الانتحار جبن أم شجاعة

محمد دهموش

الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 16 - 00:57
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

يُنظر إلى ظاهرة الانتحار suicide بأنها موت إرادي اختياري يقدم عليه الفرد جراء سبب من الأسباب أو بتبنيه خلفية من الخلفيات ،على عكس الموت الطبيعي الذي يأتي فجأة ملفوفا بالقدر وفناء الأجل .هنا يمكن التمييز بين نوعين من الانتحار واللذين أسماهما "دوركايم"

- الانتحار عن وعي :أي إن الضحية يعي ذلك وهو في كامل قواه العقلية .

- الانتحار عن لا وعي :أي حينما يجهل الضحية ما يقدم على فعله جراء حالة سكر أو تعاطيه لمخدر و يصعد إلى قمة منزل ما فيبدو له كأنه على بعد درجة من الشارع فيلقي بنفسه خالقا سعادته المفقودة إلى أن يلتقطه الموت في الأسفل .

فالمنتحر حين يقبل على الموت وتهفو نفسه إليها فهذا يحتمل مجموعة من الدلالات والتأويلات التي تصدر من لدن الأشخاص المحيطين بالمنتحر ،فمنهم من يرجع ذلك إلى ضعف شخصية المنتحر ومنهم من يرده إلى مجموعة من العوامل قد تكون نفسية أو اجتماعية أو مادية ومنهم من يرى في شخصية المنتحر ما لا يراه الآخرون، لكن لا يمكن الحسم في خلفيات الانتحار لسبب واضح وهو أن الحقيقة الواضحة انتحرت مع صاحبها ورافقته إلى العالم الآخر إلا إذا ترك رسالة تفسر الأسباب قبل أن يقدم على الانتحار أو مجموعة من العلامات المؤدية إلى جزء من الحقيقة وليس الحقيقة كاملة.

حينما ننظر إلى الإشكال المطروح في العنوان " هل الانتحار شجاعة أم جبن "؟ فقد قلنا أن هناك من يرى ذلك ضعفا في الشخصية تجعل المنتحر يقدم على فعله وقد يكون الأمر مناقضا للضعف تماما فالإنسان حين يركض للموت ويحضنه هروبا من الحياة الفانية إلى الحياة الأبدية التي يجهل تفاصيلها وما ستؤول إليه روحه بغض النظر عن الجانب الديني والعرفي في هذه المسألة .

الإنسان في طبعه يخاف الموت ويحب الحياة و أن يمدد الله في عمره ويبارك له فيه ،بينما يشكل الإقدام على الانتحار شجاعة داخلية تدفع الشخص إلى الفعل الانتحاري دون خوف ودون تردد وعلى سبيل المثال سنأخذ أنموذجين من الكتاب اللذين انتحرا وإن كانت أعمالهم ناجحة بكل المقاييس،

نذكر أولا الكاتب الجنوب إفريقي كارل شويمان الذي انتحر وعمره 77 عاما ،تاركا رسالة يقول فيها" قررت منذ سنوات إنهاء حياتي وقرار الانتحار شخصي وهو أمر لا أنصح أي أحد بالقيام به ،بالنسبة لي أنت ممتن لقدرتي على اتخاذ وتنفيذ قرار الانتحار ".

إذا أمعنا النظر في رسالة كارل سنجد أنه حاول مرات الانتحار لكن كانت تنقصه جرأة الفعل وبعد عدة محاولات تولدت لديه القدرة على التنفيذ وهذا يبدو جليا في رسالته من خلال امتنانه لقدرته لتبنيها هذا القرار ثم أضاف كون السبب وراء انتحاره شخصي مما يفتح باب التخمينات والتأويلات كما ذكرنا في أول المقال .

أما الأنموذج الثاني هو الكاتبة الانجليزية فيرجينيا وولف التي تركت رسالة "سأقذف بنفسي أمامك أيها الموت ولن أستسلم" فالكاتبة تؤكد على إرادتها القوية في معانقة المجهول دون تردد.

إن رسالة وولف لا تختلف عما كتبه كارل كلاهما استجمع قواه وعزم على مواجهة الموت دون استسلام ولا تراجع وهذا يا يدل على شجاعة قصوى امتلكاها الكاتبان .

يلزمنا التمييز بين الانتحار والجهاد أو التضحية ولا يعنينا إن كان جهادا تطرفيا أم كان تضحية مبررة ومحمودة كل ما يعنينا هو أن نبين الفرق بين التضحية والانتحار باعتبار كليهما إراديا ،فالضحية تقدم على الانتحار بمحض إرادتها كما الحال للذي يضحي بنفسه ، لكن الفرق يكمن في الغاية ولأجل من؟ إن التضحية تكون دائما لأجل الآخر بينما الانتحار يكون لذات الضحية، أما الجهاد فيحتمل الرأيين معا فالمجاهد قد يجاهد لأجل الآخرين أو نصرة مذهب أو دين أو وطن....وقد يجاهد من أجل ذاته ليحصل على غنيمة أو أجر أو سبي... لكن الأمر محفوف بنوع من المغامرة .

هنا يمكن أن أستحضر قولة أحد الزملاء الأساتذة حين طرحت عليه السؤال :هل الانتحار جبن أم شجاعة؟؟ فقال : الانتحار هو ذلك الفعل الجبان الذي يحتاج الكثير من الشجاعة.

#محمد_دهموش (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل