أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - الكف تناطح المخرز - رواية /3















المزيد.....

الكف تناطح المخرز - رواية /3


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 1606 - 2006 / 7 / 9 - 08:51
المحور: الادب والفن
    


( 3 )
تراجع إلى الوراء بخطوات ملسوعة ، أصبعه السبابة في وضع الاستعداد على الزناد ، قفز إلى السيارة ، وتبعه الجنديان ، أخذ نفسا عميقا، امتزجت رائحة البنزين بالهواء الندي ، بوحشة هذا المكان الملعون .. اندفعت السيارة إلى الأمام فتراجع جسده إلى الخلف ، أشعل الجندي ضوء المصباح الكشاف المثبّت على السيارة ، نور الكشاف عينان تتلصصان في جوف العتمة ، العرس "الجرذان " تتقافز مذعورة هنا وهناك ، صرصور يصدر صوتا أشبه بموسيقى الجاز ، يتبعه صرصور آخر ، وآخر ، صوت الصراصير يملأ المكان ، وكأنها تحتج على من أفسد ليلتها بهذا الضوء الساطع ، يلوح عن قرب صندوق القمامة ، عرسة حاصرها النور فالتجأت إلى جانب الجدار وجرت مسرعة ، أصبعه السبابة ما زالت على الزناد ، أحس بارتجاف الجندي الذي يدير الكشاف في المكان ، بدت السيارة بقعة سوداء في بحيرة نور ظالم يود لو يخترق الجدران ، يعرف المخبوء وراءها ، السيارة تطوي بساط النور بسرعة رهيبة ، اختلط هدير محركها بسكون الليل ، بصوت النور المزعج ! فقد أحس أن للكشاف صوتا يحاصره بدلا من أن يحميه ، انحدرت الطريق نحو الشرق بشدة، نبحت كلاب الشوارع بشراسة، لاحقت سيارة الجيب بإصرار عجيب ، ترى هل تعرفنا الكلاب أيضا ؟! هل تدرك الكلاب أننا محتلون ؟ وإذا كانت لا تعرفنا فلماذا تنبح عندما ترانا ؟ ولماذا تسكت عندما ترى هؤلاء العرب ، هؤلاء الجوييم ؟
دارت السيارة إلى اليمين حول منعطف حاد ، كاد كلب ينبح بإصرار أن يقفز داخل السيارة ، مد ماسورة بندقيته الآلية نحو الكلب الذي لم يتراجع بل استمر في ملاحقة السيارة .
تبدو الطريق إلى مقر الحاكم العسكري أبعد مما تصور ، وكأنها تتضامن مع سكان هذا الحي من صراصير وكلاب وعرب ، بصق ، تذكر مثله الأعلى رفول ، وجوكيم بفني بقبوق ، وبصق مجدداً، جوكيم بفني بقبوق ( صراصير داخل زجاجة ) .. هل هم حقا صراصير داخل زجاجة ؟ إنهم أكثر إزعاجا من الصراصير والكلاب ، لقد أثار ذلك الرجل ذو المدفع الرشاش في حلقه – الرعب في قلبي ، أحسست أن لساني قد تيبس وأنا انظر إليه ، هربت الرطوبة من حلقي ضعفت رغم كرهي لهم ، رغم إيماني بسياسة الترانسفير ، ضعفت يا رفول.. يا مثلي الأعلى ، فهؤلاء العرب يثيرون الرعب في القلب ، ينخلع قلبك لمجرد رؤية عيونهم، لا شك أن الصرصور يثير القرف، كنت أعتقد أن وصفهم بالصراصير هو الأنسب ، ولكن وبعد هذه الليلة اللعينة ، هم أكبر من الصراصير ، أكبر من الكلاب ، أكبر منك ومني يا رفول ، نحن الأضعف رغم سلاحنا ، وهم الأقوى وإن كانوا عزلاً ، لم أجرؤ حتى على صفع ذلك العربي في ذلك المنزل اللعين ، كنت في أثناء التدريب أدوس على الصراصير ببسطاري ، أتلذذ حين أتخيل أنني أدوس عرباً تحت قدمي ، أسحقهم فيطقطقون تحت حذائي كما تطق الصراصير القذرة ، اعذرني يا رفول العزيز، لم أستطع صفع ذلك العربي القذر ، داهمه صوت ذلك العربي من جديد، لاحقه صوته مدفعا رشاشا لا يعرف التوقف " يلعن اليوم اللي شفناكم فيه ، جنوب أفريقيا أشرف منكم "، انسابت صفرة فاقعة تحت جلده، وكأنها تود أن تكشف ضعفه ، مسح وجهه بيده لأول مرة ، لسعته آثار البصاق على وجهه ، تلك المرأة الملعونة ، ليست امرأة ، وحشا كانت ، نمرة شرسة ، انطلق بصاقها ممزوجا بشتيمة حارة .. تفوووو عليك وعلى حكومتك.. تفوو عليك وعلى حكومتك.. وسكبت دعاءها سائلا حاراً على وجه ذلك الشرطي المدني..العربي من الجليل.. لا شك أنها كانت تظنه يهوديا ، بصقت في وجهه ، دعت على أولاده، ضعفت في البداية كادت تتوسل إلي ..أنت متدين، كانت تريد استثارة عاطفتي علني أشفق عليها ، وعلى أولادها، تظن أن لي قلبا يعطف، ولكن زوجها ـ ذلك الغبي ـ أفسد علي متعة التلذذ برفض رجائها ، متعة بصق السخرية في وجهها، صاح فيها: هذا خرا .. هذا ليس متدينا ، لم أفهم كلمة خرا ، وإن كنت قد فهمت كلمة دين ومتدين ، فأنا " داتي " ، أكره العرب ، هكذا تعلمت في المدرسة الدينية ، علموني كيف أكره جميع الأجناس البشرية ، وألا أحب إلا اليهود ، ترى هل أحب اليهود حقا ؟ وهل أنا يهودي نقي ؟ وما اليهودية ؟ ولماذا أنا صهيوني ؟ وهل الصيونية مجرد اجترار كراهية العرب ؟!
حك رأسه كأنه تذكر شيئا. هتف :
ـ ياكوف .. ما معنى خرا ؟
تردد ياكوف. لاحت ابتسامة خفيفة فوق شفتيه ، شرد بذهنه .. ألا تظن أنني أجتر هذه الكلمة ؟ أجتر الشتائم التي اختزنتها ذاكرتي ؟ فهذا العربي الملعون كان يحمل بركانا في حلقه ، يقذف حممه شتائم وزعيقا ، ظننته مسطولا كما قال أبو محمود ، لكنه كان بكامل وعيه، فكرت في ضربه ولكنني لم أجرؤ ، هددته بالضرب ، فهددني بكسر يدي إن فعلت، طلب مني أن أقتله، بعد أن شك في رجولتي، ولم أجرؤ على فعل شيء فقد رأيتك يا يوئيل وقد سكن اللون الأصفر تحت جلد وجهك، أتظن أنني لم أدرك أن لعابك قد غاض من فمك تاركا لسانك وحلقك للجفاف، أتظنني غبيا يا يوئيل لقد ابتلعت الشتيمة ولم تستطع التصرف أمام صرصور من صراصير زجاجة رفول العزيز .
- ياكوف .. ما معنى كلمة خرا ؟
انطلقت ضحكة من إسارها لأول مرة منذ أن غادرا ذلك البيت اللعين ، أمسك بمقعده فقد انحرفت السيارة إلى اليسار في طريقها إلى مقر الحاكم العسكري، انقذف جسده نحو اليمين قليلا، نظر إلى يؤيل الذي بادله النظرات.
- لماذا تضحك ؟ قل .. هل هي كلمة صعبة لا تعرف معناها ؟
- ليست صعبة .ولكنها لزجة.
- ما معناها إذن ؟
ضحك ياكوف من جديد :
- أنت مصر على معرفتها، إذن لا تغضب
- قل يا ياكوف ،لقد شوقتني
وقه قه قه ،هيء هيء هيء
- إنها تعني لخلوخ .. لخلوخ طري .
