أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - هيثم الحلي الحسيني - دراسة تاريخية مقارنة في خيارات اليوم الوطني للدولة العراقية, الحلقة الخامسة: المعطيات السياسية لإنهاء الانتداب البريطاني ورمزيته يوماً وطنياً في الواقع الحالي















المزيد.....


دراسة تاريخية مقارنة في خيارات اليوم الوطني للدولة العراقية, الحلقة الخامسة: المعطيات السياسية لإنهاء الانتداب البريطاني ورمزيته يوماً وطنياً في الواقع الحالي


هيثم الحلي الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 6669 - 2020 / 9 / 6 - 09:30
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


المقدمة ونطاق الدراسة وأهدافها: يشمل نطاق الدراسة، المقدمات التاريخية لإعلان الانتداب البريطاني على العراق, وأسبابه ومبرراته، الحقيقية والمعلنة، والوقائع المرتبطة بعملية إنهاء الإنتداب, وآثارها على كل من مسار الدولة العراقية، والعملية السياسية لبنائها، وعلى الواقع الإقليمي والدولي.
وتعرض الدراسة بالتحليل, للوقائع والأحداث, ولإجراءات الدولة العراقية والدولة المنتدبة, لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي, المتمثل بإنهاء الإنتداب, وإعلان الاستقلال, ودخول العراق عضوا في عصبة الأمم, مع بيان آثار الحدث, على سير العملية السياسية اللاحقة, ومسيرة تشكيل الدولة ومؤسساتها، واستحقاقه كمحطة حاسمة, وعلامة وطنية فاصلة, في تاريخ العراق المعاصر.
وتهدف الدراسة إلى تحليل التجربة الوطنية, التي شكلت البناء السيادي للدولة العراقية, ودخولها عضوا في المحافل الدولية, حيث مارست أدوارها في المستوين العربي والإقليمي, وخاصة في دعم وإسناد الحقوق القومية والوطنية, للشعب العربي وحركاته التحريرية, ضمن المعارك السياسية والدبلوماسية, والتي تمخضت عن نيل الإستقلال في سوريا ولبنان, وسائر أقطار المغرب العربي.
فضلا عن استقراء معطيات المرحلة التأسيسية, ودور رجال الدولة والكيانات السياسية والدبلوماسية العراقية فيها, لتحقيق الإنجاز الوطني, والنجاح في عملية البناء السياسي للدولة، ونيل الإستقلال, وإن بدأ شكليا, لكنه قد تطور الى منجز سيادي تأريخي للعراق.
وغاية الدراسة إسقاط تجارب التأسيس, وإنجاز الإستقلال الرسمي, على المرحلة السياسية المعاصرة, والمعاضل والصعوبات والإخفاقات الكبيرة التي تعترض مسيرتها، لإمكانية تقديم الخيارات المتاحة لمعالجتها, في إستلهام التجربة العراقية الذاتية، التي انحسرت الدراسات عن استنباط الدروس منها، مقابل تقديم رؤى غريبة عن الواقع العراقي, سياسيا ومجتمعيا.
مقدمات إعلان الانتداب واثاره في مسيرة الدولة: كان مجلس الحلفاء المنعقد في "سان ريمو" يوم 25 نيسان 1920, قد أقر مبدأ الانتداب, وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 22, الفصل الأول, من ميثاق عصبة الأمم, وبما عرف بمعاهدة "سان ريمو", وبناءاً عليه, صدرت لائحة الانتداب, والتي عرفت في الأدبيات العراقية, بصك الانتداب, وهو بمثابة المعاهدة البريطانية العراقية الأولى, المفروضة على العراق, دون موافقة لجهة مخولة بتمثيله, وقد جرى إقرار ذلك, ضمن معاهدة "سيفر"[1], بتنازل تركيا عن تملكها للعراق, وباقي مستعمرات الدولة العثمانية, إلى الدول المتحالفة الرئيسة, بريطانيا وفرنسا, وفق عهد عصبة الأمم المذكور.
