أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر رسول - رد على الرفيق عبدالحسين سلمان حول نقد اطروحات الاتجاه الماركسي المعاصر















المزيد.....


رد على الرفيق عبدالحسين سلمان حول نقد اطروحات الاتجاه الماركسي المعاصر


عامر رسول

الحوار المتمدن-العدد: 6609 - 2020 / 7 / 3 - 20:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عند أستكمال شرح اطروحاتنا السياسية في اواخر شهر ايار المنصرم لهذا العام 2020، قمنا بنشرها على الصعيد الأعلامي، ومن ضمنه ( محور الحوارات في موقع الحوار المتمدن الموقر،) ومن هنا، لا يسعنا الا أن نقدم جزيل الشكر والتقدير الى الرفاق والرفيقات العاملين في الحوار المتمدن على اتاحتهم الفرصة لنا بطرح آراؤنا وتصوراتنا الفكرية والسياسية فيما يتعلق بـ "اتجاه الماركسي المعاصر" الذي اعلن عن نفسه في 20.نيسان.2020" نقد التاريخ، لبناء تاريخ جديد خطوة نحو بناء حزب ماركسي." وفي ضمن المناقشات والتعليقات، دخلنا في حوار مع المشاركين الاعزاء، ومن ضمن المشاركين كان الرفيق عبدالحسين سلمان، حيث اثار من خلال تعليقاته ومشاركته الفعالة الكثير من المواضيع السياسية المختلفة، ونحن بدورنا قمنا بألأجابه على كل التساؤلات والتعليقات التي طرحها علينا. وبعد انتهاء فترة الحوار، كتب الرفيق عبدالحسين مقال بشكل منفصل تحت عنوان "نقد أطروحات الاتجاه الماركسي المعاصر". حيث تطرق في مقاله الى مجموعة من المسائل والنقاط الرئيسية التي وردت في اطروحاتنا الاثنتي عشرة نقطة، من اهمها الثورة ومفهوم ماركس للثورة، الطبقة العاملة، الحزب، فكر ومنهج ماركس، واخيرا نمط الاقتصاد العراقي، وانا هنا احاول بدوري ان اتوقف عند بعض المسائل المهمة، بغية الوصول الى ايضاح بعض النقاط المذكورة. اكدنا في حواراتنا السابقة على ان الاتجاه الماركسي المعاصر بابه مفتوح على مصراعيه ونعتقد ان الجدل هو شكل من اشكال نمط التعبير عن افكارنا، شرطا ان تؤدي تلك الحوارات والجدالات الى تقوية راية ماركس بوجه النظام البرجوازي، ويتجه مسارها وثقلها لتقوية قوة الطبقة العاملة البروليتاريه في صراعها الطبقي مع النظام الرأسمالي بغض النظر عن الاختلافات في التحليل ووجهات النظر. ونرحب بكل المبادرات الهادفة التي تسير بهذا الاتجاه.

مقدمة قصيرة عن الاطروحات
الاطروحات المقدمة، هي الوثقية الاولى لمنظمة الاتجاه المعاصر، تمثل الخطوط الفكرية والسياسية العامة للمنظمة، النقاط المطروحة ليست بجديدة في معظمها، بقدر ما هو مسعى لإعادة بناء مفاهيم ماركس في ضوء تطور التاريخ ومستجداته في ظل هذه الاوضاع العصيبة التي يمر بها العالم والبشرية، مفاهيمه في رسم الملامح النقدية في الاقتصاد الرأسمالي والمنظومة الرأسمالية وتعقب نشأتها، حركتها والتطورات التي طرأت على هذا النظام،حيث أمضى ماركس جلّ حياته في الدراسة والبحث والتحليل لمعرفة الالية وتركيبة عمل هذا النظام. وبالتالي التفكير بتغييرها. واذا كانت الاطروحات فيها ملاحظات او افكار جديدة وفق ما يراه القارئ، فهذا سببه هو محاولاتنا في التعقب المباشر لمواضيع وقضايا تصب في مصالح الطبقة العاملة الغائبة في هذه المرحلة.
