أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الحجاري عادل - تراث الغرب الإسلامي الوسيط: أساس تجربة الإصلاح.















المزيد.....

تراث الغرب الإسلامي الوسيط: أساس تجربة الإصلاح.


الحجاري عادل

الحوار المتمدن-العدد: 6463 - 2020 / 1 / 12 - 14:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لا نبالغ إذا قلنا، الفكر الإصلاحي في العصر الوسيط، كتراث زاخر وغني بالعديد من التجارب الإصلاحية، التي استطاعت أن ترسم ملامح فكر إصلاحي وسيطي غير منساق وراء ردود الفعل، بل معقد على أرضية مشروع صلب ينطلق من الفعل الإرادي الذي صنعته شروطه الداخلية حتى عند لحظة الإحتكاك ببلاد الأندلس أو المشرق العربي 1. ومعنى هذا، أن الإعتماد على تراث الغير إن لزم العمل به أو الإقتداء بتجربته، تبقى إذن إما في التفاصيل أو الهوامش قادرة على إعادة النظر والبناء لكنها تفتقر من حيث إيجاد المركزية لبناءها بناءا معمولا ليس مشتتا.


كما أن الدعوة إلى إعادة تراث الغرب الإسلامي الوسيط، إنما يكون رهين بالعودة إلى الأصالة استشرافا للمعاصرة كما في ضوء الدراسة التاريخية للتراث في نظر عابد الجابري، وليس المعنى القائم منها إعادة احياء التراث الأروبي، كما زاوج فيها الكثير من رواد الفكر الإصلاحي المعاصر، والذين ذهبوا إلى حد القول أن التجربة الإصلاحية تقتضي مواكبة التغيرات الراهنة والإقتباس من النموذج الأروبي، هذا كما نسميه رواد الليبرالية، والحد الأخر يرى في تجربة السلف السابق كشرط رهين لبناء نموذج إصلاحي حقيقي مستمد من القرأن والسنة، هذا ما نسيمه رواد السلفية.


ويبدوا أن أوجه التشابه والإختلاف في الرؤية تجاه التجربة الإصلاحية بين ما هو ليبرالي يريد إحياء التراث الأروبي وصياغة دساتير جديدة على أساس الإنتخابات والتعددية الحزبية، وبين ما هو سلفي يطمح في عودة الخلافة الإسلامية مع حضور اهل الحل والعقد لصياغة الدستور على أساس الشورى. لا يتأسس ذلك إطلاقا على ايجاد النواة الدائمة للتجربة الإصلاحية، وخصوصاً إذا لم يتم التوافق بين الإسلام الإجتماعي والإسلام المعياري، وهو ما يرتكز على درجة تمييز الإصلاح الحديث عن القديم ( الوسيط) لكونه يقوم على مقارنة تؤدي إلى الوعي بالتأخر، وهو ما لا نجده في الإصلاح القديم 2.


على أن أهم غاية إنجاح تجربة الإصلاح، تقتضي الرجوع إلى صياغة مشروع فكر إصلاحي حقيقي يستمد من تراث الغرب الإسلامي الوسيط وحضارته، ولا أدل على ذلك تراث السلفيين المنغلقين عن نفسهم، بل بمعنى الكلمة إحياء فلسفة ابن رشد وابن خلدون، التي اعتادت أن تؤسس فكر ناجح كما كان في حقبته الوسيطية، وفي هاته الحقبة ظلت أوروبا عاجزة عن صياغة تجربة إصلاحية، فذهبت إلى أبعد مدى، إما بدافع تكرار هجماتها على المسلمين في إطار الحروب الصليبية، أو بدافع هجرة الكتاب والمثقفين إلى المشرق والنبوغ في تراث المسلمين والإقتداء بتجربتهم المثمرة، ويبدوا أن الدافع الثاني هو أهم حل اعتمدت عليها أوروبا لإعادة بناء حضارتها التي سايرت العصر.


لذلك، فلو لم تستمد أوروبا أفكارها من تراث الإسلام في العصر الوسيط في ربوعه المشرقي والمغربي، لما كانت اليوم في أوج مرحلة علمية حديثة ومتقدمة، ولو لم يكن الإسلام اليوم يتسلح بسلاح الثقافة والفكر النهضوي الأروبي لما كان الداعي إلى إحياء تراثه الوسيط، لحصلت هناك تجربة إصلاحية فريدة من نوعها. وبين هذين النموذجين يحصر الخلل والعيب فينا، مقابل نجاح تجربة الإصلاح عند غيرنا الذي أعاد بناء شروط النهضة انطلاقا من تراثنا، ونحن الآن في حاجة إلى بناء النهضة وازدهارها مثلما حققت عند غيرنا. إذ كيف والجهل بتراثنا هو العائق، والإقتباس من تراث الأخر هو المعمول به اليوم لكننا في مرحلة متأخرة؟


