|
-موت النقد الأدبى- :
محمد حامد السلامونى
الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 12 - 12:15
المحور:
الادب والفن
(النقد الأدبى) فقد مبررات وجوده ... إذ لم يعد يستند إلى شئ [ فى إطار تلاشى المرجعيات القديمة ، التى كانت الدولة القومية (القوية) هى الضامنة لوجودها ؛ كـ (النماذج المعرفية والجمالية والأيديولوجية) ، الناتج عن : تدمير العلامة ، واغتيال الواقع الحقيقى ، وموت الإنسان كذات عارفة متملكة لموضوعها ].. مع ملاحظة أن (النقد) حين تمحور - فى السنوات الأخيرة - حول دراسة (الخطاب) ، فذلك كان يعود إلى أن الأدب نفسه كان قد تحول إلى ممارسة خطابية ، أى إلى (رسالة ؛ بشأن موضوع محدد ، مما يقتضى وجود مرسل ، ومرسل إليه) .. هذا وقد تناوبت على بؤرة السرد (الروائى والأقصوصى) ، وفى سنوات ليست طويلة ، عدة (موضوعات – عوالم) متعلقة بـ (التعدد الصوتى ؛ بما هو التعدد الأيديولوجى) ، ثم (الجسد) ، تليه (السيرة الذاتية) وتداعياتها ، كـ (الأحلام ) ، ثم أخيرا (الصورة ذاتها - بما هى مركز الواقع الإصطناعى الذى نحياه الآن) ولاشك أن تلك ، فى ذاتها ، تعد علامات بؤرية دالة على تحولاتنا السوسيو ثقافية .. وكما نلاحظ ، فقد انتهى عصر الأيديولوجيا ، ومعه السرد الأيديولوجى ، بالإنفتاح على (الآخر - المختلف) ؛ بماهو جزء لا يتجزء من وعى الأنا بنفسها وبالعالم ، وهو ما يشير إلى أن (الأنا) - لدينا - حين بدأت فى الحضور فى الأدب ، بدأت بالطرح الهيجلى (متجاوزة الطرح الديكارتى البسيط) ، ثم تحولت عنه إلى الجسد (النيتشوى) ، ومن الجسد إلى (السير الذاتية ، باعتبارها التاريخ الذاتى - لا التاريخ العام) ، وهاهى تحدق فى كهوفها الداخلية ، محاولة التفتيش فى لاوعيها نفسه ، عوضا عن (مرايا الوعى القديمة وما " ينعكس " عليها) ، بحثا عن الأساطير التى تسكنها ، وعن الوحوش الرمزية ، المترسبة فى أعماقها .. إذن ، لقد صارت (الذات) هى الشغل الشاغل لأنا الكاتب ، أى أن الذات تتخذ الآن من نفسها موضوعا لنفسها ، لتتحول – وبكثافة - إلى (شاهد ومشهد) .. وبعبارة موجزة ، المسافة من (أنا أفكر إذن أنا موجود) إلى (أنا جسد إذن أنا أريد) ، تمر عبر (الآخر) ، لكن ... (من أنا ، وما حدود إستطاعتى ، وما الذى يمكن لى معرفته - فى الواقع الإصطناعى ؟) .. هكذا انتهت الحداثة إلى أن الإنسان الذى كان يعتقد بأنه فاعل البنيات كلها ، صار مجرد مفعول به ؛ إذ تنتجه البنيات (بنية التاريخ – ماركس ، بنية اللاوعى – فرويد ، بنية اللغة – دى سوسير ، بنية الخطاب – فوكو ، بنية الإستعارات – لايكوف وجونسون ... إلخ) ، وطالما أنه مجرد مُنتَج بنيوى ، فكيف له إذأً أن يدعى إمتلاك العالم بالوعى والهيمنة عليه ؟... إنه لا يعرف نفسه !... من هنا كان التحول ما بعد الحداثى (المحتفى بالجزئى والفردى ...) ، المضاد للهيمنة التقنية (كتجسيد للنسق الكلى) ؛ (رغم تواطؤه الضمنى معها) ...
وما يحاوله (النقد) الآن ، هو الإشتغال على (الخطاب) ، عبر مفاهيم وآليات عديدة ، منها : (الانزياح ، السارد ، المسرود له ، المحكي ، الدال ، الشعرية ، التناص ، الحوارية ، التعدد الدلالي ، التلفظ ، النص المحاذي ، البياض ، الجسد ، أفق الانتظار ... إلخ) وهى من المفاهيم التي غزت المعجم النقدي ، وعرفت تداولا أكثر في وقتنا الراهن وذلك في حقول ومجالات مختلفة لسانية وأدبية وتاريخية وفلسفية ..
غير أن الملاحظ هو أن النقد بهذا المنحى قد صار أكثر تقنية ، حتى أن (العلماء) هم الذين يجرون مثل تلك الدراسات بأنفسهم ، وهو ما يعجز القارئ العادى عن إدراكه ، ومن هنا - صارت الممارسة النقدية جزءً لا يتجزء من (عصر التقنية) ؛ الذى هو الإسم الآخر (للواقع الإصطناعى) / أعنى أن (النقد) تحول - باسم (العلم) - ودون أن يدرى ، إلى أداة أيديولوجية تقنية ، إذ حول الواقع الأدبى الحقيقى (أى النصوص الأدبية) إلى (نماذج مرجعية مجردة ، أشبه بالتصاميم الرياضية) تحاكيها (النصوص الأدبية) ؛ تحت إسم (التناص) مثلا ؛ (الذى لا يزيد عن كونه دراسة كيفية صناعة الصور من الأصل) وبذا ساهم فى دعم وتعميم وترسيخ (الواقع الإصطناعى) ..
وذلك فى تقديرى ، يعود إلى أن النقد ليس بإمكانه أن يوجد بدون (واقع محدد - أيا كان نوعه) يصير بمثابة أداة يستند إليها فى قياس الأدب ..
#محمد_حامد_السلامونى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرض -الطوق والإسورة- الميديوكر والعنف الثقافى
-
عرض (فيفا ماما) واقعية بلا واقع ..
-
عرض (الخبز اليومى) وإعادة تأسيس الواقعية ..
-
المسرح الاستعارى
-
(1) التأسيس الميتافيزيقى لفن التمثيل
-
التجريب فى المسرح المصرى وتقويض الحداثة
-
الثورة المصرية ، تمثيلات (اللغة والواقع والجسد)
المزيد.....
-
الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب
...
-
كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي
...
-
وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
-
-نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال
...
-
فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ
...
-
انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا
...
-
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة
...
-
الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف
...
-
حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال
...
-
الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|