أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الصباغ - رسالة إلى أصدقائي البيض














المزيد.....

رسالة إلى أصدقائي البيض


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 6596 - 2020 / 6 / 18 - 22:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نحن في فرنسا لسنا عنصريين ولكنني لم أر في ما أذكر رجلاً أسود يشغل لدينا منصب وزير. مع أني أبلغ خمسين سنة من العمر وتوالت عليّ حكومات عديدة. نحن في فرنسا لسنا عنصريين ولكن السود والعرب يشكّلون الأغلبية الساحقة من نزلاء السجون.
نحن في فرنسا لسنا عنصريين، ولكنني أنشر كتبي منذ 25 سنة ومع ذلك لم يستجوبني خلال هذه الفترة كلها سوى صحافي أسود وحيد. وصوّرتني امرأة وحيدة أصولها جزائرية. نحن في فرنسا لسنا عنصريين، ولكن آخر مرة رفض نادل أن يقدم لي المشروب في الفضاء الخارجي من المقهى كنت برفقة عربي. وآخر مرة طلب رجال السلطة هويتي كنت برفقة عربي. وآخر مرة كاد الشخص الذي كنت أنتظره أن يصل بعد مرور القطار لأنه كان يخضع لفحص هوية داخل المحطة، كان هذا الشخص أسود.
لسنا عنصريين في فرنسا، ولكن الأمهات اللواتي شاهدناهن خلال الحجر يتعرضن لضربات الصاعق الكهربائي بذريعة عدم توفرهن على ورقة الخروج التي يستصدرها الناس ذاتيا، لم يكن من ذوات البشرة البيضاء، وكن من سكان الأحياء الشعبية. بينما شوهدنا نحن ذوات البشرة البيضاء خلال هذا الحجر ونحن نمارس الركض أو نتسوق في المقاطعة السابعة. لسنا عنصريين في فرنسا، ولكن عندما أُعلِن بأن معدل الوفيات في حي سين سان دوني Seine Saint Denis هو أعلى بستين مرة من المعدل الوطني، لم نقابل ذلك بشيء من عدم الاكتراث فقط وإنما سمحنا لأنفسنا أن يهمس بعضنا للآخر: "ذلك لأنهم لا يلتزمون جيداً بقواعد الحجر".
أكاد أسمع دوي التغريدات المأجورة تعبر ساخطة عن إحساسها بالإهانة كما تفعل ذلك في كل مرة ينبري فيها أحد الأصوات ليقول كلاماً يخرج عن خانة البروباغندا الرسمية: "يا للفظاعة، ولكن لماذا كل هذا العنف؟".
وكأن العنف ليس هو ما جرى يوم 19 يوليو 2016. وكأن العنف لم يكن احتجاز إخوان آسا تراوري Assa Traoré. في ذلك اليوم (كان يوم ثلاثاء)، شاركت لأول مرة في حياتي بتجمع سياسي ضم أكثر من 80000 شخص ونظمه فريق من غير البيض. ولم تكن تلك الجماهير عنيفة. وفي يوم الثاني من يونيو/ حزيران 2020، تحولت آسا تراوري بالنسبة لي إلى أنتيجون Antigone جديدة. ولكن هذه الأنتيجون ترفض أن تدفن حية بعد أن قالت "لا". أنتيجون لم تعد وحدها. لقد تشكلت جيوش لتناصرها. إن الجماهير تهتف: "العدالة لآداما". 

وحين يقول هؤلاء الشباب بأن مجرد رؤيتك للشرطة ترعبك إذا كنت عربياً أو أسود فهم يعرفون حق المعرفة ماهية ما يقولونه: إنهم يقولون الحقيقة. يقولون الحقيقة ويطالبون بالعدالة. أمسكت آسا تراوري مكبر الصوت وتوجهت إلى من حضروا قائلة "إن اسمكم قد دخل التاريخ". ولم تهتف لها الجماهير لما تتمتع به من كاريزما ولا لكونها تبدو جذابة في الصور. الجماهير تهتف لها لأن القضية عادلة. العدالة لآداما وأيضاً لكل من لا يحمل البشرة البيضاء. ونحن البيض نهتف مرددين الشعار نفسه ونعرف بأن من العار ألا يشعر المرء بالخزي لأن الأوضاع في سنة 2020 ما زالت تستدعي منا أن نردد مثل هذه الشعارات. العار هو أقل ما يمكن.
أنا بيضاء. وأغادر بيتي كل يوم من دون أن أحمل معي الأوراق الرسمية. أمثالي لا يرجعون للمنزل إلا إذا نسوا بطاقتهم البنكية. المدينة تقول لي بأنني هنا في بلدي. إن بيضاء مثلي يمكن لها - خارج فترة الجائحة - أن تتنقل كما يحلو لها في المدينة من دون حتى أن تلحظ أماكن وجود الشرطة. وأنا على يقين بأن الدنيا ستقوم ولن تقعد إذا ما جلس على ظهري ثلاثة من أفراد الشرطة وخنقوني حتى الموت. إن الامتياز هو أن تكون لديك القدرة على الاختيار بين التفكير في وضعيتك أو نسيانها. لقد ولدت بيضاء مثلما ولد البعض رجالاً. لا يمكنني أن أنسى كوني امرأة. ولكن يمكنني أن أنسى بأني بيضاء. هذا ما يمنحك إياه بياض البشرة. أن تفكر فيه أو لا تفكر، بحسب المزاج. في فرنسا لسنا عنصريين، ولكنني لا أعرف شخصاً واحداً، أسود أو عربياً، لديه هذا الخيار.

• صاحبة هذه الرسالة هي الماتبة الفرنسية فرجيني ديبونت Virginie Despentes؛ وقد كتبتها عقب المظاهرة الداعمة لآداما تراوري Adama Traoré وموجهة إلى "أصدقائها البيض ممن لا يفهمون أين هو المشكل بالضبط"، تنتفض ضد إنكار العنصرية وتوضح كيف أن "بياض البشرة" يمثل امتيازاً. 
وفرجيني ديبونت هي من أهم الأقلام الروائية الفرنسية في الوقت الراهن. أما أداما تراوري، فهو شاب فرنسي من أصول أفريقية توفي أثناء مطاردة رجال الشرطة له في إحدى ضواحي باريس بتاريخ 19 يوليو/ تموز 2016.( نقلها عن الأصل الفرنسي عزيز الصاميدي و نشرها في موقع العربي الجديد:https://www.alaraby.co.uk/blogs/2020/6/13/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A3%D8%B5%D8%AF%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B6 )



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أن تُدمّر حارة كاملة لئلا نتبوّل قُرب -حائط المبكى-
- الفلسطينيون وإسرائيل:الطبيعي ما يُولد، ليس ما -يُخلق-
- تيدي كاتس ومجزرة الطنطورة*
- حوار مع ألبرتو مورافيا: عن الفنان والجنس والموت
- أثرياء مصر والفلسطينيون
- كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبورغ
- البوتقةThe Crucible : حين يحكم الرعب
- عن حزب الله و الحشيش و طريق القدس و أشياء أخرى
- القانون والعنف ومصادرة الممتلكات في سوريا: معوقات العودة الا ...
- موال فلسطيني Palestine Blues: قراءة في فيلم
- كورونا و الصين و نحن:حدود الطعام، حدود الثقافات
- نهاية العصر البرونزي في الشرق القديم (1)
- الطائفية ونظام الحكم في سوريا
- كورونا وإسرائيل ونحن
- كرنتينا
- كورونا: ماذا سنفعل؟ هل انتهت الحلول!
- حدث ذات صيف في دير الزور
- كورونا. ماذا سنفعل؟ هل انتهت الحلول؟
- كورونا و -مناعة القطيع- و نحن
- الطوق والأسورة: عن الغلابة... عن مصر الأخرى التي لا نعرفها


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الصباغ - رسالة إلى أصدقائي البيض