أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - (العودة الى البيت ) فيلم صيني يعري مرحلة عاصفة من تاريخ الصين















المزيد.....


(العودة الى البيت ) فيلم صيني يعري مرحلة عاصفة من تاريخ الصين


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 6588 - 2020 / 6 / 9 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


(العودة الى البيت ) فيلم صيني يعري مرحلة عاصفة من تاريخ الصين


السينما الصينية سينما عريقة بدأت مسيرتها منذ بدأت السينما، ولايزال قسم كبير منها مجهولا حتى الآن، ومن المؤكد حاجتنا إلى التعرف على جوانب مختلفة من السينما الصينية كبيرة وأساسية، وقليلة هي المعلومات النظرية والعملية المتوافرة عن هذه السينما العريقة ، تعرفت الصين إلى الفن السينمائي عام 1896 ، حيث عرضت الأفلام الهزلية القصيرة الفرنسية المنتجة للأخوين لوميير في أحد المقاهي في مدينة شنغهاي. وشهدت الصين إنتاج أول فيلم سينمائي تسجيلي عام 1905 في مدينة بكين، وأنتج أول فيلم طويل عام 1911 في شنغهاي. ومنذ أواخر العشرينات من هذا القرن كانت مدينة شنغهاي مركزا مهما لإنتاج الأفلام الصينية حيث ظهرت فيها أكثر من 20 شركة أنتجت عشرات الأفلام الروائية الصامتة، البوليسية والعاطفية. كانت هذه الأفلام بسيطة من حيث البناء السينمائي، ومع ذلك كانت بدايات لظهور صناعة السينما في الصين. وفي عام 1931 أنتجت الصين أول فيلم ناطق بعنوان مطربة الفراولة الحمراء ، يلخص انتكاسات ومأساة حياة مطربة فقيرة وسط مجتمع قاس وشرير. وفي عام 1932 أسس الحزب الشيوعي الصيني ما يسمى بفرقة سينمائية لتعمل تحت الأرض، وظهرت إلى حيز الوجود مجموعة من الأفلام السينمائية المتميزة منها ثلاث نساء معاصرات و أغنية صياد السمك و المرآة السحرية و على قارعة الطريق وغيرها. بتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 فتحت صفحة جديدة في التاريخ الصيني، حيث توارثت الصين التقاليد الواقعية التي ميزت السينما من قبل فترة الثلاثينات والأربعينات، وتأسست على التوالي ثلاثة استديوهات في منطقة الشمال الشرقي وبكين وشنغهاي، حيث بدأت تصوير الأفلام الروائية بكميات كبيرة . منذ هذا التاريخ حتى عام 1965 أنتجت الصين 603 أفلام روائية و3300 فيلم قصير من الأنواع المختلفة. وفي عام 1959 أقامت وزارة الثقافة الصينية شهر الأفلام الجديدة إحياء للذكرى العاشرة لتأسيس جمهورية الصين الشعبية وعرض في هذا الشهر تقريبا 38 فيلما من أنواع مختلفة وحققت الأفلام الروائية الشهرة وكان من أهمها لمسة شيوي و أنشودة الشباب و متجر أسرة لين و خمس أزهار ذهبية ، وتميزت هذه الأفلام بمستوى فني لافت للأنظار ، في ظل سياسة الانفتاح ازدهر التعاون السينمائي بين الصين والدول الأخرى، وأدى هذا الحوار السينمائي إلى تطور السينما الصينية شكلا وأسلوبا، وأدى ذلك مرة أخرى إلى خروج الأفلام الصينية بميزاتها الوطنية المتفردة إلى خارج الحدود . منذ الثمانينات ظهرت إلى حيز الوجود السينما الصينية الجديدة" أو الموجة الجديدة في السينما الصينية" التي أكدت وجودها عالميا وحصدت الجوائز في المهرجانات الدولية. ويمكن أن نلخص خصائص السينما الصينية الجديدة بأنها تتعامل مع التراث بمفهوم عصري وتتناول التاريخ بمنظور نقدي، كما طرحت بشجاعة العلاقة بين الرجل والمرأة ، وبين السلطة والفرد ، وتناولت موضوعات الحب والخيانة والصداقة والجنس بجرأة ، ولكن بأصالة وتمسك بالجذور من دون انغلاق ، بل انفتحت على الثقافة العالمية ، واستفادت من التراث الإنساني في الشعر والمسرح والفن التشكيلي والأدب. الأفلام الصينية عادة ما يكون لها نسق ووتيرة مختلفين عن الشكل الخطي الأكثر شعبية في هوليوود، ومن ثم فإن القصص الفريدة في الصين غير مألوفة في الغرب . وفي هذا الصدد، صرح منتج هوليود جيف موست لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن " الصين لديها أساطير وحكايات شعبية لا يعرف الغرب عنها شيئا ...هذه تقاليد ثقافية غنية ترغب الصين في تقاسمها ولكن يجب تعريف الجماهير الغربية عليها بطريقة تسلط الضوء على الجوانب العالمية للقصة بدلا من المراجع الثقافية المغرقة في التفاصيل والتي قد تكون مربكة بالنسبة للغربيين".
