أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - امتحانات بيزا وظاهرة العنف في المجتمع العربي















المزيد.....

امتحانات بيزا وظاهرة العنف في المجتمع العربي


يعقوب بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 6430 - 2019 / 12 / 6 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



مع إعلان نتائج إمتحان “بيزا” الدولي لتقييم الطلاب، أبرزت الصحف الإسرائيلية وعلى صفحاتها الأولى فشل إسرائيل في مجال التعليم مقارنة ببقية دول العالم بما فيها 36 دولة صناعية متطورة تابعة لمنظمة OECD والتي تضم إسرائيل بين اعضائها. هذا الإمتحان الذي شارك فيه طلاب الصف العاشر في 79 دولة في العالم إمتحن التلاميذ في ثلاثة مجالات: فهم المقروء، رياضيات وعلوم. وقد حصلت الدول الأسيوية على الأماكن الأولى وعلى رأسها الصين وبعدها سنغافورة، ماكاو، هونغ كونغ وهي دول صغيرة من اصل صيني أيضا. وقد وجدت إسرائيل نفسها في المكان 41 الامر الذي أصاب وزارة التعليم بالصدمة والتي طلبت من منظمة OECD بإعادة فحص النتائج ولكن الجواب كان بان النتائج صحيحة.

وعلقت الجهات المختصة في اسرائيل على النتائج بالادعاء المعروف وهو ان المعدل المتدني نسبيا ينبع من النتائج المخيبة للآمال للطلاب في الوسط العربي الذين حصلوا على نتائج متدنية جدا حتى ادنى من نتائج دول عربية مثل الأردن ولبنان. وبدأت حملة الاتهامات المتبادلة بين وزارة التعليم وبين ممثلي المجتمع العربي على من يتحمل المسؤولية رغم ان الإحصائيات الرسمية لا تكذب. الإستثمار الحكومي على كل طالب عربي يبرز هذا التمييز ففي الوقت الذي تخصص الحكومة 40.3 الف شيقل على كل طالب في المدارس الحكومية الدينية ففي المقابل تخصص 24.5 الف شيقل على كل طالب عربي. غير ان هذا التمييز الفادح لا يمثل واقع التعليم العام في إسرائيل الذي يعاني من ازمة عميقة وفجوة تتسع سنة بعد سنة بين تحصيل الطالب الإسرائيلي والطلاب في أوروبا واسيا.

فالحقيقة هي انه وفي الوقت الذي يعاني المجتمع العربي من تمييز فادح في مجال الميزانيات الا ان من يستفيد من التعليم بشكل عام في إسرائيل هم 11% من مجمل الطلاب وهم من سينخرط في المستقبل في صناعات الهاي تك التي تقود الاقتصاد الإسرائيلي. وفي الوقت التي تبقى نسبة المتفوقين ثابتة على مدار السنين، فبقية الطلاب وهم الأغلبية الساحقة من يهود وعرب يعانون من تراجع مستمر، وبنسب متفاوتة، في مستوى التحصيل التعليمي. ان السبب لهذا التراجع العام نابع من التقليص في الاستثمار في التعليم بشكل عام. ان الاحصائيات الرسمية تكشف هذه الحقيقة. ففي سنة 2000 كان الانفاق القومي على الطالب في المرحلة الثانوية 26% من الإنتاج الإجمالي المحلي للفرد، لكن في 2014 هبط الانفاق بشكل حاد الى 19%، في الوقت الذي يصل الانفاق في دول الأوروبية على كل طالب ثانوي 25% من الإنتاج الإجمالي المحلي للفرد. هذا التقليص في الإنفاق هو ما يفسر تدني مستوى التعليم في إسرائيل مقارنة ببقية الدول المتطورة التي تشارك في امتحان بيزا.

