بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6506 - 2020 / 3 / 5 - 13:29
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات ( 205)
المعلومات الكميّة
بشير الوندي
-----------
مدخل
-----------
المعلومات الكمية في الاستخبارات تعني أية معلومات تتكلم عن عدد او حجم او مسافة او رقم او لون , وتتخللها لغة ارقام عن عدد المسلحين , عدد الاسلحة , مقدار المسافة , وغير ذلك , فمن غير تلك المعلومات تبقى المعلومات عائمة وناقصة ومربكة , ومن ثم لاتكتمل المعلومة الاستخبارية ان خلت من المعلومات الكمية , وهي مدار مبحثنا .
---------------------------------------
الارقام والاوصاف في حياتنا
---------------------------------------
كثيراً ماوردت آيات تتحدث عن المعلومات الكمية والوصفية التي تقرب المعنى او التي تصور الحدث , من قبيل :
"قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ" .
ورغم انه ورد في الحديث انهم لو ذبحوا اية بقرة لكفتهم الا ان غلضتهم دعتهم الى التدقيق في الوصف , فاثقلوا المهمة عليهم , الا ان مقصدنا هنا اهمية تناول التوصيف في الاستخبار .
وجاء التوصيف القرآني احيانا لتقريب الفهم والهمة مثاله :
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُون"
و" الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"
و"الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ"
واحياناً لتقريب ورسم الصورة الذهنية مثل :
" جنة عرضها السماوات والارض"
و"سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا"
او للوصف الدقيق , مثل :
"إذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ"
وجاءت ذات الاغراض لدى الحكماء كسيد الحكمة الامام علي عليه السلام حين سئل (لتعجيزه ) عن المسافة بين الارض والسماء , فاجاب : المسافة بين الارض والسماء ..دعوة مستجابة !!. وحين سئل في باب القضاء والقدر المحتومين :
كيف نتقي سهام القدر ان كان الرامي هو الله , فاجاب " ان تقف الى جنب الرامي" .
وكذا كان الامر في الشعر في باب التوصيف :
كما في الرثاء لرسم الصورة الشعرية :
وبالرمل مني نسوة لو شهدنني ..بكين وفدين الطبيب المداويا :
فمنهنَّ امي وابنتاها وخالتي ... وباكية اخرى تهيج البواكيا
او في الغول للتوصيف المرح :
فقبلتها تسعٍ وتسعين قبلةً ..وواحدةً اخرى وكنت على عجل
وغير ذلك كثير .
ولو بحثت في اي اتجاه لوجدت ان المقادير هي اساس كل شيء , فحتى في مجال الطبخ الفقرة المهمة فيه هي الكميات والمقادير, وكذا في الادوية والتركيبات , وكذا الامر لدى الاطباء يتعاملون بالمقادير وعدد الفقرات التي تستخدم بها الدواء ولكل وجبه كذا , وحتى الحقن لها موشرات رقميه, وكذا هو الامر في كل مافي مفردات حياتنا , فانت لاتدخل الى السوبر ماركت او المطعم وتقول له اني جائع واريد طعاماً , وانما تحدد ماتريد وكمياته وتوصيفاته , فكل شي بمقدار وكمية وحجم.
------------------------------------
المعلومات العامة منقوصة
------------------------------------
ان لغة الارقام والكميات مهمة لعمل الامن والاستخبارات , وحتى لصناعة فكرة او رأي او قرار , لهذا فان المعلومات الكمية توضح الامور بشكل دقيق وواضح , وتضعك على بينه من امرك .
ان الاستخبارات تفضل لغه الارقام فلا يمكن ان نفهم معلومات تقول جاء الجيش او انتشر الجيش او استبدلت القطعات فهذا اخبار كلية غير دقيقة وغير نافعة استخبارياً , فلابد من ان تعرف اي جيش وماهو العدد وكم اعدادهم وسلاحهم , فالكليات هي اخبار صحفيه او اذاعية اما الارقام والكميات فهي تفصيلات استخبارية .
