أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحسين بوخرطة - عبد الرحمان اليوسفي رجل تاريخ وفلسفة وفقه خبر الواقع ومتطلباته















المزيد.....

عبد الرحمان اليوسفي رجل تاريخ وفلسفة وفقه خبر الواقع ومتطلباته


الحسين بوخرطة

الحوار المتمدن-العدد: 6638 - 2020 / 8 / 6 - 20:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الكتابة على شخص عبد الرحمان اليوسفي ما هي في العمق إلا دعوة إلى إعادة الاعتبار للعمل السياسي في بلادنا بنفس ومنطق الاستمرارية. إنه ثروة تاريخية وفلسفية وفقهية، بخبرة ميدانية هائلة، تحتاج اليوم إلى البحث العميق من أجل استنباط الدروس المفيدة للمستقبل. تميز هذا الرجل، المعبر بجلاء تام عن صفات الزعامة في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، جعلني أتتبع عن كتب برامجه وخطاباته ومخططاته التفعيلية بالعناية المطلوبة، وكذا مواقف حزبه الوطنية والرصينة ومذكراته السياسية خصوصا في زمن التحولات والتطورات المقلقة التي عرفتها البلاد ما بعد 2002.
لقد تأكد لي في نهاية المطاف أن أي متتبع لسي عبد الرحمان اليوسفي في تدبيره السياسي والحزبي والحكومي لا يمكن أن يكون إلا أمام خلاصة واضحة ترسخ في الأذهان أن هذا الرجل كان يمشي بثبات وبشكل محكم على قدمين، مسلحا بدروس التاريخ ومنطق تحولاته، وباستنتاجات الفلاسفة والمفكرين القدامى والمعاصرين على المستويين الغربي والعربي الإسلامي. إن تاريخه الشخصي الإنساني مكنه من التعبير بسلاسة ولباقة محترمة عن منتهى الخبرة بمعطيات الواقع، وعن وعي عميق بمنطق الفاعلين. إنها مزايا رجل استثنائي في محطة تاريخية استثنائية بالنسبة للبلد، المحطة التي أبانت عن كفاءة عالية في تعاطيه مع الأوضاع والمستجدات، وجعلته ملما بأدق تفاصيل متطلبات التدبير الرسمي للشأن العام. إنه التدبير الذي مارسه بوعي تام في نسق تطوري واضح المعالم، وحقق من خلاله، منذ السنوات الأولى من عمر حكومته، نوع من المصالحة بين الفلسفة والتاريخ والميتافيزيقا. إن حصيلة حكومته ارتقت من الناحية الثقافية إلى مستوى تثبيت نوع من الربط الوثيق والصحيح بين الحياة المادية للمغاربة بمعارفها وقوانينها الوضعية، و "شعار الأبدية"، راسما أفقا واضحا لمرحلة ما بعد استحقاقات 2002. إنه الأفق الذي كان يطمح من خلاله عبد الرحمان اليوسفي إلى تحويل هذا الشعار إلى مرافق أخلاقي للعمل والتفكير العقلانيين والجادين في المجتمع بدلا من عرقلتهما وخنقهما.
إن العودة إلى التاريخ الشخصي لهذا المقاوم، بأحداثه ومنهجيته وتراكماته الفكرية والفلسفية والفقهية وخبرته الميدانية، لا يمكن تصنيفها إلا في خانة المساعي الوطنية الصادقة لتوضيح الرؤية الإستراتيجية لبناء مغرب ديمقراطي، حداثي ومزدهر. إن قوة شخصيته وصمودها المبدئي، التي أضفت الشرعية والانسجام على حياته السياسية والأسرية، حولت اليوم عطاءاته إلى فضاء للبحث العلمي الحامل لمقومات استشراف المستقبل. إن مصداقيته الدائمة، التي لم يسمح يوما إخضاعها للمساومة، تعبر اليوم عن وعيه التام بمبدأ صعوبة الانفلات من التاريخ، حتى ولو أبدع المرء ما يكفي من الذرائع والقرارات والإجراءات لإضفاء نوع من النسبية على الأحداث والممارسات غير المبررة عقليا.
لقد كان اليوسفي متشبثا بالمصداقية الإنسانية، ساعيا إلى ترسيخها في قرارات وآراء واختيارات الأفراد والجماعات. لم يفرط يوما في مخاطبة عقله وجوديا وعقائديا موضحا، بمنهجية مقنعة، أنه لا يرى في مستلزمات الحياة إلا الصفاء والطهر. لم يرض عبد الرحمان اليوسفي لنفسه انتقاء السبيل السهل للوصول إلى المصالح الذاتية والحزبية. لم يسخر المنابر المتاحة الكثيرة، التي وفرها له منصبه كرجل ثاني في هرم السلطة ببلادنا، في تمجيد الواجبات والسلوكات العقائدية المبتدعة تحت ذريعة كونها سنن مؤكدة ومعاملات مفروضة من أعلى، بل رسم لحكومته سبيل تحسين ظروف عيش المغاربة، متشبثا من أجل ترسيخ العقلانية في التفاعلات المجتمعية، بإخضاع كل المواضيع المرتبطة بالإسلام، العزيز على قلبه، للنقاش والإقناع والاقتناع، معتبرا إياه علم كلام وشريعة لصيانة الذات الفردية والجماعية.
لقد كان مسلما بإيمان صرف خاضع لمنطق البحث عن الحقائق النسبية، مسلم طموح بتحويل الخصوصية الثقافية المغربية إلى محفز لإثارة الإعجاب بالمعتقد المغربي كونيا، وبالتالي تحويل ذلك إلى جاذبية ثقافية مؤثرة إيجابيا على نظرة الغرب اتجاه الدين الإسلامي. وسيرا على هذا المنطق، توفق عبد الرحمان اليوسفي، بالرغم من قصر مدة توليه مهام رئاسة الجهاز التنفيذي، من ضمان ارتقاء الحصيلة الثقافية لحكومته إلى مستوى تبليغ رسالة فكرية للعالم معبرة بجلاء أن الإسلام لم يكن يوما مرادفا للطاعة العمياء، ولا دينا ناكرا للفرد، ومغتالا للحرية والإرادة، أو داعيا للعنف والإبادة.
ما قام به عبد الرحمان اليوسفي في النضال لعقود، وما حققه وهو رئيس لحكومة التناوب التوافقي، لا يمكن فصلهما عن الانشغال الدائم لحزبه. فإيمانا بالآفاق الكونية اللامتناهية بالنسبة للإنسان، ما قام به هذا الرجل كان مؤسسا لمحطة جديدة في التاريخ السياسي المغربي، محطة بدأ المغاربة من خلالها يفكرون في طبيعة الخطابات التقليدية الخاطئة وفي الآليات لتكسيرها وهدمها. لقد نجح سي عبد الرحمان في لفت أنظار المغاربة إلى ضرورة التمعن في الأحكام والخطابات كأعراض لمصالح مبطنة مخفية، ومن ثمة تنمية ثقافة التركيز والتمعن للكشف عن المسكوت عنه، والإيمان بأن أي تأويل أو شرح أو تعقيب أو تعليل أو تفسير لا ينتج عنه إلا حقائق نسبية جديدة تخضع بدورها للتمحيص العقلي المولد لقيم أكثر سموا عن سابقتها. إن عمق قيم وجود حزبه يبقى دائما مرتبطا بهدف تكوين بنية قوية تتحول من خلالها المثالية/الحقيقة إلى نسق حضاري لخلق السلام والتسامح والازدهار. إن حزب الوردة، وهو يتشبث بشكل دائم بتحسين مستوى عيش المغاربة، سيناضل بكل قوة ضد رواد التغرير الواهي الذين يمجدون المثالية الفجة قاصدين إخفاء هدفهم المبطن الرامي إلى إبعاد الأفراد والجماعات عن أي انشغال ببناء مشروع دنيوي مزدهر. عقيدة الاتحاد، المستمدة من تاريخه وحضارة شعبه المغاربية الإسلامية، هو تنمية إرادة القوة لدى المواطن المغربي، إرادة مؤمنة بضرورة التقوية الإيجابية لشدة وكثافة أفعاله وخطاباته وممارساته في حياته اليومية، وبالتالي تحويل الأحداث الحقيقية ونسيج القوى المرتبطة بها إلى جهود متفاعلة ديمقراطيا وجهود نشيطة تضمنان تصالح الفن والعلم لخلق السعادة الدنيوية للمغاربة جميعا مصداقا لقول النبي محمد (ص) : "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".



#الحسين_بوخرطة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب عبد الرحمان اليوسفي من الإيمان بالإنسانية
- اليوسفي يغادر والانتقال المؤسساتي في مفترق الطرق
- العنصرية وسؤال الانقلاب عن تقدمية التاريخ الغربي
- مصداقية قاعدة معطيات الفقر والهشاشة
- الزعيم اليوسفي قائد الثورة المؤسساتية الهادئة بالمغرب
- اليوسفي، التنمية القروية، الأوراش الكبرى ومواجهة التهميش الا ...
- مات اليوسفي وعاش تاريخ سياسة وفكر
- الانفجار التنموي المستحق بالإتحاد
- المغرب، التقليدانية والمؤسسات الديمقراطية في الحكم
- حقوق الطفل ما بين الأسرة والدولة
- تأويل مغاير لتوطيد سلطة الدولة المرابطية
- مستقبل الوطنية والإصلاح والهوية اللغوية ؟
- الخصوصية الفكرية والثقافية المغربية ومشروع قانون 22-20
- رهان تفوق ثقافة -النحن- المجتمعية ما بعد الكورونا
- المقومات الجديدة للمشروع التحديثي المغربي
- أي روابط للثقافة بالتنمية زمن ما بعد الكورونا
- الجابري، جعيط، العروي وأركون ومشروع تحديث التراث


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحسين بوخرطة - عبد الرحمان اليوسفي رجل تاريخ وفلسفة وفقه خبر الواقع ومتطلباته