لقد حدثت تغييرات مهمة في الصين أثرت في صناعة السينما مثل سياسة الانفتاح الاقتصادي وتحرير السوق . ولم يعد الاعتماد على الاستديوهات التي تملكها الدولة ، والتي خفضت الدولة دعمها المالي لها ، وظهرت شركات إنتاج مستقلة بعد أن وجد مخرجين الجيل الخامس صعوبة في تمويل أفلامهم . أطلق السينمائيون الصينيون اسم "الجيل الخامس" على المخرجين الذين يمثلون الدفعة الخامسة التي تخرجت في معهد بكين ، وبدأت أفلامهم في الظهور عام 1985 ، وصولا إلى عام 1990، وتميزت أفلام هذا الجيل بالبساطة لما تضمنته من معان ودلالات الموروثات الشعبية ، بينما تركزت اختيارات موضوعات وشخوص أعمالهم على واقع الحياة ، قبل أن ينضم إليهم نجوم الجيل السادس في الألفية الثالثة ، لتصبح مشاركة أفلام هذين الجيلين في مهرجانات السينما الدولية قاعدة أساسية مع استحقاقهم كثيرا من الجوائز بعد فرض وجودهم ونجاحاتهم على الواقعين العالمي والمحلي . ويقف على رأس الجيل الخامس الذي ارتبط اسمه بالموجة الصينية الجديدة التي خرجت من معهد بكين للسينما المخرج "تشانغ يي "، الذي يعدونه نموذجا على تطور السينما الصينية منذ عمله مصورا ، قبل أن ينجز عمله الروائي الطويل الأول مخرجا هذه المرة بعنوان "حقول الذرة الحمراء". الفيلم البديع الذي تجاوز الواقعية المباشرة، قدم فيه لوحة فنية مبتكرة في الجماليات ، ليصبح هذا الفيلم أحد أهم عناوين السينما الصينية الجديدة ، بل وكان أول فيلم صيني يظفر بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي لعام 1988، كما فاز المخرج بعدها بالعديد من الجوائز خلال المهرجانات السينمائية الدولية في كل من فرنسا ، وألمانيا ، وإيطاليا ، يمثل المخرج الصيني " تشانغ يي " أحد أهم صناع السينما في بلاده ، وهو يمتلك تاريخا حافلا بالإنجازات التي رسخته كمبدع، من أبرزها "الأرض الصفراء" و"قصة كيو جو" بالاضافة الى فيلمه "حقول الذرة الحمراء" ، وكم آخر من الإبداعات التي جعلته أحد أهم عناصر "الجيل الخامس" من صناع السينما الصينية . و من أعمال المخرج "تشانغ يي" المتميزة ، فيلم "العودة الى البيت" الذي يأخذنا إلى حكاية تبدو للوهلة الأولى بسيطة ، ولكن سرعان ما نكتشف أنه يعري من خلالها مرحلة عاصفة من تاريخ الصين ، معتمداً على نص رواية "المجرم لو يانشي" للكاتبة الصينية جلينغ يان . ويتناول قصة الزوجين "لو يانشي" و"فينج وانيو" الذي يعشق أحدهما الآخر إلى حد بعيد، ويعيشان في تناغم وسلام عاطفي فيما بينهما وخلال الأحداث والاضطرابات السياسية بالصين يتم القبض على "لو يانشي"، ويحتجز بأحد معسكرات الاعتقال لاشتغاله بالسياسة . إنها حكاية دكتور جامعي زُجَّ به بالسجن لأنه يعارض أفكار الثورة الثقافية التي اجتاحت الصين في الخمسينيات من القرن الماضي ، وعندها تبدأ أزمته وأزمة أسرته ، حيث تدخل زوجته في حالة من فقدان الذاكرة بعد التعرض للتعذيب ، بينما تفقد ابنته موقعها المتقدم كراقصة باليه لأنها ابنة متهم مدان من قبل السلطات ، وبعد سنوات من السجن، يعود البطل لي يانشي إلى أسرته التي تمزقت ، ليكتشف ويلات وعذابات تلك الثورة الثقافية ونتائج موقفه المعارض والذي كان سببا في تمزيق عائلته وإنكسارها. حيث زوجته لم تعد تعرفه ، وغرقت في دوامة النسيان والألم بينما تعرضت ابنته للظلم وانزوت تعمل في مصنع للنسيج ، ويتولى بطولة هذا العمل النجمة الصينية "جونج لي" والممثل الصيني القدير "شين دامونج"، إضافة للممثلة الشابة " زينج هاوين".