في البداية، نحن لا ننظر الى ماركس نظرة لاهوتية ولا ننظر اليه بشكل احادي الجانب بتعريفه كفيلسوف او اكاديمي او كمحلل اقتصادي..... الخ ونجرده من طابع الثورة والصراع الطبقي، وهذا ما قامت به البرجوازية عن قصد وبشكل مدروس طيلة عقود من الزمن بوصفه فيلسوف و محلل اقتصادي كبير، تدرس كتاباته في الجامعات وتستخدم نتاجاته الفكرية كمراجع تاريخية مجردة او لاهداف اكاديمية، واصبحت هذه الظاهرة مألوفة في العالم الرأسمالي وعلى وجه الخصوص العالم الغربي. وحتى بيع وانتشار كتب رأس المال في ايران مثلا، يأتي من منطلق هذه النظرة المختزلة بوصف المحلل الاقتصادي.
الماركسيه بالنسبة لنا هي نظرية علمية في دراسة المجتمع، الاقتصاد و السياسة والمنهج، تزودنا بأدوات ووسائل تحليل الواقع الاجتماعي والصراع الطبقي وترسم في اخر المطاف آفاق التغيير الثوري، هي سلاح نظري بيد الطبقة العاملة والمضطهدين، ودليل ومرشد عمل يدعو الى النضال الثوري ضد النظام الرأسمالي ومن أجل اقامة النظام الاشتراكي الهدف المنشود الذي كان ماركس يتعقبه وكان شاغله الاوحد هو تحقيق ما توصل اليه من خلال متابعة دقيقة لحركة العمالية و مصالح الطبقة العاملة في عصره، حيث استنتج افكاره وتصوره من خلال الشروط المادية التي تحدد الوعي، اي من خلال الحركة العمالية الواقعية التي تناضل بصورة مستمرة ضد الرأسمال و سلطاته. ومن ثم حاول وبشكل دقيق ان يرسم نظريته و افكاره الى واقع مادي عبر الحركة ذاتها، وبهذا المنطق و المنهج تحولت اطروحات وافكار ماركس الى راية مستقلة وتيار متجذر داخل صفوف الطبقة العاملة، هذا ما رايناه بشكل واضح في مراحل نشاطاته الاخيرة التي تميزت بنضوج اعمالها والتي تمخضت بتأسيس منظمة أممية للبروليتاريا. ومن هذا المنطلق، ترجع البنية الاساسية لصياغة تصوراتنا الى ماركس نفسه، هذا المنهج والدليل يستوجب من الماركسيين والشيوعيين إعادة بنائها، لا يرشدنا ماركس على ما يتوجب أن يكون عليه إطار تفكيرنا فقط، بل أكثر من ذلك على السير لواقعنا ونشاطنا اليومي بشكل فعلي. الرأسمالية اليوم كمنظومة عالمية، اكتسبت قوة غير مسبوقة ولا نظير لها، وهذا ما يجعل طريق النضال امام شيوعية ماركس في غاية من الصعوبة التي يتوجب عليها بالضرورة من أن تهيئ العدة في هذا الميدان .وبناء جبهة قوية بامكانها النيل من الرأسمالية كنظام والظفر بالسلطة السياسية في موقع جغرافي معين، اذا ما توفرت الاسباب الموضوعية وتوفير المناخ السياسي الملائم للطبقة العاملة.