إن التأخر الحاصل عندنا اليوم هو ناتج عن تخلف العقول، كان السبب منها الأخذ والإستنساخ من الأخر في شقيه النظري دون التفكير في إعمال الوعي العقلي كشرط لازم في شقيه التطبيقي، بحيث يظل الوصول إلى الهدف في أصعب صورته إذا لم نوافق معا الشق النظري والعملي، ورغم أننا فشلنا في صياغة تجربة إصلاحية حول الحداثة والتمدن بداعي أننا لم نقرأ في تراثنا أي تراث ابن خلدون الذي سبق الأوروبيين في صياغة شروط وقواعد بناء الحضارة والعمران البشري، إلى جانب مؤلفه " المقدمة " و " العبر " هذا الأخير ما نجده قائم على التوفيق بين سلطة النقل وسلطة العقل، والذي لا ينضب في هذا الكنز الثمين الذي تصدر العنصر العمراني وإبراز الدور الحاسم للعصبية كمحرك جماعي للتاريخ3. وليس فيها أي عيب أو مانع في الإنفتاح على التجديد، لأن سر التقدم يكون رهين مما ورد في هذين المؤلفين، الذي اعتاد صاحبه الحديث عن دور الصناعة والتجارة، وفسر قواعد السياسة وشروط بناء العمران، والإنتقال من طور البداوة إلى طور الحضارة لكن بشرط الإبتعاد عن الترف والبذخ والإستبداد.


والحال، أن المرحلة التي نعيشها تختلف عن المرحلة التي عاشها ابن خلدون، والفارق بين هاتين المرحلتين يتم دراستها بالتحقيب الطويل من حيث السياق التاريخي، بل ومن حيث الفكر الإصلاحي فلا فارق ولا مسافة بين فكرة متأصلة لامست زمانها ورجالها فنهضوا بها، خير من أفكار هامة استطاعت أن تنفتح على مختلف الرؤى والإتجاهات الفكرية وهي في غير سياقها، والأخذ منها معمول به لحد الآن رغم وجود حالة من الخلل والفشل واليأس، اعني به، كما في المثل، أنه كلما أعيد النظر في التغذية الطبيعية تجدها غنية بمكونات صحية وخالية من الأمراض القاتلة هذا من جهة، وكلما زادت الألات واستعملت التغذية في ظروف دقائق فهذا مشروع رأسمالي ناجح، لكنه مقبل على أضرار صحية قاتلة من جهة أخرى.


لقد اعتادت بعض الدول اليوم التي تعاني من أزمة في جل الميادين، فاختلفت الأراء حول مصير ربط عجلة البلد بالتقدم ومواكبة العصر، وتعزيز التنمية وضمانها انسجاما لتحسين مناخ العيش والعمل والرفاهية للشعب، وعند هذا الحد تجتمع الأحزاب مؤيدة ومعارضة وتتفق على خطة إصلاحية شاملة، والتي ترى أن العودة إلى النبش في تجربة الإصلاح انطلاقا من التراث الوسيط معناه الجمود والإنغلاق، وترى أيضا أن الإقتداء بالنموذج الخارجي هو ثمرة أساس لكل تجربة الإصلاح، وتأكيدا على أنه لم يكن أبدا أي انغلاق وارد في التراث الوسيط، لا في مقدمة ابن خلدون ولا في فلسفة ابن رشد، بل إن الانغلاق الذي يراه المعاصرين في حق السلف يكون رهين بغياب القراءة وضعف أسلوب المحققين في كيفية التعامل مع النصوص وتحويلها من مخطوط إلى مطبوع، أو رهين أيضاً بصعوبة فهم لغة المؤلف وعدم فهم المنهج الذي ارتكز عليه، فضلا عن تشويه النص دون التحقيق معه تحقيقاً دقيقاً حتى لا يكون هدف الباحثين للسير نحو تجربة إصلاحية ناجحة.