يبدأ الفيلم لحظة هروب الاستاذ الجامعي (لو يانشي ) من الحجز والذي هو عبارة عن مخيمات للعمل، (لوياتشي) الاستاذ الجامعي المثقف والسياسي المعارض الذي اتهم بالخيانة لمعارضته الثورة الثقافية في الصين ، يهرب من مخيمات العمل ويعود إلى بيته بحثاً عن زوجته المدرسة وابنته اللتين لم يرهما منذ سبعة عشر عاماً قضاها في الأسر . الإبنة راقصة باليه موهوبة وطموحة تسعى للحصول على الدور الأول في عرض رقص باليه تنظمه مدرستها ، يحذرهم المسؤول الحزبي بعقوبة التستر على الزوج الهارب وعليهم ابلاغ الحزب عند الاتصال بهم ، توافق الابنة على أوامر الحزب ككل جيلها ، لأن الإبنة تربت على مبدأ الولاء المطلق والأعمى لسلطات الثورة ، ولكن عندما يصل الزوج (لو) إلى المنزل المراقب ، لا تريد ابنته المراهقة داندان (زانغ هويوين) أن تتعرف عليه ، وتقول: "أنا لا أعرفك" عندما يجتمعان في رواق المنزل ، "داندان" وهي ماوية ومتحمسة ، منشغلة بدراساتها في أكاديمية الرقص المحلية ، حيث تأمل في الفوز بدور البطولة في عمل فني راقص و بعنوان (مفرزة النساء الحمراء)، ولذا تشي بأبيها معتقدةً أنهم سيسمحون لها بالحصول على الدور الذي تحلم به بعد التأكد من ولائها ، لكنها تحرم منه بسبب (خيانة) والدها الذي لم تعرفه . بعد ثلاث سنوات تنتهي الثورة الثقافية ويُحرر المعتقلون السياسيون . عندها يعود الوالد ليجد ابنته تخلت عن الرقص لتعمل وتقيم في مصنع بائس بعد أن طردتها أمها ، وزوجته أصيبت بفقدان جزئي للذاكرة وماعادت قادرة على التعرف عليه نتيجة لضربها على راسها ، حينما يذهب الزوج للانتقام من " المسؤول الحزبي " الذي ضرب وأغتصب زوجته يكتشف أنه أودع السجن بسبب الانتهاكات التي ارتكبها. وهو أمر كانت تكتمت عنه المسؤولة الحزبية التي اكتفت بالقول إن ( الرفيق) نقل إلى منطقة أخرى، وهذه الإشارة هنا واضحة إلى الموقف المزدوج لسلطات ما بعد الثورة الثقافية .