الثورة ومفهوم ماركس للثورة
تعددت المفاهيم والتعريفات حول مصطلح "الثورة" بصفتها ظاهرة اجتماعية- سياسة في التاريخ البشري، ولكن مفهوم الثورة عند ماركس يختلف كليا عن مفهوم تلك الثورات التي حدثت او اطلق عليها اسم (الثورة) التي دارت في ارجاء المعمورة، وغير قابل للمقارنة من الاساس، ولهذا اصبح من الضروري والحاجة الملحة في اعادة المراجعة والتعريف الثورة وفق منهج ماركس، لوضع خطوط فاصلة مع بقية النماذج الاخرى. ومن تلك النماذج التي اطلقت عليها الثورات كثيرة منها، ثورات امريكا اللاتينية، ثورات آسيا وأفريقيا ، ثورات الربيع العربي ... الخ. الى ان تصل ثورات بما يسمى بثورات التحرر الوطني في البلدان المستعمرة ومن ضمنها العراق، حيث تحولت الانقلابات العسكرية الدموية المتتالية حتى وصول النظام البعثي البائد الى الحكم إلى الثورات المجيدة او الخالدة، فرض الاسلام السياسي نفسها في ايران بالدم والحديد على انها ثورة جماهير ايران الحقة........ الخ. مفهوم الثورة المقدمة في اطروحاتنا، هي ثورة براية ماركس بكل بساطة ووضوح. على الرغم من تعقيدات وغموض هذا المفهوم في صفوف اوساط اليسار عموما ولاسيما في العالم العربي، ويعززون حججهم بافكار واهيه في عقلية اليسار الهلامي، التي تتمثل ادعائهم بفناء واضمحلال الطبقة العاملة، او ان العامل غير قادر على التغيير الجذري ... ليس هذا فحسب، وانما حولوا مهام الطبقة العاملة الى شرائح اجتماعية اخرى كمنظمات نسوية، الشباب، حركات اجتماعية اخرى عبر منظمات المجتمع المدني وغيرها من النظرات السياسية الضيقة التي لا تمت بصلة الى مكانة وموقع الطبقة العاملة، والكثير من الهرطقات الاخرى التي تقف عائقا امام تطور النضال الشيوعي، وان عموم هذه التصورات العامة احتلت مساحة كيبرة في فضاء الاحزاب اليسارية او الشيوعية، وهي لاتمت باي شكل من الاشكال بمفهوم الثورة والصراع الطبقي وهي نظرة نابعة اساسا من الايديولوجية القومية العربية اكثر ما هو قريب من مفهوم ماركس الى ان تصل الى نظرات ومفاهيم الاحزاب الشيوعية وتفسيراتهم وادعائاتهم بان ظروف الثورة والوعي الطبقي لم تصل الى النضوج الثوري ويأجلون ملف الثورة وتنظيم الطبقة العاملة الى اشعار مجهول لا يعرف احد متى تنضج ومتى تبدأ الثورة وتنزل عليهم من السماء. وفي نفس الوقت يمارسون في الواقع العملي اجندة الاحزاب الحركة القومية، لديهم حضور هزيل في البرلمان البرجوازي، يتحالفون مع الاحزاب الاكثر رجعية في المجتمع، وهم يدعون الدفاع عن الطبقات المسحوقة في المجتمع كهوية سياسية خادعة بدون محتوى طبقي حقيقي على ارض الواقع. على الماركسي الحقيقي التوقف في هذه المرحلة ونقده بشكل جذري، وتجاوز هذه المرحلة العقيمة التي امتدتت عقود من الزمن من دون اية نتائج ملموسة تذكر لصالح تعزيز وتقوية الطبقة العاملة وتعبئتهم لثورتهم العمالية. كل تلك المظاهر والممارسات السياسية لها اسم وتعريف في القاموس السياسي التي ذكرناها والتي تصب في المحصلة الاخيرة في جيب ومصلحة البرجوازية.
