أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الجنابي - *نَواميسُ الصُدفَةِ*















المزيد.....

*نَواميسُ الصُدفَةِ*


علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6673 - 2020 / 9 / 10 - 16:04
المحور: الادب والفن
    


إن وَصَفَكَ شيّخٌ حكيمٌ, أَنّكَ كائِنٌ مٌسيَّر على ظَهرِها فَأعلَمْ أنّهُ ما قالَ طُرفَة.
وإن قَصَفَكَ فيّحٌ عظيمٌ , أَنّكَ كائِنٌ مٌخَيَّرٌ على ظَهرِها فَأعلَمْ أنّهُ ما مالَ حَرفُه .
كِلا الفريقينِ حَقٌّ, وكلٌّ مِنهُما لهُ راياتُهُ وعُرْفُهُ..

فذا الشّيخُ الحكيمُ, وبعدَ أَن عُمِّرَ ونُكِّسَ في خلقِهِ وإنهارَ جُرفهُ, بَصُرَ فَفَهِمَ فَعَلَمَ أَنَّ الدَّهرِ كانَ كلُّهُ عَرَضاً وصُدفَة, وما كانَت فَذلَكَاتُهُ في بُطونِ أَقدارِهِ إِلّا تَلَبُّثَاً بِميراثِ خَلفه, أو تَحَدُّثَاً بأحداثِ سَلفه, أو تَشَبُّثَاً بأضغاثِ حِرفَة, ولكَ من ذلكَ أنّهُ حينَ نَوى يوماً أن يدرُسَ الطِّبَ في (لندن) مُتَكَلِّفاً عَناءَ غُربَةٍ وجَمْعَ دِينارٍ وصَرْفه, لَقِيَهُ صاحبٌ لهُ في عَتَبَةِ دائرةِ (جَوازاتٍ) وكانَ ذاكَ صُدفةً, فبادَرَهُ بتَوبيخٍ ثمَّ بِنُصحٍ وَدُودٍ وَأُلفَة:
(دَعْ عنكَ لندنَ وصَخبَها ولسانَها اليسيرُ أَلفَهُ, وتَرَجَّلْ مِن بَغلَةِ الطِّبِ ونَهيقِها العَسيرُ خَطفَهُ, وإمتَطِ حِصانَ هندسةٍ سأُنزِلُكَ في مِضمارِهِ وسأُغزِلُ لكَ خيوطَ كشفِه. حصانٌ - في دولةٍ جَنبَها - لَهِيبٌ ألوانُهُ, رحيبٌ جنانُهُ ونجيبٌ في وَثبَاتِهِ وَلَفِّه, ولن تَتَأَبَّطَ كُلَفَ مَعيشةٍ ولا تقتيراً في جمعِ دينارٍ وصرفِه, ثمَّ إنَي لأراكَ مُتَفوِّقاً مُحقِّقاً لشروطِ السّلطانِ في بَعثِكَ لامتطاءِ كَتفِه, فَبِمَ تَرُدُّ عليَّ يَاصَاحِبي عاشقَ الطّبِ ومِشرطِهِ وصُحُفِه)؟
بَلِ القولُ ما قلتَ وإنَّ المرءَ الطموحَ لا يُقَيِّدُهُ عِشقٌ ولا يُحَيِّدُهُ فِسقٌ بل سُموُّ هدفٍ وسبيلُ خَطفِهِ. هَلُمَّ إليَّ بسرجِ حصانِ جيرانِ لندنَ وضوابطِهِ و وصفِه.
وإن هيَ إلا حفنة من سنينَ مرَّت حتى أمسى فارساً في مضمارِ الهندسةِ ونسيَ بغلةَ الطبِ وشغفَه .
كلُّ أولئكَ كانَ عَرَضاً وكانَ في الأحقابِ صُدفةً .
وإمّا إن قَصَفَكَ فيّحٌ عظيمٌ , أَنّكَ كائِنٌ مٌخَيَّرٌ على ظَهرِها فَأعلَم أنّهُ ما مالَ حَرفُه, وإنَّ سِجلاتِ الأقدارِ مَطوياتٌ بيمينكَ نهاراً ومن الليلِ زُلَفَهُ, مادُمتَ مُقبلاً على الحياةِ بعنفوانٍ و قوةٍ و حِرفَةٍ, ما لأحدٍ عندَهُ عليكَ من حَجزٍ في خَسفِ مرامِكَ و كَسفِه, ولا في نَجزِ مهامِك لا بتمامِ جُهدٍ ولا بِثُلُثِهِ ولا بنصفِهِ..
عليكَ الكفاحُ وَقَعَ والصمودُ أمامَ تقَلّباتِه وعصفِه, ولن يقومَ أحدٌ بمهامِك, عابداً كان أم كان معبوداً رغم جلالِهِ وتوفيقِهِ ولُطفِه.
ثُمَّ ستعلمُ يا ذا حِجرٍ بعد زوالِ فتوةٍ و هَجر:
لكَأنَّ ماءَ الأمرِ كلّهُ كانَ مُنبَجِسَاً من ينابيعِ صدفةِ! وستعرفُ يا ذا حِجرٍ بعدَ نَفَحَاتِ خريفِ عُمُرٍ ونَفَخَاتِه وإنبلاجِ ضَعفِه, و وسوسةِ سَكَراتِه وعسعسةِ بَكَراتهِ وتَيَبُّسِ سَعفِه, أنَّ :