ويأتي التدني على الانفاق في مجال التعليم في اطار تدني الانفاق العام على الخدمات الاجتماعية في إسرائيل في العديد من المجالات مثل الصحة، المواصلات، الشيخوخة، وهذا ضمن السياسة الاقتصادية التي انتهجتها حكومة نتانياهو خلال العقد الأخير. فالنهج النيو ليبرالي في إسرائيل يدعو الى تقليص الميزانيات الحكومية في كل المجالات، الإعفاء الضريبي على الشركات الكبرى، تشجيع الخصخصة وتفضيل راس المال الكبير على حساب رفاهية المجتمع ككل. فما يهم الحكومة الإسرائيلية هو حروبها ضد ايران، غزة والإستيطان ومراعاة شريحة ضيقة من المجتمع – نسبة 11% من المتفوقين بين الطلاب الذي اصبحوا المبادرين في مجال التكنولوجيا والذين سيتحولون الى أثرياء بعد نجاحهم ببيع اختراعاتهم في مجال العقل الاصطناعي والسيارة الذاتية بالمليارات الى شركات عملاقة متعددة الجنسيات مثل انتيل، ميكروسوفت او امازون.

اما والفجوة بين الطالب العربي والطالب اليهودي تتسع ليس فقط بسبب التمييز في ميزانية التعليم بل بسبب الفرق في المستوى المعيشي للمجتمعين. فاذا كانت معدلات الفقر (وهو اقل من 1500 دولار للعائلة) تشمل 50% من المجتمع العربي مقابل 14% فقط من المجتمع اليهودي، فالنتيجة هي ان العائلة اليهودية تستطيع ان تعوض النقص في الانفاق الحكومي في مجال التعليم من خلال دفعات للمدرسة تصل الى الوف الشواقل سنويا لتمويل دروس خاصة، دورات مختلفة وحتى الرحل السنوية وهذا بالرغم من ان وزارة التعليم تحظر مثل هذه الدفعات التي تميز بين الغنى والفقير. ما يزيد الفجوات هو إقامة مدارس خاصة في الوسطين العربي واليهودي وذلك من خلال جمعيات تدار من قبل أولياء أمور الطلاب ما يخلق فجوة إجتماعية داخل المجتمع العربي نفسه. فسياسة الحكومة الاقتصادية تقود الى كارثة في شتى المجالات، ليس فقط التعليم. والمتضررون هم الفقراء من اليهود والعرب الذي لا يمكنهم تمويل تعليم خاص او شراء تأمينات صحية خاصة وباهظة الثمن.

ومن هنا فالتركيز على التمييز ضد العرب يبقى في اطار نظرة ضيقة جدا وحتى غير مجدية، فمشكلة العرب تأتي ضمن مشاكل اكبر بكثير تشمل اليهود أيضا حتى واذا العرب هم بطبيعة الحال المتضرر الأكبر منها. ان مشكلة التعليم ليست مشكلة “عربية” بل إسرائيلية بامتياز وهي نابعة من أولويات الأحزاب الصهيونية التي تتمسك بالنظرة الأمنية قبل كل شيء الامر الذي يكلف المجتمع الاسرائيل ثمنا باهظا. ان الاصرار على عدم تغيير التوجه تجاه الفلسطينيين، الإصرار على تحديد ايران ك”خطر استراتيجي”، الانشغال اليومي في القضايا الامنية وتخصيص أموال طائلة تصل الى 72 مليار لميزانية وزارة الدفاع لا يبقي مجالا للإنفاق وتطوير القطاعات المدنية. ان تدني الإنفاق في التعليم مقارنة بدول OECD يوازي الفرق في الانفاق في المجال العسكري، فمعدل الانفاق الإسرائيلي على الجيش يصل الى 5% من الانتاج الإجمالي المحلي، اما وفي دول OECD لا يتعدى 2.5% مما يعني نصف الانفاق في إسرائيل وهذا ما يخلق فائض ممكن استثماره في التعليم، الصحة، المواصلات والشيخوخة.

ومع ذلك يبقى السؤال، هل يجدي الاستمرار في كيل الاتهامات للحكومة وتحميلها المسؤولية عن كل مصائب المجتمع العربي من ظاهرة العنف حتى الفشل في التعليم؟ هل يوجد قاسم مشترك بين الظاهرتين؟ هل إضافة مراكز شرطة ستحل مشكلة العنف وزيادة الميزانيات هي الجواب الوحيد لمشكلة التعليم؟ واضح ان القاسم المشترك بين الظاهرتين – تدني نتائج التعليم العربي والعنف المستشري – هو السلطة المحلية العربية العاجزة تماما بسبب تركيبتها، سلوكها، اعتمادها على العائلة وتشجيع العائلية، عن معالجة هذه الظواهر الخطيرة والمؤسفة. ليست “عائلات الاجرام” هي مصدر العنف بل البيئة الاجتماعية هي التي تسمح بل وتؤجج العنف، ان هؤلاء الطلاب الذين تسربوا من التعليم ويحملون وصمة الفشل على جبينهم هم من يعبرون عن احباطهم وغضبهم في الشارع.

