمَّا كانَ باللاوَعْيِ) إلاَّ استمرَارًا في ادِّعَاءِ طَوْرِ ذاك «ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي» جَائِحًا بتلك النَّبْرَةِ النُّحَاسِيَّةِ الجِدِّ تَوَعُّدِيَّةٍ والجِدِّ تَشَاؤُمِيَّةٍ، حينًا، وبتلك اللُّكْنَةِ الحَمَاسِيَّةِ الجِدِّ «تعلِيميَّةٍ» والجِدِّ «إرْشَادِيَّةٍ»، حينًا آخَرَ، وجَاهِلاً، لا مُتَجَاهِلاً، بالإطباقِ، فَضْلاً عن ذلك، بكلِّ مَا هو مَلْغُوٌّ، أو حتَّى لامَلْغُوٌّ، فيهِ عن مَاهِيَّةِ ذلك «القادِمِ الأعظمِ» بالذاتِ قبلَ أكثرَ من أربعينَ عَامًا لِزَامًا (حتَّى قبلَ أعْوَامِ مَا تنطَّعَ بِهِ من وَثَائِقَ إنكليزيَّةٍ «جَلِيَّةٍ» ومن حتَّى نظيراتٍ عبريَّةٍ «خَفِيَّةٍ»، على حَدٍّ سَوَاءٍ).

والآنَ، وقدْ أغفَلَ الكاتبُ الإعلاميُّ المَعْنِيُّ كلَّ الإغْفَالِ إذَّاك مَا تقتضيهِ بالاِفْتِآلِ إرادةُ الشُّعُوبِ في التسْيِيرِ الثَّوْرِيِّ الأكِيدِ، ومَا تقتضيهِ قدرتُهَا كذاك على التنظيمِ الدَّوْرِيِّ السَّدِيدِ، لا بَلْ بالمِثَالِ على التغييرِ الجذريِّ العَتيدِ، مهما احتدَّ المُحَالُ ومهما امتدَّ المَآلُ مَرَّاتٍ ومَرَّاتٍ من جديدٍ، سَيُعْزَمُ في هذا القسمِ الثاني من هذا المقالِ، والحَالُ هُنَا أيضًا، بالتَّوَازي المُؤَاتِي بِقَدْرِ الإمْكَانِ بذاتِ الغِرَارِ (الجَدَلِيِّ) مِمَّا أَنِفَ بالقَصْدِ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، سَيُعْزَمُ فيهِ على تَبْيِينِ الميزَةِ الأُخرى، ميزةِ «ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي»، بشيءٍ مماثلٍ من هكذا تحليلٍ سياسيٍّ نفسيٍّ مُتَوَخًّى، تَبَعًا لِمَا تجترُّهُ مقتضيَاتُ كلٍّ من المبنَى والمعنَى اجترَارًا مُوَازِيًا ومُؤَاتِيًا، كذلك. فأمَّا من حيثيَّةِ هذهِ الميزةِ بالعينِ، ميزةِ «ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي» بالفَحْوَاءِ «الرَّغْوِيِّ» المُرَاوِغِ، من الطَّرَفِ الثاني، ففي مقالِهِ الإعلاميِّ وَ/أوِ الصِّحَافيِّ الأقدمِ عَهْدًا نسبيًّا مِمَّا ذُكِرَ، ذلك المقالِ الذي تُشْتَفُّ فيهِ نزعةٌ دِلالِيَّةٌ «تَبَوُّئِيَّةٌ» جِدُّ تَسَاوُمِيَّةٍ وجِدُّ تَسَاعُرِيَّةِ، بدورِهِ هو الآخَرُ، حتَّى