أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - تِلْكَ الدَّوْلَةُ المُسْتَقِيمَةُ: كِيَاسَةُ الإِفْشَاءِ أَمْ سِيَاسَةُ الاِرْتِشَاءِ؟ (1-2)















المزيد.....



تِلْكَ الدَّوْلَةُ المُسْتَقِيمَةُ: كِيَاسَةُ الإِفْشَاءِ أَمْ سِيَاسَةُ الاِرْتِشَاءِ؟ (1-2)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 6509 - 2020 / 3 / 9 - 22:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وَأَمَّا النَّاخِبُونَ سِيَاسِيًّا غَارِقًا فِي الفَسَادِ قِيمَهْ،
فَلَيْسُوا ضَحَايَاهُ، بَلْ مُشْتَرِكُونَ فِي هٰذِهِ الجَرِيمَهْ!
جورج أورْوِيل

(1)

إشارةً إلى مقالٍ صِحَافيٍّ إعلاميٍّ تخصُّصيٍّ فريدٍ من نوعِهِ، والحَقُّ لا بُدَّ أنْ يُقَالَ، مقالٍ يبيِّنُ كيفَ أنَّ مَسْعًى بريطانيًّا ذَا طابعٍ «شَعْبَوِيٍّ قلبًا وقالبًا» Entirely Populist، كمثلِ ذٰلِكَ المَسْعَى الذي يسمُّونَهُ تسميةً توراتيةً بهلوانيةً بـ«الخرُوجِ» Exit، مَعْصُودًا بـ«خُرُوجِ بريطانيا» Brexit، ومقصُودًا منه، بطبيعةِ الحَالِ، خُرُوجُ هذهِ الدولةِ «المُسْتَقِيمةِ» من أُرُوضِ الاتِّحادِ الأوروبيِّ ومن سَمَاواتِهِ سياسيَّا واقتصاديَّا، على حَدٍّ سَوَاءٍ، يبيِّنُ كيفَ أنَّهُ مَسْعًى كانَ، ولم يَزَلْ، غارقًا غَرَقًا لا يُحْسَدُ عليهِ، في التذبذبِ بينَ الاِلتزامِ الوَعْديِّ باتِّخاذِ معنيِّ «القرارِ» وبينَ الإحجامِ الوعيديِّ والانكفاءِ بنقيضِهِ «اللاقرارِ»، فإنَّ المَزْهُوَّ المُخْتَالَ بوريس جونسون (وقدْ صَادفَ لَهُ، في هذا الأوانِ، أن يكونَ رئيسَ وزراءِ بريطانيا ذاتِهَا، رغمَ كُلِّ ما يُوحي إيحاءً بخلافِ ذلك) لا يفتأُ يُضْمِرُ الآنَ التذاذًا بنوعٍ مشتقٍّ مِمَّا سَمَّيْتُهُ، في موضعٍ آخرَ، تسميةً نفسانيةً كذٰلك بـ«الرَّعِبِ البطوليِّ» Heroic Jouissance، يُضْمِرُ التذاذًا بإثارةِ ذلك الشعورِ اللافتِ للانتباهِ بكلٍّ من الإيجاسِ والاغتياظِ في كلٍّ من الأوساطِ المعارضةِ والأوسَاطِ شبهِ المعارضةِ من اليسارِ واليمينِ ومِمَّا بينَ الأقصَيَيْنِ الاِثْنَيْنِ – وإنْ كانَ هذا الشعورُ اللافتُ بالذَّاتِ يطغَى، أكثرَ مَا يطغَى، على الوَسَطِ المعارضِ من اليسارِ وأقصَاهُ، على وجهِ التَّحديدِ. غيرَ أنَّ هذا المزهوَّ المختالَ، مهما حاولَ في إِنْجَاحِ أيٍّ من مساعيهِ الحَثيثةِ إزاءَ تنفيذِ القرارِ المُختارِ باتفاقٍ معَ المعنيِّينَ بالأمرِ من الاتِّحادِ الأوروبيِّ أو حتى بدونِ أيِّمَا اتفاقٍ معهم، لن ينجحَ، من أمامِ إرادةٍ شعبيةٍ (بريطانيةٍ) واقفةٍ لهُ بالمرصادِ على الدوامِ، في تقويضِ صَرْحِ مَا يُشيرُ، رغمَ ذلكَ كلِّهِ، بشيءٍ من «الديمقراطيةِ الحقيقيةِ» في دولةٍ كمثلِ بريطانيا، على أقلِّ تقديرٍ – على الأقلِّ، كما أُشيرَ في المقالِ المعنيِّ، مقارنةً بانعدامِ هذه «الديمقراطيةِ» المطلقِ في عالَمِنا العربيِّ الحزينِ، حيثُ أشكالُ الاستبدادِ التعسُّفيِّ والطُّغيانِ الهمجيِّ والظلمِ الاجتماعيِّ إنما هي في أحطِّ ما توصلتْ إليهِ من أشكالٍ في التاريخِ البشريِّ برمَّتِهِ. وحدَهُ العنصريُّ المزهوُّ المختالُ الآخَرُ دونالد ترامب، يعلنُ إذْ ذَاكَ متحمِّسا، من وراءِ البحارِ بـ«شعبويَّتِهِ الفاشيةِ المقيتةِ» Abhorrent Fascist Populism، وحدَهُ يعلنُ دعمَهُ الشخصيَّ دونَ قيدٍ أو شرطٍ لهذا «المَسْعَى العظيمِ» الذي يُقْدِمُ عليهِ أيَّمَا إقدامٍ هذا «الرجلُ العظيمُ» الذي كانتْ «بريطانيا العظمى» برمَّتِها تنتظرُه انتظارًا طويلاً، على أحرَّ من جَمْرِ الغَضَى (انظرا، في هذهِ القرينةِ: مقالَ آصال أبسال المُتَفَرِّدَ، «الصحافة الغربية: التذبذب بين القرار واللاقرار!»، دنيا الرأي [وصحف أُخرى]، 14 تشرين الثاني 2019).

