أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - زياد ملكوش - سيرة مدينة .. عمان في الخمسينات والستينات .. عندما كانت جميلة















المزيد.....

سيرة مدينة .. عمان في الخمسينات والستينات .. عندما كانت جميلة


زياد ملكوش
كاتب

(Ziyad Malkosh)


الحوار المتمدن-العدد: 6587 - 2020 / 6 / 8 - 01:17
المحور: سيرة ذاتية
    


عمان في الأربعينات … طرقها، بيوتها ، بساتينها ، مدارسها ، ناسها وعاداتهم وكيفية عيشهم . كل ذلك في كتاب عبد الرحمن منيف الذي يصبح بأسلوبه السردي الشيق وكأنه رواية . ولد عبد الرحمن منيف في عمان عام 1933 ( من أب نجدي من الجزيرة العربية وأم من اصل عراقي) وبقي فيها حتى أنهى الثانوية ثم رحل إلى بغداد لاستكمال دراسته لكنه طرد لأسباب سياسية (كان معاديا للانظمة العربية)حيث اكمل الدراسة في القاهرة ثم في بلغراد . عاش في عدة مدن عربية وفي فرنسا ثم عاد إلى دمشق حيث توفى .

اتذكر أشياءً قليلة ضبابية من الأربعينات فقد كنت طفلا صغيرا ، غير أني اتذكر عمان جيدا منذ الخمسينات وبعدها … كانت شوارعها قد اصبحت معبدة وامتدت بيوت كثيرة الى معظم التلال السبعة المحيطة بها والتي نسميها جبالا ، وازدادت البنايات الحجرية فيها وبعضها كان جميلا معماريا . كان السيل لا زال موجودا ، لكن الاشجار على ضفتية اصبجت اقل وبقي حتى تم سقفه عام 1964 على ماأظن، وللآن اشعر بالاسف على ذلك فالاسباب التي تم ذكرها لتبرير ذلك غير مقنعة : قالوا ان منابع السيل جفت كما يلزم عمل مجاري للمدينة . كان من ألممكن عمل مجاري بطريقة اخرى كما كان من الممكن رفد السيل بينابيع ومصادر اخرى علما بان ينابيع السيل لم تجف وانما كانت تقل احيانا حسب كميات الامطار من الشتاء ، واذكر عند بناء البنك العربي في سقف السيل في نهاية السبعينات على مااظن وعند الحفر لوضع الاساسات انفجر نبع غزير وتم جلب مضخات لتحويل المياه . عدد من المدن في العالم انشأت انهارا اصطناعية فيها لتزيد المدينة جمالا ( شيكاغو وسعت النهر الذي يمر وسطها ورفدته بمصادر مائية ) . ومسؤلينا يطمرون نهرا طبيعيا !. كان نبع دائم التدفق عند سبيل الحوريات وهو بقايا حمام روماني قديم وخان ، وكنا نسميه الكنيسة ، وبجانبه جسر صغير حجري على شكل قوس كنا نمر عليه للذهاب الى شارع الهاشمي . يوجد جسر آخر يمر فوق السيل قبل الميدان يربط بين الهاشمي والطريق الى جبل الجوفة والذي يسميه عبد الرحمن منيف “ العسبلي “ وهو ايضا اسم المدرسة الابتدائية في الميدان والتي اصبح اسمها لاحقا مدرسة بدر وهي بناء جميل بجانب المبنى الجميل ايضا لفندق فيلادلفيا وهو اول فندق حديث في عمان ( تم هدمهما مع مباني اخرى ليتم انشاء ساحة اسمنت وغبار بشعة ) ومقابله المدرج الروماني الذي كان لا زال يسمى درج فرعون . ولا احد يعلم لماذا، وكنت اتخيل فرعون يعلق نفسه في الغرفة الصغيرة اعلى المدرج والتي كانت في الغالب لجلوس الحاكم وحاشيته في العصر الروماني لان والدي عندما يتحدث عن موسى وفرعون كان يقول ان فرعون كان يؤمن بالله ، غير انه كان عنيدا ومكابرا لذا كان يعلق نفسه ليلا كالمشنوق ليعاقب نفسه طلبا للمغفرة . قبل الميدان بقليل كان السيل اعرض واكثر عمقا حيث توجد اسماك صغيرة وكثير من البلعط في الربيع كما كان من الممكن السباحة فيه ، غير ان بعض الصغار كانوا يخافون لانه يسمعوا بوجود حوامات يمكن ان تسبب الغرق . ومن تلك المنطقة على ضفتي السيل حتى المبنى الصغير الذي كان يسمى المطحنة ( وربما كان كذلك فعبد الرحمن منيف يذكر ان عددا من المطاحن كانت موجودة على ضفتي السيل ) كنا نسمع ان الساكونة تقيم فيه وتخرج بعد منتصف الليل لتخيف المارين او تخطفهم ، وكنت اتخيلها منحنية تغسل شعرها في السيل وتلتفت ثم تنقض على من يجرأ على المرور ليزعجها .

كنت العب كثيرا في تلك المناطق/الحارات/ وكنت اراقب النساء وهن بالثياب المطرزة التقليدية يحملن جرار الماء فوق ما يشبه مخدة صغيرة من القماش على رؤوسهن حتى بدون امساكها ، كنت احتار كيف يفعلن ذلك ، كن بدويات او من نساء مخيم الفلسطينيين في جبل الجوفة وكن يملئن الجرار من صنبور ماء كبير ياتي من نبع اسفل الجبل في نهاية الجسر ، وكثيرا ما كان ياتي بدوان مع جمال تجلس احيان قرب الماء تجتر الطعام . في تلك المنطقة كان يسكن رجل غريب كنا نسميه أبو خزقين ، بيته طيني قديم مع فناء واسع كنا نشاهد صقرا / او هكذا كنا نظن/ عندما يفتح احيانا باب البيت ليجلس في دكانة هي جزء من بيته حيث يبيع البيض ، لكنه قلما يفعل ذلك ، كنا نخشاه كثيرا إذ كان يتردد بيننا / نحن الصغار في الحارة/ انه قتل زوجته ودفنها في فناء منزله . كثيرا ما كنا والكثير من جيلنا نلعب هناك ابطال وحرامية والسقيطة وغيرها . اول معمل لانتاج المشروبات الغازية كان على ضفة السيل عند مدخل الجسر من جهة شارع الهاشمي وهو سحويل وكانت مشروباته تسمى كازوز وسحويل كولا ، ومقابل محله يتواجد كل يوم تقريبا كثير من الباعة المتجوليين اهمهم بائع الهيطلية وهي تشبه المهلبية لكنها غير محلاة ويتم وضع سائل حلو ملون عليها يشبه العسل . كثيرا ما كان ياتي اولاد يبيعون البوظة/ اسكيمو/ في صناديق خشبية كنا نشتري الواحدة بتعريفة ( 5 فلس ) . بالطبع هناك باعة شعر البنات وحاملة يا ملان ( حمص نيء محمص) والترمس والذرة وغيرها وحسب المواسم . هناك كان ياتي احيانا رجل يحمل شيئا عريضا على ظهره يسمى صندوق العجايب وكان ينادي : اتفرج ياسلام على …. ثم يسنده بركائز على الارض ويضع كراسي صغيرة كانت مطوية يجلس عليها الصغار بعد ان يدفع كل واحد منهم تعريفة ويضعوا عيونهم على عدسات صغيرة ينظرون من خلالها الى رسوم لعلي بن ابي طالب وابو زيد الهلالي وعنترة وفارس من العصور الوسطى يقتل تنيناً وغيرها من رسومات مشابهة كانت بوسترات صغيرة مثلها تباع في محلات كثيرة ، كان الرجل اثناء عرضه يقوم بتوصيف مايراه الاطفال سجعاً . شاهدت ما في هذا الصندوق الذي كان يبدو سحريا وغامضا / او هكذا كنا نظن/مرة واحدة وأُصبت بخيبة امل عندما رايت الصور التي كانت مالوفة لدي كما اكتشفت كيف يقوم هذا الرجل يصلق الروسوم مع بعضها البعض ويلف كل طرف بعصايتين يحركهما في نفس الوقت بحيث تفلت من عصاة وتلتف حول الاخرى . استعملت هذه الطريقة في مااسميته سينما بحيث الصقت رسومات كاريكاتير من مجلة الأطفال “ سندباد “ وكان صندوقي علبة احذية طورتها كثيرا بعد ذلك إذ كنت مولعا بالسينما منذ الطفولة .
نشأت عدة دور للسينما إضافة الى سينما الامارة المكشوفة وسينما البتراء التي كانت تعرض فيلمين بتذكرة واحدة الاول عربي(مصري) والثاني اجنبي كما كان يجري على مسرحها احيانا مباريات مصارعة وملاكمة اتذكر من بين الاسماء المصارع التركي خريستو كاداس والملاكمين الاردنيين فهد الطنبور وغريب البكري وكان لهذا الاخير محل لبيع الادوات الرياضية في شارع بسمان . غير بعيد عن متجره كان محل يعمل جاتوهات بشكل شهى في الواجهة الزجاجية ، وكنت احيانا اذهب مع صديق نجلس بداخله نأكل الكيك مع الشاي في اكواب وليس في كاسات كما معهود ، كان الجاتو لذيذا مثل شكله. دور السينما الاخرى بسمان وزهران ورغدان والفيومي التي اصبح اسمها لاحقا الخيام بعد تجديدها ومتاخرا سينما الرينبو في جبل عمان . السينما كانت التسلية الهامة الممتعة . لم يكن التلفزيون قد دخل بعد وكان الناس يستمعون الى الراديو لمعرفة الأخبار وسماع الاغاني وحتى التمثيليات الاذاعية ومباريات كرة القدم المصرية ، وفي فترة ما عندما بدات اذاعة صوت العرب تبث برامجها من القاهرة كان مجرد الاستماع اليها يمكن ان يجر الشخص الى المسائلة .
كانت عمان قد تمددت وكبرت مساحتها منذ الاربعينات وظهرت فيها باصات تسير من وسط البلد للجبال اذكر منها التي كنت استقلها احيانا : باص الحسين واللويبدة والمحطة وماركا ، كان هناك بعض التكاسي في البداية سرعان ما زادت ثم ظهر السرفيس الذي كان ينقل خمسة مسافرين . كانت معظم السيارات أمريكية وكنا نتبارى في حفظ ماركاتها : فورد وشفروليه وبلايموث ودوزوتو وتاونس ثم لاحقا الفكوكس فاجن والمرسيدس خاصة 190 .