أن مفهوم الثورة عند ماركس يندرج بشكل مبسط ضمن نقد الاقتصاد ولنمط علاقات الإنتاج الرأسمالي، حيث كتب ماركس في مقدمة مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي على هذا النحو(في سياق تطور القوى الإنتاجية تأتي مرحلة تنشأ فيها قوة إنتاجية و وسائل تداول لا يمكن إلا ان تكون ضارة في إطار العلاقات القائمة، فهي ليست بعد الآن قوى منتجة، بل قوى هدامة)[2] وهذا يعني ان اسباب نشوء الثورة عند ماركس ترجع بدرجة الاساس الى البنية التحتية ونمط الاقتصادي القائم في المجتمع. والعلاقة بين قوى الانتاج و العلاقات الاجتماعية الانتاجية. ومن هنا بالاساس تنبثق الثورة الاجتماعية البروليتارية كنتيجة للتناقضات بين علاقات الانتاج المطروحة امامنا، اي علاقات انتاج رأسمالية، و القوى المنتجة التي تطورت و اتسعت و اصبحت معولمة في احشائها. وان التناقض تلك العلاقات تصل الى التأزم، عندئذ يدخل المجتمع في مرحلة ثورة. اوضحنا في اطروحاتنا ايضا بايجاز من توضيح رسم اللوحة العالمية التي تقف عليها البشرية بين جبهتين كبيرتين: شركات ومؤسسات اقتصادية ومالية عملاقة تمثلها طبقة برجوازية عالمية، و طبقة عاملة عالمية بكل انقساماتها وضعفها وواقعها الموجود، ومن هنا على الماركسيين من معرفة موطئ قدمهم في اي من تلك الجبهتين!؟ وكيفية تسخير طاقاتهم القصوى في سبيل انجاز مهام الثورة. ولا اريد ان اخفي عليكم، باننا كنا اكثر من ثلاث عقود نمثل هذا التيار السياسي التأملي الذي كان يبحث عن الماء في الجبل من دون النزول الى الارض التي كان يغمرها الماء .
والثورة التي تعرفنا عليها طوال العقود الماضية كانت متعدده الاسماء والمعاني، ولكن الثورة العمالية بمفهوم ماركس كانت هي كومونة باريس1871، حيث رُفعت اول راية للثورة العمالية واعلان أول دولة عمالية في التاريخ على مبنى بلدية باريس، في غضون 72 يوما فقط، اظهروا الكوموناريون للعالم وفي قلب اوروبا، كيف تكون عليها (الدوله ) العمالية والتشريع بمهام الثورة بشكل عملي في تلك الفترة القصيرة. وثاني ثورة، هي ثورة اكتوبر1917. كيف تمكن الطبقة العاملة في روسيا من الظفر بالسلطة السياسية وكنس السلطة القديمة من خلال تأسيس الممثليات او المجالس العمالية. ان تلك الثورتين تعتبران مدرسة وخبرة نضالية تراكمية نستقي منها الدروس والعبر ونقوي انفسنا للثورة القادمة. فلا أظن أمامنا خيار آخر اذا كنا بصدد انجاز مهمة الثورة. ووفق هذا الاساس. تناولنا مفهوم الثورة بشكل واضح في اطروحتنا الاولى ووضحنا كيف ستحصل الثورة العمالية كما يلي " نحن كتيار ماركسي نهدف الى تقوية هذا المسار-"تحرر العمال يجب ان يكون من صنع العمال أنفسهم"- عبر بوابة تنظيم الطبقة العاملة، عبر عملية رفع استعدادات التنظيمية والفكرية و السياسية لطبقة العاملة، و هنا يتجسد موقع و دور الماركسيين بالتحديد في هذه المرحلة. دورنا يتلخص في تقديم إجابات فكرية و سياسية و تنظيمية و دعائية واضحة المعالم وفق ما يتطلبه النضال العمالي، أينما كنا و