من المعلومِ علمَ اليقينِ، في هذا الصَّددِ، أنَّ فكرةَ «الخُرُوجِ» التوراتيِّ البهلوانيِّ هذهِ كانتْ قدْ تمخَّضتْ، بنحوٍ أو بآخَرَ، عنْ تأسيسِ حزبٍ سياسيٍّ «شَكَّاكٍ» (أو «شُكُوكِيٍّ») قائمٍ بذاتِهِ في بريطانيا، إذْ تمَّ وَسْمُهُ إتباعًا بِسِمَةٍ جَادَّةٍ كلَّ الجدِّ بـ«حزبِ خروجِ بريطانيا» Brexit Party، وذلك في اليومِ التاسعَ عشرَ من شهرِ كانون الثاني (يناير) من العامِ المنصرمِ 2019، حزبٍ هَجِينيٍّ يمينيٍّ متطرِّفٍ، في جُلِّ آمالِهِ ومآلاتِهِ (إنْ لم نَقُل كلَّهَا)، حزبٍ «شعبويٍّ قلبًا وقالبًا» من نوعٍ جِدِّ خاصٍّ يقودُهُ منذ ذٰلك الحينِ عَيْنُ السياسيِّ والإعلاميِّ البريطانيِّ نايجل فَرَاج – وهو عَيْنُ الدعائيِّ الهَجِينيِّ اليمينيِّ المتطرِّفِ المعروفِ، كذاكَ، بإسهامِهِ الترويجيِّ الكبيرِ في إبَّانِ معمعانِ الحملةِ الانتخابيةِ الرئاسيةِ التي أطلقَهَا العنصريُّ المزهوُّ المختالُ الآخَرُ دونالد ترامب بالذاتِ: وفي هذا مَا يفسِّرُ، في جملةِ مَا يفسِّرُ، دعمَ هذا العنصريِّ اللامحدودَ لمَسْعَى «الخُرُوجِ» التوراتيِّ البهلوانيِّ وحدَهُ دونَ غيرهِ، كما تقدَّمَ ذكرُهُ قبلَ قليلٍ. فأمَّا من حيثُ العددُ المحدودُ والجهدُ المردودُ واللامردودُ، فيتألَّفُ هذا الحزبُ السياسيُّ بأغلبيةٍ مَاحقةٍ عَارمةٍ من ثمانيةٍ وعشرينَ عضوًا «ممثِّلاً» أوَّليًّا من أعضاءِ «البرلمانِ الأوروبيِّ» MEP، على وجهِ التحديدِ، بالإضافةِ إلى أقلِّيةٍ «مَارقةٍ»، أو «شِبْهِ مَارقةٍ»، صَارمةٍ من أربعةِ أعضاءٍ «ممثِّلينَ» آخرينَ من أعضاءِ «مجلسِ النوَّابِ الويلزيِّ»، بالذاتِ (أو، بالأحرَى، من أعضاءِ «الجمعيةِ التشريعيةِ الويلزيةِ» Welsh Assembly، بذاتِ الذاتِ). وأمَّا من حيثُ الأيديوجيةُ المُتَّبَعَةُ اتِّباعًا توراتيًّا بهلوانيًّا كذلك في العَهْدِ المعهودِ واللامعهودِ، فهي أيديولوجيةٌ مُخْتَزَلةٌ اختزالاً يقومُ على مَحْضِ نزعةٍ انفصاليةٍ حَسَّابَةٍ، لا بلْ مَحْضِ نزعةٍ انعزاليةٍ شَكَّاكَةٍ (أو شُكُوكِيَّةٍ)، جدِّ خاصةٍ تُدعى بـ«الشُّكوكيةِ الأوروبيةِ» Euroscepticism، نزعةٍ تعارضُ أشدَّ مَا تعارضُ، في الأصلِ، مَنْحَى «الاندماجِ الكوزموبوليتانيِّ» بحُجَّةِ أنَّهُ مَنْحًى يقلِّلُ، أو بأدناهُ يُسَاهِمُ في التقلِيلِ، من أهميةِ كلٍّ من السِّيَادِ الوطنيِّ والسُّؤْدَدِ القوميِّ للدولةِ المَعْنِيَّةِ، أو لمجموعةِ الدولِ المَعْنِيَّةِ. واستنادًا إلى ذلك كلِّهِ، فَعَيْنُ هذه النزعةِ الاِنعزاليةِ الشَّكَّاكَةِ (أو الشُّكُوكِيَّةِ) تدَّعي ادِّعَاءً بأنَّ الاتِّحادَ الأوروبيَّ، بنوعِ «نخبويَّتِهِ المتعاليةِ»، إنَّما يفتقرُ كلَّ الافتقارِ إلى أيٍّ من الشرعيةِ والشفافيةِ الديمقراطيتَيْنِ، من ناحيةٍ أولى، ويحفلُ علاوةً عليهِ بكلِّ المَثَالِبِ والمطبَّاتِ البيروقراطيةِ في خدمتِهِ مَصَالِحَ الطبقاتِ العُليا دونَ سِوَاهَا على حِسَابِ مَصَالِحِ الطبقاتِ الدُّنيا (وخاصَّةً، طبقةَ العمَّالِ، ومَا يُشْبِهُهَا)، من ناحيةٍ أخرى. وهكذا، بعدَ هكذا إجلاءٍ مورفولوجيٍّ مُسَنَّدٍ، تتجلَّى نزعةٌ اِنفصاليةٌ وانعزاليةٌ كمثلِ هذهِ «الشُّكوكيةِ الأوروبيةِ»، من هذا المنظورِ الادِّعائيِّ المَحْضِ بالذاتِ، تتجلَّى بوصفِهَا النقيضَ الكاملَ والمطلقَ لتلك النزعةِ اللاانفصاليةِ واللاانعزاليةِ (واللاشُكُوكِيَّةِ) التي تُدعى، تحديدًا، بـ«النقابيةِ الأوروبيةِ» European -union-ism، لأسبابٍ بَدَهيةٍ وبيِّنةٍ بذاتها.

ومَعَ كلِّ جوانبِ هذا المنظورِ الادِّعائيِّ المحضِ بالذاتِ، وعلى الأخصِّ حينما يَسْعَى ذلك الجانبُ المعنيُّ من حكومةِ بريطانيا، تلك الدولةِ «المُسْتَقِيمةِ»، إلى جَعْلِهِ منظورًا حقيقيًّا وواقعيًّا، على الصعيدِ «الوطنيِّ» وَ/أوِ «القوميِّ» قبل أيِّ صعيدٍ آخَرَ، فإنَّ ثمَّةَ في الأفقِ المرئيِّ إرهاصاتٍ «اِنقلابيةً» تكادُ أن تكونَ دلائلَ دامغةً قدْ تُطيحُ بذلك المَزْهُوِّ المُخْتَالِ بوريس جونسون من برجهِ العاجيِّ فوقَ كلِّ الظُّنُونِ، وقدْ تزجُّ بِهِ، فوقَ ذلك كلِّهِ، زَجًّا في غَيَاهِبِ السُّجُونِ [إرهاصاتٍ «اِنقلابيةً»، بالمعنى المُوحَى إليهِ في عنوانِ «روايةِ» الكاتبِ السياسيِّ (اليساريِّ) البريطانيِّ كريستوفر جون مَلِن، «انقلابٌ بريطانيٌّ قُحٌّ» A Very British Coup، تلك الروايةِ التي تدورُ أحداثُهَا حولَ سَعْيٍ انقلابيٍّ دَوْليٍّ يرتِّبُ لَهُ بضعةٌ من أعضاءِ «حزبِ العملِ» (اليساريِّينَ) من أجلِ إقصاءِ رئيسِ الحكومةِ العمَّاليةِ (اليساريِّ، هو الآخَرُ)، هاري بيركينز، على الرغمِ من فوزِهِ في سَيْرِ الانتخاباتِ الشعبيةِ بأغلبيةٍ ساحقةٍ، على حَدِّ تعبيرِ آصال أبسال في مقالِهَا الألمعيِّ الآنِفِ الذكرِ]. وهكذا، وفي لحظةٍ إشراقيةٍ من لحظاتِ مَا يُمْكِنُ أن يُلَمَّحَ إليهِ تلميحًا تعبيريًّا تلطيفيًّا بـ«كِيَاسَةِ الإِفْشَاءِ» Sagacity of Divulgence، يقرِّرُ السياسيُّ والإعلاميُّ البريطانيُّ نايجل فَرَاج بالعَيْنِ، ذلك السياسيُّ قائدُ «حزبِ خروجِ بريطانيا» بعَيْنِ العَيْنِ، يقرِّرُ أن يستجمعَ كلَّ مَا بجَعْبَتِهِ من رَبَاطةِ جَأْشٍ، وقدْ تواجدتْ هكذا «رَبَاطةٌ» في المَظَانِّ في ظَنِّهِ في أغلبِ الظَّنِّ، ويُقِرُّ على الملأ الأدنى والأعلى (بالتعبيرِ الآصَاليِّ، ها هُنا) بأنَّ ثمَّةَ ثُلَّةً من الأعضاءِ المُؤَسِّسينَ، لا بَلْ من الأعضاءِ المُخَضْرَمِينَ، في هذا الحزبِ، ثُلَّةً قدْ عُرِضَ عليهم عَرْضٌ كانَ قدْ خُيِّل إلى العارِضِ (أو، بالحَريِّ، إلى ثُلَّةِ العارِضِينَ) بأنَّ أولئك الأعضاءَ المُخَضْرَمِينَ «لن يكونَ بإمكانِهم أن يَرْفُضُوهُ مُعَارِضِينَ»، وذلك استئناسًا بالمجازِ المَافْيَويِّ الذي تكتظُّ بتمثيلِهِ التوعُّديِّ رواياتٌ كلاسيكيةٌ، كمثلِ روايةِ الكاتبِ الروائيِّ الإيطاليِّ-الأمريكيِّ ماريو جِيَانْلُوِيجِي بوزو، «العرَّاب» The Godfather، وما شابَهَ ذلك. وكانَ هذا العَرْضُ بالمجازِ المَافْيَويِّ بالذاتِ ينصُّ، بهيئةٍ أو بأُخرى، على الوَعْدِ الجَدِّيِّ «النَّبِيلِ»، وَعْدِ أولئك الأعضاءِ المُخَضْرَمِينَ، بِمَنْحِهِمْ، كلاًّ على حدةٍ، رُتَبًا فخريةً إكراميةً في ما يُعرفُ، بالمصطلحِ الإنكليزيِّ الخُصُوصِيِّ «الأكثرِ نَبَالةً» كذاك بـ«طبقة النُّبلاءِ»، أو بالحَافِ بـ«النَّبِيلِيَّةِ»، أو حتى بحَافِ الحَافِ بـ«النَّبَالِيَّةِ» Peerage، وذلك في مقابلِ إقناعِهِم بأن يَنْأَوْا بأنفسِهم كلَّ النَّأْيِ عن الترشُّحِ في المُقبلِ القريبِ، أو البعيدِ، من إجراءِ الانتخابِ العامِّ في أرْجَاءِ بريطانيا كُلِّهَا، تلك الدَّوْلَةِ «المُسْتَقِيمَةِ».

بيدَ أنَّهُ، رغمَ كلِّ ذلك الإيحاءِ بِمَا يُمْكِنُ أن يُلَمَّحَ إليهِ، على النَّقيضِ كذلك، تلميحًا تعبيريًّا تَسْمِيجِيًّا هذه المَرَّةَ بـ«سِيَاسَةِ الاِرْتِشَاءِ» Politics of Venality، بيدَ أنَّهُ، مَا إنْ بَدَأَ هذا العَرْضُ بالمجازِ المَافْيَويِّ بالذاتِ يتفشَّى بينَ عامَّةِ الناسِ، مَا بينَ القالِ والقيلِ، ومَا أدراكُمَا مَا القالُ والقيلُ، حتى باشرَ المسؤولونَ المعنيُّونَ والمسؤولاتُ المعنيَّاتُ من الجهازِ الشُّرَطِيِّ الحَاضِرِيِّ (اللندُنيِّ) في بريطانيا، تلك الدَّوْلَةِ «المُسْتَقِيمَةِ»، حتى باشروا في التحرِّي والتحقيقِ اللازمَيْنِ في قضيَّةٍ قضائيةٍ رفعتْ نفسَهَا بنفسِهَا رَفْعًا عَلَنِيًّا على أنَّهَا قضيَّةُ «تَزْيِيفٍ وتَزْوِيرٍ انتخابِيَّيْنِ» بامتيازٍ، وذلك تبييضًا للمُسْوَدَّةِ من الوجُوهِ المعنيَّةِ بالذَّواتِ – أو، على الأقلِّ، حفاظًا على مَاءَاتِها (رغمَ الاِسْوِدادِ «الخفيِّ»)، في هذه الحياةِ الدُّنْيَا قبلَ المَمَاتِ!