من مُجَرَّدِ النَّظَرِ إلى شِبْهِ جملةِ عنوانِهِ اللَّطِيمَةِ في تمثيلِ الجَارِّ والمَجْرُورِ، «جهاد في المزاد» (القدس العربي، 14 أيلول 2018)، يُورِدُ هذا الكاتبُ الإعلاميُّ المعنيُّ إيرَادًا تساؤلاتٍ شتَّى كانَ قدْ خَالَهَا كذلك من لدنْ غيرِهِ من «المتسَائلينَ» الرَّقميِّينَ، إن تواجَدُوا على أرضِ الواقعِ بَتَّةً، تساؤلاتٍ عن نوعِ ذلك التَّأَرْجُحِ (أو، بالحَرِيِّ، ذلك التَّنَوُّسِ) الرَّاهِنِيِّ الذي يَحُلُّ حُلُولاً بينَ عينِ التدليلِ الإنْبَالِيِّ والإجْلالِيِّ «المُقَدَّسِ» Sacrosanct والمُضْفَى إضْفَاءً زَيْنِيًّا بامتيازٍ على مفردةِ «الجِهَادِ» في مَاضِي ذاك الإسلامِ اللاسِيَاسِيِّ واللامُرْتَزِقِ الأثِيلِ، من جهةٍ أولى، وبينَ عينِ التدليلِ الاِسْتِهْزَائِيِّ والاِزْدِرَائِيِّ «المُدَنَّسِ» Besmirched والمُرْبَى إرْبَاءً شَيْنِيًّا بامتيازٍ كذاك على هذهِ المفردةِ ذاتِهَا في حَاضِرِ هذا «الإسلامِ» السِّيَاسِيِّ والمُرْتَزِقِ الوَكِيلِ، من جهةٍ أُخرى. ومن ثَمَّ، وفي مُحَاولةٍ حَيْنُونِيَّةٍ «عَصْمَاءَ»، أو في شَبِيهَتِهَا بالحَيْنِ، من لَدُنِ الكاتبِ الإعلاميِّ المعنيِّ في «وَضْعِ النِّقَاطِ على الحُرُوفِ»، أو هكذا يَخَالُ بَادِيًا، وذلك استنادًا بَدْئِيًّا إلى دَحْضٍ وتفنيدٍ إيحَائِيَّيْنِ لارْتِآءَاتِ مَنْ وَضَعُوا اللَّوْمَ كلَّ اللَّوْمِ على مَا يُسَمَّى بـ«منظمة التعاون الإسلامي» OIC (أو «منظمة المؤتمر الإسلامي»، سَابِقًا)، حينمَا لجأتْ هَيْئَةُ أعْضَاءِ هكذا منظمةٍ إسلاميَّةٍ من الأهميَّةِ بمكانٍ إلى الإسْقَاطِ الرَّسْمِيِّ لفَرْضِ «الجِهَادِ» من جدولِ فُرُوضِهَا (التشريعيَّةِ) المُتَوَخَّاةِ قَبْلَئِذٍ، حينمَا لجأتْ إليهِ بالفعلِ في المؤتمرِ السَّادسِ منعقدًا قبلَ مَا يقرُبُ من عقدَيْنِ إذَّاك في داكارَ (عاصمةِ السنغالِ)، في تَتْرَى الأيَّامِ مَا بينَ اليومِ التَّاسِعِ واليومِ الحَادِي عَشَرَ من شهرِ كانون الأوَّل عامَ 1991، تحديدًا. وكانَ ذانك الدَّحْضُ والتَّفنيدُ الإيحَائِيَّانِ بسببٍ من تحوُّلِ هذا الفَرْضِ الإسلاميِّ «المُقَدَّسِ»، فَرْضِ «الجِهَادِ» بالذاتِ، إلى ذريعةٍ وضيعةٍ تَسْعَى جُلُّ الدَّوَائِرِ المَافْيَوِيَّةِ في الغربِ الاستعماريِّ خاصَّةً، وبالأخَصِّ تلك الدَّوَائِرَ المُخْتَصَّةَ بالاتِّجَارِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ وشَنِّ الحُرُوبِ (حُرُوبِ القَبَائلِ والمَذَاهِبِ والعَصَائِبِ، بالمِثَالِ لا بالحَصْرِ)، تَسْعَى سَعْيًا، بمَعِيَّةِ الاتِّكَاءِ على أمْوَالِ وَ/أوْ أفْعَالِ أذنابِهَا الخَدَمِيِّينَ «أثرياءِ النفطِ والشَّفْطِ» في الشرقِ الاستبداديِّ عَامَّةً، إلى التذرُّعِ بِهَا من حِينٍ إلى حِينٍ لِمَآرِبَ سياسيَّةٍ هَيْمَنِيَّةٍ «استشرَاقِيَّةٍ» أشدَّ وضَاعَةً وأشدَّ دَنَاءَةً حتَّى – حتَّى أنَّهُ، من قبيلِ «دَحْضٍ وتفنيدٍ مُضَادَّيْنِ» إنْ جَازَ القبيلُ بالنظرِ الاِحْتِمَالِيِّ، أو حتَّى بالرَّأْيِ التَّيَقُّنِيِّ، لذينك الدَّحْضِ والتَّفنيدِ الإيحَائِيَّيْنِ الآنِفَيْنِ بالذِّكْرِ تَوًّا، ثَمَّةَ الكثيرُ الكثيرُ مِنْ أولئك الذينَ وَضَعُوا اللَّوْمَ كلَّ اللَّوْمِ على ذاتِ «منظمة التعاون الإسلامي» تلك لأنَّهَا لَجَأَتْ إلى الإسْقَاطِ الرَّسْمِيِّ لفَرْضِ «الجِهَادِ» الآنِفِ بالذِّكْرِ تَوًّا كذلك، ثَمَّةَ الكثيرُ مِنْهُمْ مَنْ كانوا يَرَوْنَ رَاْيًا تَيَقُّنِيًّا بأنَّ هذا الإسْقَاطَ الرَّسْمِيَّ، في حَدِّ ذاتِهِ، لَمْ يَكُنْ، من حيثُ المبدأُ (الوَاجِبيُّ)، سِوَى استجَابةٍ إذْلَالِيَّةٍ مُذِلَّةٍ لِمَا رَامَهُ المَدْعُوُّ، إسْحٰقُ شاميرَ (1915-2012)، من تصريحِهِ «ٱلْمُتَبَوِّئِ بِالْتَّحَدِّي» أيَّمَا تَبَوُّءٍ، فيمَا تَبَدَّى إبَّانَئِذٍ، ذلك التصريحِ الذي صَرَّحَ بهِ هذا الـ«شاميرُ الخَمِيرُ» على المَلأِ الأدْنَى في مؤتمرِ مدريدَ بالذاتِ (منعقدًا كذاك، قبلَ انعقادِ ذاك المؤتمرِ الإسلاميِّ السَّادسِ حتَّى بأقَلَّ من شهرَيْنِ، في تَتْرَى الأيَّامِ مَا بينَ اليومِ الثلاثينَ من شهرِ تشرين الأوَّل واليومِ الأوَّلِ من شهر تشرين الثاني عامَ 1991، تعيينًا)، صَرَّحَ بهِ هكذا: «إنَّ العربَ [والمسلمينَ]، إذا أرادوا تحقيقَ السَّلامِ معَ إسرائيلَ فعلاً، فلا بدَّ لهمْ من إلغاءِ كلمةِ «الجهادِ» من القاموسِ السياسيِّ والعمليِّ للإسلامِ» (هيئة علماء المسلمين، 29 تموز 2008).

ليسَ المَرَامُ المنشوُدُ من أيٍّ من هٰذينِ «الدَّحْضِ والتَّفنيدِ المُضَادَّيْنِ»، كَمَا يتجَلَّيَانِ هُنَا من منظوُرٍ خَارِجِيٍّ «لامُنْتَمٍ» تجَلِّيًا وَاعِيًا، ولا ريبَ في النَّقِيضِ المُنَاظِرِ، ليسَ المَرَامُ من أيٍّ منهُمَا، بطبيعةِ الحَالِ، تَوْجِيهَ تلك «اللائِمَةِ المُضَادَّةِ» بالعينِ إلى عينِ الكاتبِ الإعلاميِّ المَعْنِيِّ بَتًّا، مَا دَامَ ثَمَّةَ في جَوْفِ الإجْرَاءِ النفسِيِّ المُتَّخَذِ اتِّخَاذًا (من جَانِبِهِ الأخلاقيِّ، على أقَلِّ تقديرٍ، هَا هُنَا)، كُلٌّ مِنْ مَسْعَيَيْنِ ذِهْنِيَّيْنِ مُتَوَاشِجَيْنِ اِثنَيْنِ في مَسْعًى ذِهْنِيٍّ مُرَكَّبٍ مُتَرَاكِبٍ واحدٍ: ثَمَّةَ، بالتِّبَاعِ الاِنْزِوَائِيِّ، إذن، مَا يُمْكِنُ أن نسمِّيَهُ قَبْلاً بـ«سَبْقِيَّاتِ التَّحَسُّبِ الأصْلِيِّ» Primordial Precaution A Priori، هذا إضَافَةً بذاك إلى مَا يقتضيهِ هكذا «تَحَسُّبٌ أصْلِيٌّ» في الأعَقابِ مِنْ تَحَسُّبَاتٍ فَرْعِيَّةٍ (أو حتَّى مِنْ تَحَسُّبَاتٍ جِدِّ فَرْعِيَّةٍ) أُخرى، في الحَيِّزِ القَبْلِيِّ حَامِلاً لَدَيْهِ، أوَّلاً؛ وثَمَّةَ، بالإتْبَاع الاِنْضِوَائِيِّ، عِلاوَةً علَيْهَا أيضًا، مَا يُمْكِنُ أن نَدْعُوَهُ في المُحَاذِي كذلك بَعْدًا بـ«لَحْقِيَّاتِ الاِحْتِرَاسِ الأوَّلِيِّ» Principal Caution A Posteriori، هذا عِلاوَةً كذاك على مَا يَسْتَدْعِيهِ هكذا «احْتِرَاسٌ أوَّلِيٌّ» في الأعَقابِ مِنِ احْتِرَاسَاتٍ ثانويَّةٍ (أو حتَّى مِنِ احْتِرَاسَاتٍ جِدِّ ثانويَّةٍ) أُخرى، في الحَيِّزِ البَعْدِيِّ مَحْمُولاً عَلَيْهِ، ثانِيًا. واستنادًا إلى ذلك، فإنَّ هٰذينِ المَسْعَيَيْنِ الذِّهْنِيَّيْنِ المُتَوَاشِجَيْنِ الاِثنَيْنِ، ومَا يَجُرَّانِ من مَسَاعٍ ذِهْنِيَّةٍ تِبَاعِيَّةٍ اِنْزِوَائِيَّةٍ تحتَ لِواءِ المَسْعَى الأوَّلِ، ومَا يَجْتَرَّانِ أيضًا من مَسَاعٍ ذِهْنِيَّةٍ إتْبَاعِيَّةٍ اِنْضِوَائِيَّةٍ تحتَ لِواءِ المَسْعَى الثاني إنَّمَا هما، أوَّلاً وآخِرًا، مَسْعَيَانِ ذِهْنِيَّانِ مُتَوَاشِجَانِ اِثنَانِ (أو، بالقَمينِ، مَسْعًى ذِهْنِيٌّ مُرَكَّبٌ مُتَرَاكِبٌ واحدٌ) وَرَاءَ التَّفَادِي من وُقُوعِ أيِّمَا إسَاءَةٍ للاستيعَابِ واعِيَةٍ أو لاواعِيَةٍ، أو حتَّى من وُقُوعِ أيِّمَا إسَاءَةٍ للتَّأْوِيلِ واعِيَةٍ أو لاواعِيَةٍ بالمِثْلِ، على وجهِ الخُصُوصِ، هذا الوُقُوعِ الاِحْتِمَالِيِّ الذي يتبدَّى، والحَالُ هذهِ، بوَصْفِهِ وُقُوعًا لارَغَبِيًّا زائِدًا عن حَدِّهِ، وإلى حَدٍّ فُجَائِيٍّ أحْمَرَ فَاقِعٍ من حُدُودِ «التَّكْفِيرِ»، أو «التَّخْوِينِ»، أو حتَّى «التَّهْوِيدِ» (بالاِصْطِلاحِ «اللَّوْذَعِيِّ» المُفَذْلَكِ من لَدُنْ أولئك الرَّهْطِ من المُتَحِلِّلِين السِّيَاسِيِّينَ وَ/أوِ الدِّينِيِّينَ الفَطَاحِلِ)، لولا ذلك الاِسْتِدْرَاكُ التمثيليُّ (القَصْدِيُّ) لفَحْوَى التَّنَازُعِ «الجِهَادِيِّ» المَأْجُورِ، إبَّانَ الدُّخُولِ المَعْمُولِ في مَعْمَانِ الوَغَى الأفغانيِّ المَسْجُورِ، مَا بينَ أمريكا بالذاتِ عن طريقِ جيشٍ «أبيضَ» مُقْتَادٍ اقْتِيَادًا بمِخْلَبِهَا الاِسْتِخْبَارَاتِيِّ «المَبْجُورِ» من «وكالة الاستخبار(ات) المركزية» CIA، وروسيا بذاتِ الذاتِ (أيَّامَ كانتْ دولةَ «الاتحادِ السُّوفْيِيتيِّ» CCCP، باللغة الروسية، أو USSR، باللغة الإنكليزية) عن سبيلِ جيشٍ «أحْمَرَ» مُرْتَادٍ ارْتِيَادًا بِبُرْثُنِهَا المُخَابَرَاتِيِّ «المَعْجُورِ» من «لجنة أمن الدولة» КГБ، باللغة الروسية، أو CSS، باللغة الإنكليزية) – كُلُّ مَنْ شَارَكَ في ذلك التَّنَازُعِ «الجِهَادِيِّ» المَأْجُورِ في الثمَانينيَّاتِ من القرنِ المَاضِي، وأكثرَ منهُ عُدَّةً وعَتَادًا حتَّى من نتاجِ تلك المُؤَسَّسَةِ الاِتِّجَارِيَّةِ الأمريكيَّةِ التي تَتَسَمَّى بالعَمْدِ تَسَمِّيًا تَهَكُّمِيًّا سَاخِرًا بـ«التعهُّدات الدولية لـ(تصنيع) الجهاد» JEI، لا كَمَا يترجمُ الكاتبُ الصِّحَافيُّ السُّورِيُّ، صبحي حديدي، بـ«شركة الجهاد العالمية» غُبْنًا، بالطَّبْعِ، في مُقْتَضَى الحَالِ الإنكليزيِّ مُغْتَمِسًا في «كَلْبِيَّةٍ» شكسبيريَّةٍ غايةٍ في الصَّرَامَةِ في الدَّلِّ، أو حتَّى في النَّظِيرِ الفرنسيِّ مُرْتَمِسًا، بدَوْرِهِ، في «كَلْبِيَّةٍ» فولتيريَّةٍ أخَفَّ صَرَامَةً في الأدَلِّ، كعَهْدِهِ الاِسْتِحْوَاذِيِّ الهُجَاسِيِّ المَحْسُوبِ حِسْبَانًا بالكَمِّ، لا بالكَيْفِ، وذلك باللُّجُوءِ المَنِينِ إلى تَدْوِيرِ فَحْوَى مقالٍ قديمٍ تحتَ عنوانٍ جديدٍ مُسْتَجِدٍّ آنًا بعدَ آنٍ (انظرا، مثلاً لا حَصْرًا، مقالَهُ المُدَوَّرَ بالحَرْفِ، أو بالكَادِ: «أفغانستان أمريكا: ظلُّ «القاعدة» الذي يتجدد ويترامى»، القدس العربي، 10 أيلول 2020)، كُلُّ مَنْ شَارَكَ في ذلك التَّنَازُعِ «الجِهَادِيِّ» المَعْنِيِّ في حَدِّ ذَاتِهِ، من قريبٍ أو من بعيدٍ، إنَّما هو، بالحَقِّ والحَقيقِ، سِفْلٌ وفِسْلٌ مُتَأمْرِكٌ مُرْتَزِقٌ مُتَأَسْلِمٌ «مُتَجَهِّدٌ» مَأْجُورٌ لا يَهُمُّهُ مِنْ «تحرِيرِ أرْضِ الأفغانِ» من الاحتلالِ السُّوفْيِيتيِّ الدَّنِيءِ أيُّ شَيْءٍ بَتَّةً عَدَا ذاك «الفَنَاءِ» فِيمَا يَتَقَاضَاهُ بالتَّزَايُدِ المُثِيرِ مِنْ أجْرٍ «بِتْرُو-دُولارِيٍّ» مُتَّكِئٍ اِتِّكَاءً كُلِّيًّا، أو شِبْهَ كُلِّيٍّ، على أمْوَالِ بعْضٍ مِنْ أذنابِ أمريكا، أولئك الأذنابِ الخَدَمِيِّينَ «أثرياءِ النفطِ والشَّفْطِ» في الشرقِ الاستبدادِيِّ المذكورِينَ أعْلاهُ، من ناحيةٍ أولى، ولا يَهُمُّهُ مِنْهُ أيُّ شَيْءٍ مِنْ ثَمَّ خَلا ذاك «الوَفَاءِ» لِمَا يَتَلَقَّاهُ بالتَّعَاضُدِ الأثيرِ مِنْ دَرَبٍ «إمْبِرْيُو-صُهْيُونِيٍّ» مُسْتَنِدٍ اِسْتِنَادًا حتَّى أكثرَ كُلِّيَّةً إلى أقوَالِ وَ/أوْ أفعَالِ حَشْدٍ من الأسْيَادِ الآمِرِينَ الأمريكيِّينَ (وحتَّى المُتَأمْرِكِينَ) في الذَّبِّ والذِّيَادِ عن مَصَالِحِهِمْ في تلك «الأرْضِ» من الخطرِ السُّوفْيِيتيِّ الوَشيكِ، وعلى الأخَصِّ الخِصِّيصِ في تلك الدُّرُوبِ البَيْدَاوِيَّةِ الجَدْبَاءِ التي كانتْ، ومَا زالتْ، تُؤَدِّي إلى مَقَارِّ الكُنُوزِ النَّفْطِيَّةِ المَخْبُوءَةِ في بحرِ قزوينَ بالذاتِ، من ناحيةٍ أُخرى.

نَاهِيكُمَا، للإفَادَةِ اسْتِحْضَارًا، هَا هُنَا، من شَيْءٍ من «لَوْلَبِيَّاتِ» التاريخِ السُّوفْيِيتيِّ الخَبِيءِ زَمَانًا مَدِيدًا قبلَ الاحتلالِ الأمريكيِّ القمِيءِ مَكَانًا عَتِيدًا لتلك «الأرْضِ» بالعينِ إبَّانَ «تحرِيرِهَا» المَجيدِ من جَدِيدٍ، نَاهِيكُمَا عن أنَّ الاحتلالَ السُّوفْيِيتيَّ الدَّنِيءَ بالذاتِ، بَادِئَ ذِي بَدْءٍ (وكأنَّ ثَمَّةَ اتِّفَاقًا وثِيقًا خَفِيًّا بينَ ذينك الاحتلالَيْنِ حتَّى) لَمْ يَكُنْ، في حَقِيقَةِ الأمْرِ، إلاَّ احتلالاً دَنِيئًا كانَ قَدْ حَفَّزَتْهُ من قبلُ تحفيزًا مباشرًا، أو غيرَ مباشرٍ، بِضْعَةٌ من مُؤْلِمَاتِ تيك «الآفَاتِ الرَّضِّيَّةِ القوميَّةِ» Nationalist Traumatisms، أو حتَّى من مُوجِعَاتِ مَا لازَمَتْهَا من «آفَاتٍ» مَثِيلاتٍ لاقوميَّةٍ، أو أيَّتِمَا مَثِيلاتٍ نَعْتِيَّةٍ عُصَابِيَّةٍ غيرِهَا، كذلك، تيك «الآفَاتِ» التي نَجَمَتْ، بنَحْوٍ أو بآخَرَ، عن مُخَلَّفٍ سِيَاسِيٍّ نفسيٍّ كَنِينٍ دَفِينٍ من مُخَلَّفَاتِ مَنْيِ ذاتِ المَدْعُوِّ، جوزيف ستالين (1878-1953)، بذلك الإخْفَاقِ البيروقراطيِّ الذَّرِيعِ في تجربةِ الإيعَازِ الأوتوقراطيِّ المُريعِ بتأسيسِ مَوْطِنٍ جِدِّ خاصٍّ لليهودِ السُّوفْيِيتِ أيَّامَئِذٍ بمَثَابَةِ «تحقيقٍ» واقعيٍّ بديلٍ عن ذاتِ الحُلْمِ الأُسْطُورِيِّ المُعَادِ بأرضِ المِيعَادِ، مَوْطِنٍ جِدِّ خاصٍّ في تلك الأرضِ الجَرْدَاءِ المَهْجُورَةِ التي سُمِّيَتْ يَوْمَهَا بالاِسْمِ الفَنِّيِّ القوميِّ «بيروبيجان»، والتي قُيِّضَ لَهَا كذاك أن تَتَوَاجَدَ مَوْقِعًا في قَاحِلِ الجنوبِ القَصِيِّ مَا بينَ الحَدِّ الرُّوسِيِّ السُّوفْيِيتيِّ والحَدِّ الصِّينِيِّ اللاسُّوفْيِيتيِّ، تحديدًا، تمامًا في الجانبِ الشرقيِّ المُقَابلِ إذَّاك للجانبِ الغربيِّ بالتَّوَاجُدِ من موقِعِ «أفغانستان»، كما أوْرَدَ الكاتبُ الماركسيُّ البولنديُّ، إسْحٰق دُويْتْشَر، إيرَادًا تمثيليًّا علميًّا لامُتَحَيِّزًا في كتابِهِ الألْمَعِيِّ اللَّمَّاحِ، «اليهوديُّ اللايهوديُّ: ومقالاتٌ أُخرى» The Non-Jewish Jew: And Other Essays، في نُسْخَتِهِ الإنكليزيَّةِ، في هذا المُتَنَاوَلِ الرَّقَمِيِّ اليَسِيرِ – وهو، على فكرةٍ، عينُ الكتابِ الذي تَمَّ إنجَازُهُ اللارَقَمِيُّ بالتَّمَامِ، قبلَ رحيلِ الكاتبِ الماركسيِّ عينِهِ عنْ هذهِ الدُّنْيَا بشهرَيْنِ ونَيِّفٍ، تَمَّ إنجَازُهُ مُتَزَامِنًا، في حَيِّزٍ من التحليلِ السياسيِّ الثُّنَائِيِّ (العربيِّ-الإسرائيليِّ)، معَ كُلٍّ من مُؤْلِمَاتِ ومُوجِعَاتِ تلك «الآفَاتِ الرَّضِّيَّةِ القوميَّةِ» التي نَشَأتْ كذاك، في المُقابِلِ العربيِّ، عن ذلك الحَدَثِ المَشْأَمَةِ الكَارِثِيِّ في اليومِ الخامسِ من شهرِ حزيرانَ عامَ 1967، وعلى الأخَصِّ الخِصِّيصِ، مَرَّةً أُخرى بذاك، مُتَزَامِنًا، في حَيِّزٍ مُنَاظِرٍ من التَّقْوِيدِ، أو من التَّعْهِيرِ، أو بالعَرَبِيِّ «المُشَرْمَحِيِّ» من التَّعْرِيصِ، الدبلوماسيِّ الثُّنَائِيِّ (العُرْبَانيِّ-الصُّهْيُونِيِّ)، معَ مَا يظهرُ، الآنَ، من أولئك الأذنابِ الخَدَمِيِّينَ من «عُرْبَانِ النفطِ والشَّفْطِ والعَفْطِ» في مَهَازِئِ لَعْقِ النِّعَالِ في هذا «التَّطْبِيعِ» البَغَائِيِّ الخَنُوعِ وَاحدًا تِلْوَ الآخَرِ في الجَهَارِ «ٱلْمُتَبَوِّئِ حَالاً بِمَا بَعْدَ ٱلْتَّحَدِّي» (كما هي الحَالُ في الإماراتِ والبحرينِ، وهَلُمَّ جَرًّا)، ومَا سَوفَ يظهرُ، عَاجلاً أم آجلاً، من أولئك الأذنابِ الخَدَمِيِّينَ أشْبَاهِهِمْ تِبَاعًا في الخَفَاءِ «ٱلْمُتَبَوِّئِ حَالاً بِمَا قَبْلَ ٱلْتَّحَدِّي» (كما هي الحَالُ في قطرَ والكويتِ، وهكذا دواليك)!

*** *** ***

لندن، دبلن،
9 آب 2020 – 9 أيلول 2020



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غُلُوُّ ٱلْكِتَابَةِ ٱلْسِّيَاسِيَّةِ: لَغْوُ &# ...
- غُلُوُّ ٱلْكِتَابَةِ ٱلْسِّيَاسِيَّةِ: لَغْوُ &# ...
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (1-2)
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (4)
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3)
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورونا» (2)
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورونا» (1)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (10)
- مِنْ حَقَائِقِنَا هُنَا، وَمِنْ حَقَائِقِهِمْ هُنَاكَ (9)
- تِلْكَ الدَّوْلَةُ المُسْتَقِيمَةُ: كِيَاسَةُ الإِفْشَاءِ أَ ...
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ الإِعْجَابِ» (7)
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ الاِنْتِظَارِ» ( ...
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ الاِقْتِدَاءِ» ( ...
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُون: «خَفِيَّةُ الكَآبَة» (4)
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُون: «خَفِيَّةُ التَّعَثُّر» (3)
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُون: «خَفِيَّةُ المُنَاجَاة» (2)
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ التَّشَاؤُلِ» (1 ...
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (12)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (11)


المزيد.....




- بعدما حوصر في بحيرة لأسابيع.. حوت قاتل يشق طريقه إلى المحيط ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لأعمال إنشاء الرصيف البحري في قط ...
- محمد صلاح بعد المشادة اللفظية مع كلوب: -إذا تحدثت سوف تشتعل ...
- طلاب جامعة كولومبيا يتحدّون إدارتهم مدفوعين بتاريخ حافل من ا ...
- روسيا تعترض سرب مسيّرات وتنديد أوكراني بقصف أنابيب الغاز
- مظاهرات طلبة أميركا .. بداية تحول النظر إلى إسرائيل
- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - غُلُوُّ الكِتَابَةِ السِّيَاسِيَّةِ: لَغْوُ التَّنَبُّؤِ بِالتَّرَدِّي أَمْ رَغْوُ التَّبَوُّءِ بِالتَّحَدِّي؟ (1-2)