عادل يكتب تاريخة

صبري الفرحان
(Sabri Hmaidy)

الحوار المتمدن-العدد: 6594 - 2020 / 6 / 16 - 21:37
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

عادل يكتب تاريخه
من 1-1981 الى 12-1989
التاريخ عادة يكتبه الملوك باقلام ماجورة، او يكتبه اشخاص اكاديميون لايرون الا ما اضاء لهم السلطان، او يكتبه الرؤساء والقادة ويوضفوا كل امر لصالحهم، او ما تكتبه النخب من خلال نظراتهم ومساحة الورقة التي بين ايديهم، او يكتبه صاحب فكر فيوظف كل الاحداث وفق ما يتماشى مع فكره مع ايديولوجيته، وان كتبه منصف فهو يكتب واقع حال ولا يحلل ما دعى الواقع ان يكون كذلك من موثرات خارجية وايحاءات لاجنده خفية او برامج الدول المهيمنة التي خضع الواقع لها.
ليكتب صاحب التاريخ تاريخة، لنوثق بحيادية بعض من ماساة شعب في حقبة سوداء من تاريخة حقبة حكم البعث، لكي لانلغي تاريخ او نغتال امة، قصة دارت ليس في السجن بل البيت مسرحها
تاريخ رجل اعتزل الواقع اذ لابديل، الا مجارات الظالم على ظلمه، سجن نفسه في بيته اقام في بيته لمدة ثمان سنوات ولكن لم ينشر في الاعلام
اعتزل الواقع لاجبنا بل تحديا
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ(1)
عادل والبعث
الكل يعرف ما فعله الحرس القومي من جرائم في 1963 او ابحثوا عن تلك الماساة
وفي 1968دخل البعث القصر الجمهوري بدبابه واحد والبعثيون في كل العراق لايتجاوز عددهم الف، بل قيل ثلاثة مئة وقيل مئة فقط ،وطبل لها الاعلام بانها ثورة
ومنذ اليوم الاول من استلامه السلطة بدا البعث ارهابه، خطط لتصفية معارضيه ومن خلال الشعبه الرابعة المسؤله عن النشاط الاقتصادي ، فاول خطوة اقدم عليها وفي نفس السنة تجفيف رؤس الاموال التي تمول معارضية تحت اسم شبكات تجسس الى اسرائيل، وبشكل سافر علقت الجثث في الساحة التحرير في بغداد وساحة ام البروم في البصرة ، ومن المعدومين المرحوم الشهيد محمد عبد الحسين جيتا تاجر مسلم من اصل باكستاني والمرحوم الشهيد عبد الحسين جار الله تاجر مسلم التهمة العلنية تجسس الى اسرائيل التهمة الحقيقية ممول للنشاطات الدينية الاسلامية ومنها حزب الدعوة الاسلامية
وفي 1971 بالذات في الذكرى الثالثه لثورة والحقيقة انقلاب 17 تموز والمعتاد، يوجه رئيس الجمهورية خطابا الى الشعب بهذه المناسبة ففي خطابه واعني احمد حسن البكر قال بالحرف الواحد
اما السنة الرابعة فنحن مسلحون
وهنا فهم معارضوا البعث ان البعث لم يبقَ على ضعفه وهذا ايذانا اخبارا، بتصفية معارضيه كان اهم معارضيه حزب الدعوة الاسلامية لذا فتح الشعبه الامنية الخامسة مهمتها العلنية محاربة النشاط الديني الرجعي والحقيقه لتصفية حزب الدعوة الاسلامية
ومن معارضي البعث ايضا الحزب الشيوعي و الحزب الاسلامي وهو امتداد حركة الاخوان في مصر وحزب التحرير وهو فرع لحزب التحرير الاسلامي في فلسطين وحزب مريم الفتاة المسيحي.
ورغم قساوة البعث ودمويته ودكتاتورية صدام وبطشه بعد ان صادر صدام حزب البعث وهمش قادته لصالح امريكا ازداد معارضوه لدرجة في جامعة بابل (الحلة ) 1980 اسس حزب معارض من طلاب الجامعة وكلهم بعثيون وكشفهم البعث واعتبرهم خط مائل وفي التحقيق قال الضابط المحقق الى امين الحزب: كل اعضائكم بعثيون لم تفعلوا ذلك
اجاب الطالب : كتبنا التقرير تلو التقرير عن الاخطاء التي ارتكبها حزب البعث بحق الشعب فلم يسمع لنا اسسنا هذا الحزب ليشكل ورقة ضغط على البعث.