(2)

كما ذكرتُ في القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ، وفي معرضِ الكلامِ عن فكرةِ «الخرُوجِ» التوراتيِّ البهلوانيِّ التي تجلّتْ في تيَّارٍ اِنفصاليٍّ وانعزاليٍّ يُسَمَّى بـ«خُرُوجِ بريطانيا» Brexit، اختصارًا (أي خُرُوجِهَا من أُرُوضِ الاتِّحادِ الأوروبيِّ ومن سَمَاوَاتِهِ سياسيَّا واقتصاديَّا)، والتي تمخَّضتْ كذاك عنْ تأسيسِ حزبٍ سياسيٍّ «شَكَّاكٍ» (أو «شُكُوكِيٍّ») مَلْمُومٍ بالذاتِ إيداعًا ومَوْسُومٍ، فيمَا يبدو، إتباعًا بِسِمَةٍ جِدِّ جَادَّةٍ بـ«حزبِ خروجِ بريطانيا» Brexit Party، ثَمَّةَ في ذلك الأفقِ المرئيِّ مَا يُدهشُ من إرهاصاتِ «الاِنقلابِ الذاتيِّ» النَّثِيرَةِ في أوساطِ اليمينِ وأقصَى اليمينِ، في هكذا نوعٍ من دولةٍ «مُسْتَقِيمةٍ»، تمامًا مثلَمَا أنَّ ثَمَّةَ فيهِ مَا يُذهلُ من إرهاصاتِ هذا «الاِنقلابِ الذاتيِّ» النَّظِيرَةِ في أوساطِ اليَسَارِ وأقصَى اليَسَارِ [وبالأخصِّ فَحْوَى «الاِنقلابِ الذاتيِّ» ذاك الذي تَفْحُو بهِ إيحَاءً «روايةُ» الكاتبِ السياسيِّ (اليساريِّ) البريطانيِّ كريستوفر جون مَلِن، «انقلابٌ بريطانيٌّ قُحٌّ» A Very British Coup، حيثُ أنَّ فردًا أو جماعةً من اليسارِ، خاصَّةً، ينقلبونَ على فردٍ أو جماعةٍ من أقصى اليسارِ، أشدَّ خُصُوصًا، وذلك التفافًا على دَفْقِ الإرادةِ الشعبيةِ (البريطانيةِ) بالخديعةِ والدَّسِيسَةِ]. وإن أرادتْ هكذا دولةٌ أن تُظهرَ، للعالَمِ «الديمقراطيِّ» بكلِّيَّتِهِ بأدْنَى تخمينٍ، جانبًا محسوسًا وملموسًا من معنيِّ تلك «الاستقامةِ» المُدَّعَاةِ هنا، فليسَ لهَا سِوَى أن تأخذَ على مَحْمَلِ الجِدِّ كلاًّ من تلك «اللحظاتِ الإشراقيةِ» التي تكادُ أن تكونَ دلائلَ إدانيةً دامغةً قدْ تُطيحُ بذلك المَزْهُوِّ المُخْتَالِ بوريس جونسون من برجهِ العاجيِّ فوقَ كلِّ الظُّنُونِ، وقدْ تزجُّ بِهِ، فوقَ ذلك كلِّهِ، زَجًّا في غَيَاهِبِ السُّجُونِ – وعلى الأخصِّ في غمرةِ ذلك التذبذبِ غيرِ المرغوبِ فيهِ، تذبذبِ ذلك المَزْهُوِّ المُخْتَالِ بالذاتِ، بينَ القيامِ بتفعيلِ فكرةِ «الخرُوجِ» باتفاقٍ، أو بدونِ اتِّفاقٍ، مع المعنيِّينَ بالأمرِ من «كتائبِ» المؤيِّدِينَ، من طرفٍ أوَّلَ، وبينَ حتى الالتزامِ بتدليلِ الفكرةِ النقيضِ، أي «اللاخرُوجِ»، نزولاً عندَ رغائبِ المعارِضينَ (من اليسارِ، في الأغلبِ والأعمِّ) دونما قيدٍ أو شرطٍ، من طرفٍ آخرَ. ومن أهمِّ تلك «اللحظاتِ الإشراقيةِ»، إن لم تَكُنِ الأهمَّ في الآونةِ الأخيرةِ، مَا لُمِّحَ إليهِ تلميحًا تعبيريًّا تلطيفيًّا بـ«كِيَاسَةِ الإِفْشَاءِ» Sagacity of Divulgence، حينما يقرِّرُ السياسيُّ والإعلاميُّ البريطانيُّ نايجل فَرَاج، قائدُ «حزبِ خروجِ بريطانيا» بعَيْنِهِ، أن يستجمعَ كلَّ مَا بجَعْبَتِهِ من رَبَاطةِ جَأْشٍ، وحينما يُقِرُّ جَهَارًا بأنَّ هناك ثُلَّةً من الأعضاءِ المُخَضْرَمِينَ، في هذا الحزبِ، قدْ عُرِضَ عليهم عَرْضٌ كانَ قدْ خُيِّل إلى ثُلَّةِ العارِضِينَ بأنَّ أولئك الأعضاءَ المُخَضْرَمِينَ «لن يكونَ بإمكانِهِمْ أن يَرْفُضُوهُ مُعَارِضِينَ» (في إشارةٍ إلى المجازِ المَافْيَويِّ الشهيرِ وتمثيلِهِ التوعُّديِّ، كما سبقَ ذِكْرُهُ إذْ ذاك). وكانَ هذا العَرْضُ بالذاتِ ينصُّ على وَعْدِ أولئك الأعضاءِ المُخَضْرَمِينَ بِمَنْحِهِمْ رُتَبًا فخريةً إكراميةً في مَا يُدعى بـ«طبقةِ النُّبلاءِ» (أو «النَّبِيلِيَّةِ»، أو حتى «النَّبَالِيَّةِ» Peerage)، وذلك في مقابلِ إقناعِهِم بأن يَنْأَوْا بأنفسِهم كافَّةً عن الترشُّحِ في المُقبلِ من إجراءِ الانتخابِ العامِّ (وقد أقبل، بالفعلِ) في أرْجَاءِ بريطانيا كُلِّهَا، تلك الدَّوْلَةِ «المُسْتَقِيمَةِ».