كانت عمان تتغير في المناسبات ففي رمضان مثلا تظهر بسطات عمل وبيع القطايف ويزيد باعة السوس والتمر هندي والثلج إن كان الفصل صيفا فكثير من الناس في تلك الايام لم يملكوا عنها ، وكان هناك معمل لصنع الثلج في طلعة جبل اللويبدة . وغالبا بعد العصر يفتح البقالة الراديو حيث يقرأ عبد الباسط عبد الصمد القرآن خاصة الرحمن التي كانت ساحرة بصوته . في قمة جبل القلعة في الجهة المشرفة على البلد يتم احضار مدفع يبقى طيلة شهررمضان وأول ايام الافطار وكان يطلق عند المغرب ايذانا بالافطار والسحور ثم يطلق العديد من الطلقات عندما يتم الاعلان عن العيد وفي ايامة في اوقات الآذان . في العيد تكثر المراجيح على ضف السيل عند الجسر ويزيد الباعة وياتي الاولاد والبنات من معظم مناطق عمان وتسمع الاهازيج : اليوم عيدي يالالا ولبست جديدي يالالا فستان مرشرش يالالا عالسدر مرشرشو يالالا … و بكرة العيد وبنعيد ، بندبح بقرات السيد ، والسيد ما لة بقرة ، بندبح بنته الشقرة . ولم اكن افهم لماذا نذبح بنت السيد .
كانت برامج دور السينما اهم شيء في العيد بالنسبة لي والكثير من الاولاد غيري ، وتكون هذه الدور قد وزعت برنامج العيد يوم الوقفة ( اليوم السابق للعيد) ويتم ذلك احيانا برميها من طيارة . كانت معظم السينمات تبدأ برامجها في الصباح الباكر وحتى بعد المساء بعدة افلام لكل دار .

زاد عدد الجوامع بعد ان كان الجامع الحسيني هو الوحيد فهناك كان جامع الشركس في شارع الهاشمي وغيره . في بداية الخمسينات كان هناك بنكين فقط : العربي في شارع فيصل ومقابله العثماني ، لكن بنوكا محلية عدبدة ظهرت بعد ذلك . وقبل البنك العربي بقليل في مدخل سوق الصاغة كان المرحوم ابو احمد النيجيري يبيع الذ فستق سوداني في العالم . لابد من ذكر حوآء وهي امراة مسكينة مختلة عقليا كانت تسير من هناك باتجاه شارع الهاشمي ويلاحقها الاولاد هاتفين : حوا حوا ، هي كنابليون عمان في التسعينات .

هذه بعض الذكريات بدون تنسيق وغير مترابطة عن عمان بعد الاربعينات الى نهاية الستينات . هذه المدينة التي كانت فعلا جميلة لكن سوء التخطيط والتمدد االعمراني العشوائي الذي بدأ باكل المناطق الزراعية والمشجره بدلا من المناطق شبه الصحراوية ادى الى تشويهها ، وهي الآن من ابشع المدن واكثرها تلوثا . قد اعود الى الحديث عن عمان عندما كانت جميلة .



#زياد_ملكوش (هاشتاغ)       Ziyad_Malkosh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمن الجميل
- وحدها شجرة الرمان .. تعرف
- طاعون كامو في زمن الكورونا
- كان ياما كان فيروس اسمه كورونا
- بعيدا عن الكورونا والسياسة
- الدكتاتوريات في زمن الكورونا
- ربيع الشعوب وخريف الانظمة
- اعلان عن جريمة
- العرب والتخلف
- المساواة في الميراث
- وايران ايضا
- نحن وتركيا وايران


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - زياد ملكوش - سيرة مدينة .. عمان في الخمسينات والستينات .. عندما كانت جميلة