اينما نعمل و في اي بلد نتواجد، على رغم ان منطقة حضورنا و تواجدنا هو العراق. دورنا يتخلص في تهيئة مناخ اجتماعي مناسب لإعادة راية ماركس الى الطبقة العاملة و حركتها المناضلة. دورنا يتلخص في تنظيم الطبقة العاملة عبر جزئها الطليعي، و رفع استعداداتهم الفكرية و السياسية عبر اجابات فكرية و سياسية ماركسية للعوائق التي وضعت امامهم في هذه المرحلة، للعوائق التي حالت دون تنظيم أنفسهم سواء كان تنظيما جماهيريا او تنظيما حزبيا. إجابات ماركسية حول قضايا معاصرة، بوجه كبار مفكري الطبقة البرجوازية على صعيدين المحلي و العالمي. من هنا و في سبيل الوصول الى هذا الهدف، يكون النقد الصارم و الواضح هو وسليتنا على رغم معرفتنا الدقيقة "ان العالم لا يتغير بالنقد بل بالثورة". هذه المسالة اي النضال النظري بوجه مفكري صف الاول من الطبقة البرجوازية، مسألة جدية بالنسبة لنا وتفصلنا عن باقي التيارات الغير عمالية. حيث إن هذه المهمة ليس أمر او وظيفة الشيوعية البرجوازية بمختلف مشاربها، بل هي تقف ضدها. اما اليسار او الشيوعية الغير عمالية بصورة عامة وحسب قراءتنا لحد الان لم نرى منها، هذا النوع من النضال شيئاً. الشيوعية العمالية التي كنا نناضل في اطارها، و منذ نشوئها في ثمانيات القرن الماضي على يد منصور حكمت، لم نرى منه، و من هذا التيار "الذي كان تيارنا"، هذا النوع من النضال النظري بوجه مفكري البرجوازية ذائعي الصيت. لكن نرى مئات المقالات و الحوارات حول اليسار و النقد ضد اليسار و المنظمات اليسارية، التي ليس لها مكانة مؤثرة في الصراع الطبقي"..

الطبقة العاملة العراقية وموقع عمال النفط في التحويل الثوري
تناول المؤرخون والباحثون قبل الشيوعيين في العراق تاريخ الطبقة العاملة، وهناك وثائق وابحاث وكتب عديدة تناول تاريخ النشأة والميلاد لهذه الطبقة، وان ضرورة تدوين ذلك التأريخ لم تأتي من العشق وحب المؤرخين لتدوين هذا التاريخ بقدر ما كان وجود الطبقة العاملة، حركتها، احتجاجتها، استعراضها الطبقي، كان امر واقع للمجتمع العراقي في تلك الفترة الحساسة من تأريخها، وهي كانت بمثابة مرحلة العبور من الاقطاعية الى المرحلة الصناعية. ان ولادة ونشوء الطبقة العاملة العراقية الفتية جاءت متأخرة مقارنة مع البلدان التي كانت خاضعة للهيمنة الاستعمارية، ترجع تكوين نشأتها البدائية الى حقبة الاستعمار البريطاني، حيث عملت قوى الرأسمال العالمي المتمثلة ببريطانيا وبسبب حاجتها الملحة إلى انشاء مشاريع جديدة لضمان تأمين مستلزمات وجودها، فبدأت منذ دخولها الى العراق 1914 بربط ولايات مستعمرتها الجديدة بعضها ببعض من خلال تأسيس شبكة سكك الحديد ، وامتدت خطوطها من البصرة إلى الموصل. ومن هنا، كانت اولى بدايات ظهور العمال في قطاع النقل والمواصلات. ومن ثم بدأت الشركات الاحتكارية بإعمال التنقيب والبحث واستخراج النفط. مما جعل هذين القطاعين .. السكك الحديد واستخراج واستثمار النفط العامل الأول في تكوين البواكير الاولية للطبقة العاملة في العراق.
