أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين حسن العنزي - لايوجد إنسان خُلق لكل شيء














المزيد.....

لايوجد إنسان خُلق لكل شيء


حسين حسن العنزي

الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 12 - 18:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مِن أصعبِ الأشياءِ على الإنسانِ أن يَعرفَ نفسَهُ وحدودَها، ولو استطَاعَ ذلك فقد وضَعَها حيثُ يجبُ أن توضع، وساسَها كما يُريد، وهي شاخصةٌ أمامَهُ يُجِيلُ عينيهِ في كلِّ زاويةٍ منها.

دعكَ من حديثِ تُجّارِ الوهمِ وقولِهم: أن كل إنسانٍ هو سوبرمانُ هذه الحياة، وأن من وقفَ لغايةٍ أخذَ بها رغمًا عن أنفِ الكونِ والمنطق! تبًا لهذه المَخرَقَة!

يا عزيزي لا يوجد إنسان قد خُلِقَ لكل شيء، إنَّ أمهرَ جَرَّاحٍ على وجهِ الأرضِ قد يكونُ أسوءَ ميكانيكِيٍّ عليها! وإن كان أمهرَ جرَّاحٍ وأحذقَ ميكانيكيٍّ فقد يكون أفشلَ كاتبٍ، وهكذا. ولا غَروَ حينها ولا لومَ عليه إلا إذا اعتقدَ أنَّ في ذلك ملامةً فحشرَ أنفَهُ في كل شيءٍ من أشياءِ الحياةِ يُريدُ الأخذَ بحذافيرِه، وأنَّى لهُ ذلكَ ولو عمِّرَ عُمرَ نوحٍ -عليه السلا.!

إن الحياةَ الجميلةَ تسيرُ هكذا أيها القارئُ الجميل، هكذا خلقها العظيمُ وكتبَ عليها الاختلاف، وكلُّ شيءٍ فيها وضع في موضعه، فقط يؤدّي ما عليهِ ولا عليه.

قال - تعالى وارتَفَع- : {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} أي بعضهم مُسَخَّرٌ لبعض، فالحدادُ يحتاجُ النجار، والفلاحُ يحتاجُ التاجر، والطبيبُ يحتاجُ السائق، وعالمُ الذرةِ يحتاجُ عامل البناء. وهلمَّ تمثيلًا. ولا يوجدُ إنسانٌ يتقن كلَّ شيءٍ، أو يستغني عن كلِّ شيء، فهو مدنيٌّ بطبعهِ أبدًا، وكما أنه لا يُغنيكَ العالَمُ كلُّهُ عن شخصٍ ما، لا يُغنيكَ شخصٌ ما عن العالَمِ كلِّه.

هذا رجلٌ ذكيٌّ فَطِنٌ يقصدُ العلامةَ الفراهيدي -عليه رحمة الله- ليتعلمَ منه العروض، فيمكثُ عنده قطعةً من الزمنِ لا يُزحزِحُ ذهنَهُ في العروضِ إلا كما يُزحزِحُ الصبيُّ الناشئُ الصخرةَ المُعَمِّرَة! فيدركُ الفراهيديُّ ذلك ويقول له: قَطِّع هذا البيت:



إذا لَم تَستَطِع شَيئًا فدَعهُ وجَاوزهُ إلى ما تَستَطُيعُ

فيفهمُ الطالبُ ذلكَ ويمضي يطوي الحياةَ إلى ثَغرهِ الصحيح، فهو ذكيٌّ كما ترى إذ فهمَ مُرادَ الشيخِ من لَمحَةٍ دالَّة، ولا يعني أنه ذكيّ، أنه عروضيّ.

وكم أتمنى أن لا تفهمَ من كلامي هذا الدعوةَ إلى تركِ تطويرِ الذاتِ واكتسابِ المعارف، أو الدعوةَ إلى إخمادِ فَورَةٍ الطموح، وقَتلِ الأمل، والإخلادِ إلى الأرض، (تخيَّلْ ألفَ "كَلَّا" مكتوبةً هنا) وإنما مرادي ألّا تأخذَ السماديرُ والأوهامُ بناصيتِك، وألّا تَذُرَّ عمركَ في نسائمِ التشهّي، وأن تَنكُتَ أرضَ نفسِكَ بعصَا التَجَرُّد، وأن تستخرجَ حقيقَتَك، وأن تقِفَ أمامَها وجهًا لوجه، وألّا تَكذِبَ أنتَ عليكَ فَبدايةُ كذبِ الإنسانِ على الحياةِ كَذِبُهُ على ذاتِه، وأن تَجتَهِدَ في أن تَقِفَ حيثُ يجبُ أن تَقِف، لا حيثُ تُحِبُّ أن تَقِف.



د. حسين العنزي/ جامعة الكوفة



#حسين_حسن_العنزي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة التعايش المشترك
- المصرون على الحنث العظيم غروراً !!!
- علم النميات
- لا تكن مثل عدوك
- الطائفية مرض العضال المزمن
- المكتبة في أوغاريت
- العدل والظلم في معطيات الأديان الوضعية
- الموروث الوطني ودوره في تنمية الانتماء الوطني


المزيد.....




- مقتل أمريكي وإصابة 16 في غارات روسية ليلية على كييف
- ورقةُ ضغط أم أزفت الآزفة؟ ترامب يدعو سكان طهران لمغادرة العا ...
- آخر تطورات المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية لحظة بلحظة
- وكالات: تقرير عن حادث بحري قرب مضيق هرمز
- الحرب بين اسرائيل وايران : قصف يطال التلفزيون الإيراني وطهرا ...
- شهداء بقصف على نازحين والقسام والسرايا تستهدفان قوات الاحتلا ...
- مصادر لـCNN: ترامب يوجه أعضاء إدارته لمحاولة لقاء مسؤولين إي ...
- عاجل.. إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صار ...
- هآرتس: إسرائيليون وأجانب يدفعون آلاف الدولارات للخروج بحرا إ ...
- رئيسة الصليب الأحمر: المدنيون يدفعون ثمن تراجع الالتزام العا ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين حسن العنزي - لايوجد إنسان خُلق لكل شيء