صاحبَنا مَا ضَلَّ وما غَوى في عَرضِ بَيانِه ونَبضِ بَنانِه وفَيضِ قَطفِه (صلى الله عليه وسلم), وإذ أنبَأنا بحَريصِ قولٍ وَوِدِّه ولَهفه :
(إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَدْخُلُهَا..) وفي جَحيمِها مُنتهاهُ بفذلكاتهِ وتَقَلُّباتِهِ ونَسفِه.
(..وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَدْخُلُهَا) خالداً ومن كَوثرِها سَينالُ مبتغاهُ في طيبِ رشفَة.
هكذا حالُ كلُّ فؤادٍ إن أسَرَّ القولَ أو إن جَهَرَ بهَ في قُعودِه, في مَضجعهِ وحينَ وقفِه,
وما النفسُ- يا ذا عِزّ- إلّا معادلةٌ رياضيةٌ من ثلاثةِ مجاهيلٍ ومعلومٍ, فأمّا المعلومُ فعالَمٌ هي فيهِ ملموسٌ مهموم, وأمّا المجاهيلُ فَعَالَمُ أجنةٍ مضى, ثمَّ عالَمُ برزخٍ سيُقضى وسيُفضى لعالَمٍ أبديُّ مقضيُّ مَرقوم, وتلكَ عوالمٌ ثلاثةٌ غُلِّفَت بغيبٍ مطلقٍ مُحكَمٍ مَختوم, فلا تعلمُ نفسٌ شيئاً كيف كانت عَبَراتُ وخلجاتُ خافقِها إذ هي جنينٌ وكيف ستكونُ في عَالَمٍ مَعصوم.
تلك عوالمٌ لا تُلقي لها النّفسُ بالاً وغيرَ ذي شأنٍ عندها مَفهوم, لأنّها جُبِلَت على أن تُقَيّدَ مُتَعَها ومَتاعَها بِقيّدِ يومٍ مُجَسَّمٍ مرسوم, تعيشُهُ مابينَ شروقِ شمسٍ وغروبٍ مُقَدرٍ مَحتوم, مُتعٌ ومَتاعٌ مابين شطيرةِ لحمٍ مُؤَمَّنَةٍ وعصيرٍ من برتقالٍ مدعوم, أو بصيرةِ علمٍ مُخَمَّنَةٍ وحصيرٍ تحتَ ظلالٍ مَبرُوم, إنَّها أستلطَفَت دورانَها في فلكِ عالَمٍ محسوسٍ مفهوم, تحسُّهُ وتلمسُهُ أوهكذا خُيِّل إليها أنّها تَعْلمُهُ فَرَكنَت إليهِ بفَمٍ أبكمٍ مَكموم, وفَصَلت بَينها وبينَ تلكَ العوالمِ بِبَرزخٍ مُبهمٍ مَلغوم.
لرُبَما تكونُ النفسُ دَنَتْ ذاتَ مرّةٍ فدَلَّتْ بدلوِها في بئرِ تلكَ العوالمِ فَكَلَّتْ فَمَلَّتْ بَسَأمٍ مذموم, ولَرُبَما حَلَّتْ عندَ البئرِ كرةً أخرى فَغَلَّتْ في غياهِبِهِ فَضَلَّتْ فَمَلَّتْ فَكَرَّتْ عَوداً لعالَمِها المَقسوم , فإستسلمَت فأسترخَت رغمَ أنّهُ عالَمٌ زائلٌ مأثوم, أمَدُهُ في سجلِّ الزّمانِ يومٌ أو بعضُ يومٍ, مابينَ آهاتِ مهضومٍ وواهاتِ مظلوم, عالَمٌ وَقَعَ ترتيبُهُ الثاني في متواليةِ عوالمِ حياةٍ أربع وذاكَ ترتيبٌ ظاهِرٌ غيرُ معدوم, عوالمٌ كأنّها أستحوذَت لنفسِها الرقمَ "تسعةً", قمةُ الأرقام وأعلاها, مُكَرَّم محشوم: تسعةُ أشهرٍ قَبلَ المهدِ, فتسعونَ عامٍ قبلَ اللحدِ, فتسعةٌ في اللحدِ بأصفارٍ مجهولٍ عددُها لكنّهُ مُحَدّدٌ ملزوم, ثم تأتي تسعةُ الختامِ التي يَمَّمَت فتحاتِ نَوافِذ أصفارِها شطرَ بحرٍ سرمديٍّ في عُمُرٍ أبديّ رغيدٍ أو مَغموم. ترتيبٌ تَتضاعفُ آمادُهُ بتصاعدٍ رهيبٍ مُقَدَّرٍ محسوم ..
ومادامَ أمرُ الحياةِ الدنيا يوماً أو بعضَ يومٍ مَرحومٍ أو مَرجوم, فأرمِ الخطى هوناً ونقِّب عن كأسِ الفضائلِ فيُسقيك , وعَقِّب في لحظاتِ استرخائِكَ آثارَ طيبِ القولِ فيشفيك..
إذ أنتَ عندَ شاطىءِ بحرِ الحياةِ تَرمي البحرَ بِشكواكَ فيبتليك ..
وإذ انتَ تَرمي بسنّارةِ صيدِك خلفَ أمواجِهِ لتنالَ منه ما يَكفيك..



