أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - شركاء في القلق حلفاء في العمل















المزيد.....

شركاء في القلق حلفاء في العمل


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 20 - 01:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أخرجتني محادثة صديقي حچاي أول أمس من رمادية أجواء العزلة القسرية التي اعيشها في البيت، وأدخلَت الى قلبي جرعة فرح شفيف.
تعرّفت الى حچاي قبل خمسة وأربعين عامًا، عندما تزاملنا كطالبين في كلية الحقوق في الجامعة العبرية في القدس. قصتي معه طويلة وفيها من التفاصيل ما يثبت كيف يمكن أن يحوّل عدوّان تعاليم الدم الموروثة عن "توراة ملوكهم" إلى بذور أمل واعدة والى قناعة بأنّ مستقبلنا على هذه الارض ليس سوى احتمالين مقلقين؛ لكننا، اذا أردنا، فنحن قادرون على ان نعيش حياة أقل وجعًا وأكثر سعادة واستقرارًا.
"لقد صوّت يوڤال للقائمة المشتركة، وأعرف أن آخرين من أبناء جيله فعلوا الأمر نفسه". هكذا أخبرني حچاي بعفوية عن تصويت ابنه في الانتخابات الاخيرة؛ وكنا نتحدث عن محاولات نتنياهو الأخيرة في البقاء ملكًا على شعب من المسوخ البشرية؛ فكان يصف لي خوفه من المستقبل ويأسه من وجود فرص للتغيير.
لن استرسل في تفاصيل المحادثة، لكنني سأعود الى قصتي مع هذه العائلة والى محطات علاقتنا الطويلة، التي كشفت لكلينا أنّ "للحقيقة وجهين"، وأننا نستطيع أن نصبح أصدقاء حقيقيين، حتى يغيّر شاب، سليل عائلة يهودية صهيونية عريقة فخورة، قناعاته السياسية التقليدية ويختار أن يصبح شريكي وحليفي ويسعى مثلي وراء مستقبلنا الانساني المشترك.
يحاول بنيامين نتنياهو استغلال تداعيات أزمة فيروس الكورونا ليبقى، في نهاية المطاف، حرًا ورئيس حكومة اسرائيل؛ أو على الاقل شريكًا كاملًا في هذا المنصب وفي قيادة الدولة في الحقبة التي ستلي هذا الزمن الاصفر البغيض.
لم تنقذ نتائج الانتخابات الأخيرة معسكر بنيامين نتنياهو كما كان تمنّى وخطط مستشعرًا، بحدسه المتطور، أن المواطنين العرب قد يحرزون انجازًا انتخابيًا غير مسبوق، سرعان ما سيتحول الى عثرة كأداء أمام تحقيق أحلامه السوداء، وإلى كاسر أمواج نزواته الأخير.
ستبقى مواقف نتنياهو العنصرية تجاهنا عنصرًا يهمنا بكل تأكيد؛ بيد أن الاخطر منها، في هذه الأيام، هو شغفه المرَضيّ بالتفرّد بالحكم وبالسلطة وباصراره على البقاء واقفًا على رأسها.
لقد لاحظ العديدون من أصحاب الرأي والممسكين بالقلم، خلال السنوات القليلة الماضية، مقدار الخطورة الكامنة في تصرفات وفي شخصية نتنياهو وزبانيته؛ وحذّر بعض هؤلاء من مغبة ما يمكن أن يفعله والى أي وجهة قد يأخذ الدولة، والى أية هاوية سيقود شعبها.
جاءت تحذيرات هؤلاء متأخرة؛ فمعظم المتنبهين للخطر "النتنياهوي" كانوا، عمليًا، جزءًا من الاجماع الصهيوني "الحميد" ، كما اصطلحت على تسميته الأكثرية اليهودية في الدولة وخارجها. لقد شكّل هذا الاجماع دفيئة لنتنياهو ولحلفائه الحاليين، وسهّل عليهم مهمة التقدم نحو أهدافهم التي لم تتغير مذ رضعوا، في بيوتهم ونواديهم الحزبية وكنسهم، معنى أن تكون صهيونيًا وصاحب الأرض التي ينافسك عليها مجموعة من "الأغراب" الأعداء المعتدين، يُدعون عرباً فلسطينيين .
