عابد الأسود
الحوار المتمدن-العدد: 1573 - 2006 / 6 / 6 - 00:46
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
إبان بداية الحرب الأمريكية على العراق بدأ بعض المجاهدين العرب بالقدوم إلى سوريا بوصفها الممر الآمن والوحيد باتجاه أرض الرباط ( العراق ) حيث كانت بعض الجهات المحلية تقوم بتسهيل مهمة المجاهدين وإيصالهم إلى مبتغاهم .
كل ذلك ترافق مع دعاية واسعة لنصرة أخوتنا في العراق , كانت هذه الدعاية واسعة إلى حد أنها اجتذبت الكثير من الشبان في سوريا تحت دواع دينية , قومية أو إنسانية . للجهاد ضد المحتل الأجنبي .
هكذا وبفعل دواع سياسية محضة تم تأويل كل العواطف والإيديولوجيات لكركبة الجو في العراق وذلك من أجل أن تعلق القوات الأمريكية في وحل العراق وبالتالي تبتعد عن مجرد التفكير بضرب سوريا أو غزوها كما كان يسوق صقور الإدارة السياسية في الولايات المتحدة .
لكن الفلتان الحدودي كان المحرك الأول والأساسي لضغوط أمريكية كبيرة تزامنت , لربما بفعل الصدفة مع تقرير ميليس , حتى وصلت الأمور إلى حد تجميد أرصدة مالية تابعة لشخصيات كبيرة في البلد وحد حركتها.
هكذا... لم تكن السلطة في سوريا تملك إلا أن تضبط حدودها مع العراق ,هذه المرة بطريقة جدية وذلك بفعل تسيير دوريات مشتركة مع المحتل وشراء معدات مراقبة منه .
بالفعل تم ضبط الحدود بنجاح , الأمر الذي هدّأ من الضغوط الأمريكية على سوريا .
لكن المأزق الذي لم يحسب أحد حسابه كان هؤلاء المجاهدين سواء السوريين منهم أو العرب , الذين كانوا قد استعدوا تماماً للقاء الله !!! , ولم يعد يجدوا في قوات الأمن السورية التي كانت في أحد الأيام تشجعهم وتسهل مهمتهم سوى من يمنعهم عن حور العين والنعيم المقيم!!!.
لم يجد هؤلاء أمامهم إلا ممارسة ( الجهاد ) في سوريا , فلا هم يستطيعون العبور إلى العراق من بعد اليوم ولا هم يستطيعون العودة لبلادهم بحال من الأحوال فهم على قائمة المطلوبين هناك .
للأسف ... وباستثمارهم لمهاراتهم القتالية التي يبدو حتى الآن أنها متواضعة استطاعوا أن يقيموا الدنيا دون أن يقعدها أحد, ويصلوا إلى وسط دمشق الذي يحوي العديد من الدوائر العامة . وفي هذا نذير خطير على اهتراء القوى الأمنية بعد تصدعها بفعل الرشاوى والمحسوبيات .
ففي السنوات الماضية اقتصر عمل قوى الأمن على مداهمة المثقفين وأركان المعارضة الذين لم يكن يملكون بحال من الأحوال أي وسيلة دفاعية عن أنفسهم سوى أقلامهم .
حجب المواقع الالكترونية و جرجرة المثقفين المدنيين كان هو الشغل الشاغل لقوات الأمن وبالتالي كان من السهل اختراقها (عسكرياً) ولو قرب وزارة الداخلية نفسها .
ورغم أن الخطاب الديني السلطوي في سوريا كان هو الداعي الأكبر للجهاد ضد المحتل الأجنبي وتأجيج كل ما يمكن تأجيجه لخدمة هدف سياسي , من راديكالية أبي القعقاع إلى الفتوى التي أصدرها أحمد كفتارو الذي كان يشغل منصب الإفتاء لغاية وفاته بأفضلية الجهاد ضد الأمريكان لكن ذلك الخطاب لم يجد أي وقاحة في انصرافه بشكل غير تدريجي إلى خطاب الاعتدال و التسامح الممجوج الذي تبناه أحمد حسون مما جعله المفتي الجديد للديار السورية .
الخطير في الأمر هو أن المسؤولين فاتهم بأن هناك جواً خانقاً في المنطقة , و سوريا بطبيعة الحال جزء منها , يدعو إلى تأجيج الخطاب الأول و إضعاف الخطاب الثاني بل وتخوينه وإن كان هو الأقرب لطبائع الأشياء ومسلماتها .
استراتيجياً ... لن يطول الزمن كثيراً حتى تنتهي مسألة فلول الارهابيين , خصوصاً وأن خبرتهم العملياتية ضعيفة ... لكن ما يثير الهواجس والمخاوف الحقيقية هو احتمال أن تكون هذه الحوادث ليست إلا بداية لعنف مبني هذه المرة على دوافع طائفية , أثنية وعشائرية ستكون حقيقية أكثر من أي دوافع أخرى .
ربما ستطل أحداث العنف برأسها لتذكر البعض من غير المنضبطين في سوريا بأن هذه الطريقة قد تكون المثلى في التنفيس عن حقد دفين , حقد لم يزل دفيناً دون أن يموت في قلوب فئة مهمة من السوريين ترى أن لها حقوقاً تاريخية , علاوة على أن هذه الطريقة قد تكون الوحيدة الممكنة مع التهام البعبع الأمني لكل المنتديات والساحات الثقافية .
إن وجود مناخ صراعاتي محموم يعطي دفعة كبيرة لعسكرة أي إيديولوجيا , بما فيها الإسلامية منها وبالتالي خلق حالة من الحرب الأهلية التي لا رابح فيها .
إن هذا المناخ موجود بفعل الحزب القائد والمسيطر على الدولة والمجتمع . فالسياسيون في سوريا إما غالبون سلطويون أو مغلوب على أمرهم قد يرمون وراء القضبان في أي لحظة .
أما البقية العظمى فهي هاربة من السياسة ومتاعبها لكرهها بأن تكون سجانة أو مسجونة .
لقد خلقنا الله مختلفين , وفي ذلك حكمة ففي التدافع بناء ....
إن التغطية على الاختلافات في النسيج السوري بما يحقق وحدة عقائدية الدولة هو ليس إلا ذراً للرماد في العيون ,إذ أن الاختلافات موجودة ولا ينبغي تجاهلها ولا الخوف منها.
المطلوب هو تضافرها ضمن مناخ ديمقراطي , تعني الديمقراطية هنا تسوية سلمية للاختلافات .
وللإثبات على أهمية التضافر , لك أن تعلم بأن كل من الدين والرأسمال والطبقة العاملة و القومية ... كلها معطيات مهمة وموجودة في المجتمعات .
غالباً ما يقوم البشر بتبني أحد هذه المعطيات كمعطى أساسي ومعياري يحاكم بناء عليه المعطيات الأخرى في إطار تيار أو حزب .
في النتيجة ينبغي على كل هذه العوامل أن تنمو بشكل متوازن للوصول إلى المصلحة الجمعية . الأمر الذي لن يكون إلا بتضافر هذه التيارات ولو ضمن ترتيب ( سلطة – معارضة ) وبالتالي إلى تضافر جميع العوامل .
لكن مأساة بلادنا هي أن هنالك من يرغب في السيطرة على كل مرافق الدولة والاستفادة من كل ما هو متاح دون النظر إلى الأساس الإيديولوجي الذي فيه يضع رأسه كما النعامة .
وعلى ذلك هو سائر بإسكات الأنفاس الحرة واعتقال الحريات العامة .
#عابد_الأسود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