تاريخ عادل ليس سجنا او اعدام حيث تفنن صدام في اشكال السجون وطرق الاعدام
صاحب هذه التاريخ الاستاذ عادل عبد الكريم علي العمري من اصلاء البصره من مواليد 1958 اب الى ثلاثة ابناء واخ الشهيد الدكتور عبد النبي عبد الكريم علي العمري
س1 لماذا هذا الاختيار ان تسجن نفسك في البيت ؟
الاستاذ عادل : بعد ان طالت الاعتقالات اغلب اقاربي واصدقائي واساتذتي في تشرين الاول الشهر العاشر 1980 بما فيهم اخي الدكتور عبد النبي الطبيب الممارس في المركز الصحي في البصرة، والاستاذ عبد الكاظم عبد الله الصالحي استاذ اللغة العربية في متوسطة التقدم وبن عمي عبد الاميراحمد علي المهندس الزراعة موظف في شركة مطاحن البصرة، وصديقي ثائر ناصر شعبان طالب في المعهد الطبي، واخية بن الاربعة عشر ربيعا سلام ناصر شعبان(2)، اذ لايوجد في كل دساتير العالم ان يعتقل حدث بتهمة سياسية فهو خرق سافر لكل القوانين الدولية
وعليه داهم الامن البيت لاعتقالي ولكن كنت خارج البيت، لم اعد الى البيت، وبقيت متنقلا بين بيوت الاقارب والاصدقاء، وعندما توجهت الى بيت صديق أخر، لاقيم فيه اخبرت انه تم اعتقاله ايضا عندها قررت الرجوع الى البيت بعد ان قضيت شهرين ونصف، ولم اتمكن من سفر الى خارج العراق.
دخلت الى البيت بشكل سري، وبين دموع الفرح والحزن اخبرت اهلي سابقى في البيت، وبشكل سري ولا يعلم بوجودي الا من هم في البيت وحتى اهلي الخارج البيت لم احيطهم خبرا بذلك بما فيهم اختي المتزوجه واعمامي واخوالي .
دخلت مخبئي في البيت كانون الثاني الشهر الاول من عام 1981وهو غرفة اخي المعتقل العريس حيث لم يمضي على زواجه الا عدة اشهر، حيث اغلقت امي الغرفة ولم تفتحها بامل رجوع اخي ، مكثت فيها وكل من يطلب من اهلي واقاربي فتح الغرفة الجواب اني امي لاتتحمل فتح الغرفة لانها تتذكر ماساة اخي، وعليه بقت الغرفة مغلقة طلية مدة بقائي فيها .
س2 كيف تقضي وقتك ؟
اقضيه في قراة القران والدعاء ومطالعة الكتب الادبية وسماع الاخبار من المذياع، حيث هربت كل كتبي الدينية لانه اي كتاب يقع بايدي السلطة يعتبر كتاب ادانه بما فيها كتاب نهج البلاغة، وتصل العقوبه الى الاعدام اذا كان لديه مثل احد كتب المفكر الاسلامي محمد باقر الصدر ككتاب فلسفتنا والمدرسة الاسلامية وغيرها فالبعث يُخيفه الكتاب رغم كل سطوته.
س3 ما هي المواقف المحرجة التي تعرضت لها وان كانت حياتك كلها حرجة بهذا الظرف؟
الموقف الاول :لدى امي ربو وفي يوم ما لم يكن في الدار الا هي فداهمتها ازمة الربو وبيقت جالسا عندها لا استطيع ان اقدم لها شئ مثلا اراجع لها دكتور، او اجلب لها علاج من الصيدلية.
الموقف الثاني : خالي اختار بيتنا لكي يهرب من الخدمه في الجيش الشعبي على اعتبار بيتنا بعد اعتقالنا امن، وهو بيعيد عن بيتهم، مكث اسبوعا في بيتنا، لم يخبره احد اني في الغرفة المغلقه وفعلا لم يشعر بوجودي
الموقف الثالث: وفاة والدي بين يدي ولم استطع البكاء بصوت ودخلت الغرفة ليعلن اهلي على الناس وفاته، ومن وراء الباب اسمع البكاء ولا استطيع البكاء غير ذرف الدموع بصمت، واسمع المعزين ولا احد يعزيني .