يستطيع من يرغب ان يقتفي بيسر طريق هذه الجماعات، كأفراد أو كأحزاب او كحركات، نحو "قمم الهاوية" ؛ ومن يتعمق قليلًا في تاريخ اسرائيل الحديثة سيهتدي إلى كيفية نجاح هذه القوى الظلامية باكتساح الساحات ومعظم مرافق الدولة، بعد أن كانت تعتبرها قطاعات واسعة من ذلك الاجماع الوطني الصهيوني، مجرد "طفح خفيف عابر" على صفحة الليل، ولا اكثر من بضعة "أشواك ضارة" تنمو بعشوائية على هضاب السامرة وداخل هياكل يهودا البعيدة.
لا أعرف اذا كانت أزمة الكورونا ستفضي الى كشف حجم الورم المنتشر في عروق هذه الدولة؛ فكثيرون، من خارج قطيع نتنياهو، بدأوا، في الايام الاخيرة، يستوعبون ان ما تقوم به الحكومة الانتقالية هو في الحقيقة أقرب الى كونه انقلابًا على الحكم ومحاولة لسرقة الدولة.
لم تبدأ هذه العملية بعد الانتخابات الاخيرة، فمعسكر نتنياهو يستعدّ الآن لقطف ثمار ما زرع في السنوات الماضية، ولإنزال ضربته القاضية بواسطة شل عمل الكنيست بشتى الحجج والأحابيل، وبتعطيل دور السلطة القضائية، الى جانب تخويل اعضاء الحكومة الحالية، باسم محاربة الوباء- الجائحة، تصريف شؤون الناس بواسطة مجموعة من القوانين وأنظمة الطواريء، التي ستقوّض مكانة القانون السائد، وتحدّ من حريات الأفراد وتكبل حقوقهم الاساسية.
برز رئيس جهاز الشاباك السابق كرمي جيلون كواحد من أشد المنتقدين لسياسات بنيامين نتنياهو، وأوضحِهم معارضة لفكر التيار القومي الديني الصهيوني وللمخاطر القاتلة الكامنة في مبادئهم وتعليماتهم.
لم يخفِ كرمي جيلون امتعاضه من سياسات نتنياهو، ولا تخوّفه من امكانية تنفيذ سيناريوهات "ابوكليبسية" كارثية، ستدفع باتجاهها مجموعة التيارات العقائدية الحاكمة.
لقد سمعناه يحذر المرة تلو المرة من هذه الاحتمالات. وجاءت آخر تصريحاته في الثاني من أذار / مارس الجاري، عندما قابلته صحيفة هآرتس ليعبّر مجددًا عن تخوّفه من قدرة هذه الجماعات على جر المنطقة الى حمامات دم مرعبة، لأنها كما أكد، ليست "هوامش، ولا أعشابًا ضارة"؛ واضاف معترفًا: "لقد اخطأنا حين أسميناهم هكذا. فعندما اكتشفت العصابة الارهابية اليهودية في الضفة كان تعداد هؤلاء 12 الفًا، أما اليوم فعددهم أكثر من نصف مليون. إنهم ينمون على أرضية ايديولوجية واضحة وصارمة وشعبوية .. لا يوجد احد منهم لم يقرأ كتاب "توراة الملك"* ، ولم يجرؤ اي مستشار قانوني على التحقيق مع حاخاماتهم المتطرفين، وبالتالي لم يحاكَم أحد منهم. لقد اخطأنا بذلك ايضًا".
ورغم اهمية مواقف جيلون المعلنة منذ أكثر من عقدين، لم تولها المؤسسات القيادية العربية والقيّمون عليها اهتمامًا يذكر، بل اغفلوها كما حصل مع مواقف عشرات الشخصيات الاعتبارية والأكاديمية الصهيونية، التي كانت أو لا زالت، تتبوّأ مناصب رفيعة وحساسة في ترسيم سياسات الدولة او في انتاج المعرفة السلطوية والتأثير على الرأي العام فيها.
"كل السياسيين عندنا انشغلوا وما انفكوا منشغلين ببقائهم في مراكزهم، لذا فأمامنا الأن خياران: واحد سيء والثاني أسوأ" ! هكذا بصراحة أكد من كان رئيس جهاز المخابرات العامة الاسرائيلية. وعندما سألته الصحيفة اذا ما كان علينا ان نرفع ايادينا وأن نستسلم، أجابها: "انا لا استطيع. ما زلت مؤمنًا بهذه الفكرة الكبيرة، بدولة اسرائيل، وبقدرتها وبحاجتها ان تعود الى "سلامة العقل" والى العودة الى حدود العام 1967 والعمل على بناء مجتمع مختلف وأفضل".
