أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرج بيرقدار - تدمريات.. ما فوق سوريالية














المزيد.....

تدمريات.. ما فوق سوريالية


فرج بيرقدار
(Faraj Bayrakdar)


الحوار المتمدن-العدد: 1602 - 2006 / 7 / 5 - 10:30
المحور: الادب والفن
    


-1-

أسوار عالية من الإسمنت العنيد البارد..
أبراج للمراقبة..
حقول ألغام..
حواجز ونقاط تفتيش..
تحصينات ووحدات عسكرية عالية التدريب..
وأخيراً.. محيط من أمثولات الرعب الوطني الخالص.
يا أسماء اللّه!
حتى لو سقطت سوريا بكاملها
فإن هذا السجن.. يستحيل أن يسقط.

-2-

هل خطر في بال أي فنان
أن يرسم سماء زرقاء مغرورقة
ترتدي برقعاً من الأسلاك الشائكة؟
من أتيح له أن يقف في واحدة من باحات سجن تدمر
ويختلس نظرة خاطفة إلى أعلى
سيرى هذه اللوحة الفادحة
وسيدرك عندها أي عبقرية، ترعى واقعنا وأحلامنا!


-3-

عسكري ذو ملامح موقوتة، يأمر سجيناً عجوزاً، أن ينحني ويلحس له بلسانه جزمته العزيزة.. ثم ينهره، ليمسحها بكم سترته المهترئة..
وبعد ذلك، يصفعه بالجزمة على وجهه، وهو يشتمه، مستنكراً تجهّمه، الذي يدل على عدم رضا داخلي أثناء تنفيذ المهمة. معنويات العسكري،
وهو يرى ذلك العجوزالوقور، ينظِّف له جزمته ، توحي بأنه قادر على إغلاق جبهة بمفرده!


-4-

سياط تتخطّف ظلالَها، وتعيد اشتقاق الألوان.
قامات محنيّة وربما عارية تماماً، تنسدل فوقها حرامات عسكرية بلون الجرَب.
عربدة السياط مرسومة بحركية بارعة، تبدو وكأنها ستخرج من اللوحة، وقامات السجناء تتلوى تحت لسعها وتستجير،
فتخفق الحرامات، وتنفث غباراً كثيفاً.
كأنك أمام كائنات خرافية عمياء..
كائنات على هيئة خفافيش ضخمة، تتخبَّط في وهدة من الجمر.
من يصدّق أن بإمكان اللوحة تصوير مشهد سوق السجناء إلى الحمّام
بكل هذه الحمحمة المجنونة والواقعية إلى درجة الفوران؟!

-5-

في يسار هذه اللوحة:
أشباح متراهصة، أقرب ما تكون إلى جذوع أشجار، ضربتها عاصفة من خارج علم اللّه..
هكذا يبدو السجناء، وهم جالسون في الباحة للتنفس.
إلى اليمين قليلاً:
سجينان.. أحدهما في وضعية سجود، والآخر يجلس في مواجهته، آخذاً وضعية الركوع.
الساجد مكشوف الظهر، وقد كمّمت الثياب رأسه المدفون بين فخذي زميله.
أما الراكع، فيمسك به من تحت إبطيه، محاولاً تثبيته.
عسكريان متقابلان تهوي سياطهما بالتناوب على ظهر السجين الساجد، فتتفطّر أنحاء اللوحة بصرخات بهيميّة مشروخة.
مع كل صرخة تتقصّف حروف كلمة واحدة، تتكرر بإيقاعية متلاهثة: يا ألله.. يا ألله..
مرةً قراراً، ومرة جواباً.
ملامح الراكع تتمعّج وترتجّ، وكأنها ترسم خطاً بيانياً لانتفاضات جسد زميله.
الآن.. ظهْر السجين الساجد يأخذ لوناً خمرياً متوهجاً..
والجلد المكشوط، مرسوم بمهارة بنت حرام..
مهارة فائقة إلى حد يثير القشعريرة حتى في ظهرك.

-6-

اللوحة السادسة ذات خطوط متوتِّرة، وضربات ريشة قاسية ومتمكنة إلى حد الاستهتار.
إنها ترسم رأس سجين حليق الشعر والشاربين.. بعينين مغمضتين على ذروة من الألم، الذي تحفره خطوط التظليل بطريقة
تبدو فيها، كما لو انها آثار سكاكين متقاطعة.
عسكري يضغط رأس السجين بيد، مما يجعل العنق مائلة إلى اليمين، وفي اليد الأخرى "بانسه" مطبِقة على أذن السجين.
من الواضح أن اللوحة ترصد مشهد اقتلاع أذن السجين، أو ربما لحظة نتر الأذن بالبانسه، وما يرافق ذلك من طقطقة وتشقُّق.
يمكنك أن ترى ذلك بأكثر من عينيك، بل يمكنك أن تسمع ما يحدثه التمزق والاقتلاع من أصوات، تشبه أصوات انتزاع جذور النجيل القاسي
من أرض غير محروثة.
كل ذلك يبدو مرسوماً على نحو برقي خاطف، وبطريقة تؤكد أن الألوان، ليست مسألة بصرية فقط، وإنما هي قابلة وقادرة على اختزان الرائحة
والحركة وحتى الصوت.

-7-

في أول الباحة عسكريان يمسكان سجيناً من يديه ورجليه.. يؤرجحانه بحركة بندولية متصاعدة، ثم يطوّحان به في الهواء.. وما يلبث أن يرتطم
جسده بالأرض، حتى يمسكا به ثانية من يديه ورجليه، ويعيدان اللعبة من جديد..مرة ثالثة ورابعة وخامسة، ثم تستريح الجثة على أقل من مهلها.

في مكان آخر من هذه اللوحة.. في آخرها تقريباً:
عُدّة متناثرة لورشة لحام بالأوكسجين، بينها مطرقة كبيرة "مهدّة" يتناولها العسكري.. يرفعها عالياً بمشقة وتصميم، وينـزل بها على منتصف العمود
الفقري لذلك السجين أو لغيره.
صرخة السجين تجعل ألوان الجزء العلوي من اللوحة كامدة بحَّاء، مع مسحة ضبابية تتموج بارتعاشات صغيرة متناهية.

في المنتصف.. بمحاذاة الجانب الشرقي للَّوحة:
عسكري يمدّد سجيناً على الأرض، وهو يشير إليه، أن يتوسَّد برأسه رصيف الباحة.
بعناية شديدة يشير إليه العسكري، ليرتفع قليلاً، ثم لينخفض قليلاً، حتى أصبح عنق السجين على الحافة.. على الحافة تماماً.
يتلفَّت العسكري حوله بعصبية، ثم بإيماءة حازمة من رأسه ويده، يدعو أقرب عسكري إليه.
يتقدم العسكري الآخر، وعيناه تتلامحان بما يشبه الخوف، وربما الحزن أو العجز.
لا يبدو أي تشابه بين هذا العسكري المضطرب وبين زملائه، الذين تظنهم للوهلة الأولى مسوخاً أو تماثيل، مأخوذة عن قالب واحد.
يقف العسكري الأول على ظهر السجين، ثم يستند بذراعيه على كتفي زميله.
يقفز في الهواء عدة قفزات رشيقة نابضية، وفي القفزة الأخيرة يسدّد بقدميه، ويهوي بقوة، مرتطماً بعنق السجين، ثم..
أصداء صمت ثقيل مخنوق، لا تعرف من أين بدأت، ولا أين ستنتهي.
تريدون الحق؟
لوحة بانورامية مذهلة..
لا (جيرنيكا)، ولا الآلهة، ولا الأساطير..



#فرج_بيرقدار (هاشتاغ)       Faraj_Bayrakdar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَهْوَهات
- مقام خمر
- ما بعد منتصف الهذيان
- “أب.. إلى حد البكاء”
- حمامتان.. وقمر.. وثلج أيضاً
- الطريق
- دوائر ذات شهيق متصل
- “إلى الشرق”
- البرزخ
- صهيل
- تقاسيم آسيوية... ترجيعات
- تحية إلى أدونيس.. رداً للجميل
- تقاسيم آسيوية
- بيرقدار: السجن .. يا إلهي! هل يكفي أن أقول إنه حليف للموت؟
- ما يشبه بطاقة شكر من فرج بيرقدار إلى الشاعر محمود درويش
- ستة عشر يوما من الجمر


المزيد.....




- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص
- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-
- كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرج بيرقدار - تدمريات.. ما فوق سوريالية