أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم ابراش - ما بين الأصولية الإسلاموية والأصوليات الدينية الأخرى















المزيد.....

ما بين الأصولية الإسلاموية والأصوليات الدينية الأخرى


إبراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 6574 - 2020 / 5 / 26 - 21:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أينما يممت النظر في العالم الإسلامي، وخصوصاً العربي منه، إلا ووجدت جماعات أصولية إرهابية تقتل وتخرب، في سوريا وليبيا والعراق واليمن وتونس ومصر وقبلهم في الجزائر والمغرب ودول أخرى عربية وغير عربية، وما ألحقته هذه الجماعات من خراب ودمار وقتل في ديار المسلمين يفوق بكثير مما فعلته بأعداء الإسلام والمسلمين.
فماذا تريد هذه الجماعات؟ وما شكل الدولة ونظامها الاجتماعي والاقتصادي والتنموي والتعليمي الذي ترومه كبديل عن الدول والأنظمة التي تعمل على تدميرها؟ وهل لهذه الجماعات مرجعية سياسية وفكرية وتنظيمية واحدة توجِه تفكيرها وتنسِق أعمالها في الدول المختلفة التي تنتشر فيها؟ أم أن القرآن والسنة والسلف الصالح مرجعيتها كما تزعُم؟ وهل القرآن والسنة والسلف الصالح مرجعية للقتل والإرهاب وتخريب الدول؟ أم مرجعية للبناء والسلام والمحبة وإعمار الأرض كما كان الأمر في العصور الزاهية للمسلمين؟ ولماذا الأصوليات الإسلامية من بين كل الأصوليات الدينية، هي التي تمارس الخراب والدمار وتسير عكس مسار التطور العلمي والحضاري ؟.
في عام 1994 نشرنا بحثاً في مجلة المستقبل العربي العدد 194 الصادرة في بيروت عن مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان "حدود استحضار المقدس في الأمور الدنيوية: ملاحظات منهاجية"، وقد تمحور البحث حول ملاحظة أننا كمسلمين عرب من أكثر الشعوب استحضاراً للرب أو المقدس في كل مناحي الحياة، وقد خَلُصت في البحث إلى ضرورة إزالة الخلط بين ما هو مقدس سماوي أو رباني وما هو مقدس من صنع البشر، والفصل بين الدين والسياسة، وهو رأي سبقني إليه كثير من المفكرين والمثقفين المتنورين الذين تمردوا على رهاب الخوف من الخوض بأمور الدين بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن الخوض بأمور الدين من اختصاص (رجال الدين) فقط ، وكان لا بد من كسر هذا التابو أو المجال المُحرم عندما وجدوا أن ما يسيء للإسلام هي جماعات تتلطى بالإسلام ومن ينصبون أنفسهم فقهاء ورجال دين بالإضافة إلى توظيف الدين من طرف بعض الأنظمة.
ولكن يبدو أن الأمور سارت نحو مزيد من الخلط بين المقدس وغير المقدس لدرجة أصبحت بعض الجماعات والتوجهات الدينية تصطنع مقدساتها الأكثر قدسية من المقدس السماوي وتنصِّب نفسها مفوضاً عن الرب، إن لم تؤله نفسها.
كل المجتمعات البشرية المتحضرة بكل دياناتها تسعى لتعمير الأرض والأخذ بناصية الحضارة وحسمت أمر علاقة الدين بالدولة وفصلت بين ما هو ديني وما هو دنيوي وآل الأمر إلى نوع من المصالحة ما بينهما ليصبح الدين في خدمة الدولة والمصلحة العامة والتطور الحضاري دون أن يكون في ذلك أية إساءة للدين، إلا عندنا كمسلمين وخصوصاً (الإسلاموية العربية)، حيث الجماعات الإسلاموية العربية تسير عكس تيار الحضارة والتقدم وعكس المصلحة الوطنية للشعوب بل وعكس روح الإسلام والفهم العقلاني لرسالته السامية بحيث وظفت الدين وشطَّت في تفسيره وتأويله بما فيه إساءة للإسلام وخراب للأوطان.
صحيح، توجد جماعات أصولية متطرفة في كل الديانات إلا أن الأصوليات الإسلاموية العربية نشاز عن كل الأصوليات وخصوصاً فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة والمجتمع. الأصوليات الإسلاموية العربية تغالي في تطرفها حيث إنها: تدَّعي أنها ناطقة باسم الإسلام والمسلمين بل وباسم رب العالمين، أصولية متخلفة حضارياً وأخلاقياً وإنسانياً، تعادي وتُكفر كل من يختلف معها في الرأي والعقيدة، تهتم بشكليات التديُّن وتتجاهل جوهر الدين، نزعت الدين من مجاله ووظيفته الأنطولوجية السامية وهي التقرب إلى رب العالمين بالعمل الصالح وإعمار الأرض وإشباع الحاجات الروحية للإنسان وحولته إلى أيديولوجيا، تخرب الأوطان وثقافتها ولا تؤمن بها، تعادي الديمقراطية والتقدم والحداثة وإن تعاملت معهما فكأداة للتمكين والسيطرة، تثير الفتنة والأحقاد حتى بين المسلمين أنفسهم، مشتَّتة التوجهات، متضاربة المصالح، عداواتها وصراعاتها مع بعضها البعض ومع المسلمين أكثر شراسة وخطورة من عدائها مع غير المسلمين، صوت وتأثير الأموات عندهم أعلى وأهم من صوت وتأثير الأحياء، أصولية إسلاموية تنقلب على وتتعارض مع التفسير العقلاني للدين وتأخذ منه ما شذ من المتشابهات وتتجاهل ما هو بيِّن من حق وباطل، تُكرِه الناس على الخضوع للملتحين والمعمَمين والمتجلببين والمتسلحين بجهلهم وبسلاح الموت، وتتجاهل أهل العلوم بمختلف تصنيفاتها المتسلحين بتقوى الله دون شكليات وبشهاداتهم العلمية وخبرتهم وصناعاتهم، أصولية تهتم ببناء المساجد أكثر من اهتمامها ببناء المدارس والمصانع والمستشفيات ومراكز الأبحاث، بل تناوئ وتعادي العلم والعلماء و كل مظاهر الحضارة.