ويمكن أن يعترف وفق لائحة الانتداب, بالأقوام المنتمية سابقاً إلى الإمبراطورية التركية, كأمم مستقلة, يشترط عليها قبول المشورة الإدارية, والمساعدة السياسية والعسكرية, من قبل طرف منتدب, إلى أن تصبح قادرة على القيام بذلك بنفسها، وقد اختارت الدول المتحالفة, منتدباً من قبلها على العراق، وتعهدت بالإيفاء بالتزاماتها نيابة عن عصبة الأمم, طبقاً لمواد وشروط الانتداب، وقد انتدبت بريطانيا أيضاً على الأردن وفلسطين ومصر, فيما انتدبت فرنسا على كل من لبنان وسوريا, فضلاً عن دول المغرب العربي.
الإقرار الدولي لمتطلبات إنهاء الانتداب: ضمن الانتداب لبريطانيا, سيطرة سياسية وعسكرية كاملة على العراق, بشكل معترف به دولياً، ولم يكن أمام العراق أي طريق لإنهاء الانتداب, سوى السعي للدخول إلى عصبة الأمم, وذلك ما تعهدت بريطانيا به في لائحة الانتداب نفسها, لإنهاء التزاماتها الانتدابية، ولهذا سعت الوزارات العراقية المتلاحقة, لإثبات هذا الحق والسعي لتحقيقه، فضمّنت هذه القضية, في جميع المعاهدات التي أبرمت بين الطرفين, على قاعدة لائحة الانتداب, وتطويراً لها في الأعوام 1922، 1926، 1930، وقد عقدت المعاهدة الأخيرة في 30 حزيران 1930 خصوصاً على هذا الأساس, حيث اشترط في المادة (11) منها أن "لا تصبح المعاهدة نافذة المفعول حتى دخول العراق رسمياً في عصبة الأمم"، وهو ما جعل بريطانيا نفسها تبذل جهوداً سياسية ودبلوماسية دولية كثيفة لتحقيق ذلك.
وبسبب المعارضة الشعبية لقرار الانتداب، فقد شجعت بريطانيا إلى خلق أخطار خارجية، بعد أن يئست من الحصول على قبول داخلي في العراق على الانتداب، وقد نشرت الصحف فعلاً, أنباء هجوم "الإخوان النجديين" على القبائل العراقية في المنتفك في 11 آذار 1922, وعبثهم بالأموال والأنفس, خاصة ما قامت به قبيلة "الدويش" الوهابية، مما ألهب الحماس لدرء الخطر عن حدود البلاد ومدنه، وشجّع للقبول بواقع الانتداب، خاصة ان للحدث جذور تعود إلى العام 1200هـ[2].
وتشير لائحة الانتداب في المادة 22, من عهد عصبة الأمم, بأنه قد أقر مبدأ الانتداب لإدارة الأمم, التي يعجز سكانها عن القيام بالحكم الذاتي في بلادهم, تحت الظروف الصعبة في العالم الحديث، وإن رفاهية هذه الشعوب وارتقاءها, وديعة مقدسة من ودائع المدنية, وأن يتضمن الميثاق, الضمانات اللازمة للقيام بهذه الأمانة، وأن الطريقة المثلى هي تسلّم وصاية الشعوب, إلى الأمم "الراقية", وأن تقوم بوصايتها بصفتها منتدبة عنها، وأن على الدولة المنتدبة, تقديم تقرير سنوي لمجلس العصبة, عن البلاد التي انتدبت عليها[3], ويحق للمنتدب أن يتحفظ بقوة عسكرية لحفظ النظام, لحين قيام حكومة عراقية بسن "القانون الأساس", لتتولى شؤون الأمن وفقه.