زوجته تتذكر الماضي وتتعرف على ابنتها وعلى الصور التي التقطت لزوجها قبل اعتقاله ، لكنها لاتتذكر أحداث تتعلق بالحاضر . لذا هي تعجز عن التعرف على زوجها بعد أن تقدم في السن ، وكلما حاول أن يقربها بحميمية تعتقد أنه "المسؤول الحزبي" الذي اغتصبها بعد أن لجأت إليه لإعفاء زوجها من عقوبة الإعدام . الزوج يلجا الى طبيب نفسي لمساعدته في اعادة الذاكرة لزوجته والذي يقوم ببساطة بتشخيص الاضطراب النفسي الجسدي ، وينصحه الطبيب باستخدام الصور القديمة والرسائل يتواصل الزوج ( لو ) مع امرأته من خلال مجموعة من الرسائل يقرأها لها مدعياً أن زوجها (أي هو نفسه) ائتمنه على إيصالها لها. فيما بعد ينجح في أن يقنعها بالغفران لابنتهما وإعادتها إلى البيت ، ويحاول أن يساعدها ويكون قريبا منها بصفته "قارئ الرسائل" او الجوابات المرسلة من زوجها خلال فترة إعتقاله ، ويحاول التقرب اليها ولكنه يفشل في إعادة صورته الى ذاكرتها وجعلها تتعرف عليه . وعلى هذا المنوال ، يظل الأب وابنته لسنوات طويلة يرافقان الأم في الخامس من كل شهر (اليوم الذي كان الزوج قد ذكره في الرسالة التي أرسلها إلى زوجته بعد تحريره أنه سيعود فيه) إلى المحطة لانتظار عودة الزوج الشاب الذي سرقته الثورة إلى الأبد. بعدها يحاول الاب استخدام الموسيقى كوسيلة لايقاظ ذاكرة الزوجة ، حين يعمل (لو) على اصلاح البيانو الذي تعود الزوج العزف عليه و التي كانت الزوجة تحب سماع عزفه ، وانتظر عودتها للبيت وبدأ بالعزف في مشهد من أروع المشاهد الانسانية التي جسد المعاناة الانسانية بسبب موقف سياسي للزوج الذي ظل يلوم حاله بكونه السبب في تمزق عأئلته ، وتفشل المحاولة أيضا ، وبعد عدة سنوات ومع انتظار الزوجة فنغ لاستقبال زوجها ، ينتهي الفيلم في مشهد مؤثر وعند محطة القطار ، وفي نفس الموعد يحمل الزوج لافتة بها اسمه وهو الحاضر – الغائب ، و في حالة ترقب وانتظار لعودة الزوج ، ووقوف لو معها في يوم ثلجي ، متظاهرًا بأنه سائق العربة التي تقلها الى المحطة .
يركز المخرج " تشانغ يي" في فيلمه على ثلاث شخصيات رئيسية، الزوج و الزوجة و البنت ، إنها حكاية دكتور جامعي زُجَّ به بالسجن لأنه يعارض أفكار الثورة الثقافية التي اجتاحت الصين في الخمسينيات من القرن الماضي ، الزوجة الحاضرة والغائبة في الوقت نفسه ، تمثل بزخم تعبيري هائل الصين ما بعد الثورة الثقافية ، وذاكرتها المعذبة هي ذاكرة الصين . الزوج الشاب الذي خطفته الثورة والمسؤول الحزبي المغتصب والزوج الكهل العائد والمنقذ يمثلون ثلاثة وجوه متداخلة للحزب الحاكم الذي صنع تاريخ الصين الحديثة . على غرار الزوجة التي تعجز عن التمييز بين زوجها العائد ومغتصبها ، وهناك الإبنة راقصة باليه الموهوبة والطموحة والتي تسعى للحصول على الدور الأول في عرض تنظمه مدرستها لكنها تحرم منه لأنها ابنة متهم مدان من قبل السلطات ، وهي التي تمثل المحرك البشري الأهم للثورة الثقافية ، أنها قصة رومانسية مأساوية ومغلفة بغلاف سياسي وتنضح فيها مشاعر : الإخلاص والحب، الحرية والصراخ في وجه الاستبداد ولصوص الوطن ، العائلة التي جعلت البلاد بيتها وصبرت على غياب الأب عنها وراء القضبان، إن فكرة فقدان الذاكرة او جزء من الذاكرة توفر استعارة واضحة ، وهي مناسبة بشكل خاص