وان مراجعة سريعة لنمط الاقتصادي في العراق مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة، منذ بدايات القرن الماضي، هو نمط كان يتجه نحو اقتصاد رأسمالي، ، حيث كان العراق مرتبط ارتباط وثيق بالرأسمالية العالمية من خلال بريطانيا التي كانت تمثل المركز الصناعي والتجاري الاول في العالم. وانعكست سياساتها بشكل جذري على العالم قاطبة في مختلف الجوانب السياسية، الاقتصادية والاجتماعية. ومن ضمنها العراق. وكان معالم هذا التأثير واضحا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما اوكل البنك الدولي للانشاء والتعمير بتأسيس مجلس للاعمار وذلك في بداية الخمسينيات مقابل تقديمه قروض مغرية لتلبية سوق الاستثمار والتعجيل بحركة الرأسمال . حيث تمكن مجلس الاعمار من انجاز الكثير من المشاريع التنموية والخدمية والعمرانية و بنى تحتية كبرى من ضمنها(مشروع الثرثار وسدة الرمادي، بناء شبكة من الطرق البرية والجسور في معظم المحافظات الكبيرة، وسلسلة الطرق الدولية السريعة بين الدول المجاورة، بناء مشروعي سد دوكان ودربندخان و بناء معامل ومصانع للاسمنت والسكر والاسمدة الكيمياوية والكبريت والنفط والغاز وانشاء المطارات والموانئ وسكك الحديد، ومحطات للطاقة الكهربائية، مباني الوزارات ومبنى جامعة بغداد ....الخ). وعبر هذه التحولات الكبيرة التي حدثت في تأريخ العراقي المعاصر ومن ضمنها تلك الاصلاحات، استثمر البرجوازي العراقي الصاعد والمستثمر الأجنبي معًا استفادة كبيرة من النمو الصناعي السريع ، وبمحاذاتها ازدادت ونمت الطبقة العاملة الى اعداد كبيرة وتطور وعيها السياسي وبدأت بالخوض في نضالاتها الاقتصادية والسياسية منذ نشؤها. وهذا ماكتبه ماركس وانجلز في البيان الشيوعي" وبقدر ما تنمو البرجوازية أي رأس المال، تنمو أيضا البروليتاريا، أي طبقة العمال العصريين..... ". [1]
وتميزت حركتها الاحتجاجية بالقوة التنظيمة وحضورها المستمر في مجمل الاعتراضات و التظاهرات العمالية بوجه السياسات الغير الانسانية التي كانت تمارس ضدها من الحرمان وانعدام الحقوق عبر تاريخها المشرف، وسجلت التاريخ سلسلة من البطولات النضالية على الرغم من حداثة تكوينها، وقد تجلت هذه النضالات في إضرابات تاريخية مهمة كإضراب عمال النفط في كركوك(كاورباغي) والبصرة والكهرباء والسكك الحديدية والمطابع والنسيج...... وغيرها. واصبحت الطبقة العاملة العراقية طبقة واضحة المعالم ولدت كما ذكرنا، بموازات تشكيل الطبقة البرجوازية الصاعدة كطبقة سائدة في السلطة عبر سلسلة من التحولات والتطورات في وسائل الانتاج والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية. الوضع الراهن لعمال العراق، وخصوصا بعد عام 2003 وسقوط النظام الدكتاتوري والاحتلال الامريكي للعراق وزف حثالة البرجوازية المحلية بميعاد دخول البلد الى الديمقراطية بمشاركة المنظومة العالمية الجديدة المعتمد على النموذج النيوليبرالي المبني على اطلاق ايدي الراسمالية العالمية في التعامل الاقتصادي بشكل مطلق من خلال مبدأ السوق الحر وإلغاء القيود وعدم تدخل الحكومة في الاقتصاد. وهذا يؤشر من خلال التجربة الواقعية الى ان نمط الاقتصاد الليبرالي الجديد يدار عالميا وليس محليا... هنا لابد من الاشارة الى حتى لو فرضنا كفرضية ان الطبقة العاملة غير موجودة ولكن بعد 2003 هناك طبقة برجوازية عالمية عملاقة تشكلت بفعل قوة عالمية ونقصد هنا نمط الليبرالي الجديد في العراق هو نمط فرض عليه بقوة الاحتلال والسلاح. ليس ممكنا القول رفيقي عبدالحسين، الليبرالية الجديدة حاضرة وبقوة بكل تجلياتها من الناحية الاقتصادية، والطبقة العاملة غير موجودة. وان تصور رفيقنا حول هذه الامر لا يخالف توجهات ماركس ومواقفه النظرية فحسب، بل منافي للواقع الراهن ايضا.