كل الشعوب تحترم تاريخها وموروثها الديني والثقافي ولكنها لا تحبس نفسها داخله، كما أنها تميز ما بين المقدس منه وغير مقدس، وما بين المقدس السماوي المُنزل من رب العالمين أو موحى به منه والمقدس الأرضي أو ما يصطنعه البشر من مقدسات لتحقيق أغراض دنيوية، كما أن هذه الشعوب ومن خلال التجربة والإدراك العميق لمغزى الدين توصلت إلى أن سَوسَ وإدارة أمور الناس شأن الناس أنفسهم وليس من اختصاص الرب أو من اختصاص رجال الدين، وأنه حيث يكون الحكم بيد الكهنوت أو رجال الدين يكون الاستبداد والطغيان والفوضى، وأن الأحياء أبقى من الأموات، وأن صلاح السلف يقاس على زمانهم وما يَصلُح للماضي ليس بالضرورة أن يصلُح للحاضر، وأن الجيل الراهن من العلماء والخبراء المتخصصين في كل المجالات أكثر فَهْماً وقدرة على التعامل مع قضايا الأمة واحتياجاتها من السلف الصالح ومن رجال الدين مهما علا شأنهم، وأنه كلما علا شأن الدولة وتقدمت وازدهرت علومها ومجتمعها كلما أصبح دينها أكثر احتراماً وتقديراً داخلياً وخارجياً .
هذا هو الحال بالنسبة للمجتمعات التي تُدين بالمسيحية والهندوسية والبوذية والموسوية والديانات والمذاهب الأخلاقية في الصين وأفريقيا الخ. فالمسيحية عند الشعوب التي تُدين بها لم تقف حائلاً أمام تقدم هذه الشعوب بل أصبح الغرب المسيحي، كما تنعته الأدبيات الإسلامية، سيد الحضارة والتقدم ومنبع ومصدر كل اختراع وإبداع مُفيد للبشرية في الطب والتكنولوجيا بكل أنواعها، في الزراعة وحماية البيئة والنقل والمواصلات والاتصالات، وهي إبداعات استفادت منها كل الشعوب بما فيها الشعوب الإسلامية التي ما كانت تخرج من حالة الجهل والتخلف في العصر الحديث لو بقيت منغلقة على تراثها وعلوم ومعارف السلف والتفسيرات الانتقائية والملتبسة للقرآن والسنة.
أخذُ الغرب بناصية العلم والحداثة لم يكن على حساب الديانة المسيحية أو حق ساكنة الغرب من مسيحيين وغيرهم من أصحاب الديانات ممارسة شعائرهم الدينية، بل اكتسبت الديانة المسيحية الاحترام والتقدير عندما خضعت الكنيسة ورجال الدين طواعية للدولة الوطنية وقوانينها الوضعية.
ونفس الأمر بالنسبة للشعوب الأخرى بدياناتهم ومنظوماتهم وفلسفاتهم الأخلاقية كالصين واليابان والهند التي بها عشرات الديانات السماوية والوضعية حتى بالنسبة للوثنيين وعبدة النار الخ، حيث لم تقف دياناتها ومعتقداتها الغيبية عائقاً أمام تقدمهم ونهضتهم. هذه الأمم تجاوزت مرحلة الصراعات والحروب التي كان سببها تعدد تفسيرات وتأويلات رجال الدين، وفي جميعها كان السمو لإرادة الشعب وللقوانين الوضعية وللعلم دون المس بحرية العبادة.
حتى عند اليهود تم توظيف العقيدة اليهودية حتى في تمظهراتها المتطرفة وبكل ما يعتريها من خرافات وتزوير، لخدمة الدولة وتأسيس مجتمع حضاري عصري، وكيف أن كل الأحزاب الإسرائيلية وعندما يتعلق الأمر بوجود الدولة وضرورات نهضتها وتطورها وحمايتها من المخاطر الخارجية يتناسون خلافاتهم، ويصبح اليهودي الأكثر شعبية وإخلاصاً لدينه هو الأكثر دفاعاً عن الدولة والمصلحة العامة، أما الخلافات على أساس ديني بين اليهود فهي مجرد ورقة للابتزاز السياسي والمالي ولم تشكل يوماً تهديداً لوجود الدولة.
صحيح، إن الدول غير الإسلامية بمجتمعاتها وأديانها وثقافاتها تتفاوت ما بين غرب استعماري وإمبريالي واستغلالي يتخوف من وحدة العرب والمسلمين ونهضتهم بل ويحاربهم، ودول إن لم تكن معادية للعرب والمسلمين إلا أن لها مصالحها القومية ونزعاتها الدينية والثقافية التي لا تتوافق دائماً مع مصالح العرب والمسلمين بل أحياناً تتصادم مع المسلمين في الدولة الواحدة كما هو الحال في الهند والصين وبورما وحتى في الغرب، ولكن ،هل يمكن مواجهة (أعداء الإسلام) بحالة التخلف والجهل الحضاري والسياسي والثقافي التي عليها وفيها حال المسلمين؟ وإلى متى سيتم السكوت عن مصادرة الدين الإسلامي من طرف قلة من الجهلة والمتخلفين والمرتزقة والمتطرفين الذين يتاجرون بالدين لإرضاء شهواتهم ورغباتهم المنحرفة أو لصالح دول وحكومات معادية للعرب وللإسلام الحقيقي؟ هل تساءل العقلاء في أمة الإسلام لماذا كان للغرب وأدواته في المنطقة دورٌ في صناعة وتمويل وتوجيه غالبية الجماعات الإسلاموية، من القاعدة إلى داعش والنصرة مروراً بجماعة الإخوان المسلمين ومئات الجماعات الأخرى؟ لماذا لو خُيِّر شباب المسلمين ما بين العيش في ديار الإسلام أو العيش في ديار الغرب النصراني والعلماني لاختار أغلبهم الأخيرة ؟.
المشكلة لا تكمن في الدين أو البعد الروحاني عند البشر ولا في أصل الدين كفكرة أو نصوص مقدسة، ولا في الإسلام الذي أسس في زمن مضى حضارة كانت نبراساً للعلم والمعرفة ومنها وعليها أقام الغرب حضارته، بل في جماعات أصولية صادرت الدين الإسلامي وفسَّرته على غير أصوله الحقيقية، ووظفته كأداة للارتزاق والصراع للوصول إلى السلطة. إنها جماعات تعبر عن نهج في التفكير والممارسة يسيء للإسلام والمسلمين أكثر مما ينفعهم، وإن استمر حال المسلمين على ما هم عليه فلن يكونوا خير أمة، لا في الدنيا ولا أعتقد أنهم سيكونون كذلك في الآخرة.



#إبراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرارات ملتبسة ولكن يمكن البناء عليها
- تساؤلات في انتظار إجابة من القيادة الفلسطينية
- القضية الفلسطينية بعد 72 عاماً على النكبة
- تسطيح وتجريف المشهد السياسي الفلسطيني
- المطلوب مراجعة استراتيجية شاملة وليس مجرد ردود افعال
- ضم إسرائيل للأراضي وفزاعة تنفيذ قرارات المجلسين
- الفلسطينيون ما بين خطر الكورونا ومخاطر الاحتلال
- الكورونا واحتمالات حرب عالمية ثالثة
- الكورونا يضع النظام الدولي على المحك
- الحكومة الفلسطينية وتحديات الكورونا
- حكومة الوحدة والقائمة العربية وذكرى يوم الأرض
- من عالم ما بعد الحداثة إلى عالم ما بعد الكورونا
- مقاربة سسيوثقافية لوباء الكورونا
- ماذا بعد هوجة التنديد بصفقة ترامب - نتنياهو ؟
- قراءة في الانتخابات الإسرائيلية وتداعياتها
- الفلسطينيون والإسرائيليون ،صراع مفتوح وتواصل محتوم
- هل انتهى فعلاً المشروع القومي العربي الوحدوي ؟
- التمسك بقرارات الشرعية الدولية لا يكفي لوحده لمواجهة صفقة تر ...
- قرارات الإدانة والشرعية الدولية لا يكفيان لمواجهة السياسة ال ...
- ردود الفعل على صفقة ترامب اخطر من الصفقة ذاتها


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم ابراش - ما بين الأصولية الإسلاموية والأصوليات الدينية الأخرى