أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - غزاة الدين والعلم والفضيلة















المزيد.....

غزاة الدين والعلم والفضيلة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6642 - 2020 / 8 / 10 - 18:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بالرغم من أني من أكثر الذين يكتبون في موضوع إنسانوية الدين وضرورته الوجودية في الحياة البشرية، حتى أتهمني من لا يرى في الدين تلك المنزلة الروحية التي أعرفها ويعرفها غيري عن قرب، أنني من دعاة ديننة الفكر وديننة الحياة وجعل الدين فوق القيم الفكرية والحاكم المتسلط على رقبة الإنسان، وأني لا أستطيع مغادرة دائرة الدين السوداء لأسباب عدة، والحقيقة أن بعض المتدينين أو حاملي الفكر الديني يرون أيضا أني صاحب مشروع إلحادي وأفكاري العلمانية التي أروج لها تدعو الناس للخروج من دين الله أفواجا، وبالتالي فأنا وفقا للقياسات المنطقية العقدية لديهم خارج عن الملة والدين ومستحق للجزاء المترتب على المنافقين والكفار.
شخصيا أنا أرى في نفسي غير هذا تماما، فالكتابة التنويرية بجانب البحث عن الوجه الأجمل والأكثر عقلانية من الدين يعيد الإنسان إلى دائرة الرشد، ويعيد التوازن الذاتي في الإنسان بين ماديات الوجود وحسياته المثيرة والمستفزة أحيانا مع الجانب الروحي النوري ليعيش الفرد مستوى من الأستقرار والسلام الداخلي الذي يمكنه من مسايرة حركة الحياة التي تتعقد وتتصعب يوما بعد يوم، وبالتالي إعادة هذا التوازن وأنتشاره قد يهدئ من الإفراط المتعاظم للمادية الجرداء في الحياة التي تسوقنا نحو المصير المجهول، هذا التوجه لا يعني أبدا جعل الدين سيفا على الرقاب ولا هي دعوة لتحكم الدين في جزئيات وتفصيلات الحياة الفردية والجمعية، وإنما فهمي وتقديري للدين كما كنت أكرر دائما ما هو إلا رافد معرفي وفكري وأخلاقي يصون إنسانية الإنسان من خلال جعل العلاقة بين الفرد الإنساني وخالقه علاقة أحادية شخصية ذات خصوصية خفية بينهما، فالله لا يطلب من الإنسان أن يتفاخر بأنه مؤمن به وهذا التفاخر سيجزى عليه من الله بأن يسلطه على الغير، ولا يرضى الله أن يكون الإيمان أكثر من رحمة بين الناس ليتعاونوا ويتعارفوا ويتحابوا بها.
هذا الفصل بين الدين وبين الرغبة الإنسانية في أعلان تفاصيل العلاقة والتفاخر بها هو لب العلمانية التي أؤمن بها وأدعو لها، لا يضر أن يكون المؤمن في أعلى درجات السلطة في النظم الأجتماعية على شرط أن يكون متفهما لدور الإيمان في صقل وتوجيه السلوك الإنساني نحو الأحسنية والأخيرية، كما لا يضر أن يكون الملحد في نفس المكان لكن عليه أن يكون إلحاده لنفسه لا يؤثر في موقفه الإنساني والأخلاقي مع أي فرد أخر مختلف قليلا أو كثيرا أو حتى ضد نوعي، المسئولية الأجتماعية أو السياسية أو حتى الفكرية ترتبط بهوية الإنسان مجردة من عناوين أخرى، بمعنى أن يكون المتدين إنسانيا أولا، وأن يكون الملحد أخلاقيا أولا ثم ينتسب للعقيدة والفكر والمعرفة والهوية التخصصية.