وفي حقيقة قبل 2003 كان رجال المال والاعمال في الوول ستريت حاضرين بقوة لفتح سوق العراق الجديد وما تدر لهم من ارباح ومشاريع المثمرة، حيث اتفقوا مسبقا على توزيع عقود دسمة تحت غطاء «إعادة إعمار العراق والمساعدات الإنسانية ». حيث منحت الاداره الامريكية لشركة «هاليبرتون» الذي كان يترأسها ديك تشيني في حينها، أول عقد من أجل إعادة بناء الصناعة النفطية في العراق. و منحت شركة «شيفرون تكساكو» عملية تصدير النفط العراقي ، وبتكلفة بلغت 200 مليار دولار من 2003 لتصل في نهاية 2006 إلى 1.5 تريليون دولار!. وهناك العشرات من الشركات العالمية العملاقة الان تعمل في المدن العراقية سواء كان في القطاع النفطي او غيرها من القطاعات الصناعية. اي ان الراسمالية تبحث بشكل مستمر بايجاد اسواق عالمية والتحكم بمقدرات الشعوب.حيث ان نمط الليبرالية الجديدة جربت بشكل واقعي بان تراكم الرأسمال يزداد بشكل طردي مع زيادة اتساع موقعها الجغرافي وخصوصا في المواقع التي فيها عمالة رخيصة. وان الاحصاءات تشير الى ان الشركات العالمية ومنها الامريكية بالاخص المشاركة في ما يسمى كذبا باعمار العراق بتراكم ارباح طائلة وخيالية خارج تصورات المنطق والارقام الحسابية.
الطبقة العاملة حاضرة وبقوة طالما الرأسمالية حاضرة وموجودة بقوة ايضا. لانها بامس الحاجة اليها ليس عشقا بعيون العامل بقدر ما هو مرتبط الطرفين بظروف موضوعية متداخلة ومفروض على الرأسمالي كأمر واقع وتعتبر احد ادواتها للربح والعامل موجود يبيع قوة عمله لكي يعيش، اهمية موقع العامل الاقتصادي تكمن في انها تدخل في عملية الانتاج الرأسمالي علاقة إنتاج رأسمالية لإنتاج فائض القيمة (عمل غير مدفوع الاجر) المسروق من العمّال اصلا.
اهمية العمال الصناعات الانتاجية بوصفه احد الاركان الرئيسية للثورة له دور كبير في حسم كثير من القضايا والمسائل وانهاء عمر النظام الرأسمالي، هناك نماذج تأريخية بعيدة وقريبة زمنيا، تثبت حتمية دورهم في الثورة. نموذج إضراب العام لعمال النفط في ايران في 1978 التي قسمت ظهر نظام الملكي والذي ادت في نهاية المطاف الى السقوط وانهيار نظامه. حيث بدأوا بالاعتصامات والتظاهرات وطالبوا بالمطالب الاقتصادية في بدايتها، وبعدها تطورت الاحداث وتحول احتجاجاتهم الى مطالب سياسية على الصعيد موقع العمل في التحكم الكامل بادارة المصانع وتاسيس اتحادات جديدة، وتجاوزت الاحتجاجات الى خارج موقع العمل متوجهه الى مركز كبريات المدن الايرانية وكان للعمال النفط ولجان الاضرابات العمالية دور هام ومحوري في جلب وتضامن الجماهير الغاضبة معهم في المسيرات المليونية. وتمكنوا من تشكيل المجالس العمالية وكانوا هم السلطة الوحيدة الشرعية والمنتخبة من قبل العمال وتمكنوا من ادارة الصناعات النفطية وتحديد الانتاج والتوزيع والحقوق والواجبات في بداية الاشهر الاولى للثورة. هذا نموذج واقعي لتشكل نواة ثورة العمالية، فهي قريبة علينا من حيث الموقع الجغرافي و التاريخ الزمني، نعم بامكان الطبقة العاملة العراقية من ان يمثل دور المنظم لثورتها وينظم حولها الجماهير المحرومة والمضطهدة كما