أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - واحة الديمقراطية تتأقلم مع محيطها















المزيد.....

واحة الديمقراطية تتأقلم مع محيطها


يعقوب بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 6250 - 2019 / 6 / 4 - 17:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المقولة، "الديمقراطية لا تصلح للعرب"، هي أشهر مقولة تستخدم من قبل الأنظمة العربية لتبرير طبيعتها الإستبدادية الفاسدة، وأصبحت أيضا حجة أساسية في قمع الربيع العربي والشعوب المطالبة بإسقاط الأنظمة. هذه المقولة المدعومة بأموال الخليج منحت الجيوش العربية "حامية الوطن" الشرعية للبطش وذبح كل من تجرأ الخروج الى الشارع مطالبا بالحرية. الجيش المصري، السوداني، الجزائري، الليبي والسوري موحدين في السعي لإدامة السلطة بإسم "إحباط المؤامرات على العرب".
أما إسرائيل فهي نفسها تبرر سياساتها الحربية وعلاقتها مع هذه الأنظمة المجرمة بالإدعاء ان ما يصلح لليهود لا يصلح للعرب، إذ أن الأنظمة العربية القمعية هي ضرورة لا بد منها بسبب عدم مؤهلة العرب للنظام الديمقراطي. بحسب هذا الادعاء تعتبر إسرائيل واحة الديمقراطية في صحراء الإستبداد العربي ولذلك فمن الطبيعي ان يتماثل الغرب بل ويدعم إسرائيل التي تعتمد قيم الحضارة الغربية.
الا انه وبخلاف لهذه الرواية تبينت إسرائيل في الأسبوع الأخير كرمز للنظام الفاسد القاضي على المؤسسات الديمقراطية. الحادث الإستثنائي وغير المألوف كان عندما وبعد شهرين فقط من الإنتخابات للكنيست وجدت إسرائيل نفسها وهي تعيد لانتخابات بعد ان فشل نتانياهو في تشكيل إئتلاف حكومي رغم فوز الكتلة اليمينية ب65 مقعد من مجمل ال120. وبالرغم ان الشعب الإسرائيلي حسم أمره وصوت بأغلبية لصالح نتانياهو الا ان قراره هذا لم يتم ترجمته بإنشاء حكومة إئتلافية جديدة بل ادى الى زلزال سياسي غير مسبوق وضع البلاد في حالة من الترقب وعدم الإستقرار السلطوي.
أسباب الفشل بقيت غامضة، إذ كان الموضوع العيني الذي عرقل التوقيع على إتفاق إئتلافي جديد بقيادة نتانياهو كان الخلاف بينه وبين رئيس حزب "اسرائيل بيتنا" افيغدور ليبرمان حول قانون تجنيد الطلاب المتدينين الى الجيش. رغم عن ان ليبرمان قد حظي في الانتخابات الأخيرة فقط بخمسة مقاعد اغلبها من الناخبين من أصل روسي، فالإئتلاف اليميني الجديد كان لا بد ان يضم حزبه ودونه لم يكن ممكنًا لنتانياهو ان يضمن أغلبية برلمانية.
أزاء هذا الخلاف إنقسم الإسرائيليون الى معسكرين، معسكر يؤيد نتانياهو الذي إتهم ليبرمان بمسؤولية إسقاط حكومة اليمين، وفي المقابل معسكر يتعاطف مع ليبرمان ويتهم نتانياهو بفشل سياسي كبير وعدم القدرة على التوسط بين أطراف الائتلاف الحكومي. ولكن الحقيقة هي ان من يتحمل المسؤولية الكبرى على ما يحدث ليس نتانياهو وليبرمان لحالهم بل مليون ناخب اسرائيلي الذين قرروا أن يدلوا بصوتهم لحزب الليكود برئاسة نتانياهو وغضوا الطرف تماما للائحة الاتهام الخطيرة التي من المقرر ان تقدم ضد نتانياهو بثلاث ملفات بتهمة الفساد.
لقد تحولت الإنتخابات الأخيرة الى إستفتاء حول شخصية نتانياهو ليس الا، بينما أصبحت القضايا الامنية، الحرب والسلام، الإقتصاد والرفاه مهمشين ولم يتم مناقشتها. كل ما اهتم به الجمهور في إسرائيل كان مسألة تبرئة نتانياهو او إدانته إذ سعى زعيم الليكود الى تحويل التصويت الى إستفتاء شعبي حول الموضوع بدل ان يتم حسم المسألة في المحكمة.