احتفاليات انعقاد مجلس النواب لمهمة إنهاء الانتداب: تم تشكيل الوزارة السعيدية الأولى "برئاسة نوري السعيد" في 23 آذار 1930, وتعتبر واللاحقة لها من أهم الوزارات المشكلة في تاريخ الحكم الوطني الملكي، حيث أوكلت لها مهمة دخول العراق إلى عصبة الأمم المتحدة, وإلغاء الانتداب البريطاني عنه بصورة رسمية، والحصول على الاستقلال الرسمي، ثم بعد استقالة الحكومة في 19 ت1 1931، أوكلت إلى السعيد نفس المهمة ثانية، لتتشكل الوزارة السعيدية الثانية.
وكانت هذه الوزارة, قد تشكلت في مجلس النواب, بدورته الانتخابية الثالثة, المنعقدة في ت1 1930، الذي شكل حدثاً مهماً, حيث انتقل المجلس النيابي, من بنايته القديمة, في المستشفى الأميري "غرباء" القديم في الكرخ, إلى الأعظمية, في بناية جامعة آل البيت[13].
ولغرض اجتماع المجلس, وفق القانون الأساس "الدستور", داخل العاصمة بغداد، جرى تعديل حدود أمانة العاصمة, لتشمل الأعظمية ضمنها، وقد كانت الأعظمية والكاظمية, إلى ذلك الحين تعد من ضواحي بغداد، وتتبع إدارياً إلى متصرفية لواء بغداد.
وفي 1 ت2 1930, كان اليوم المقرر لافتتاح الدورة النيابية الثالثة، فلبست العاصمة بغداد حلل الزينة كالعادة، وأجريت المراسم المعتادة، وسار الملك فيصل إلى بناية المجلس، فألقى خطاب العرش, الذي أشار فيه إلى التصريح البريطاني المعلن دولياً في 14 أيلول 1929, والمتضمن التعهد بدخول العراق عصبة الأمم, بلا قيد ولا شرط بحلول العام 1932، وهذا ما تضمنته بنود الاتفاقية العراقية البريطانية الصادرة في 30 حزيران 1930, التي اشترطت ذلك كإجراء ملزم لغرض دخولها موضع التنفيذ, وقد تضمنت الاتفاقية أيضاً عدة بنود ترتقي بسيادة الدولة العراقية، وهذا ما جعل الملك يطالب برلمانه التصديق على الاتفاقية, وعدم تفويت الفرصة التاريخية على العراق، حيث ستفضي إلى إنهاء الانتداب، والدخول في عصبة الأمم، والحصول على الاستقلال.
ومن المؤشرات السيادية في الاتفاقية, تعديل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين, ليكون الممثل السياسي البريطاني في بغداد بدرجة سفير, أي بتحويل دار الاعتماد البريطاني "المفوضية السامية البريطانية" إلى بعثة دبلوماسية "سفارة" لدولة لدى دولة، مع امتياز محدد للسفير البريطاني, ضمن الهيئات الدبلوماسية الأخرى[14] ، ومن مكاسب الاتفاقية, اعتراف بريطانيا لهيئة تمثيل سياسي ودبلوماسي كاملة للعراق في لندن, يرأسها دبلوماسي بدرجة "وزير مفوض"، وقد استمر الحال كذلك إلى 3 آب 1942, حيث جعل الممثل العراقي في لندن بدرجة سفير, وأسقط امتياز السفير البريطاني في بغداد، حسب الرسائل المتبادلة بين وزيري خارجية البلدين.
وتقرر في الاتفاقية بعد دخولها حيز التنفيذ, جلاء القوات البريطانية عن معسكراتها في الهنيدي والموصل، والإبقاء فقط إيجاراً لثلاث قواعد جوية غربي الفرات "الحبانية" وشط العرب، مع حراسة خاصة لها, تعتمد أيضاً على نسبة من العراقيين، فتحل اتفاقية العام 1930م بذلك, محل معاهدتي التحالف في 10 ت1 1922 و13 ك1 1926, اللتين صدرتا أساساً وفقاً للائحة الانتداب.
الجهود الحكومية لدخول عصبة الأمم وإنهاء الانتداب: في ك2 1930, أعربت بريطانيا بتنسيق مع الحكومة العراقية، إلى عصبة الأمم, عن عزمها لترشيح العراق إلى عضويتها، وذلك بالانسجام مع التصريح الصادر عنها في 14 أيلول 1929، فطلب منها تقديم تقرير عن سير الإدارة في العراق لعشر سنين (1921- 1931), تدلل على أهلية العراق لهذه العضوية، فبعثت بالتقرير في آيار 1931 الى الأعضاء, يؤكد شمول العراق بكل ما تستلزمه الدولة المتمدنة من الوسائل الحكومية، ثم توالت التقارير في الدفاع عن القضية العراقية.
لقد استغرقت قضية قبول العراق في العصبة الأممية، وقتاً ليس بالقليل, حيث كانت الأولى من نوعها, تعرض على أعضاء العصبة، وجابهت معارضة دولية شديدة, خاصة من لدن فرنسا، والسبب متعلق بانتدابها على سوريا ولبنان, الذي كان قد فرض في نفس اليوم, الذي فرض به الانتداب على العراق في يوم 25 نيسان 1920، وقد خشيت من مطالبة سورية ولبنانية ودولية مشابهة للمطلب العراقي, خاصة وأنها مؤهلة من النواحي الاجتماعية والثقافية، لذا سعت فرنسا لتأخير قرار إلغاء الانتداب البريطاني على العراق, بإثارة المشكلات القانونية.
لكن مجلس العصبة, قرر في 4 ك1 1931, تشكيل لجنة لدراسة الطلب البريطاني حول العراق, وتقديم القرار بصدده، فوضعت اللجنة تقريراً مهّد لدخول العراق إلى عصبة الأمم، وأصدرت قراراً اعتبرت به العراق قد استوفى الشروط الحقيقية، وبالموافقة المبدئية في الحكم في انقضاء عهد الانتداب عليه، على أن تتعهد الدولة العراقية, بعهود تلتزم بها أمام المجتمع الدولي, تتعلق بالتزامها بالقانون الدولي والمواثيق العالمية, في قضايا السلم والتنمية وحقوق الإنسان، وعلى إثر ذلك أبلغ الملك فيصل شكره لرئيس العصبة على الموقف.
في 4 نيسان 1932 درست الحكومة العراقية مسودة التصريح المتضمن تعهدات العراق إلى مجلس العصبة، وقررت التوصية إلى المجلس النيابي, بالموافقة على قيام الحكومة بتقديم تصريح إلى الأسرة الدولية بذلك، وقد حاول بعض النواب الاعتراض على مضامين التصريح, غير أن مطابقته بالمجمل, لما ورد في فقرات القانون الأساس "الدستور", منعهم من ذلك, وسمح بموافقة مجلس الأمة "بغرفتيه الأعيان والنواب" عليه, في 5 أيار 1932, فتقدمت الحكومة بالتصريح إلى مجلس عصبة الأمم في 19 أيار 1932.
في يوم 3 ت1 1932, صدر قرار عصبة الأمم, بقبول العراق عضواً كامل العضوية في العصبة، وتمتعه بكامل الحقوق والامتيازات, والتزامه بكافة الواجبات التي تشكلها العضوية.
وفور صدور القرار التاريخي, ألقى الملك فيصل الأول, خطاب العرش في المجلس النيابي قائلاً "لقد مضى على هذه البلاد ردح من الزمن, وهي تبذل كل الجهود المستطاعة لتصل إلى مصاف الأمم الحرة المستقلة, ومما يدعو إلى ابتهاجنا جميعاً، أن هذه الجهود قد تكللت بالنجاح, فدخلنا عصبة الأمم على أساس المساواة التامة مع جميع أمم وشعوب العالم"[15].
أهمية الحدث في رؤيا الواقع السياسي المعاصر: دخل العراق في إثر القرار الدولي، إلى الأسرة الدولية دولة مستقلة, بعد أن رفع عنه الانتداب, بكامل أشكال القيد والوصاية الأجنبية والاستعمارية، وهو اليوم المثبت في جميع أدبيات التاريخ المعاصر والسياسة الدولية, تاريخاً "لاستقلال العراق", سواء في إصدارات المنظمات الدولية أو العربية, أو الموسوعات ذات الاهتمام بعرض مختصرات موجزه عن الدول.
إن قراءة الحدث ومعطياته وأسبابه ونتائجه, تؤكد أن العمل السياسي الايجابي, الذي يدفعه حسن النوايا والإيمان بالقضية الوطنية، تأتي ثماره بتحقيق الأهداف الوطنية, عندما تتحد وتشترك في إنجازه, جميع الفعاليات الوطنية على اختلاف توجهاتها، وبرغم الرأي المتحفظ على المتحقق في ذلك اليوم, باعتباره ليس إنجازاً للاستقلال التام الناجز، لكنه بالتأكيد كان خطوة كبيرة في الطريق إلى المنجز النهائي، وهو محطة فاصلة على طريقه، لو قيّمت بعين الإنصاف, في الموازنة بين المتحقق, والإمكانات المحدودة حينها في الدولة, مادياً وسياسيا.
ورغم اختلاف وصعوبة المقارنة, بين الحدث والظرف الراهن، لكنه بالتأكيد يحمل أيضاً الكثير من المشتركات في العوامل والمعطيات بين الواقعين الماضي والمعاصر، وعليه يعتبر الحدث من الدروس المهمة المستفادة, من التجربة السياسية الغنية للدولة العراقية, في تاريخها المعاصر, لجهة التماهي مع تجربة بناء العملية السياسية المعاصرة، وإسقاط التجربة على مفاصل القضايا الوطنية الداخلية, وعلاقات الدولة الإقليمية والدولية، والأدوار الوطنية التاريخية الملقاة على كواهل مؤسساتها ورموزها والمتصدين فيها, بعيدا عن الفردية والحزبية والانتماءات الضيقة، والتمسك بالمكاسب الذاتية ومواقع السلطة.
المعطيات الدولية والعربية والوطنية ليوم الاستقلال: بعد أن دخلت الدولة العراقية عصبة الأمم في يوم 3 ت1 1932, وأعلن بذلك إنهاء الانتداب البريطاني على العراق, والإعلان الرسمي لاستقلال العراق, من خلال تفعيل الإجراءات التي تعضد هذا الاستقلال, المتضمنة بالاتفاقية المقررة في 30 حزيران 1930, والتي دخلت حيز التنفيذ فوراً, بعد دخول العراق عصبة الأمم, وفق اشتراطات الاتفاقية، قدمت الوزارة العراقية برئاسة نوري السعيد الاستقالة في 27 ت1 1932, باعتبارها قد أنجزت المهام الموكلة إليها.
وهذا هو الدرس الآخر, الذي ينبغي على سياسي الدولة العراقية المعاصرة, فهمه واستيعابه، إذ أن تداول السلطة وفق الاستحقاقات المرحلية, والمهام المحددة في البرنامج الوطني، لا يعتبر بأي حال انقلاباً أو تآمراً من جهة على أخرى، لأنه من صلب وجوهر العملية السياسية, أو اللعبة الديمقراطية, وفق الإستحقاقات الدستورية.
وعليه فقد تشكلت بعد الحدث, وزارة ناجي شوكت يوم 3 ت2 1932، وكان قوام وزرائها, ذوو الكفاءة العالية, بعيداً عن التحزب, وجميعهم ممن لم يسبق له أن شغل مناصب وزارية سابقة, وذلك ما تطلبته المرحلة السياسية الوطنية واستحقاقاتها, وهو درس آخر للنخب السياسية المعاصرة, إذ أن التشكيل الحكومي, لا يشترط التمثيل السياسي والحزبي القائم حصرا, بل هو يعبر عن تطلعات الشعب وحاجاته, ومتطلبات المرحلة الوطنية.
