احمد جليل البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 29 - 13:30
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قد لا يختلف أثنان ان هناك حاجة ملحة لتبني الحداثة في دول المشرق والمغرب العربي لما تعانية هذه الدول من واقع لا يتناسب مع مكانتها الحضارية والتاريخية. من هذا الباب أصدر الاستاذ سعيد ناشيد كتابه الحداثة والقران, ومن هذا الباب ايضا" قمت انا بشراء كتابه لعلي أجد في سطوره اجابة عقلانية وخارطة طريق منطقية لتجاوز ارهاصات الماضي والحاضر. حاول الكاتب, كما عبر, استلهام مقاربات الفارابي وابن عربي لمفهوم النبوة وكذلك اراء عبد الكريم سورش ومحمد الشبستري ومفاهيم صاغها جورج طرابيشي و شروحات قدمها علماء القران القدماء ليقدم نقدا" غايته ان يعيد علاقة المسلم مع نصه الاول (المصحف). ولكن, لم يوضوح الكاتب, سعيد ناشيد, كيف ستساهم هذه العلاقة الجديدة, ان وجدت, في تبني دولنا لحداثة. في الحقيقة. لم يعرف الكاتب, الحداثة, في كتابه ولا مقوماتها ولا عناصرها مما يصعب على القارئ فهم غاية الكتاب الاساسية وهي الولوج في الحداثة. على هذا اساس, لن يناقش هذا المقال الحداثة ولكنه سيناقش دعوة الاستاذ سعيد ناشيد من الناحية العقلية والعملية. دعوة الاستاذ بنيت على أساس ان للقران ثلاث حالات منفصلة يجب التفريق بينها وهي: حالة الوحي المتمثلة بالصور الوحيانية التي استشعرها الرسول, حالة القران المحمدي المتمثلة بكلمات الرسول التي تعبر عن بيئة الرسول وفهمه لصور الوحيانية, واخيرا حالة المصحف العثماني المتمثلة ب جهد المسلمين في تحويل القران المحمدي من ايات شفهية متناثرة الى مصحف واحد (مصحف عثمان ابن عفان). الهدف الواضح من هذا التنصيف هو ما بينه الأستاذ ناشيد بشكل واضح بقوله:
" ان الوحي الألهي بعد أن صيره الرسول عليه السلام قرأنا"محمديا", ثم صيره المسلمون مصحفا" عثمانيا", صار نصا" بشريا" بلغة البشر وعلى قدر افهامهم."
وهنا قد يطرح القارئ الاشكال العقلي الاتي, وهو لماذا لم يتمكن الخالق أو الوحي من مخاطبة الرسول بلغته؟ ولماذا احتاج هذا الخالق او الوحي الى استخدام الصور الوحيانية ومن ثم الاعتماد على ترجمة الرسول؟ اكثر من ذلك, اذا كانت ترجمة الرسول معبرة عن الصور الوحيانية كما ارادها موجد الصور فلا معنى لأعتبارها حالة مختلفة عن الصور الوحيانية وان كانت مختلفة بأي شكل من الاشكال فهذا النقص مرده الوحي وعدم قدرته على ايصال الصور بشكل يستطيع الرسول ترجمتها أو قصور الرسول الذي اختاره الوحي نفسه وهذا يدخلنا في أشكالية لا محل لمناقشتها هنا. بكل الاحوال, الجواب على هذا الاشكال العقلي ليس بالأمر الهين لانه ليس بالامر الذي يمكن دراسته بشكل علمي أكاديمي.
على فرض تقبل القارئ لهذه الفرضية الاساس للكتاب, فسيكون السؤال التالي هو كيف سيساهم الاقتناع بهذه الفرضية في ولوج دولنا في عالم الحداثة؟ للأسف لا يوجد اجابة عن هذا السؤال لأنه كما بينا سابقا بأن الكتاب لم يتعرض للحداثة لا من بعيد ولا من قريب. ولكن, يجد القارئ جواب مباشر لعواقب عدم ايمانه بهذه الفرضية في فصل " هل هناك نص مقدس؟" :
"ربما نحن نقف االيوم على أبواب الحداثة, او هكذا يفترض, لكننا نقف عاجزين مترددين, ......., لا نجرؤ على الولوج ولا نستطيع الرجوع. أمامنا عقبة تعيقنا وتمنعنا: النص الديني, بكل تراكماته ومتفرعاته."