وقد تطرق موقع “عرب 48” لهذه الظاهرة واشار الى “وجود عوامل ذاتية متعلقة بجهاز التعليم العربي، وأبرزها ظاهرة التعيينات لمفتشين ومدراء غير أكفاء، وبالتالي تعيين معلمين غير أكفاء، وبسبب قرابتهم مع مدراء ومفتشين”. هذا الكلام هو كلام سليم ودقيق جدا. فإذا استوعبنا هذه الحقيقة فهذا يعني ان مزيد من الميزانيات لا تكفي لمعالجة المشكلة فمن الممكن ان تتحول الى مصدر إضافي لتمويل الفساد، المحسوبيات، التعيينات وحتى الحروب بين العائلات على من سيسيطر على السلطة المحلية وبالتالي على التعيينات نفسها. نعم توجد ازمة تعليمية خانقة ولا يمكن تبرئة الحكومة ولكن اذا ارادنا إحداث التغيير فيتوجب اجراء حساب للذات قبل توجيه الاتهام للجهات الأخرى، والفشل في امتحان “بيزا” من الممكن ان يكون مثابة النفير العام الإضافي ونداء للتغيير المجتمعي الجذري. ان الانغلاق والبحث عن المسؤولين خارج المجتمع، عزل المشكلة العربية عن المشكلة العامة في إسرائيل لربما تساعد القيادة السياسية وممثلي العائلات التي استولت على السلطة المحلية ولكنها تضر المجتمع ولا تقود الى حل.



#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرعنة الإستيطان يمهًد لحل الدولة الواحدة
- لبنان والعراق شوكتان في حلق ايران
- ترامب يتراجع، خامنئي يستفيد ونتانياهو يخسر
- التجمع في موقف لا يحسد عليه
- المشكلة ليست بالكرسي بل بضياع الطريق
- مرسي يجسد المأساة العربية
- واحة الديمقراطية تتأقلم مع محيطها
- صفقة القرن: الرفض اللفظي يغطي على نظام الابرتهايد
- الصوت العربي- الغائب الحاضر
- غزة بدها تعيش
- كتلة مانعة او كتلة فاعلة
- أهلا وسهلا بالحاج سالفيني
- نتانياهو يشطب الاحتلال
- ضاعت فلسطين والاحتلال باق
- قانون القومية يفجر الاجماع الصهيوني
- مآساة غزة - سلعة تخدم الجميع
- الاسد باق! إيران ستخرج
- ناتالي بورتمان والاجماع الصهيوني
- غزة بين التمكين والتجويع
- فشل سياسة البلكونة الإسرائيلية


المزيد.....




- مزاعم روسية بالسيطرة على قرية بشرق أوكرانيا.. وزيلينسكي: ننت ...
- شغف الراحل الشيخ زايد بالصقارة يستمر في تعاون جديد بين الإما ...
- حمير وحشية هاربة تتجول على طريق سريع بين السيارات.. شاهد رد ...
- وزير الخارجية السعودي: حل الدولتين هو الطريق الوحيد المعقول ...
- صحفيون وصناع محتوى عرب يزورون روسيا
- شي جين بينغ يزور أوروبا في مايو-أيار ويلتقي ماكرون في باريس ...
- بدء أول محاكمة لجماعة يمينية متطرفة تسعى لإطاحة الدولة الألم ...
- مصنعو سيارات: الاتحاد الأوروبي بحاجة لمزيد من محطات شحن
- انتخابات البرلمان الأوروبي: ماذا أنجز المشرعون منذ 2019؟
- باكستان.. فيضانات وسيول عارمة تودي بحياة عشرات الأشخاص


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - امتحانات بيزا وظاهرة العنف في المجتمع العربي