ان الحالة الإسرائيلية ليست إستثنائية بل أصبحت قاعدة. النظام الديمقراطي موجود اليوم بمأزق بأكثر من دولة وعلى رأسها امريكا وبريطانية. ان القاعدة الإنتخابية للرئيس ترامب في أمريكا لا تبالي بكل التهم المواجهة ضده، مثل التواطؤ مع روسيأ، او عرقلة القانون او حتى إخلاقه الفاسدة الامر الذي يهدد أركان النظام الديمقراطي الأمريكي بفقدان مصداقيته. اما وفي بريطانيا فقد أنجرّ الشعب وراء وعود حول التخلي عن الأجانب في حالة الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي وصوّت بنعم بإتفتاء حول ما يسمى "بريكسيت" على عكس كل التوقعات ومنذ ذلك الحين سقطت حكومتين من خلال ثلاث سنوات والبلد موجود في حالة من الشلل السياسي.
نتانياهو إذن ليس لوحده وله أصدقاء كثر يتصرفون مثله بالضبط: يستعملون دعاية شعوبية ويتلاعبون مع خوف الناس من الغريب والأجنبي ويعتمدون على القومية المفرطة والمغلقة برفع الشعار "إسرائيل أولاً" (او أمريكا او روسيا او المجر او ايطاليا). كل الأنظمة اليمينية المتحالفة مع نتانياهو تشن الحرب على الصحافة الحرة وتعمل جاهدة من أجل تغيير تركيبة المحكمة العليا كي يتلائم مع توجهاتها. هذه هي من سمات زعماء مثل ترامب وبوتين وفيكتور اوربان وماتيو سالفيني وحتى اردوغان في تركيا. اما ونتانياهو مثله مثل أصدقائه يعمل على إنقاذ نفسه من الملاحقة القانونية وربط مصير البلاد كله والنظام الديمقراطي بمصيره الشخصي. ان الشعب الإسرائيلي قرر بأغلبية بان الفساد مسموح ما دام نتانياهو من يضمن له الإستقرار الأمني وإقتصاد يراعي رفاهية الطبقة الوسطى من اصل شرقي والتي تعيش خارج العاصمة الإقتصادية تل ابيب.
اما ما يهدد الديمقراطية الاسرائيلية ليس الشعب الإسرائيلي المضلل بل قيادته اليمينية المتطرفة التي طبقت نظام الأبرتهايد في الضفة الغربية وأحكمت الطوق المميت على غزة. وقد تخلى نتانياهو نهائيا عن فكرة حل الدولتين وحظى بدعم كلي من ترامب الذي خيط "صفقة القرن" على مقاس نتانياهو. ها نحن نرى أمامنا كيف تتحول "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط" بإذن من البيت الابيض الى دولة نظامين، حكم ذاتي فلسطيني دون حقوق مدنية او سيادة، الى جانب نظام ديمقراطي مشوه داخل حدود الخط الأخضر الذي يفصل بين المناطق المحتلة واسرائيل. ما يضمن الاستقرار الأمني داخل إسرائيل وتمتع نتانياهو بدعم شعبي هو التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وصفقة الدولارات القطرية مع حماس في غزة مقابل الهدوء على جدار الفاصل بين إسرائيل وغزة.
من الصعب التكهن بما ستكون نتيجة الإنتخابات في شهر أيلول القادم، لكن من المؤكد ان إعادة إنتخاب نتانياهو ستعيد الأزمة من جديد لسببين: الأول يعود الى عدم وجود مقاعد كافية لتشكيل حكومة خصوصا بعد الطلاق بين نتانياهو وليبرمان. السبب الثاني هو الأخطر، فحتى اذا تمكن نتانياهو من تشكيل حكومة عليه ان يغير القانون حتى يستطيع التهرب من المحاكمة. بكلمات أخرى، نتانياهو "الساحر" الذي أثبت قدرته على النجاح داخليا وخارجيا بما في ذلك تأثيره على الساحة العالمية بهدف إلغاء الاتفاق النووي مع ايران، المراهنة على ترامب ضد اوباما، علاقته الحميمة مع بوتين، تنسيقه الامني مع ابو مازن رغم المضايقات الذي فرضت على السلطة الفلسطينية، معاملته مع حماس وعلاقته الاستراتيجية مع مصر والسعودية - نفس نتانياهو أصبح عقبة سياسية كبيرة تهدد الإستقرار السياسي والنظام الديمقراطي الذي تفتخر اسرائيل به منذ عقود.