فمثلاً , حين تمتلك معلومات عن حجم قطعات العدو وانتشارها , فهنا لابد ان تكون لديك تقديرات دقيقة للقصف ونار المدفعية الذي ستواجهه اذا ما إقتربت من العدو , وفي بعض الاحيان , يكون احتساب حجم النار الذي تواجهه مساعداً في معرفة عدد المقاتلين.
فيجب ان تقول , انتشر لواء كذا ومعه كتيبة دبابات , وعدد الدبابات كذا , وعدد ملاك اللواء كذا , واسلحتهم كذا , وملابسهم كذا , وتساندهم مفرزة هاونات كذا , وعجلاتهم كذا , ولديهم كذا وكذا, وهكذا تذكر الكميات والارقام وبانواعها , باحصاءات بالارقام والاعداد والاشكال , فكم المعلومات يعني استخبارات . جدولة المعلومات وجعلها بالارقام يعني جهد استخبارياً ناجحاً.
-------------------------------------
التصوير بالارقام والكميات
-------------------------------------
ان مراكز التحليل في اجهزة الاستخبارات تبحث باستمرار على المعلومات الكمية لانها تعتبر مادة دسمة دوماً لادامة المواقف وتصحيح المعلومات والتقييم والتحليل , واللغه الرقمية جاذبة للعقل التحليلي , كما انها قريبه للذهن جدا وتساعد على رسم تصور دقيق للموقف الاستخباري , فالكم هو مطلب استخباري يقرب الصورة جدا ويجعلك قريب من الحقيقة , وان لغة الاحجام والاوزان والارقام هي لغة التجسس والمعرفة والاسرار, فليس السر في الصاروخ الذي يتم تجربته بل في مداه وقدرته التفجيريه ووزنه والوقود الدافع ومنصات الاطلاق وعدد الصواريخ المنتجه ونقاط الضعف والقوة والقوة التدميرية , وكلها معلومات كمية.
----------------------------------------
الكذاب ينسى والمقصر يعمم
----------------------------------------
ان من ابرز اختبارات قابليات المصدر او المخبر ومعيار صدقه هي المعلومات الكمية , فالمصدر الكاذب او من ليست له قابلية الوصول الى المعلومة , تراه يتجنب الكم في المعلومات , فهو لا يعطي رقماً او كماً بل يبقى في السرد والكلام غير الدقيق بلا ارقام, معللاً ومطولاً بعلل من قبيل : لا اعلم , , لم اشاهد , يصعب حسابها , او بين بين , فمثلا يقول عددهم 70 شخص ثم يعود ويقول في 100 سيارة , فيكون بلا منطق ومشكوك , كما يربك المشهد بتناقض الارقام , فيقول لك 70 عنصر من داعش , و 100 عجلة , بينما ال 100 عجلة تعني ان العدد لايقل عن 400 فرد من المهاجمين .
ولأن الكذاب ينسى الارقام , فان من اساليب التحقيق والاستنطاق ان تعيد بين الفينة والاخرى السؤال مع من تحقق معه عن الارقام والاوصاف , فهو يخطأ في الارقام والوقت لان حفظ الارقام اصعب على الكذاب من الاوصاف .
وكذا الامر في التهرب من العاجزين من عناصر الاجهزة الاستخبارية الخاملين , فهو لايمتلك مصدراً او معلومة , وفي ذات الوقت يريد ان يقنع مرؤوسيه انه يعمل ونشط فتراه يكتب تقارير استخبارية مبهمة من الارقام والكميات للتهرب , فيقول : اشارت مصادرنا الاستخبارية ان هنالك سيارات مفخخة متجهة للتفجير في اماكن متفرقة من بغداد .
ان كاتب هذا النوع من التقارير الاستخبارية يستحق العقاب والطرد في الاجهزة الاستخبارية المحترمة , لانها ليست معلومات بل انها تضر القوى الامنية لانها لاتعلم عدد السيارات ولا ارقامها ولا الوانها وانواعها واتجاهها ونقطة انطلاقها ولا اهدافها , فتضطر الاجهزة الامنية الى الانذار المرهق والمراقبة في كل اتجاه لايام وتعطيل الحياة وازدحام الشوارع بالسيطرات وتفتيش الجميع دون جدوى .