للاسلوب القصصي ل(تشانغ) ، الذي قضى سنوات عديدة يخوض في الذاكرة الوطنية. الجانب الأكثر مأساوية في القصة هو حقيقة أن الزوجة " تتذكر أن لديها زوجًا ، وحتى تتذكر اسمه. لكن صوته ووجهه قد مسحا من ذاكرتها. في مرحلة ما ، كان على الزوج "لو " أن يتحمل ألم قراءة رسائله الخاصة بها ، بينما الزوجة تستمع إليه بصبر كما لو كان غريبًا، وهذا يسمح بعدة لحظات مؤثرة للغاية ، والتي يحرص المخرج "تشانغ يي" على عدم الإفراط في استخدامها ؛ إنه صانع أفلام مبدع وخلاق ، ويعرف كيف يخلق لحظات عاطفية قوية دون الانزلاق في الاستسهال والتكرار . ينبع الجمال في الفيلم من التزام الاستاذ الجامعي "لو يانشي" تجاه عائلته ، حتى لو لم تعد الأمور إلى طبيعتها أبدًا ، هناك مشكلتان رئيسيتان في الجزء المحوري من قصة فيلم "العودة إلى الوطن". الاولى كانت حالة فقدان الذاكرة أو ( الزهايمر) وهذه الحالة المرضية تناولتها العديد من الاشرطة السينمائية ، وأستخدمت أداة بارزة للعديد من أفلام الإثارة والميلودراما. إنها فعالة بشكل كبير لأنها تجبر أولئك الذين يعانون منها على إعادة بناء سرد حياتهم . عندما يتم استخدام النسيان بشكل جيد ، يمكن أن يكون للنتيجة أهمية مؤثرة وذات مغزى إنساني ووجودي عميق . ومع ذلك ، في "العودة إلى الوطن" ، فإن استخدام" تشانغ يي " لفقدان الذاكرة للزوجة "فينج وانيو" ليس أكثر من فقدان عاطفيً - وهي حقيقة أكدها أداء الممثلة الرائعة" جونج لي" ، والتي تتشكل حياتها من الكآبة المستمرة التي تقطعها ومضات السعادة القصيرة عندما تعتقد أن زوجها سيعود إلى المنزل قريبًا . (في اليوم الخامس من كل شهر ، تذهب إلى محطة القطار للترحيب به حاملاً لافتة باسمه ، لأنه في إحدى رسائله قال إنه سيصل في اليوم الخامس ، دون ذكر الشهر). وتتضمن محاولات الزوج ( لو) والأبنة (داندان) لاعادة الذاكرة لزوجته فنغ صدمتين قويتين وفعالتين إحداها باللجوء الى الموسيقى والتي يستخدمها الزوج لو لزوجته. والآخرى هي حالة التعود في تمويه نفسه كجار كريم ، يقرأ إلى الزوجة فنغ (ضعيفة البصر) رسائل من زوجها ، بما في ذلك بعض ما كتبه الآن لغرض صريح هو إثارة ذاكرتها . يتسبب تضمين " تشانغ يي " لكلا هذين العنصرين المثيرين - وهما من أعراض الماضي المختفي - في حدوث تصادم بينهما يحرمهما من قوتهما. المشكلة والأكثر خطورة هي أن تشانغ لا يعطي فكرة النسيان قيمة رمزية ، والتي كانت ستسمح لـ "العودة إلى الوطن" أن تكشف شيئًا عن صراع المجتمع الصيني للتعامل مع تلك الأيام العصيبة والتي لم تنته للكثيرين . يظل فقدان الذاكرة للزوجة (فنغ ) في الفيلم فقط كمصدر للميلودراما وبقدر ما أحب هذا النوع قصص الميلودراما، لكن تصبح الميلودراما فعالة من خلال ضبط النفس وقدرتها على فضح آلياتها الأيديولوجية الكامنة. وقد تم انتقاد المخرج" تشانغ يي" لقصه الأجزاء الأولى من الرواية التي تتعامل مع واقع معسكر العمل ، وبالتأكيد أنه خفف أهوال الثورة الثقافية ، ولكن تلميحات صغيرة - والتي لم ينج أحد في الصين من تأثير الثورة الثقافية. خلال الحملة التي استمرت لعقد من الزمان والتي أطلقها الرئيس ماو في عام 1966 لتطهير المعادين للثورة من الحزب الشيوعي واستعادة النقاء الإيديولوجي للجمهورية الشعبية .