والآنَ، والسَّاسَةُ البريطانيُّونَ كافَّتُهُمْ بَاتُوا الآنَ ينقُلونَ بالخُطَى على أعْتَابِ إجراءِ الانتخابِ العامِّ في أرْجَاءِ بريطانيا كُلِّهَا (وذلك في اليوم الثانيَ عشرَ من شهرِ كانون الأول الفارطِ)، لا بُدَّ، إذنْ، مِمَّا لُمِّحَ إليهِ كذاك، على الطَّرَفِ الآخَرِ من النَّقيضِ، تلميحًا تعبيريًّا تَسْمِيجِيًّا بـ«سِيَاسَةِ الاِرْتِشَاءِ» Politics of Venality، كيمَا يَبِينَ بَيَانًا وتِبْيَانًا لكلٍّ من العَالَمَيْنِ الرَّقميِّ واللارقميِّ، من خلالِ ذلك التَّلْمِيحِ التَّعْبِيرِيِّ التَّلْطِيفيِّ الأوَّلِ، كيمَا يَبِينَ، والحَالُ هُنا، شيءٌ مُشَيَّأٌ مِمَّا يُوحي بـ«التَّوازنِ الأخلاقيِّ» Ethical Equilibrium، بحدِّهِ الأدنى – إنْ تواجدَ، حقًّا، هكذا توازنٌ أخلاقيٌّ في مَعَاييرِ بريطانيا حتى بحدِّهَا «الأعلى»، أو بحدُودِهَا «العليا». فَمَا إنْ شَرَعَ هذا العَرْضُ بالمجازِ المَافْيَويِّ بالذاتِ في التَّفَشِّي بينَ عامَّةِ الناسِ، مَا بينَ القالِ والقيلِ، ومَا أدراكُمَا مَا القالُ والقيلُ، حتى سَارَعَ المسؤولونَ المعنيُّونَ والمسؤولاتُ المعنيَّاتُ من الجهازِ الشُّرَطِيِّ الحَاضِرِيِّ (اللندُنِيِّ) في بريطانيا، تلك الدَّوْلَةِ «المُسْتَقِيمَةِ»، حتى سَارَعُوا إلى التَّقَرِّي وإلى التَّحَرِّي «المؤاتيَيْنِ» و«الواجبيَّيْنِ» في قضيَّةٍ قضائيةٍ رفعتْ نفسَهَا بنفسِهَا رَفْعًا عَلَنِيًّا على أنَّهَا قضيَّةُ «تَزْيِيفٍ وتَزْوِيرٍ انتخابِيَّيْنِ» بامتيازٍ، وذلك تبييضًا للمُسْحَمَّةِ من الوجُوهِ المعنيَّةِ بالذَّواتِ – أو، على الأقلِّ، حفاظًا على مَاءَاتِها (رغمَ الاِسْحِمَامِ «الخفيِّ»)، في هذه الحياةِ الدُّنْيَا قبلَ المَمَاتِ – لكي نعيدَ المجازَ بنحوٍ آخرَ، ها هُنا، مرَّةً أُخرى. وسواءً ازدادتْ أمْ لمْ تزدَدْ أهميَّةُ الصَّوْتِ العربيِّ (المُتَغَرِّبِ في بريطانيا، تحديدًا) في إفتاءِ فكرةِ «الخرُوجِ» الخاصِّ، أو حتى في إجراءِ الانتخابِ العامِّ (إن صَوَّتَ هذا الصَّوْتُ داعمًا «حزبَ العمَّالِ» المُعَارِضَ والمَيَّالَ إلى الدفاعِ القوليِّ عن قضايانا، فيما يبدو، وقد مُنِي بهزيمةٍ نكراءَ «تاريخيةٍ» لم تعدْ خافيةً على أحدٍ)، فإنَّ المَزْهُوَّ المُخْتَالَ بوريس جونسون لمْ يفتأْ يتبجَّحُ بالمَيْلِ إلى الدفاعِ الفعليِّ عن «قضيَّتِهِ» الأساسيةِ، من جرَّاءِ الإفتاءِ بفكرةِ «الخرُوجِ» الخاصِّ هذه، ولمْ يفتأْ من ثمَّ يترجَّحُ بينَ الإضمارِ الخفيِّ والإظهارِ الجليِّ لتصريحَاتٍ مُلَقَّنَةٍ على لسانِهِ اللولبيِّ تلقينًا «أعلويًّا» (ملكيًّا، ومَا شابَهَ ذلك)، تصريحَاتٍ تحملُ بين طَيَّاتِهَا كلَّ مطامحِ الإمبراطوريةِ البريطانيةِ في التفرُّدِ «الجنسيِّ» النرجسيِّ، في هذه الحياةِ الدُّنْيَا، وفي التحدُّسِ إلى حدِّ اليقينِ السندُسيِّ بأنَّها تستبيءُ مكانَ «القِيَادِ» و«السِّيَادِ» العَالَمِيَّيْنِ قدَّامَ الأخرياتِ مِمَّا يُسَمَّى بـ«العظمياتِ» من الدولِ الكبيرةِ والصغيرةِ ومَا بَيْنَهُمَا، اِسْمًا سَمِيَّا. فَمَا يُضْمَرُ من ذلك الإضمارِ الخفيِّ، وقدْ تَمَّ إضمارُهُ بالقوَّةِ وبالفعلِ، لا خلافَ عليهِ ولا مِرَاءَ فيهِ بَتَّةً، في أيِّمَا مدلولٍ حَاضِرِيٍّ وَ/أوْ مستقبليٍّ حتى. لٰكِنَّ مَا يُظْهَرُ من ذلك الإظهارِ الجليِّ، كَمَا يَظْهَرُ (وقد ظهرَ فعليًّا) كلَّ الظُّهُورِ لصحيفةٍ عربيةٍ شهيرةٍ كمثلِ صحيفةِ «القدس العربي»، مثلاً لا حَصْرًا، بأنَّ «هزيمةَ» المَزْهُوِّ المُخْتَالِ أمامَ القضاءِ في مسألةِ إرجاءِ الإفتاءِ بفكرةِ «الخرُوجِ» الخاصِّ إنْ هي إلاَّ «انتصارٌ مؤزَّرٌ لسلطةِ القانونِ في المملكةِ المتحدةِ، وتأكيدٌ جديدٌ ساطعٌ على أبرزِ أركانِ الديمقراطيةِ البريطانيةِ، كما تتمثَّلُ في الفصلِ بينَ السلطاتِ وسيادةِ البرلمانِ واستقلالِ القضاءِ» – لٰكِنَّ مَا يُظْهَرُ من ذلك الإظهارِ الجليِّ لا يعدو، في واقعِ الأمرِ، أن يكونَ إفراغًا مُمَوَّهًا لكلِّ مَا تحتويهِ مفردةُ «الديمقراطيةِ» من معنًى (أو من مَعانٍ)، وخُصُوصًا كلَّ الخُصُوصِ في تلك الدَّوْلَةِ «المُسْتَقِيمَةِ» التي بدأ منها العنفُ البربريُّ والوحشيُّ في أحقرِ أشكالِهِ زَمَانًا كارثيًّا حقيقيًّا للشُّعُوبِ المَغْزُوَّةِ منذُ مقالعِ العهدِ القَرُوسَطِيِّ الوَخِيمِ، والتي بدأ منها، علاوةً عليهِ، عينُ الزَّمَانِ الكارثيِّ الحقيقيِّ لشعبِ فلسطينَ المَغْزُوِّ كذاك، هو الآخَرُ، منذُ مطالعِ الوعدِ البلفوريِّ الرَّجيمِ (انظرا، على سبيلِ المثالِ: اِفتتاحيةَ الصحيفةِ، «قرار المحكمة العليا البريطانية: درس بليغ للحاكم والمحكوم»، القدس العربي، 24 أيلول 2019).