- اختلطت صفرة وجهه بزرقة لحظها ياكوف وتجاهلها ، سرت برودة ما قبل الفجر في أوصاله ، اغتصب ضحكة خرجت مبتورة على الرغم منه .. هيء .. محاولا أن يتظاهر بعدم المبالاة ، حاول أن يجتاز ببصره الجزء المتبقي من الطريق عله يصل بأسرع ما يمكن، فهو يشعر بحاجته إلى الراحة، إلى أن يمارس نوما عميقا إن استطاع، فالنوم العميق هواية الجندي ومتعته بعد أن يعود من مهمة صعبة، لاحقه صوت الرجل ذي المدفع الرشاش في حلقه .. هذا ليس متدينا .. هذا خرا ، وانزلقت الكلمة داخل أذنيه لزجة طرية ، لاحقه إحساس غريب ، فقد أصبح مرحاضاً يستقبل شتائم هؤلاء العرب وبصاقهم ، حجارتهم وهتافات حناجرهم .. أنا خرا ؟ .. لخلوخ طري .. أنا هل تسمع يا رفول ؟ هل تسمع ؟ لماذا لم أقتل ذلك العربي الوقح ؟ لماذا لم أركل تلك المرأة حين بصقت في وجهي ؟ لماذا لم أفقأ الصوت في حنجرة ذلك العربي ؟ الصرصور في زجاجة ايتان لماذا ؟ لماذا؟ ما الذي شل يدي وقتها ؟ ما الذي أوقف عقلي عن التفكير ؟ أهي المفاجأة ؟ أم أنني - وقد اعتدت أن تستجيب الصراصير لحذائي الثقيل فتطق منسحقة بصوت مسموع - توقعت أن يستجيب لرغباتي السامية ، ماتت الكلمات في حلقي فلم أنطق وتيبست يدي فلم أتحرك.. أنا خرا ؟ .. لخلوخ طري؟
ولاحت له الأسلاك الشائكة ترتفع فوق جدران مقر الحكم العسكري تحملها زوايا حديدية تفرد ذراعيها وكأنها تدعو الله أن يخلصها من وضعها ، بينما ارتفعت زوايا أخرى كأنها حراب تريد أن تفقأ عيون السماء الصافية ،لاح له برج المراقبة ممتزجا بلون عتمة الفجر ، انحرفت السيارة إلى مبنى المقر ، توقفت السيارة بحدة ، اهتز إلى الأمام وإلى الخلف عدة مرات ، قفز ، شعر برغبة في التوجه إلى المرحاض لاحقته كلمات ذلك العربي .. هذا خرا .. هذا خرا .
وبعد قضاء حاجته ذهب إلى حجرته وحاول أن ينام .



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 1 / 2الكف تناطح المخرز - رواية
- الطيارون الإسرائيليون واللعبة القذرة
- المخدرات وسيلة لتدمير المجتمعات النامية
- حول وثيقة الأسرى
- هجران
- الكوابيس تأتي في حزيرا ن 23 / 24 / 25
- الانتخابات الفلسطينية في الميزان
- الكوابيس تأتي في حزيران 21 / / 22
- الكوابيس تأتي في حزيران 19 / 20
- الكوابيس تأتي في حزيران 17 / 18
- الكوابيس تأتي في حزيران 15 / 16
- الكوابيس تأتي في حزيران 13 / 14
- الكوابيس تأتي في حزيران 11 / 12
- التلفزيون الفلسطيني والمصداقية العالية
- حول الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي
- الكوابيس تاتي في حزيران الفصل التاسع والعاشر
- ظاهرة التسول في المجتمع الفلسطيني
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل الثامن
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل السابع
- من المسئول عن إطلاق الرصاص على العمال في محافظة خان يونس


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - الكف تناطح المخرز - رواية /3