بينما تقرير يقول : عدد السيارات المتوجهة 7 , نوعها تويوتا بيك آب , الوانها حمراء , ارقامها كذا وكذا , متجهة من جهة ديالى , محملة اعلاف للتمويه .
هذا تقرير فيه كميات واوصاف واعداد والوان , فتسهل المهمة والرصد واصطيادهم , ومن يكتب هكذا تقرير يستحق الدعم والترقية , اما سواه فيستحق العقوبة والطرد , فلغة المعلومات الكمية هي لغة يصعب التلاعب بها .
وكذا حين تقول شباب في النجف يحملون السلاح والقنابل الحارقة ويهاجمون مراكز الشرطة , فهذا تقرير خبري وليس معلومات لانه عام جداً بلا معلومات , اما المعلومات الكمية فتقول : ٥٠ شاب بأعمار كذا , من جماعة كذا , يستهدفون مراكز شرطة ١ و٢ و٣ في مناطق كذا , مستخدمين ٢٠ بندقيه وقنابل مولوتوف حارقة منذ الساعة كذا , وقد ردت عليهم الشرطة بالمسيل للدموع لمنعهم من الاقتراب , فهكذا تكون المعلومة دقيقة في التقرير والتقييم , حيث يكون الفرق كبيراً عندما تضيف كميات بانواعها عن الوقت والعدد والانواع والعناوين , فالمعلومة الكمية تحمل دلالات واضحة .
فمن هنا نرى ان المزج بين المعلومات الكمية والمعلومات الوصفية , التي اخذناها في المبحث السابق , تنتج معلومات استخبارية ممتازة ومهمة , وننبه هنا الى اننا لا نسميها معلومات احصاءية , لان الاحصائية تعني الارقام فقط , ولكننا نحتاج للكميات وكافة طرق التخصيص والتوضيح , والاحصائيات هي جزء صغير منها لاغير .
وذكرنا في كتابنا " الامن المفقود " عن الامن المعلوماتي , اي الامن المرتكز على المعلومات ولعل المعلومات الكمية من اهم روافد الامن المعلوماتي .
------------------------
الكميات والمعركة
------------------------
كما ان المعلومات الكمية مهمة في تقدير الموقف وادامة الموقف العام والاستعداد للمعركة والحرب واتخاذ قرارات الهجوم والدفاع , وحتى القوة الجوية تعتمد كثيرا على المعلومات الكمية لتنفيذ مهمات قتاليه وضرب مواقع العدو.
ان كثرة المعلومات الكمية المتحركة اي نقل وحركة تعني السعي للاستعداد وصولا للتأهب وتعاظم القوة , ولذلك يسعى العدو الى التشويش على الكميات ويبث معلومات كاذبة كميه مسيطرٌ عليها , لان المعلومات الكمية الخاطئة والغامضة تربك استخبارات الخصوم وتجعل التقديرات مربكة , وتنتج اخفاقا في التنبو والتحليل , وبسبب كثرة المعلومات المغلوطة التي تحمل كماً فتجعل التحليلات متضاربة(انظر مبحث٧٤ ضابط ركن الاستخبارات ).
فكل احتياجات المعركة وضابط ركن الاستخبارات هو معلومات كمية دقيقة (اين العدو, اين ينتشر , قطعاته الاخرى , اسلحته , القيادة والسيطرة ..الخ ), فكلما كانت المعلومات الكمية ادق كانت المخرجات افضل , ومن هنا فإن اكثر المعلومات الخادعة تكون المعلومات الكمية.
-------------
خلاصة
-------------
ان التقرير الاستخباري هو تقرير كمي يهتم بالابعاد والارقام , وان العموميات هي مصاديق للفشل الاستخباري , ومن هنا يختبيء الاستخباريون الفاشلون خلف العموميات لمداراة كسلهم , لان التعميمات تعني خلو جعبتهم من المصادر الفعالة التي تجلب لهم المعلومة الدقيقة , اما الجهد الاستخباري الحقيقي , فهو الذي تكون تقاريره الاستخبارية متقنة ومتكاملة قدر الامكان من حيث التوصيف والكميات والارقام والاوزان وباقي الاوصاف الاخرى , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