مخرجات الحدث وآثاره السياسية: بدأ تبادل التهاني الرسمية أولاً, بين الملكين العراقي والبريطاني "فيصل" و"جورج"، وبذلك يكون العراق أول دولة عربية في الإقليم, تنهي مرحلة الانتداب, وتحصل على الاستقلال الشرعي الدولي, بدخولها عضواً كامل العضوية بعصبة الأمم، ثم لتكون من الدول المؤسسة لاحقاً في هيئة الأمم المتحدة, التي تشكلت بعيد إنتهاء الحرب العالمية الثانية.
وكان للحدث الكثير من النتائج الايجابية, على القضايا العربية والإقليمية، فقد بذلت الدولة العراقية, من خلال موقعها الدولي، جهوداً دبلوماسية وسياسية كبيرة, دعماً للمطالب الوطنية, للدول العربية المشرقية، وكان من نتائجها حصول سوريا ولبنان على الاستقلال, وإنهاء انتداب فرنسا عليهما, وجلاء قواتها عنهما في منتصف الأربعينات.
وكذلك بذلت الدولة العراقية جهوداً كبيرة, في إسناد القضايا الوطنية المشابهة في دول المغرب العربي، المغرب وتونس وليبيا، ولا زال السياسي العراقي الراحل, رئيس الوزراء ووزير الخارجية, الدكتور محمد فاضل الجمالي, يحضى باحترام كبير في المغرب وتونس, لمواقف حكومته وجهازه الدبلوماسي, في دعم قضية استقلال المغرب العربي [16], وقد تجلت في إحتضانه وإستضافته على أراضيها مكرما, في سني محنته, بعد سقوط النظام الملكي, وإقامة الجمهورية, إثر ثورة تموز 1958 .
الاحتفالية الوطنية بالاستقلال وإنهاء الانتداب: بموجب الحدث الوطني التاريخي, أقامت أمانة العاصمة حفلة كبرى في بهو الأمانة يوم 6 ت1 1932، حضرتها وفود من مختلف مناطق العراق, للاشتراك في المهرجان الشعبي الكبير, فضلاً عن حضور الملك وأركان الدولة, من حكومة "موالاة" ومعارضة, وممثلي الشعب النواب, والحركات السياسية والفعاليات الوطنية.
وألقى الملك فيصل الأول, خطابه الذي قال فيه "أشكر الله وأهنئ نفسي وشعبي, على هذا اليوم الذي نفضنا فيه غبار الذل, وفزنا بعد جدال سياسي دام ما ينوف على (11) سنة, بالأماني الكبرى التي كنا نصبوا إليها, وهي إلغاء الانتداب واعتراف الأمم بنا, بأننا أمة حرة ذات سيادة تامة.. والفوز محصول سعي الأمة بأجمعها, وها نحن اليوم على أبواب عهد جديد, تتولى فيه بلادي المسؤولية عن تدبير شؤونها وإدارة مقدراتها، وأصبح مجال العمل فسيحاً أمام الجميع, فمن تقاعس فلا عذر له بعد اليوم"[17]، وقال الملك في كتاب قبوله لاستقالة الحكومة, شاكرا لها "جهودها في إيصال بلادنا المحبوبة إلى مصاف الأمم الحرة المستقلة, وإني واثق من أن التاريخ سيسجلها لكم بمداد من ذهب, لا تمحى مدى الدهر, وسأبقى ذاكراً لها بكل تقدير وإعجاب".
وبعد ثلاثة أرباع قرن كامل, "خمس وسبعين سنة", من ذلك اليوم، وبناءا على قرار معلن في مجلس الوزراء, يجتمع مجلس النواب العراقي في بغداد، ليتخذ في مطلع شهر أيار 2007، قرارا تاريخيا مهما, باعتبار يوم 3 ت1, "عيداً وطنياً" للدولة العراقية، إحتفاء بذكرى الاستقلال المعلن, في نفس التاريخ من العام 1932م.