كان كرمي جيلون من اتراب بنيامين نتنياهو وجاره في حي رحافيا في القدس الغربية. وهو حين يتذكر تلك الايام، يستعيد التفاصيل المتعلقة بشخصية نتنياهو وبالبيئة التي نشأ فيها، ويستذكر طرفة لافتة حدثت معهم في معسكر عمل للشبيبة، شاركوا فيه وهم يافعون، في احدى اجازاتهم الصيفية؛ فحين جلسوا في احدى الليالي وسئل كل واحد منهم عما سيصيره عندما يكبر، لم يعرف كرمي جيلون ان يختار مهنته، بينما اجاب نتنياهو بحزم وباصرار المؤمنين الدنفين: "سأصير رئيس حكومة" على ما تُضمره هذه الاجابة من معان.
بعيدًا عن عواطفنا المفهومة تجاه أفراد تلك الفئة، او عن ضرورة محاسبتهم، الاخلاقية او حتى الجنائية، عما جنت اياديهم، ستبقى الحاجة الآنية لاستمالتهم الى معسكرنا حية وضرورية؛ ولستُ بحاجة لأحد أن يذكرني من كان كرمي جيلون وماذا فعل خلال حياته المهنية، ولا أن يعرّفني الى سيرة رئيس الموساد السابق "تمير بيدرو" وكثيرين من أمثالهم؛ لكنني انصح، رغم مواضيهم او ربما بسببها، من يفتّشون مثلي على خلاص ويلهثون وراء مستقبل آمن، ان يقرأوا ما يكتبه هؤلاء وما يفعلونه الآن، فقد نجِدُ بينهم حلفاء أو شركاء في الدرب أو في القلق.
ستبقى هذه احدى مهام القائمة المشتركة، التي تتحمل اليوم مسؤوليات جسام، خاصة بعد ان فرضت نفسها، على المشهد الاسرائيلي، كعامل سياسي لا يمكن تجاوزه؛ فشعار اسقاط نتنياهو يتعدّى حدود تعريفات اليمين واليسار والوسط، اذ انه ترجمة لأُمنية كل من يخشى ان يواجه أحفاد ذلك "الملك" الذي توصي "توراته" بضرورة التخلص من جميع الاغيار إلا اذا هم رضوا ان يبقوا عبيدًا خانعين لعَصاته ولنزواته.
كان صديقي حچاي، مثل كرمي جيلون واسرائيليين كثر، متشائما في محادثته الاخيرة معي، لكنه غير مستسلم على الاطلاق. لقد اتفقنا ان ننتظر حتى ينتصر العقل على جنون الكورونا لنعود ونلتقي على موائد الفرح والقلق، ونتبع بوصلتنا الصحيحة وحدسنا الأبويّ الطاهر، كما يليق بشركاء في القلق وحلفاء في الأمل وفي العمل



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها البرق، أوضح ليلنا قليلا
- أفراحنا المشتركة كبيرة
- نداء آذار: صوتوا ولا تتركوا قائمتكم وحيدة
- اسراطينيات
- عندما بكت-عدالة- في المحكمة العليا الاسرائيلية
- بين ترامب وفيلم: -الباباوان-
- مشاهد من ضياعنا في مثلث ترامب
- ماذا بعد سقطة حزب ميرتس؟
- الحرية للاحمدين، قطامش وزهران
- العرب في اسرائيل والمقاطعة المستحيلة
- العرب في اسرائيل ولعنة التطبيع
- خدوش على صفحة هوية ملتبسة
- جامعة بير زيت، تبدد الحلم
- التعليم العربي: بين برج بابل وبرج بيزا
- سامي ابو دياك، وموت أمنية فلسطينية
- القدس مدينة الحجارة الباكية
- مواطنون بين صاروخين
- خيمة الاصرار والامل
- انتهت معركة -المطّلع- وبقيت القدس عليلة
- لنصلي من أجل لبنان وفلسطين


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - شركاء في القلق حلفاء في العمل