هذه الكلمات تعبر عن سبب كتابة الكاتب لكتابه فهو يؤمن بأن المصحف المقدس يقف عائقا" أمام الحداثة لأنه تم انتاجه في مراحل كان فيها المجتمع بلا مؤسسات والسلطة بلا قوانين والمعرفة بلا مناهج وبالتالي لابد من أن يتم إزالة القدسية عنه وبهذا نزيل العائق. وبالتالي يمكننا القول أن منطق كاتب قائم على المنطق الارسطي الأتي:
النصوص المقدسة تقف عائقا" امام الحداثة (مقدمة كبرى)
المصحف نص مقدس ( مقدمة صغرى)
المصحف يقف عائقا امام الحداثة (استنباط)
وكما هو معروف للمشتغلين بالمنطق الارسطي ان المقدمة الكبرى محورية لوصول الى استباط صحيح. بالضرورة قد يعاني الكاتب كثيرا" في محاولة اثبات مقدمته الكبرى في دول تبنت الحداثة منذ عقود مثل الولايات المتحدة والنص الديني فيها ما زال مقدسا". لو كان الكاتب فسر لنا الحداثه ومقوماتها لكانت الجواب على هذا الاشكال أيسر. ولكن قد يتسأل القارئ لماذا هذا التحامل على النص الديني ودوره في ابعاد دولنا عن الحداثة. هل لدينا الجامعات والانظمة السياسية والأقتصادية والادارية التي تتطلبها الحداثة؟ هل ساهم النص الديني أو منع النص ديني أقامة جامعات علمية وبحثيه لنجعله عائقا" أمام الحداثة؟ هل منع النص الديني في المغرب أو تونس أو لبنان او مصر أو العراق من اقامة مؤسسات بحثية متطورة أو أنظمة سياسية أو أدارية لتكون معبرا" لنا الى الحداثة؟ هل فعلا" ان طريقنا نحو الحداثة يمر بالنص المقدس قبل ان يمر بالمؤسسات والجامعات والبنوك والإدارة اليومية لمؤسساتنا؟ هل فعلا" نحتاج ان ندخل في حروب جانبية غير علمية وغير عقلية حول النص والوحي والقدسية ونحن لا نملك مقومات الحداثة من جامعات ومراكز بحثية وأنظمة سياسية واقتصادية وأدارية معتبرة؟ أسئلة كثيرة يجب ان يجيبنا عليها من يدعونا الى الاشتغال بالنص قبل المؤسسات لندخل الحداثة. بأعتقادي, ان الدول التي لا تملك مقومات الحداثة من مؤسسات علمية وأقتصادية وقانونية وأدارية مستقلة وقوية لا يمكنها ان تحكم على دور النص الديني فيها سواء أكان مقدس ام غير مقدس.
الأشكالية المهمة الاخرى نجدها في فصل "القرأن ليس هو الوحي." وهو دعوته للفصل بين الماضي والحاضر بشكل قاطع ونهائي على اعتبار أن الماضي يمثل تفكير امة قد خلت لها ما جنت وعليها ما اسرفت أو قصرت. هذه القطيعة المنشودة انسحبت حتى على المحطات التي يمكن استخدامها كمرتكزات للأنتقال للحداثة مثل مبدأ الشورى والأمر بالعرف. هذه المرتكزات التي يمكن استخدامها للتواصل مع قلوب الجماهير قبل عقولها في سبيل احراز الكتلة المؤثرة. لما يراد لنا أن نقاطعها؟ من جانب اخر, يتم الاشارة بمناسبة او غير مناسبة على مرتكزات بالية انتهت عمليا" مثل أهل الذمة والجزية في نفس الفصل. لماذا نترك ما يخدمنا ونفعل ما لا يخدمنا كطبقة وضيفتها مخاطبة الجماهير؟ وهل اصبحنا بهذا الممثلين الرسمين لحركات التشدد الأسلامي. نقول ما يقولون؟ بكل الاحوال هذه القطيعة المرجوة صعبة المنال وان كانت هي مدخلنا الوحيد الى الحداثة, فعلى الحداثة السلام. أخيرا", يقدم الكاتب الكثير من الفرضيات صعبة الاثبات, منها تأثير يتم الرسول محمد فيما خط المصحف من أيات أحسانية تدعو لأحسان لليتامى. وهنا قد يسأل سائل ما تبرير الاحسان لليتامى والمساكين وفي الرقاب وغيرهم وهل مر الرسول محمد بهذه الاطوار ايضا. ومن الفرضيات ايضا", الدعوة الى القتال وهو ما يعتبره الكاتب امر يعود لعصور العنف وقبل الحداثة وكأن الدول الحداثويه ليس لديها جيوش ولا تحارب في بقاع العالم المختلفة.
لا يجب ان يزاود احد على اهمية الحداثة وأدواتها في تحسين وضع الانسان وحياته اليومية. ولكن كما أن الحداثة تحسن ادواتها بأستمرار وتنتقي الفاعل منها وتهمل ما عداه.من واجبنا نحن اليوم ان نختار ادواتنا بدقة بهدف النجاح لا بهدف المثالية ولا بهدف الشعارات الرنانة حتى لا يستمر مسلسل الخسارة والمعاناة. التركيز على أسؤا مافي التفسير والتأويل والممارسة لغرض أيجاد القطيعة مع النص ليس من الادوات الواعدة التي يؤمل لها ان تنجح في تسيير الجماهير نحو الحداثة. للأسف هذه الدعوة للقطيعة تؤكد ما ذهب أليه علي حرب في كتابه أوهام النخبة, حيث أكد ان المثقفين لا دور حقيقي لهم في التغيير الأجتماعي والسياسي وانهم اثبتوا فشلهم لأنهم ببساطة لا يعرفون كيف تلعب اللعبة. عدم المعرفة بأصول اللعبة قد يكون مرده التفكير بالامور بشكل مثالي بعيدا" عن الواقع كما اشار الدكتور علي الوردي في كتابه منطق ابن خلدون. حيث يذكر الوردي في كتابه قصة طريفه عن جماعة من المفكرين الأوربين في القرون الوسطى كانوا يتناقشون حول اسنان الحصان وبالرغم من أن الحصان كان قريبا منه وأنهم كانوا قادرين على الذهاب أليه وفحص اسنانه, ألا أنهم لم يفعلوا لأنه غمل غير لائق بالمفكرين الذي عليهم التوصل الى الحقائق والحلول عن طريق الفكر المجرد.
المصادر
علي حرب, أوهام النخبة او نقد المثقف, ط.3, المركز الثقافي العربي, الدار البيضاء, 2004, ص.13
علي الوردي, منطق ابن خلدون, ط.3, الوراق للنشر, بيروت, 2003, ص 31
#احمد_جليل_البياتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