الطبيب المؤمن والمهندس المتدين والعالم الفلكي لا يمكنه أن يجعل من الدين مقدمة تعريفية له قبل الصفة الوظيفية، فلا يقول المؤمن الطبيب ولا يمكن أن يقول المتدين المهندس، وأيضا هذا الحال ينطبق على الكافر والملحد والمشرك، لكن في المقابل ممكن ومن خلال إيمانه وتدينه أن يخضع سلوكه المهني لمحددات الإيمان أو الكفر أو الألحاد ليثبت أنه يمثل الهوية التالية، فعندما يصدق الطبيب بشكل تام ويحذر الكذب مثلا جسد الإيمان في مهنته، وعندما يخلص المهندس المتدين في عمله لأنه يظن أن الله يراقبه في عمله ويجزيه سيكون ناجحا ومتقنا في المسئولية المهنية، وهكذا حتى مع الملحد والكافر لأنه يؤمن بأن الأخلاق أولى من الدين أو الواجب المنطقي الإنساني أجدر بالمراعاة فيراعي هذا الجانب لينجح.
أسوق هذه المقدمة أيضا لأفتتح طريقي في دراسة تابو جديد قد يظن البعض من المؤمنين والمتدينين أني أواصل عملية هدم العقيدة، في ذات الوقت يرى الملحد والكافر أني بهذا المشروع أمهد لتدعيم دعوات الإيمان والإصرار على أن الدين حقيقة وجودية لا يمكن ولا يجوز تجاوزها، وبالتالي فمشروعي مدان قبل أن يبدا من كلا الطرفين، مضمون المشروع هذا ليس له علاقة بالتأويل والتفسير والإعداد الفكري للمؤمن على المنهج الذي أتبعته سابقا في دعوتي التنويرية التي لا تنقطع ولا تتوقف، ولكن جوهرها هو البحث في طيات الفكر الديني عن الجوانب المميتة فيه، الجوانب التي غطيت بالظلام أو أطليت باللون الأسود حتى لا يراها المؤمن والكافر، تلك الجوانب التي لو أدركنا جزئها المغطى قد تتغير الكثير مما يعد حقائق وقناعات تسليميه عرفناها في الدين والحقيقة أن الدين لم يتناولها بالصورة التي نعرفها اليوم، بل صيغت وركبت وأقحمت في أوقات متفاوتة لتترسخ في العقل الديني كحقائق لا يمكن نكرانها لأنها من النصوص.
مثال واحد أقدمه في البداية لأنطلق منه لاحقا للبحث عن الدين المميت من داخل بنائه التاريخي لا من مبانيه وقصدياته، فكلنا مثلا يعلم بشكل يقيني قصة أصحاب الفيل التي وردت في سور بنفي الاسم والعنوان بسم الله الرحمن الرحيم (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل* ألم يجعل كيدهم في تضليل* وأرسل عليهم طيرا أبابيل* ترميهم بحجارة من سجيل* فجعلهم كعصف مأكول)، وأطبق المسلمون في كل مذاهبهم وتوجهاتهم في شرح دلالات هذه السورة وربطها تأريخيا بقضية إبره الحبشي وقراره في هدم مكة، مصدرهم الوحيد في هذا الربط هو ما ورد في أشعار الجاهلية المنقولة شفاها على الغالب الأعم والتي دونت لاحقا في عصر التدوين في المئة الثانية من الهجرة.
السؤال ما هو الدليل القرآني الذي يربط بين الفيل ومكة وأبرهة غير ما ورد في الروايات التأريخية وما تم تداوله من روايات أسند فيها الحدث بهذه الصورة، السؤال الأخر هل من دليل في القرآن يؤكد نفي القضية بهذا الشكل، أو نفي علاقة الأحباش وفيلهم بهدم مكة والسعي في خرابها مع العلم أن الأحباش كانوا من أهل الكتاب ومن المؤمنين كما يفهم لاحقا أن مكة هي مكان إسماعيل بن إبراهيم جد العبرانيين وأبوهم الأول، وأيضا ما يعزز هذا القول أن أول جهة وقفت مع المسلمين أيام دعوتهم الأولى كما يروي التاريخ هو النجاشي زعيم الأحباش وسليل أبرهة؟ كيف نوفق بين الروايات التـأريخية في إثبات واقعة ونفيها في آن واحد.