وعلى ضوء التمييز في الأخذ بتجربة السلف ( ابن خلدون، ابن رشد...) أو في الإقتباس من التجربة الخارجية الناجحة، نجد هناك تكرارا لعوامل تاريخية أو لظروف معينة، وكما يبدوا أن التجربة الخارجية نجحت في تحقيق مشاريع إصلاحية على ضوء الإقتباس من تراث الإسلام في العصر الوسيط، ومن بعده التراث الأروبي منذ فجر النهضة وبزوغ عصر الأنوار. وفي عز هاته المرحلة ما بعد الوسيطية سعى بعض الحكام والأمراء إلى إرسال بعثة علمية الى الخارج، كمحاولة لنقل التجربة لكنها لم تنجح انطلاقا من القرن الثامن عشر وحتى الآن، ويعني هذا أن أوروبا سمحت بنقل عاداتها في الطعام والشراب واللباس وتصدير الثقافة والإيديلوجيا والصناعة إلينا، ولم تمنح لنا تحويل تجربتها الاقتصادية المتقدمة وتطوير البحث العلمي والتكنولوجي. وكما نراها اليوم في عقد صفقات خارجية في مجال التسليح وبناء مشاريع اقتصادية وبنيات تحتية متطورة وإصلاح حال التعليم والصحة، فليس الباعث منها نقل تجربة الإصلاح وتحقيق رفاهية الشعب، بل هي فخ ومناورات فكرية استعمارية جديدة تسعى إلى كسب الوقت وإغراق البلد في أزمة مالية.


وإذا كان الشرق الإسلامي سابق عن نظيره الغرب من حيث بلورة أفكار إصلاحية مستمدة من تراثهم الحضاري القديم، ثم واكب ذلك طيلة ظهور الدعوة الإسلامية وما تلاها، إلا أن نموذجهم الإصلاحي لم يسير في الإتجاه الصحيح نظراً لتنامي الأقليات المذهبية والطائفية، وبروز التطاحن والتناحر القبلي، وتكاثر العلماء والفقهاء في الإستفتاء على ضوء انتمائهم المذهبي المختلف وليس على أساس المذهب الواحد، هو ما أدى بالكثير منهم التسليم والإنعتاق بمذاهب مختلفة، لكنه في نفس الوقت لم يحصل الإجماع على إعادة بناء التراث الحضاري وصياغته والسير به نحو تجربة إصلاحية شاملة.

أما الغرب الإسلامي، في علماءه ومفكريه الذين اعتادوا على النبوغ في العلم والشوق إليه، وذلك من خلال سفرهم وتحصيلهم العلمي أو في ورحلتهم إلى المشرق قصد تجاوز نبوغهم العلمي والفكري والمعرفي، إلا أن تحويل انتقال الثقل الفكري والمعرفي من المشرق إلى المغرب قد ساهم في نجاح تجربة إصلاحية في شتى جوانبها، وإذ المتصفح لتاريخ الأندلس يجدها غني بالمظاهر الفنية والمعمارية وتنوع حاصل في الصناعة والتجارة والعلوم والإنتاج، إذ لا يعدوا أن يكون تراث الغرب الإسلامي الوسيط هو ثمرة نجاح تجربة الإصلاح في الأندلس، عكس غرب شمال افريقيا، فلم يحصل إنجاح التجربة. اللهم إما في صورة التوافد المذهبي الشرقي بكثرة أو في صورة تزايد الهجمات الأروبية الطامعين في الغزو واستيلاء الأرض، أو في صورة إرسال البعثات العلمية إلى الخارج التي استنسخت عنهم العادة الإجتماعية لكنها في نفس الوقت أغفلت التقدم العلمي والتكنولوجي.

الهوامش :
1- محمد القبلي " حول الإصلاح وإعادة الإصلاح بالمغرب الوسيط "، مجلة المناهل، العدد 69-70، السنة 26 يناير 2004، ص7.

2- علي أومليل " ماهو الإصلاح " سلسلة ندوات ومناظرات حول الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، جامعة محمد الخامس، الرباط، ابريل 1983، ص 27.
3- محمد القبلي، في حوار مع اسامة الزكاري ومحمد بوخزار، البيوغرافيا والتاريخ، مجلة أمل، العدد 51، 2018، ص 206.



#الحجاري_عادل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اين تتجه شعوب البحر الأبيض المتوسط؟
- لماذا يقتلون الهوية؟
- محنة الشعب السوري
- الصراع الأروبي في بلاد الصين والسير نحو حرب الأفيون
- البعد الإستراتجي لتركيا ودورها في الساحة الدولية
- الظلم مؤذن بخراب العمران
- الفكر الإصلاحي المعاصر عند مالك بن نبي
- عولمة الغرب وإشكالية إجهاض أحلام الشعوب الفقيرة
- الإجتماع الإنساني بحاجة إلى مؤسسات.
- الإنسانية المزيفة
- متى سيخرج العالم الثالث من معركة الصراع الفكري؟
- فكرة ولادة العالم الأول هي فكرة موت العالم الثالث
- الإصلاح في الفكر الإسلامي وعوامل الفشل
- هكذا حاول الغرب توظيف علم الأنثربولوحيا للسيطرة واستعمار الع ...


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الحجاري عادل - تراث الغرب الإسلامي الوسيط: أساس تجربة الإصلاح.