حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 6516 - 2020 / 3 / 17 - 11:36
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مقدمة
"العصر الجيولوجي البشري" هو ترجمتي للمصطلح (الأنثروبوسين) " anthropocene" المقترح لتسمية الحقبة الجيولوجية الحالية و التي يرجع منشؤها إلى بداية التأثير البشري الفظيع في جيولوجيا الأرض والنظم البيئية الطبيعية ؛ بما في ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - تغير المناخ البشري المنشأ . و كان أول من تحدث عن هذا المفهوم هو العالم السوفيتي "فلاديمير فيرنادسكي " الذي كتب في عام 1938 عن "الفكر العلمي كقوة جيولوجية" بالإشارة إلى نظام العصر الجيولوجي الرباعي . ثم أصبح هذا المفهوم متداولاُ لدى العلماء السوفييت منذ خمسينات القرن الماضي قبل أن تتم اعادة اكتشافه و استخدامه في الغرب مع بداية القرن الحادي و العشرين . و يتميز هذا العصر الجيولوجي عما سبقه من العصور بكونه ليس طبيعياً ، بل هو من صنع الإنسان في عصر الامبريالية منذ القرن العشرين فلاحقاً ؛ و بالتحديد منذ اول تفجير ذري اميركي (تفجير الثالوث : Trinity) في صحراء نيومكسيكو عام 1945 .
و لابد من التطرق هنا إلى التعريف بمفهوم العصر الجليدي (البليستوسيني) الذي يشير إلى تلك الحقبة الجيولوجية التي استمرت من قبل حوالي عام 2،580،000 إلى حوالي عام 11،700 مضت و التي شهدت أحدث فترات التجلد المتكرر في العالم . و تتوافق نهاية العصر البليستوسيني مع نهاية العصر الجليدي الأخير وأيضًا مع نهاية العصر الحجري القديم المستخدم في التأرخة بعلم الآثار . و هو يمثل الحقبة الأولى من الفترة الجيولوجية الرباعية : جيلاسان ، كالابريان ، شيبانيان ، و العصر الجليدي الاعلى ؛ و من هنا أتت تسمية العصر الجيولوجي الرباعي (Quaternary Period) المشار إليها آنفاً .
و من بين أهم الكتب في الغرب التي تناولت بالبحث تفصيلياً دور الانسان المعاصر في التسبب بانقراض الأنواع الحية هو كتاب : "الانقراض السادس : التاريخ غير الطبيعي" من تأليف الباحثة الميدانية الأميركية "إليزابيث كولبيرت" المطبوع سنة 2014 من طرف دار النشر "هنري هولت وشركاه" و الحاصل على جائزة بوليتزر للعام 2015 . و فيه توضح الكاتبة بأن كوكب الأرض يحيى الآن في خضم الانقراض السادس الجديد للأحياء الذي يتسببه الإنسان نفسه و ليست قوى الطبيعة . في هذا الكتاب ، تسرد كولبيرت أحداث الانقراضات الجماعية السابقة للأحياء ، وتقارنها بالانقراضات العاجلة والمتسارعة الحاصلة خلال عصرنا الحالي . وتصف أيضًا أنواعًا معينة ينقذها البشر ، وكذلك البيئة المحيطة بالانقراضات التي سبقت عصور ما قبل التاريخ . و هي تطبق موضوع الانقراض الجماعي السادس على النباتات والحيوانات الموجودة في الموائل المتنوعة ، مثل الغابات المطيرة في بنما والحاجز المرجاني العظيم و غابات الأنديز وبيكيني أتول (شعب حلقية الشكل تقع ضمن جزر المارشال في المحيط الهادئ و تتكون من 23 جزيرة مساحتها 8.8 كلم مربع، وقد أخلت الولايات المتحدة الأمريكية كل سكانها عام 1946 و أجرت (23) تفجيراً نوويا عليها كان آخرها عام 1958) وحدائق الحيوان في المدينة ، مع عدد من الموائل والكائنات الحية الأخرى في جميع أنحاء العالم . و بعد المسح الميداني بالاستناد لوجهة النظر السائدة حالياً للعلوم ذات الصلة و بمراجعة آراء النظراء من الباحثين في هذا الحقل العلمي ، تقدِّر كولبيرت فقدان ما يتراوح بين 20 و 50 بالمائة من "جميع الأنواع الحية على الأرض" من النباتات والحيوانات مع نهاية القرن الحادي والعشرين .
هذا المقال هو ترجمتي لأجزاء من بحث بنفس العنوان لكل من : "جون بيلامي فوستر" (John Bellamy Foster) و "حنا هوليمن" (Hannah Holleman) و "بريت كلارك" (Brett Clark) المنشور في عدد الأول من حزيران ، 2019 لمجلة "المراجعة الشهرية" (Monthly Overview) الامريكية الاشتراكية المستقلة . و جون بيلامي فوستر هو محرر مجلة المراجعة الشهرية وأستاذ علم الاجتماع في جامعة أوريجون ، و حنا هوليمان هي مديرة مؤسسة المراجعة الشهرية وأستاذة مشاركة في علم الاجتماع بكلية أمهيرست ، أما بريت كلارك فهو محرر مشارك في المجلة الشهرية وأستاذ علم الاجتماع في جامعة يوتا . [الملاحظات بين القوسين الكبيرين لي] .
