أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - زرع الحياة














المزيد.....

زرع الحياة


بولات جان
كاتب و باحث

(Polat Jan)


الحوار المتمدن-العدد: 1562 - 2006 / 5 / 26 - 10:20
المحور: الادب والفن
    


يا صاحبي! رأيتُ رؤيا ما رآها أحدٌ من قبل، هاك حلمي، هات لي تحليلاً لرؤياي!
- ما أنا بمفسّر الأحلام على شاكلة يوسف أبن يعقوب و لا فرّاسٌ يعلم الغيب و يعِ المستتر و لستُ من الأولياء الصالحين الضالعين بأمور العباد و أهل الألباب و ذوي الطواسين، لستُ بعالم نفسٍ لأدرك معانِ الرؤى و مغازي النفوس و أغوار الأرواح... فما أنا إلا بأديبٍ مسكينٍ أتسول الكلمات من مدن اللغة، اتسكع أزقة الأدب و بناتها من النثر و الشِعر و مضارب القصيدة... لستُ من الكبار و المردة في مدن الفكر و ممالك الأدب و العقل الراجح؛ فما أنا إلا عريانٌ لا يكسوني إلا جملٌ رقيقة و أوصاف شعرية منمقة. ارتوي ظمأي من قطرات غيث الخاطرة و بها أسد رمقي المحروم في جفاء المعمورة!
فماذا تخيلتني يا صاح؟ لستُ باب قصيدك و لا عقليّ مربض جملك! انقب عن غيري يفسر لك رؤياك العجيبة كما تزعم.

- قد أتيتُكَ يا صاحِ أصبو منك ما اصبوه و كليّ معرفة بحالك أطمع منك تفسيراً أدبياً كان أم عقلياً لرؤياي. فبالله عليك لا تردني خائباً! ما حاجتي لعقل العقلاء و تفاسير الألياء إن كانوا هم أنفسهم من لدن شريعة معكوسة أصلاً. هات، فسّر لي حلمي و أكون شاكراً من الممتنين!
- يبدو أنك لن تهجرني حتى تقضي أمرك. فهات اسرد رؤياك عل و عسى أكشف عن مغزاها.

- هاك حلمي الذي لم يراه ذو لبٍ بعد:
كنتُ قد حرثتُ فلاحةً و رحتُ ابذرها قمحاً... بذار تناثرت على اربعة: منها ما تناثرت على ارضٍ صخرية قليلة التراب و منها على الطريق و منها على شوك عوسجٍ كث و قسمٌ على ارضٍ طيبة!
ما تناثر من القمح على الارض الصخرية فرحت و لكن فرحتها لم تدم حيث لفحتها شمسُ ايلول و أحرقتها و انهتها! أما ما تناثرت على الطريق جاءت طيرٌ من كل حدبٍ و صوب فأكلتها جميعاً! ما تناثر منها على الشوك العوسج غبطت لعليائها عن أخواتها الاخريات و لكن الشوك نما اكثر و اكثر فخنُق القمحة و افنت عن نهايتها... أما ما تناثرت على الأرض الطيبة فقد احتضنتها الأرض الرطبة، اينعتها فباتت سنابل و عرانيس غنية حباً فهبت قمحاً كثيرا... منها اعطت عشرون و منها خمسون و منها مائة حبة في كل سنبلة...
هذه رؤياي يا صاح فهات ما عندك من تأويل خيرٌ كان أم شر! كليّ آذان صاغية.

- رؤياك يا صاح ذو مغزى كبير و فكُ الطلسم تدعو الحداقة و الخبرة في معرفة مكنونات النفوس و خلجات القلوب و مسارات الارواح في مدارات الابراج. ما عرفت من حلمك اشاركك اياه عل و عسى تروي ظمأك و تسد رمق فضولك و تسكّن هوجاء روحك القلِق!
فالزارع أنتَ و الأرضُ بكل ما فيها من انماط و رقع صخرية او طيبة او شوكية كانت فهي لك و هي حياتك. أو! لنقل بأن الزارع هو الانسان بطيبه و خبيثه، ابلهه و لبيبه و ماكره، شجاعه و جبانه، إنسانٌ بروحه او جسده... و الارض هي الحياة بطولها و قصرها، مصاعبها و جمائلها و آمالها و اوجادها و ثمارها... و القمح اعمال الإنسان و طبائعه.
فما زرع زارعٌ ناثرٌ قمحه على الطريق و الدروب، فهو الجاهل بجهله، لا يعنى من الحيوة سوى الوصول إلى النهاية محبذاً اختصار الدرب فلا تثمر حياته شيء و يصبح في خبر كان و لا من يعقلون. أما الزارع في الشوكِ فهو المتعالي في غير أهله و الجالس على عروش غيره و المتكبر بجهله و فخورٌ بتكبره... تعالى! لكن في غير أهله فخنقته الشوك التي رفعته فيما مضى و لم تذرف دمعاً عليه و اندثر ولا من يحزنون... أما زارع الارض الصخرية فهو كمثال المتشاطر الذي يعِ ظواهر الامور، يقضَ سطحياً و لا يضحي في سبيل الحياة. لا يرى البعيد و لا يعِ الحاضر القريب و لا الماضِ... تأتيه الشمس الحارقة و هي نوائب الزمن؛ لا يقيه تراب أرضٍ رطبةٍ طيبة، بل الصخر تعاون عاديات الزمن و لفحة الشمس في حرقه، فيموت و لا يثمر حياته شيء و يصبح هباءً منثورا.
أما الذي نثر في الأرض الرطبة الطيبة فهو المتأنِ المكافح و المثابر الفاهم الواعي لِم يريد وما يراد منه. يعِ امسه و يومه و يحسب لغده، لا يرتمي في احضان التواكل و الكسل، لا يأبى اختصار الدرب و لا اختزال الزمن والحياة للوصول إلى النهاية. يعيش حياته في العمق و يتحد مع التراب الاصل، يتغذى بغذائه و ينضج من بركته و ينبت ثماراً هي الخير كله ... هو الذي يعمل و يعطي ولا ينتظر مردوداً عجِلاً. فهو العمل الطيب و النية الطيبة و الثمار الطيبة... هذه مغزى رؤياك يا صاحِ...

- صدقتَ و الله! و اجبت خير إجابة على رؤياي اللغز. أدركتُ الآن بأن عالم الأدب أشد ساعداً من عوالم الفقه و خزعبلات السحر و نظريات العلم...



#بولات_جان (هاشتاغ)       Polat_Jan#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آه ياصغيرتي*
- رسالة ملاك إلى...
- ستأتين


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - زرع الحياة