س4 لماذا قررت انهاء اقامتك الطوعيه سجنك الاختياري وكيف تعاملت مع السلطة ؟
طالت مدت اقامتي، ولم يسقط صدام، ولم يفجر الاسلاميون ثورة، ولم احصل على طريق للسفر خارج العرق بشكل رسمي او غير رسمي، وصدور قرار من السلطة بالعفو عن السياسيين بما فيهم حزب الدعوة الاسلامية
ففي فجر يوم من عام 1989 بعد صلاة الصبح تركت ورقة الى اهلي في البيت مكتوب فيها اني قررت ان اسلم نفسي للسلطة وليكن ما يكون، اسجن، اعدم، علما اني ناقشت الفكرة مع امي ولكن بدات قلقه حيالها لذا لم اخبرها بخروجي ايضا.
توجهت الى مركز الشرطة، اخبرت اول شخص كان امامي، سحبني خارجا وكانه اختزن كل ارهاب البعث في باله، واشفق علي او لعل الله هيئ الاسباب،وقال لي هل انت متاكد مازال العفو ساري المفعول قلت نعم قال اذهب الى الفرقة الحزبية حمدت الله ما زالت هناك بقية خيرة.
وتكرر المشهد اخبرت الشخص الاول ونفس الاجابه باختلاف طفيف وان كان هذا الرجل اكثر انضباطا بتوجيهات صدام ولكن بعد ضعف صدام باتت الناس لم تحضر الشح، بل تحضر الخير قال لي انتظر حتى ياتي الرفيق ابو...
بعد ساعتين جاء الرفيق واشار لي ان اطرق الباب عليه اخبرته بخبري قال لا عليك انت جندي متخلف ولكن يجب ان تذهب معي الى الشعبه اصطحبني الى الشعبه تم التحقيق معي
س :هل قتلت احد؟
لم اقتل احد اني مسالم ولكن احمل فكر !
س : لماذا لم يخبر اهلك السلطات بوجودك؟
لم يكن اهلي مستعدين ان يقدموا ولدهم للمقصلة !
التحقت بالجيش يوم 2-1- 1989
س 5 ماذا عن غزو الكويت والانتفاضة؟
كنت في الاجازة من الجيش اعمل عامل غير ماهر في البناء لان راتبي غير كافي للمعيشه، سقطت من الطابق الثاني انكسرت يدي ورجلي الجهة اليمنى ، وبعد جراء العمليات اعطيت اجازة طويلة، خلالها تم غزو الكويت، ونفلت الشارع العراقي بثورة عارمة سجلها التاريخ انتفاضة وانا مازلت ملازم الفراش.
س 6 بعد التغير2003، وصعود حزب الدعوة على دكة الحكم ماذا قدم لك؟
لم يقدم لي شئ، ولم انتظر منه ان يقدم لي شئ، عملي خالص لله عز وجل راجيا القبول
س7 هل انت راض عن اداء حزب الدعوة؟
الاجابه واضحة غير راض عنه لانه
لم يخدم شعبه بالشكل المرتجى!
أنجر الى التناحر مع بقية الفصائل الاسلامية؟
تاريخ عادل سجل لنا
يُعدّ الظلم فعلاً شائناً، يهدّد حقوق العدالة والمساواة لبني الإنسان، بل إنّه يهدّد حقوقهم جمعاء، فالظلم لا يحترم أيّ حقّ من حقوقهم، وقد يتعرض الإنسان للظلم ما لم يكن هناك عدالة تدحّض الظلم والاستبداد وتُعلي من شأن المُثل العُليا وتحترم إنسانيّة البشر على حد تعبير الكاتب سمير حمدان(3)
ان الله لا يترك عبده
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا(4)
الانسان الاصيل لا يتغير فحارب عادل الظلم قبل التغير وبعده
ويروى عن علي امير المؤمنين عليه السلام والاحرى اغلب الشعر لم يقوله بل يستشهد في الشعر
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم آخره يأتيك بالندمِ
نامت عيونك والمظلوم منتبهٌ
يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههامش
1- سورة الكهف مقطع من الاية 16
2- كل هولاء ضاعت اخبارهم وتم تسجيلهم من ضمن المقابر الجماعية بعد سقوط البعث وصدام حسين
3- سورة الطلاق مقطع من الاية 2
4- في موقع موضوع بمقال تحت عنوان أقوال عن الظلم والاستبداد

#صبري_الفرحان (هاشتاغ)       Sabri_Hmaidy#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات