أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء الأحدب - قصيدتي والدم















المزيد.....

قصيدتي والدم


علاء الأحدب

الحوار المتمدن-العدد: 1608 - 2006 / 7 / 11 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


1- في محراب الضوع :

( يا أمُّ لو تتركيني قليلاً، ضيّقٌ يا أمُّ هذا القبر
ضيّق، وواسع ومترامٍ ذاك الموت.)
مالك داغستاني

بالأمس نزفت آخر دمعة من جرح عينيّ المدمّاتين ... ولأنها الدمعة الأخيرة فقد شئت أن أشطرها نصفين :
نصف دمعة سوف أسكبها حيث كان آخر لقاء بحضورك الساحر أيتها الأم ، والنصف الآخر سأشقق به كل الطرقات التي مررت بها ، وأمزق كل الظلال التي ارتميت عليها...
سأبقى أحز وأقطع وأشطر حتى أصبو روابي سكينتك... وأملأ كل هذي الشروخ...بنصف دمعتي المتبقية
سأملؤها بالسيل الجارف المتحقن في ذاكرتي ، بالعواطف المكبّلة بصقيع المكان ، وجنوني الحاقد على غطرسة الزمان ..
كل هذي الشروخ ؛ سأملؤها بالبكاء والنحيب والثرثرة ... بحبات المسكة والسذاجة والطفولة ... بالملح الذي لم أبصقه من فمي لسنين طويلة ، بسكاكين القيح و الحب والأخوة والصداقة والوطن ، المغروزة كلها في ظهري ... بالحب الذي كنت فارسه ، وكنت أسيره ، وكنت شهيده ... سأملؤها غير محاولاً النسيان خوفاً من تبديد صورة ( من ياليته بقي طفلاً آمناً مطمئناً يأنس بهوينى حذائك ) .
ياأم ، من بعد تينك الدمعتين .... ما عاد من أحلام الصبي الذي غادرك ذات شتاء دافئ سوى التمني الأخير لمذنب جدير بمقصلة من ذهب تمجد نضح دمائه التي لم تجمدها كل الإخفاقات المميتة
ياأم ، إن من بين الأحلام المضحكة المبكية ما يبث رغباتي المتأججة في اقتراف ذنب حقير أكتشف من خلاله أني حقاً آدمي يجيد الكذب والختل والحقد والخيانة وكي لا أبدو ملائكياً إلى هذا الحد لأقول أيضاً الندم ... ياأمهة حتى لحظتي هذه لم أدخل العالم بما يمكنني من الموت وأنا أردد : وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور
العزلة ياأم رمتني في زنزانة الوحدة الخانقة للروح فرحت أسامر الجدران الصامتة وأضاجع الوسائد البيضاء حيث لاشيء غير الجمادات أذكرها وأؤنثها حينما أجدني بلا أصدقاء يعزون فجائعي المتناوبة ... الفجائع التي عودتني في تتاليها المنتظم وأثرها المتثاقل حيناً بعد حين أن أستقبلها دون أدنى حس بالهلع والخوف ... حالي كحال شجرة الليمون حينما تألف الصقيع وتآخيه فلا تجود بثمراتها المرجوة
ياأم ، إن شيئاً يستنهض القلب ويحرضه على الخفقان وهو في سيره الجنائزي إلى حيث قرارته ، فهل كفاني اللهاث إلى مرضاتك أن أموت وفي عيني حسرة البعد ، ولوعة المنفى ... وكفاك أن تتبتلي إلى الله ولطفلك أن يعود ...
أزيلي الكحل الذي خبأ حمرة جفنيك ...ودعي القمر الساكن سواد عينيك وشأنه ... ياأم ... ياأم ، سأرجع يوماً
اليوم ياأم على هذا الخط الفاصل بين زمنين بدأت أرقص رقصتي الأولى على حبل من خوف .... أعبر من ألم إلى أمل ومن أمل إلى مجهول ... أعبر من ضفة إلى أخرى راقصاً رقصة جنون ... رقصة ثائر هب فجأة أطلق العنان لضلوعه وأطرافه ، لتحكي بلغتها قصة الليمونة التي مالبثت أن تزهر حتى تخشبت وتفحمت ... أعبر راقصاً ... أصرخ فوق هذا القاع ، على هذا الحبل ... أبوح بالسر فيدوي صداه على مسمعي ... أتنفس صعداءه فيسري في عروقي بكل تدفق وسلاسة ...
إنها الذاكرة ، التي تستعيد ديدانها ، لتنخر هذا المخ ، وتستنفر سكاكينها لتحزز وتجزء هذا اللب ، كثمرة شمّام امتلئ جوفها بذوراً هشة لم يكتمل نموها .
إنها فورة الذاكرة تطرق أبواب سكينتي ... فتملأ جدرانها المتهتكة صخباً وضجّة تزلزل كيانها ... إنها رزم من كتابات الماضي ، كدستها في مكان ما في زاوية ما في داخلي ... لم تنتابني في الأيام الماضية ولم تغرني يوماً لأن أفتحها أو أفكر بقرائتها
إنها اليوم ، وفي وقت ألقى بسلاحفه على ظلمة هذا المكان تخرج إليّ من بين سطور الذاكرة دونما استئذان ودون أن أعرف كيف خرجت ألسنة من نار بغيض تتأجج فيها الإحن والأحقاد ، يشب لهيبها ، فتكوي أدمة الأطراف المتيبسة ، فتوقد هذه الأخيرة ، لترقص رقصتها الأولىعلى سطور كنت في يوم مضى أنسقها وأعشبها كمساكب جدي الملونة الزهور .... وأرشفها قطرات الندى المنهملة من سماء عينين تبتل فيهما البصيص .
ياليتها خرجت بجمرة واحدة ، أكوي بها جرحاً واحداً ، تخثرت فيه آلام شتى ... أو بسكين واحدة ، أجهز بها موتاً توالى على موت ، وتسلل بين جراحي .
تحدثي أيتها النفس ... تنشقي أنّات البارحة ... أجزلي مما تحملين ، أترعي ترياق الهوان المعتق من دنان الذاكرة ، علّني أترنح مخموراً بمتعة النسيان
أخرجي ما لديك ، الآن ، دفعة واحدة ، ولا تتركي شيئاً للغد ، فالفضاء هنا رحيباً واسعاً أكثر مما تصورت .
السماء تحضنني تحت جوانحها ... وتمسد تضاريس ذاكرتي برعشة الشتاء الباردة وتهادن الوقت ليمنحني لحظة لا مثيل لها ... لحظة بياض ملائكي وغفران رباني ... حدّها مابين الأمس والغد مابين القبل والبعد .... لحظة فطام مابين الأزل والأبد .
هي جذوة من نار الإنتظار يخمد وهجها بعد أنين طويل ولسان لهب انطفئ بعدما تنكر نصفي الآخر لوعوده ...
هي جوف غدير أحجم رقراقه عن حسرات أرض جرزاء ...
هي تكهنات فلكي عاشق أخطأ في قراءة نجومه وكواكبه وراح يرسم المستقبل بريشة من أوهام ...
هي آمال تنسج شباكها من شرانق الألم وتودع الأنين وترنو لما هو آت ... هي شبح قصائد موؤدة تخرج من أجداثها لتعزّي مناحة الكلمات المنتحبة .. هي عيون تحدّر الدمع من فيروزها لتبتسم في وجه القدر ...
هي ذاكرة التفاصيل الدقيقة لخيوط الشيفون والكعب المرتفع والخدود المحمرّة ...
... هي محاولة يائسة للبحث عن النصف الآخر للحقيقة .
ها أنا ياأم ، أساوم العقل ، ليمنحني وقتاً ليس بالطويل أغوص من خلال دقائقه في أعماق الروح ... الروح الخدّج ، التي بدأت أجس ولادتها لتوي ملقاة من رحم ذاكرة أعقم الله رحمها قبل تمام أيامها .
... لم تكن أكثر من ارتعاشة جسد وفيض دموع إلا أنها ليست قليلة بالنسبة لكائن ٍ حبريّ ٍ مثلي
أذكرّها أم أؤنثها ؟ ... لا ... لأبقيها هكذا ملائكية ربانية لا تميز فيها ذكورة و أنوثة



#علاء_الأحدب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخاتمة إلى يامن حسين
- على طريقة فرج بيرقدار وأدونيس
- جائزة نسوية


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء الأحدب - قصيدتي والدم