قد يقول قائل وما نفعنا اليوم إن كان أصحاب الفيل هم الأحباش أم غيرهم، وسواء أكان الهدف هدم مكة أو غيرها، بل ما هي القيمة المعرفية لهكذا حدث مر عليه خمسة عشر قرنا من الزمان، قد يكون الأعتراض محقا لو كان واحدا منفصلا في سلسلة منتظمة من الحقائق، ولكن ما يستوجب علينا دراسة هذا التأريخ ومحاولة الكشف عن المناطق المظلمة أو المصبوغة باللون الأسود، هو فهم وتصحيح الكثير من الأفكار والمفاهيم التي قتلنا كإنسان وكمجتمع، وزرعت في عقونا غابات من الأوهام التي كلما حاولنا التوفيق بين شخوصها أصابنا الإعياء والقرف مما جرى ومما سيجري، وكيف يقبل الدين أن يفعل (نبي) بأبنه البكر وزوجته الوحيدة بلا معيل ولا مدافع أن يتركهم في الصحراء مطرودين ليقوم بأمر الله ويصعد للمذبح ليذبح أبنه الأخر لأنه سمع كلام الرب، هل كان هذا تصرفا إيمانيا عقلانيا حتى وإن كان بمقام الطاعة.
الكثير من المواضيع التي وقفنا أمامها دون أن نجد تبرير مقنع واحد على عقلانية الإنسان في الصورة التي يطرحها الدين، في العنف والجريمة المنظمة والأنتقام العشوائي والعذاب والقهر الذي ورد في تفاصيل كثيرة وكأن الدين هو الأنتقام من الإنسان لأنه أطاع في لحظة ضعف عدو الله إبليس، الدين يقول أن الإنسان كان أمة واحدة قد تكون على جانب الكفر في الدين أو عدم معرفته أو أي صورة، المهم كان أمة واحدة بمعنى أن لا خلاف ولا تنازع بينهم لأنهم كانوا على منهج واحد، ما أفسد هذه الوحدة هو تدخل الله في حياتهم بإرسال الرسل والأنبياء (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ..... فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)البقرة213، العقل يقول أن من جعل الأختلاف هو القانون بدل الوحدة هو المسئول عن النتائج النهائية للإختلاف.
أظن الآن أصبح واضحا لمن يقرأ هذا المشروع أن وراء الجدران ما ورائها، وما وراء الحقيقة ما ورائها، لست في هذا المشروع صاحب نكوص عن تاريخي ودعوتي التنويرية، ولكن لكي تكون الدعوة التنويرية كاملة أن يعرف الإنسان كل شيء عما يؤمن به، لا يهمني مثلا أن يكون الأنبياء والرسل هم من أختارهم الله ليكونوا لنا قادة، وأنهم على درجات عالية من الطهر والإيمان، المهم عندي أن تعاليمهم في الجانب الجميل منها تعاليم إنسانية راقية تعبر عن عقلية عبقرية بأمتياز، فأحترامي إن لم يكن أساسه الدين فلا بد أن يكون من جانب الإعجاب بإنسانيتهم مما يمنعني وغيري من الإساءة لهم أو المس بهم، هذا أمر جميل أنهم أصلحوا جزء مهم من عالمنا المليء بالصراعات دون أن يأخذوا على ذلك ثمن أو مقابل، لم يتملكونا ولم يستعبدونا بل من ملك رقابنا وأستعبدنا أولئك الغزاة الذين غزوا الدين من خارجه، أولئك اللصوص الذين تعودوا على السرقة وأستغلال الأخر.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب والعراق مصير مشكوك فيه وأداء متناقض
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح20
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح19
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح18
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح16
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح17
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح15
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح14
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح13
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح12
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح10
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح11
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح8
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح9
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح7
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح6
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح5
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح3
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح4
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح1


المزيد.....




- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - غزاة الدين والعلم والفضيلة