حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 6531 - 2020 / 4 / 7 - 10:12
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
إن الرأسمالية العالمية - التي أصبحت الآن أكثر إمبريالية من أي وقت مضى لأنها غدت أكثر طفيلية و أشدَّ اعتمادًا على عائدات الاستغلال الفائق لعمالة البلدان منخفضة الأجور في الجنوب - تتجه حتمًا نحو المُستَعِر الأعظم ، نحو انفجار فقاعات الأصول و انهيار جبال الديون . و كل شيء قامت به البنوك المركزية الإمبريالية منذ عام 2008 تم تصميمه لتأجيل يوم الحساب المحتوم هذا بالضبط ، و لكن محان ذلك اليوم قد حان الآن .
تعتبر سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 سنوات أكثر الملاذات أمانًا للأصول ، و هي المعيار النهائي الذي يتم على أساسه تسعير جميع الديون الأخرى . و في أوقات عدم اليقين الشديد ، دائمًا ما يتدافع المستثمرون هاربين عن أسواق الأسهم ليلجأوا إلى أسواق السندات الأكثر أمانًا و المعروفة أيضًا باسم "الأوراق المالية ذات الدخل الثابت"؛ لذا ، كلما انخفضت أسعار الأسهم للشركات ، كلما ارتفعت أسعار السندات . هذا التدافع على سوق السندات بفضل الدخل الثابت الذي تعطيه يفضي إلى انخفاض سعر الفائدة . ولكن ليس في 9 آذار من هذا العام عندما ارتفع مؤشر أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 سنوات على نحو شاقولي في خضم الهبوط الشديد لمؤشر أسواق المال . فوفقًا لتصريح أحد تجار السندات : "من الناحية الإحصائية ،لا يجب أن يحصل (مثل هذا الأمر) إلا مرّة واحدة فقط في بحر آلاف السنين ". حتى في أحلك لحظات الأزمة المالية العالمية ، عندما أفلس المصرف التجاري الأمريكي العملاق "ليمان برَذَرز" في أيلول 2008 ، لم يحصل شيء مثل هذا . كان السبب المباشر لحصول هذه الجلطة القلبية البسيطة هو ضخامة حجم التدمير الحاصل للأصول في أسواق الأسهم والسندات الأخرى ، مما دفع المستثمرين إلى التدافع لتحويل استثماراتهم المضارِبة إلى النقد . و لإرضاء مطالبهم ، اضطر مديرو صناديق النقد إلى بيع أصولهم الأكثر سهولة في التسييل و المتمثلة بسندات الخزانة الأمريكية ، الأمر الذي أدى إلى انتفاء وضع الأخيرة كملاذ آمن للأصول . و لقد أجبر هذا التدافع على النقد الحكومات الهزيلة والبنوك المركزية على اتخاذ إجراءات متطرفة عبر إطلاق "البازوكات الكبيرة" الخاصة بهم ، أي ضخ التريليونات المتعددة من حزم الإنقاذ بالدولار - بما في ذلك التعهد بطباعة النقود بلا حدود لضمان توريد النقد إلى الأسواق . لكن هذا الحدث قدّم أيضًا هاجسًا لما هو آتٍ على الطريق . في النهاية ، فإن فواتير الدولار ، مثلها مثل شهادات السندات والأسهم ، ليست سوى قطعاً من الورق . و مع تدفق التريليونات منها إلى النظام ، فإن أحداث آذار 2020 تقرٍّب أجل اليوم الذي سيفقد فيه المستثمرون الثقة بالنقد نفسه - وبقوة الاقتصاد والدولة التي تقف وراءه . ثم ستصل لحظة المستعر الأعظم : الانفجار الكبير .
إنكار اليسار للإمبريالية و إيمانه بـ "شجرة المال السحرية"
إن كُتل حركات اليسار في البلدان الإمبريالية - جناح "جيريمي كوربين" في قيادة حزب العمال في المملكة المتحدة و الطاقم المتنافر الألوان من الكينزيين اليساريين مثل "آن بيتيفور" و "بول ماسون" و "يانيس فاروفاكيس" وأنصار "بيرني ساندرز" في الولايات المتحدة – تتفق مع بعضها البعض في أمرين : كلها تعترف - بهذا الحد أو ذاك - بأن النهب الإمبريالي للمستعمرات والمستعمرات الجديدة أمر قد حصل في الماضي ، و لكنها تتصور أن هذا الوضع قد انتهى مع بدء الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية بتأليف الحكومات في البلدان الرأسمالية . فعلى سبيل المثال ، أدت نضالات التحرر الوطني المتزايدة عبر العالم الاستعماري - وليس فقط حركة الإصلاح الاجتماعي في الداخل – إلى أقناع الحكام الإمبرياليين في بريطانيا بالتنازل و منح الرعاية الصحية المجانية والتعليم للطبقة العاملة المحلية بعد الحرب العالمية الثانية . لم يكن هدفهم من هذا تهدئة العمال فحسب مثلما قال أحد كبار المحافظين - الذي سيصبح أسمه في المستقبل : "اللورد هيلشام" - للبرلمان البريطاني عام 1943 ، "إذا لم تعطوا الناس إصلاحًا اجتماعيًا ، فسوف يعطوك ثورة اجتماعية" - بل لتأمين الدعم النشط للنقابات العمالية البريطانية و لحزب العمل لشن الحروب ضد الثوار في بلدان المستعمرات . كانت أولى الجرائم الرهيبة التي ارتكبتها حكومة حزب العمال بعد الحرب العامية الثانية هي غزوها لفيتنام في أيلول 1945 والإشراف على إعادتها إلى الحكم الاستعماري الفرنسي . كما كانت هي نفس الحكومة التي هيأت الكرة للانقلاب العسكري عام 1953 في إيران . و لقد فقد ملايين لا تحصى من البشر حياتهم نتيجة لهاتين السياستين فقط . ومع ذلك ، وبعيدًا عن إثارة الانتقادات لسياسات حكومات حزب العمال لما بعد الحرب العالمية الثانية ، نجد أن يسار حزب العمال البريطاني اليوم يصوّر الحزب على أنه حزب اشتراكي حقيقي ، و في ذات الوقت فإنه يتواطأ لقمع الحقيقة التاريخية التي تفسر لماذا لم يسمع الكثيرون عن هذه الجرائم على الإطلاق .