في مقابلة للمخرج " تشانغ يي "عام 2007 ، أعرب عن رغبته في إنتاج المزيد من الأفلام حول الثورة الثقافية ، وصرح قائلا :" الذاكرة هي واحدة من أهم الأشياء في الطبيعة البشرية وهي القدرة على ترتيب العالم من خلال الخبرة السابقة "، لكنه في النهاية يهتم بالتاريخ فقط بقدر ما يظهر الأفراد الذين يناضلون ضد تيارهم العظيم أو يجرفونه. أوضح أيضاَ، " ليس الأمر أنني أريد أن أصنع أفلامًا سياسية عن الثورة الثقافية ، ولكني أريد أن أظهر مصير الناس وحبهم وكرههم وسعادتهم و الحزن وأهم الأشياء في الطبيعة البشرية التي نجت من هذه الفترة الأخيرة من التاريخ الصيني " وفي نفس المقابلة التي ذكر فيها : بأنه كان ينتمي هو ووالديه إلى "ما كان يسمى" الفئات الخمس السوداء "للخلفيات العائلية . كان هذا اسمًا خاصًا تم إعطاؤه لنا خلال الثورة الثقافية للإشارة إلى أننا لسنا من العائلات السائدة ، بل بالأحرى من خلفية سيئة - من العائلات المتدنية ... كان الأمر صعبًا ، وفي الواقع شديد للغاية ؛ لقد تم تحديد وضعك في المجتمع من خلال ولادتك حقًا ". انتهت دراسته ، وتم نقل تشانغ إلى منطقة ريفية في شمال الصين في عام 1969 للعمل كمزارع ، ثم عمل في النوبة الليلية في مصنع الغزل ، وكرس أوقات فراغه الثمينة للرسم والتصوير الفوتوغرافي . شكله الحرمان كفنان واضاف " تشانغ يي " : "لقد عشت الكثير من المواقف الفوضوية ، ورأيت الكثير من الأشياء الرهيبة والمأساوية التي تحدث من حولي . من كل ذلك حصلت على فهم عميق لحياة الإنسان ، لقلب أو روح الإنسان - المجتمع البشري حقًا - وأعتقد أن هذا يفيدني اليوم: في عملي ، وفي تفكيري ، وحتى في كيفية تعاملي مع المشكلات الشخصية ".
ادار المخرج "تشانغ يي" كادره التمثيلي باقتدار وقدم الممثلين المخضرمين جونج لي ، تشين دامونج ، اداءأ مبهرا بالاضافة الى الموهبة الشابة (تشانغ هويوين) هي الاخرى قدمت أداءا مميزا رغم انه الظهور الاول لها في هذا الفيلم . فيلم ( العودة الى البيت ) هو دراما عائلية مع مجموعة من المشاعرو الاحاسيس ، الشعور بالذنب والحب والمصالحة التي ظهرت في أعقاب الثورة الثقافية


رابط الفيلم للمشاهدة :
https://www.youtube.com/watch?v=Ds8IvvmwXrg&feature=youtu.be&fbclid=IwAR1jhQYKEeJ-wdl5WVJ5q_xh3xc8WLfnlwOQHseMAFKAL6UjPmgJ49YpMc8



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الشاب أحمد- فيلم يناقش تأثير الجماعات الاسلامية المتطرفة ع ...
- -موفق محمد - الراوي لشاعرة إسمها ( الحلة)
- -فرط التطبيع- فيلم وثائقي يؤرخ لمرحلة قلقة من تاريخنا المعاص ...
- (المنصّة) فيلم يتمحور حول الجشع البشري وإساءة إستخدام الموار ...
- -سيرجيو- قصة مثيرة للاهتمام لمن يريد متابعة حكاية مندوب الأم ...
- معتقلوا الراي في السجون العربية في خطر وباء كورونا .؟؟؟
- فيلم -مراثي السماوة-...مرثية وطن
- الراحل حامد الهيتي قامة بابلية وعراقية شامخة، ورمزا من رموزه ...
- -اللعبة العادلة - فيلم يكشف زيف الادعاء الاميركي بوجود أسلحة ...
- -الأوديسة العراقية- - فيلم يروي قصص العراقيين وهجرتهم
- فيلم - نأسف، لم نجدكم - صرخة بوجه النظام الرأسمالي وتحذير من ...
- (عدوى) - فيلم صدر قبل 9 سنوات لكنه يحاكي ما يعيشه العالم مع ...
- نساء تشرين علامة مشرقة في تاريخ العراق
- حرب التيارات الكهربائية بين توماس أدسون و نيكولا تيسلا في في ...
- فيلم ( 6 ايام)، يعيد الى الذاكرة حادثة اقتحام السفارة الايرا ...
- شجاعة المرأة الكردية وبطولتها في محاربة داعش ينقلها الفيلم ا ...
- المسلسل البريطاني - بغداد سنترال - يعيد الى الاذهان مأساة ال ...
- وداعا لينين الرملي ، الكاتب الذي سخرت اعماله الفنية من الواق ...
- الفيلم السينمائي الايراني -هس!.. البنات لا يصرخن- يطرح قضيةً ...
- الفيلم الالماني (بالون) دراما تجسد لحقبة زمنية من الحرب البا ...


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - (العودة الى البيت ) فيلم صيني يعري مرحلة عاصفة من تاريخ الصين