تلك، إذن، قَضَاءَاتُ قضيَّةٍ، قضيَّةِ «تَزْيِيفٍ وتَزْوِيرٍ انتخابِيَّيْنِ» بامتيازٍ مُخَثَّرٍ، قضيَّةٍ في عُقْرِ إمبراطوريةٍ «جنسيَّةٍ» نرجسيَّةٍ قدْ أخذتْ في هذا الزمانِ الكارثيِّ الحقيقيِّ، ولا ريبَ فيهِ، قدْ أخذتْ حتى بِهَامَاتِ اِسْمِهَا الإمبراطوريِّ «الجنسيِّ» النَّرْجِسِيِّ تَتَعَثَّرُ. تلك إذن، بكلامٍ آخَرَ في التعبيرِ العربيِّ «المُشَرْمَحِيِّ» الفصيحِ والصَّريحِ، قَضَاءَاتُ قضيَّةٍ، قضيَّةِ «تَعْهِيرٍ وتَعْرِيصٍ سِيَاسِيَّيْنِ» بامتيازٍ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ – والصِّمَّةُ الغِطْرِيفُ الأُسْطُورِيُّ (الإنكليزيُّ)، في كلِّ هذي السِّبَاخِ الوِسَاخِ، يُغَطْرِفُ غَطْرَفَةً وتَغَطْرُفًا في سَبْخَةٍ أَجْثَرَ فَأَجْثَرَ. فحتى هذه اللحظةِ بالذاتِ لَمْ يَكُفَّ هذا «الصِّمَّةُ الغِطْرِيفُ»، والآنَ قدْ جاءَ دَوْرُ المُزْدَوَجَيْنِ الحَصِيفُ الطَّرِيفُ، لَمْ يَكُفَّ عن التنبُّؤِ اليقينيِّ ناطقًا بوَحْيٍ ملكيٍّ، لا بلْ بوَحْيٍ إِلٰهِيٍّ، بأنَّ بريطانيا، هذه الدَّوْلَةَ «المُسْتَقِيمَةَ» بالوثاقِ والرِّضَى، سوفَ تغدُو، لدَى «خُرُوجِهَا» الموعُودِ من أنيابِ قانونٍ اقتصاديٍّ جِدِّ محدودٍ، «مملكةً مُتَّحِدَةً» أشدَّ بأسًا وأشدَّ فَخْرًا وفَخَارًا من أيِّ وقتٍ مَضَى – على الرَّغم من محاولتِهِ العجفاءِ في الاِحتيالِ «الاِزدواجيِّ» على دولِ الاِتِّحادِ الأوروبيِّ عامَّةً، من جَانِبٍ أوَّلَ، بحجَّةِ «الدُّخُولِ» المعهُودِ إلى أكنافِ قانونٍ اقتصاديٍّ يتمتَّعُ بالحُرِّيَّةِ واللامحدودِيَّةِ تحتَ الجَنَاحِ المُفِيءِ والدَّفيءِ لِمَا يُسَمَّى بـ«منظمة التجارةِ العالَمِيَّة» WTO، وعلى «دولةِ» إيرلندا الشماليةِ خاصَّةً، من جَانِبٍ ثَانٍ، بحجَّةِ «المُثُولِ» المردُودِ لهَا بخالِصِ الاختلافِ، مِمَّا يُخَلِّقُ، والحَالُ هُنَا، إمكانيَّةَ الاقتراعِ المُشَاعِ حولَ وحدةِ «الجزيرةِ الإيرلنديَّةِ»، ككُلٍّ مُوَحَّدٍ، في آخِرِ المطافِ. وسَوَاءً استباءتْ أمْ لَمْ تَسْتَبِئْ مكانَ «القِيَادِ» و«السِّيَادِ» القَارِّيَّيْنِ (في مقابلِ «العَالَمِيَّيْنِ»، هذه المرَّةَ) دولةٌ اِستعماريَّةٌ وإمبرياليَّةٌ أُخرى، كمثلِ فرنسا هي الأخرى بالذاتِ، لا الرَّأْيُ الأوروبيُّ (كذاك الصَّادِرِ عن ألمانيا على لسانِ مستشارتِهَا الأولى، أنغيلا ميركل، أو كذاك الصَّادِرِ عن جارتِها الشرقيةِ الشماليةِ بولندا على لسانِ وزيرِهَا الأوَّلِ، مَاتَوْش مورافْيِيتْسكي، وغيرهِمَا)، ولا حتى الرَّأْيُ اللاأوروبيُّ، بقدرِ ما يخُصُّهُ الأمرُ كذلك، يتبدَّى أنَّهُ يُبْدِي أيَّ اِسْتِحْسَانٍ أو قبولٍ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الرئيسُ الفرنسيُّ، إيمانويل ماكرون، من تصريحَاتٍ تنطوِي على عنصريَّةٍ وشعبويَّةٍ «بغيضتَيْنِ» بإزاءِ النظيرِ التركيِّ، رجب طيب أردوغان، في الصَّمِيمِ، حتى لو كانَ هذا الأخيرُ فاشيًّا وشوفينيًّا وانتهازيًّا ووصُوليًّا (ولمْ يفْتَأْ يُثبتُ ذلك كلَّهُ، وفوقَه حتى، بالبرهانِ القاطعِ)، في صَمِيمِ الصَّمِيمِ. وثَمَّةَ، فضلاً عن ذلك كلِّهِ أيضًا، صِمَّتَانِ غِطْرِيفَانِ أُسْطُورِيَّانِ آخَرَانِ، أحدُهُمَا قابِعٌ من وَرَاءِ البحارِ والآخَرُ تابِعٌ من أمَامِ البحارِ – ثَمَّةَ، من وراءِ البحارِ كذاك، صِمَّةٌ غِطْرِيفٌ أُسْطُورِيٌّ (أمريكيٌّ) متدلِّلٌ يحملُ التدليلَ «البُوقِيَّ» المُبَوَّقَ، دونالد ترامب (نسبةً تَبْوِيقِيَّةً إلى «البُوقِ»، حَقًّا حَقِيقًا، بالحرفِ والمجازِ، Trump: وعلى فكرةٍ، في صَرْفِ الاِشتقاقِ الفِعْلِيِّ، Trumped-up، يدلُّ على شيءٍ مُفْتَرًى كلَّ الاِفْتِرَاءِ؛ وعلى فكرةٍ، في صَرْفِ الاِشتقاقِ الاِسْمِيِّ، Trumpery، يدلُّ أيضًا على أشياءٍ خَرْقَاءَ تَافِهَةٍ، هُرَاءٍ في هُرَاءٍ). هذا «الصِّمَّةُ الغِطْرِيفُ» (الأمريكيُّ)، من طرفِهِ هو الآخَرُ، «لَمْ يَسْلَمْ شَرَفُهُ الرَّفِيعُ من الأَذَى»، هذا إنْ كانَ هناك في دخيلتِهِ، فعليًّا، ولو مثقالُ ذرَّةٍ من «شرَفٍ رفيعٍ» لا يُغْضِي على القَذَى. وبغَضِّ الطَّرْفِ عن أيٍّ من محاولاتِ التحرُّشِ والتعدِّي الجنسيَّيْنِ المُدَّعَاةِ من طرفِ الإباحِيَّاتِ وغيرِ الإباحِيَّاتِ، وبغَضِّ الطَّرْفِ كذاك عمَّا إذا قدْ كانَ ذا لَمَمٍ حينما ظنَّ أنَّ اللهَ قدْ أرسَلَهُ إرسَالاً إلى أرضِ أمريكا بالذاتِ، هذا «الصِّمَّةُ الغِطْرِيفُ» الجمهوريُّ كانَ، وما زال، يواجهُ استجوابًا قضائيًّا وَ/أو لاقضائيًّا متحالفًا مَا بينَ بضعةٍ من المعارضينَ من الديمقراطيينَ في مَسْعَاهُ إلى استخدامِ «نفوذِهِ السياسيِّ» كيمَا يحقِّقَ مَأْرَبًا شخصيًّا، وذلك عن طريقِ مَا مَارسَهُ من ضغطٍ على الرئيسِ الأوكرانيِّ، فولوديمير زيلينسكي، بغيةَ الشُّروعِ في التحقيقِ بِشَأْنِ المرشَّحِ الديمقراطيِّ، جو بايدن، الغريمِ السياسيِّ الأوَّلِ لهذا «الصِّمَّةِ الغِطْرِيفِ» الأُسْطُورِيِّ (الأمريكيِّ) – وثَمَّةَ، من أمَامِ البحارِ كذاك، صِمَّةٌ غِطْرِيفٌ أُسْطُورِيٌّ (إسرائيليٌّ) آخرُ يحملُ التدليلَ «الدِّينِيَّ» المُزَيَّفَ، بنيامين نتنياهو (تَكْنِيَةً تَزْيِيفِيَّةً من «عطا الله»، أو من «عطاء الله»، زَيْفًا بالحرفِ والمجازِ، נְתַנְיָהוּ، تمامًا مثلما هي حَالُ التَّكْنِيَةِ التَّزْيِيفِيَّةِ الأُخرى من «حزب الله»، زَيْفًا بالحرفِ والمجازِ، كذلك). هذا «الصِّمَّةُ الغِطْرِيفُ» (الإسرائيليُّ)، من جانبِهِ هو الآخَرُ، «لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرَفٌ رَفِيعٌ ولا حتى غليظٌ، أسَاسًا، لكي يَسْلَمَ، إذْ ذَاكَ، من الأَذَى»، حتى لو شَهِدَ بالشَّهَادَةِ شَاهِدًا على هكذا «شَرَفٍ» كلُّ مَنْ بِحَذْوِ الأنبياءِ والقدِّيسِينَ حَذَا. هذا «الصِّمَّةُ الغِطْرِيفُ» اللِّيكُودِيُّ كانَ ولم يزلْ واجدًا نفسَهُ، في ذاك الأمسِ وفي هذا الآنِ، لأوَّلِ مرَّةٍ (في تاريخ إسرائيلَ) أمامَ، على الأقلِّ، ثلاثٍ معدودةٍ من قضايا النَّصْبِ والاِحتيالِ، كتلقِّي الرُّشَى من الأثرياءِ لانتفاعِهِمْ المادِّيِّ قبلَ المعنوِيِّ، والاتفاقِ المُمَوَّلِ معَ صحيفةٍ معيَّنةٍ («آخر الأخبار» ידיעות אחרונות) ضدَّ صحيفةٍ معيَّنةٍ أخرى («إسرائيل اليوم» ישראל היום)، والبرطيلِ المُسَوَّلِ لموقعٍ إعلاميٍّ محدَّدٍ ضدَّ موقعٍ إعلاميٍّ محدَّدٍ آخَرَ، إلى آخرهِ، إلى آخرهِ – ناهيكُمَا، بالطبعِ، عن إجرَاءِ التَّحْقِيقِ الدُّوَليِّ الحَاليِّ في مسألةِ الاستخدامِ اللاإنسانيِّ واللاأخلاقيِّ لتقنيَّاتِ مَا يُسَمَّى بـ«نظام التعرُّف السِّيمَائي (أو الوَجْهِي)»، FRS، من أجلِ مراقبةِ الفلسطينياتِ والفلسطينيينَ في كلٍّ من الضفةِ الغربيةِ والقدسِ، على حَدٍّ سَوَاءٍ.

لستُ، هُنَا، مِمَّنْ يَسْتَعْدُونَ الجَسَدَ العربيَّ الشَّرِيدَ، قبلَ الرُّوحِ المُشَرَّدِ، يَسْتَعْدُونَهُ على شِرْذِمَاتِ الاِستعمارِ والإمبريالِيَّةِ والصُّهْيُونِيَّةِ العَالَمِيَّةِ على الطريقةِ «القَوْمَجِيَّةِ» التي لَمَجَتْ عليهَا شُدُوقُ الزَّمَانِ اللَّمِيجِ وعَبَّتْ عَبًّا وعُبَابًا إلى حَدِّ التُّخْمَةِ والاِنْفِزَارِ. ولستُ، هُنَا، مِمَّنْ يُعِدُّونَ عُدَّتَهُمْ من عَدِيدِ العَدَائِدِ كيمَا يُعَدُّوا في عِدَادِ العَبِيدِ ذَبَّابِينَ ذَوَّادِينَ عن أحْواضِ نظامٍ اِستبداديٍّ هَمَجِيٍّ، شَيَّادِينَ شَوَّادِينَ بِـ«غَلَبَةٍ من اللهِ على أمْرِهِ وأمْرِهِمْ»، شَدَّادِينَ على أعناقِ نظامٍ اِستبداديٍّ هَمَجِيٍّ آخَرَ على الطريقةِ «الإسْلامَجِيَّةِ» التي انْصَدَعَتْ وتَصَدَّعتْ إلى حَدِّ الفِلْقَةِ والاِنْفِطَارِ. وهكذا، في الأخيرِ المَسِيرِ وليسَ في آخِرِ المَسَارِ، وإلى جَانبِ كلِّ أنواعِ ثواليثِ الشُّرُورِ وكلِّ أنواعِ الجَرَائمِ والجَرَائرِ التي يرتكبُهَا، جَسَدِيًّا ورُوحِيًّا، بالعُنُوِّ هؤلاءِ الثواليثُ من فُلُولِ الطُّغَاةِ «العُرْبَانِ» و«المُسْتَعْرِبينَ» في عَالَمِنَا العربيِّ الكئيبِ من خليجِهِ إلى محيطِهِ (وبالعَكْسِ، أيضًا)، ثَمَّةَ الآنَ، في ذلك العَالَمِ «اللاعربيِّ» (إنْ جَازَ التوصِيفُ التَّنَافَوِيُّ، ها هُنا)، وفي المُقَابِلِ النَّقِيضِ لدَرَجَاتِ ذلك «الثَّالُوثِ المُقَدَّسِ» Sacrosanct Trinity، في شِقٍّ مَسِيحِيٍّ (مَشْقُوقٍ، بنحوٍ أو بآخَرَ، من شِقِّ شِقٍّ يَهُودِيٍّ، بدورِهِ هو الآخَرُ)، ثَمَّةَ الآنَ تتبدَّى دَرَكَاتُ هذا «الثَّالُوثِ المُدَنَّسِ» Besmirched Trinity، في شُقَيْقَيْنِ مَسِيحِيَّيْنِ بينَهُمَا شُقَيْقُ شُقَيْقٍ يَهُودِيٌّ، ولا شَكَّ في ذلك البَتَّةَ: العُنْصُرِيُّ المَزْهُوُّ المُخْتَالُ في المَشْفَى الإنكليزيِّ، بوريس جونسون، والعُنْصُرِيُّ المَزْهُوُّ المُخْتَالُ الآخَرُ في المَلْهَى الأمريكيِّ، دونالد ترامب، والعُنْصُرِيُّ المَزْهُوُّ المُخْتَالُ الآخَرُ الآخَرُ في المَبْغَى الإسرائيليِّ، بنيامين نتنياهو!

*** *** ***



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ الإِعْجَابِ» (7)
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ الاِنْتِظَارِ» ( ...
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ الاِقْتِدَاءِ» ( ...
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُون: «خَفِيَّةُ الكَآبَة» (4)
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُون: «خَفِيَّةُ التَّعَثُّر» (3)
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُون: «خَفِيَّةُ المُنَاجَاة» (2)
- خَفَايَا العِشْقِ الأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ التَّشَاؤُلِ» (1 ...
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (12)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (11)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (10)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (9)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (8)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (7)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (6)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (5)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (4)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (3)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (2)
- وَمِنْكِ، عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ (1)
- تِلْكَ الدَّوْلَةُ المُسْتَقِيمَةُ: كِيَاسَةُ الإِفْشَاءِ أَ ...


المزيد.....




- بلينكن يزور السعودية ومصر.. وهذه بعض تفاصيل الصفقة التي سينا ...
- في جولة جديدة إلى الشرق الأوسط.. بلينكن يزور السعودية ومصر ل ...
- رغد صدام حسين تستذكر بلسان والدها جريمة -بوش الصغير- (فيديو) ...
- فرنسا وسر الطلقة الأولى ضد القذافي!
- السعودية.. حافلة تقل طالبات من جامعة أم القرى تتعرض لحادث مر ...
- -البديل من أجل ألمانيا- يطالب برلين بالاعتراف بإعادة انتخاب ...
- دولة عربية تتربع على عرش قائمة -الدول ذات التاريخ الأغنى-
- احتجاج -التظاهر بالموت- في إسبانيا تنديداً بوحشية الحرب على ...
- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - تِلْكَ الدَّوْلَةُ المُسْتَقِيمَةُ: كِيَاسَةُ الإِفْشَاءِ أَمْ سِيَاسَةُ الاِرْتِشَاءِ؟ (1-2)