لا بد من التنويه هنا بأن الأزمة السياسية في إسرائيل لا تنحصر في شخصية نتانياهو بل تعكس المأزق الذي دخل اليه نهجه السياسي والإقتصادي على مدار 20 سنة. ان رحيل نتانياهو عن المشهد السياسي في إسرائيل يشكل إذن نهاية لعهد وبداية لعهد جديد. ان المعارضة السياسية لنتانياهو المتمثلة في حزب "ازرق ابيض" بقيادة ثلاثة رؤساء الأركان للجيش لا تحمل معها برنامجًا بديلًا، فهي لا تعارض ترامب وسياسته ولا تطرح حلًا للقضية الفلسطينية وليس لها بديل إقتصادي. ان الإعتماد على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية وعلى التفاوض عبر مصر وقطر مع حركة حماس ليس حل جذري لمصير 5 ملايين فلسطينيين العائشين في ظروف صعبة ودون التمتع بحقوق مدنية وحياة كريمة.
الإستمرار بسياسة رأسمالية نيو ليبرالية التي تمنح كل التسهيلات الضريبية لرأس المال الكبير، من شأنها ان تجبر الحكومة على تقليص الميزانيات على البنية التحتية وعلى الصحة والمواصلات والتعليم والرفاه. فسياسة الإعتماد على القطاع التكنولوجي دون مراعاة الطبقات المسحوقة ستؤدي لا محالة الى أزمة إجتماعية شبيهة بما تمر بها الولايات المتحدة وبريطانيا.
لذلك فان المطروح في حملة الانتخابات الجديدة ليس حلًا للازمة السياسية وإستبدال نتانياهو فقط بل مواجهة القضايا الأساسية والمصيرية التي ستحكم مستقبل الشعب الإسرائيلي. ان البديل الوحيد لمواصلة النزاع مع الفلسطينيين ونظام الفصل العنصري، وللحملة على النظام الديمقراطي ومن اجل وقف التدهور نحو الأزمة الإقتصادية، هو بانهاء نظام الابرتهايد في الضفة الغربية وفك الحصار عن قطاع غزة وإنشاء نظام ديمقراطي حقيقي في إطار دولة واحدة ديمقراطية من النهر للبحر يتمتع فيها كل مواطنيها فلسطينيين واسرائيليين بحقوق متساوية. اما الأساس الاقتصادي لمثل هذه الدولة لا بد ان يكون الإقتصاد الأخضر الجديد، المبني على اساس الطاقة المتجددة والثورة التكنولوجيا الجديدة التي تفتح أفاق جديدة للإزدهار على اساس إقتصاد مستديم وتشاركي. هذا هو المستقبل ليس للفلسطينيين والاسرائيليين فقط بل للإنسانية اجمع.




#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفقة القرن: الرفض اللفظي يغطي على نظام الابرتهايد
- الصوت العربي- الغائب الحاضر
- غزة بدها تعيش
- كتلة مانعة او كتلة فاعلة
- أهلا وسهلا بالحاج سالفيني
- نتانياهو يشطب الاحتلال
- ضاعت فلسطين والاحتلال باق
- قانون القومية يفجر الاجماع الصهيوني
- مآساة غزة - سلعة تخدم الجميع
- الاسد باق! إيران ستخرج
- ناتالي بورتمان والاجماع الصهيوني
- غزة بين التمكين والتجويع
- فشل سياسة البلكونة الإسرائيلية
- السلطة الفلسطينية مصلحة إسرائيلية
- المرشد الأعلى وروائح الربيع
- كلٌّ يغنّي على قدسه
- هل حان الوقت لربيع سعودي؟
- زهير بهلول شخصية غير مرغوب فيها
- الدولة اليهودية مع الدولة الكردية
- إنتصار نصر الله وخسارة الأسد


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - واحة الديمقراطية تتأقلم مع محيطها