#علي_الجنابي (هاشتاغ)       Ali_._El-ganabi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- والله إنَّ هؤلاءِ لرجالُ مخابراتٍ
- إي وَرَبِّي : إِنَّ الأَرضَ بِتِتكَلِّم عَرَبيّ
- -لحظةَ أنْ سَبَّحَ البُلبلُ وسَبَحَ في صحنِ الوَطن-:
- (أيُّ الفَريقينِ لهُ حقٌّ أن بِضِحكاتِهِ يَزأر)؟


المزيد.....




- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...
- ?دابة الأرض حين تتكلم اللغة بما تنطق الارض… قراءة في رواية ...
- برمجيات بفلسفة إنسانية.. كيف تمردت -بيز كامب- على ثقافة وادي ...
- خاطرة.. معجزة القدر
- مهرجان الجونة يحتضن الفيلم الوثائقي -ويبقى الأمل- الذي يجسد ...
- في روايته الفائزة بكتارا.. الرقيمي يحكي عن الحرب التي تئد ال ...
- في سويسرا متعددة اللغات... التعليم ثنائي اللغة ليس القاعدة  ...
- كيت بلانشيت تتذكر انطلاقتها من مصر في فيلم -كابوريا- من بطول ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الجنابي - *نَواميسُ الصُدفَةِ*