وهذه الرؤية الإيجابية للحدث, لا تمنع أن للقرار من يعارضه, وفقا لرؤى سياسية وفكرية "أيديولوجية", تتعلق بقراءاتها الذاتية, لمسار الدولة العراقية, بخاصة من يعتمد سياسية إلغاء ورفض المراحل السابقة, حيث يعد بعض المعارضين, أن الحدث مرتبط بالعهد الملكي وإنجازاته, فيما يعتقد آخرون, أن هنالك أحداث جسام, شهدها العراق, وقد تمخضت عنها, مسارات تأريخية للدولة العراقية, خاصة في ولوجه العهد الجمهوري, والبناء الثوري والإجتماعي فيه, متحررا عن الإمتيازات الطبقية, وتمييز النخب المجتمعية.
وعليه فستبحث الحلقات اللاحقة من الدراسة, مجمل تلك الرؤى, وأسبابها ومعللاتها, في مادة لإستقراء التأريخ المعاصر للدولة العراقية, وبناها السياسية والفكرية والمجتمعية, والسجالات التكوينية فيها, ومتبنياتها الخلافية, وفق خيارات إقرار اليوم الوطني "الأمثل" للدولة العراقية.
دهيثم الحلي الحسيني, باحث في الدراسات الإستراتيجية والتأريخ العسكري المعاصر.
هوامش الدراسة: [1] معاهدة الصلح "سيفر" في المادة 132 منها المبرمة مع الحلفاء في 10 آب 1920.
[2] تعود التهديدات الوهابية إلى حدود ومدن العراق خاصة المقدسة منها، إلى بدايات دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب, بإسناد الأمير محمد بن سعود، التي توقفت بجهود الزعيم والمرجع الديني, الشيخ الأكبر, جعفر كاشف الغطاء، بفضل حنكته وعلاقاته العربية الواسعة ومع الشيخ والأمير شخصيا. وتجددت التهديدات الجادة في العام 1210هـ، على أيام نجليهما الأمير عبد العزيز والشيخ عبد الله، فكان للجهد الفكري الكبير الذي بذله الشيخ كاشف الغطاء, الأثر الكبير في تغيير قناعات الأمير, وطبيعة تفكيره أو تحييدهما على الأقل، وذلك في البحث العلمي المعمق, الذي بعثه إلى الأمير عبد العزيز آل سعود, بعنوان رسالة "منهج الرشاد لمن أراد السداد", الذي يعد أول حوار علمي بين المدرستين، غير إن الأمور تفاقمت بعد سنين، فنفذ اعتداء وهابي على كربلاء، مما الجأ الزعيم الديني, إلى التحول الى الخيار الأمني, في بناء قوة عسكرية ذاتية, تمكنت من إنهاء الاعتداءات ومقاومتها. عن مصادر الرسالة:
مقدمة الرسالة، والدور السياسي للشيخ الأكبر كاشف الغطاء، تقديم وتحقيق الباحث السيد جودت القزويني الحسيني، عن مخطوطة لمكتبة البحاثة, السيد شهاب الدين المرعشي.
ملحق "العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية"، للشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء.
ملحق كتاب "النجف في ربع قرن"، السيد محمد علي كمال الدين، تحقيق الباحث كامل سلمان الجبوري.
[3] تشكيلات عصبة الأمم المتحدة ومقاصدها، ص94.
والسيد عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، ج3، ط2، 1988, بغداد، ص300.
[13] كانت جامعة آل البيت, قد أسست في العام 1922, وارتبطت بها مجموعة من الكليات العراقية, التي كانت قائمة أنذاك, وقد علّق العمل فيها تجميداً, في 24 نيسان 1930, بسبب مشاكل حول البناية, التي أشغلتها مع "كلية الأعظمية", ومعارضة بعض علماء الدين المتنفذين, لتأسيس الجامعة، كون الصرف عليها, من ميزانية الأوقاف العامة.