الترجمة
"في النظرة العلمية للعالم ، يمثل العصر الجيولوجي البشري صدعاً كمياً ونوعياً يكسر سياقات كل العصور الجيولوجية السابقة عليه . فالتغييرات على المقياس المنظور لتقسيم الفترات الجيولوجية الرئيسية التي كانت تحدث سابقًا على مدى ملايين السنين أصبحت تحدث الآن على مدى عقود أو على الأكثر قرونًا بسبب الفعل البشري . و في هذا الصدد ، يمثل العصر الجيولوجي البشري انفصالًا حادًا عن حقبة الهولوسين المستقرة نسبيًا في آخر 11000-12000 سنة ، والتي كانت بدايتها نهاية العصر الجليدي الأخير .
و لقد ظهر العصر الجيولوجي البشري الجديد نتيجة للتسارع الكبير الذي حصل في التغير المندفع اقتصاديًا في منتصف القرن العشرين و المرتبط بما يطلق عليه الاقتصاديون أحيانًا إسم "العصر الذهبي" للنمو الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية. و قد أدى هذا التسارع التعجيلي إلى التجاوز على العديد من الحدود للنظم الطبيعية لكوكبنا ، مما أدى إلى توليد "صدوع جيوبشرية مختلفة الأصناف" .
كان منتصف القرن العشرين هو أيضًا فترة البداية للحرب الباردة ؛ ومن ثم ، فإن "العلامة الأساسية" للعصر الجيولوجي البشري تمثلت بالنويدات المشعة الاصطناعية المنتشرة عبر جميع أنحاء العالم جراء اختبارات تفجير القنابل النووية الحرارية منذ أوائل الخمسينات . و من بين التغييرات التي حدثت في هذا العصر المرتبط بالتسريع الكبير ، هناك الزيادات الكبيرة على شكل مضرب الهوكي [تبدأ بمنحنى تدريجي بسيط لترتفع منه سمتياً على نحو دائم] في : احراق الوقود الاحفوري ، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ، وتحمض مياه المحيطات ، وانقراض الأنواع (وخسائر التنوع البيولوجي بشكل أعم) ، وتعطل دورة النيتروجين والفوسفور في الطبيعة ، واستنفاد المياه العذبة ، وفقدان الغابات ، والتلوث الكيميائي . والنتيجة هي حصول حالة طوارئ بيئية كوكبية أو أزمة نظام الأرض اليوم . و لا يمكن أن يكون هناك أدنى شك في أن القوة الرئيسية الكامنة وراء حالة الطوارئ الكوكبية هذه انما هو النمو الأسّي للاقتصاد الرأسمالي العالمي ، خاصة في العقود التي تلت منتصف القرن العشرين . و يمكن وصف رأس المال نفسه على أنه علاقة اجتماعية ذات قيمة اقتصادية (سلعية) ذاتية التوسع . إن الرأسمالية - أو نظام تراكم رأس المال القائم على الاستغلال الطبقي والامتثال لقوانين الحركة التي تفرضها المنافسة في السوق - لا تعترف بأي حدود لتوسعها الذاتي . و لا يوجد عند الرأسمالية حجماً "كافٍياً" أو "كثير جدًا" للربح ، ولا لمقدار الثروة ، ولا لمقدار الاستهلاك . و في هذا النظام ، لا يُنظر إلى البيئة الكوكبية للأرض على أنها مكان له حدوده المتأصلة و التي يجب على الإنسان العيش ضمن نطاقها مع الأنواع الأخرى ، بل كحقل يمكن استغلاله في عملية التوسع الاقتصادي المتنامي لصالح مكاسب الاستحواذ غير المحدود و الذي ينتهي معظمه بأيدي قلة قليلة من الرأسماليين . و وفقًا للمنطق الداخلي لرأس المال ، يجب على الشركات إما أن تنمو أو تموت - كما ينطبق هذا على النظام الرأسمالي نفسه .
وهكذا فأن الرأسمالية تعزز "جنون العقل الاقتصادي" الذي يمكن اعتباره مدمراً للعلاقة الأيضية [دورة النظام الغذائي] البشرية الصحية بالبيئة . إن نقد الرأسمالية كنظام اقتصادي مجرد ليس كافياً في معالجة المشاكل البيئية الحالية . بدلاً من ذلك ، فإن من الضروري أيضًا دراسة هيكل التراكم الرأسمالي على نطاق عالمي ، إلى جانب تقسيم العالم إلى دول قومية متنافسة . و لا يمكن معالجة مشاكلنا الكوكبية بشكل واقعي دون معالجة النظام العالمي للإمبريالية ، أو الرأسمالية المعولمة ، المنظمة على أساس الطبقات والدول القومية التي تنقسم إلى مركز وأطراف . واليوم ، يثير هذا بالضرورة مسألة ترابط الإمبريالية مع قيام العصر الجيولوجي البشري ."
يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