حدث في ايران او غيرها من الدول . والنسبة العددية لطبقة العاملة مقارنة بالعدد السكاني للبلد ليست لها اي معيار يذكر في حسم التأثير على مجريات الاحداث، بقدر ما تحملها هذه الطبقة من افاق سياسية واضحة مع نضوج طبقي ومعرفة موقعهم كحلقة مهمة في العمليات الانتاج كمحول تأريخي لتعطيل عمل الراسمال، وحتى اذا سلمنا بامر الاحصاءات ومجموع القوى العاملة في العراق لسنة 2019 تقريباَ 10.5 مليون، حوالي 30% من مجموع تعداد السكاني للعراق. واغمضنا عيوننا عن العدد الهائل من العاطلين عن العمل وعمال القطاعات الخاصة وعمالة الاطفال وعمال الخدمات.....الخ فهي نسبة عالية بامكانها وبكل سهولة من وضع بصماتها بصورة واضحة على مجريات الاحداث السياسية في العراق. واعتقد بان الاسس الموضوعية في وضع العراق وغيرها من الدول العالم بامكان ان تسير اغلبية الجماهير خلف الطبقة العاملة في حالة اذا كانت الطبقة مهيأة للثورة الاشتراكية براية ماركس
لايسعني هنا الا الى دعوة كل المثقفين البروليتاريين الذين لديهم ايمان عميق بالثورة الاشتراكية بان يوحدوا الصفوف ويسخرون كل امكاناتهم الفكرية والسياسية في خدمة تطوير الوعي الثوري للطبقة العاملة. وبالوعي فقط نستطيع من خلق طبقة مليونية فاعلة، والوعي يأتي عبر احزابها الثورية. علينا تجاوز مرحلة، تلك المرحلة التي تراجعت فيها الطبقة العاملة وسلبوا منها راية ماركس. ولدينا كل الاسباب الموضوعية بتغيير هذا العالم المقلوب الذي حول حياة البشرية الى حروب ودمار، انعدام الحقوق،فوضى عارمة وغيرها من المصائب والويلات التي جلبتها الرأسمالية، الطبقة العاملة هي الطبقة القادرة والوحيدة على محو هذا النظام .. هي تلك القوة المحركة لتاريخ جديد ومستقبل افضل للبشرية.
واخيرا نحن نتباهي بافكارنا على اننا نحمل تأملات ذهنية هيجليين بدون أن نشعر حسب وصف الرفيق عبدالحسين لافكارنا بكوننا حاملي راية ماركس وطرحنا ما طرحه ماركس من اجل ارساء عالم اكثر انسانية، عالم خالي من الطبقات عبر القيام بثورة البروليتاريا بكونها المحول الرئيسي للتغير الجذري. وفي الختام نعتقد بصوره جازمه بان التصورات والتحيلات التي تبعد الطبقة العاملة من التنظيم والثورة تعني الاستسلام للواقع القائم، وهذا معنى الدولة الواقعية وفلسفة الحق عند هيجل.

[1]. البيان الشيوعي - كارل ماركس و فريدرك انجلز: الفصل الأول. برجوازيون وبروليتاريون
[2]. كارل ماركس وفريدريك إنجلز: الإيديولوجيا الألمانية، ترجمة: فؤاد أيوب، سوريا، دار دمشق للطباعة والنشر، 1976، ص57



#عامر_رسول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة الاقتصادية و فيروس كورونا!
- شرطة حكومة أقليم كردستان ترد بالرصاص على مطالب المتظاهرين
- محطات من حياة الرفاق شابور وقابيل قادة المنظمات الجماهيرية و ...
- سيبقى ذكراكم خالداً كلمة في ذكرى السنوية السادسة للإغتيال ال ...
- لاتشوه الحقائق
- هلوسات عبد الجبار الى أين؟


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر رسول - رد على الرفيق عبدالحسين سلمان حول نقد اطروحات الاتجاه الماركسي المعاصر