كما تؤمن الكتل السياسية اليسارية في البلدان الإمبريالية بنسخة أو أخرى من "شجرة المال السحرية" . وبعبارة أخرى ، هي ترى في هبوط أسعار الفائدة إلى البقعة السلبية [أي إلى أقل من نسبة الصفر بالمائةٍ] ليس كضوء أحمر وامض كاشف عن بلوع أقصى تخوم الأزمة ، أي ليس كمرحلة انفجار مستعر أعظم ، بل كضوء أخضر لاقتراض المزيد و المزيد من الأموال لتمويل زيادة استثمارات الدولة ، والإنفاق الاجتماعي ، والاتفاق الأخضر الجديد ، وحتى المزيد من المساعدة الأجنبية . أما في الواقع ، فلا وجود للشجرة السحرية للأموال . و لا يمكن للرأسمالية الهروب من هذه الأزمة مهما كان عدد تريليونات الدولارات التي تقترضها الحكومات أو تطبعها البنوك المركزية . و كان النيوليبراليون يرفضون نهج التفكير السحري في الماضي ؛ أما الآن فإنهم يتبنّونه - وهذا يظهر مدى ذعرهم ، غير أنه لا يجعل التفكير السحري أقل خيالية . لقد اشترت تريليونات ضخهم النقدي بعد أزمة عامي 2007-8 عقدًا آخر من الحياة الشبيهة بالزومبيين لنظامهم الخسيس . أما في هذه المرة ، فسيكونون محظوظين إن حصلوا على 10 أشهر ، أو حتى 10 أسابيع ، قبل بدء مرحلة انفجار المستعر الأعظم .
الفيروس التاجي - الحافز للكارثة
حلّت جائحة الفيروس التاجي في أسوأ وقت ممكن في ظل مؤشراته الآتية : تقلص النمو في منطقة اليورو إلى الصفر ؛ سواد حالة الركود الفعلي في أغلب بلدان أمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ؛ تلاشى نسبة جرعات السكَّر المرتفعة لهبات ترامب الضخمة للشركات الأمريكية [بتخفيضه نسبة الضرائب عليها]؛ التعطيل الخطير لسلاسل التوريد بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي كانت تهدد بتورط الاتحاد الأوروبي فيه ؛ انضمام عشرات الملايين من الناس إلى الاحتجاجات الجماهيرية في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم .
و لقد باتت أسعار الفائدة تغور أعمق الآن في المنطقة السلبية - ولكن ليس إذا كنت في إيطاليا وتواجه الزيادة الهائلة لديك في نسبة الدين / الناتج المحلي الإجمالي ، وليس إذا كنت في شركة مدينة و تحاول إعادة تمويل ديونك ، وليس إذا كنت "سوقًا ناشئة" . منذ 9 آذار من هذا العام ، ارتفعت أسعار الفائدة للشركات لتخترق السقف . و في الواقع ، لم يعد بإمكان سوى العدد الضئيل من الشركات اقتراض المال بأي ثمن كان [ أي بأي سعر فائدة] لكون المستثمرين يرفضون إقراضهم . و تواجه الشركات الآن أزمة ائتمان خانقة – و كل هذا يحصل في خضم أسعار الفائدة السلبية العالمية ! لهذا السبب ، فقد قرر البنك المركزي الأوروبي اقتراض 750 مليار يورو من نفس هؤلاء المستثمرين ، واستخدامها لشراء سندات الشركات التي يرفض هؤلاء المستثمرون الآن شرائها ، كما يفعل الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة نفس الشيء و لكن على نطاق أكبر . و يعتمد مصير إيطاليا (والاتحاد الأوروبي ككل) الآن على قبول البنك المركزي الألماني (بوندزبانك) استبدال دائنيه الخاصين . و سيكون رفضه القيام بذلك هو المرحلة الأخيرة من غرغرة الموت للاتحاد الأوروبي .
يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