[14] تضمنت الاتفاقية امتيازاً للسفير البريطاني, بتقدمه على سائر رؤساء البعثات الدبلوماسية, بما يعرف اليوم بعميد السلك الدبلوماسي، الذي يمنح عادة لأقدم السفراء, خدمة لدى الدولة، وألغي هذا الامتياز, في 3 آب 1942م، برسالتين سياسيتين, تبادلهما وزيرا خارجية العراق وبريطانيا.
[15] السيد عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات ج3 ص193.
[16] حضر الملك المغربي محمد الخامس "والد الملك الحسن الثاني وجد الملك محمد السادس المعاصر"، بنفسه إلى بغداد للتدخل لدى الحكومة الجمهورية, صبيحة 14 تموز 1958 لإطلاق سراح الدكتور فاضل الجمالي، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق، المعروف بدعوته باستبدال العلاقة الإستراتيجية مع بريطانيا، بعلاقة مع القوة الناشئة عالميا, وهي الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم محاولة الزعيم قاسم, التواري لعدم مقابلة الملك الضيف، لكنه أصر على عدم مغادرة بغداد إلا والجمالي صحبته، فكان له ذلك، وقد استضافه الملك المغربي في بلده، وبقي مستشاراً وأستاذاً جامعياً بين المغرب وتونس, إلى وفاته في العام 1996 فيها.
[17] جريدة الإخاء، العدد 294، 7 ت1 1932.
و السيد عبد الرزاق الحسني, تاريخ الوزارات العراقية، ج3, ص 192 - ص205 .



#هيثم_الحلي_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة في خيارات اليوم الوطني العراقي, الحلقة الرابعة: دور ال ...
- دراسة في إختيار اليوم الوطني للدولة العراقية وإسقاطاتها في ا ...
- دراسة تاريخية مقارنة في خيارات اليوم الوطني العراقي, الحلقة ...
- خيارات اليوم الوطني للدولة العراقية وإرتداداتها, والخيار الج ...
- دراسة تاريخية مقارنة في خيارات اليوم الوطني للدولة العراقية ...
- مقاربة في نماذج بناة الدولة العراقية المعاصرة وأسباب تداعيات ...
- -ليبرمان-, بين الإقالة المؤجلة وتداعيات لعنة الطائرة الروسية ...
- -ليبرمان-, بين الإقالة المؤجلة وتداعيات لعنة الطائرة الروسية ...
- الأدوار القومية للجيش العراقي, بين الإستحقاق والتجاهل, حرب ت ...
- مقاربة لتداعيات أزمة الدولة وإنتفاضة الشارع العراقي, الترهل ...
- بالعلامة الكاملة, مونديال روسيا 2018
- الأديب الرائد عبد الله نيازي, حياة دون ضجيج ورحيل بصمت
- هل يكون العبادي النموذج الأمثل لرجل الدولة والخيار المتاح لل ...
- اليمين الأوروبي الصهيوني المتطرف, مبرراته وتداعياته والرؤى ف ...
- مقاربة في واقع اليمين الأوروبي “الشعبوي” المتطرف وإمتداداته ...
- صعود القطب الروسي ونهاية النظام أحادي القطبية, وأثره في السل ...
- مشروع إنفصال كردستان العراق, بين مخاطر الأمن الوطني ورؤى الإ ...
- مؤسسة -ستراتفور- الأمريكية والتنبؤات غير الرصينة فيها, القدر ...
- صعود اليمين الأوروبي المتطرف, أسبابه وأهدافه, وأثر تداعياته ...
- عرض وتقديم لموسوعة أعلام الفكر والأدب في الكاظمية المقدسة


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - هيثم الحلي الحسيني - دراسة تاريخية مقارنة في خيارات اليوم الوطني للدولة العراقية, الحلقة الخامسة: المعطيات السياسية لإنهاء الانتداب البريطاني ورمزيته يوماً وطنياً في الواقع الحالي