أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكية خيرهم - قراءة في رواية وادي الدموع للروائي المغربي محمد مكي














المزيد.....

قراءة في رواية وادي الدموع للروائي المغربي محمد مكي


زكية خيرهم

الحوار المتمدن-العدد: 6426 - 2019 / 12 / 2 - 22:51
المحور: الادب والفن
    


الرواية نمط أدبي تعكس الواقع، وبما ان الروائي في المغرب الكبير والعالم الشرقي تتكاثر فيه الهموم وتندلق على طول الساحة من قهر وضيق في الرزق والسكن واستبداد الأنظمة والأعراف البالية معشعشة من الماضي السحيق، ولا تزال تجد طريقها إلى عصرنا. وهو ما تقترحه علينا رواية "وادي الدموع" للكاتب المبدع محمد مكي والصادرة طبعتها عن مطبعة وراقة بلال فاس.
إن عنوان الرواية مفتاحا اجرائيا، يُدخل القارئ الى عالم الحكاية وكشف أسرارها وتكوين فكرة عن ماهيتها، وعن الحدث الذي تدور حوله الرواية. " وادي الدموع" عمل سردي يصف تجارب انسانية حميمة، تتسم بالقلق وتصف العلاقات الدقيقة المتداخلة للانسان، باستخدام الخيال النوعي والخيال الشعبي. تطرّق الكاتب محمد مكي إلى مواضيع مهمة في المجتمع المغربي المليء بتناقضات اجتماعية بسرد أدبي جميل وبوح وتفاصيل واضحة عن واقع ذاتي وموضوعي واجتماعي، وعن خبرة وتجربة حياتية معيشة. تُبرز الرواية هموم ومعاناة المعلمين والأساتذة في المغرب والقهر الذي يتعرضون اليه بكل اشكاله: قهر اجتماعي واقتصادي وسياسي. يسترسل الروائي محمد مكي في احداث متنامية متصاعدة ونماذج دالة بطريقة ابداعية تشدّ المتلقي بقوة، أثراها سرد الرواية القائم على الاستطراد. حيث يُخرجنا من حديث الى آخر بمناسبة بينهما، ثم يرجع ليتمم الحكاية. من بداية الصفحة الرواية تشد القارئ فارضة نفسها بقوة الواقع ومرارة الحياة الصعبة التي يعيشها المعلم في حياته المهنية في قرى نائية بعيدة عن التمدن وعن الحياة الحضرية، حيث قساوة الظروف الطبيعية وغياب اساسيات الحياة اليومية. وحيث يتحول المعلّم من استاذ يدرس التلامذة إلى ممرض وخطيب في المسجد ليساعد السكان ويسد الحاجة. واقع يعيشه القارئ على طول جسد الرواية وامتداد صفحاتها. يقرأها بنهم وبدون كلل. " سنوات من العمل الجاد والدؤوب قضاها المعلم "الطيب" بطل الرواية في الفيافي وأقاصي الجبال من قرية الى قرية ومن بادية الى أخرى. يقول: " ..... عرفته صخورها الصمّاء، وكلّمته فيها قممه الشاهقة ، اعتلى صهوات جيادها ، وامتطى زهور آتانها وجرّب شتى وسائل النقل لقضاء حاجاته ومآربه المعيشية والوظيفية .."
" سأله يوما زميله عبد العاطي قائلا: اريد ان اعرف سر حب الناس لك من دوني. حينما تسافر وتتركني لوحدي لا احد يسال عني ولا احد يتذكرني حتى بكسرة خبز.
" الناس هنا يا صديقي مرآة لامعة. تنعكس عليها طريقة تعاملنا معهم .....الناس ينتظرون منا النزول الى مستواهم، نعاملهم بلطف نتفهم ونتقبل جهلهم دون خدش او تهكم. " الكاتب محمد مكي يختار الزاوية التي ينظر منها إلى كيف يرى الواقع وكيف يعبر عن وجهة نظره، متأثرا بما يراه، يُحسّه داخل المجتمع والطبقة التي ينتمي اليها حيث ان الواقع الاجتماعي هو الذي يحدد حياة الكاتب، طريقة تفكيره واحساسه. " وما هي الا لحظات حتى سمع صوت صديقه يستغيث، ويصيح ويتألم من وقع لذعة عقرب أصفر، صغير الحجم، سريع الحركة، يطلق عليه السكان "تفيغرا"
" .... كانت يداه ترتعشان، وهو يبصر زميله يتنفس بعمق، أخذ المشرط وعمد الى مكان اللدغة، جرحها بخفة وبدأ يمتص الدم بفمه، ويبصق على الأرض، مكررا العملية مرات. حزم زميله على ظهره وانطلق به نحو الفيلاج." شخصية شديدة في الحب للناس، في الوفاء، شديد الثورة على الاوضاع المتردية، شديد الرغبة في التحول، وهذا دائما نهج الفن الانساني العظيم.
" هاهما على مشارف الضاحية يقتربان ببطء نحو مستوصف متهالك، بحجرة واحدة، يعود تاريخ تاسيسه الى فترة الستينيات من القرن الماضي. عرف نشاطا منقطع النظير آنذاك، حيث كانت تداوم فيه ممرضة أجنبية، وهبت نفسها لانقاذ المرضى، على أهبة واستعداد لتقديم خدماتها لكل قادم من القرى والأرياف المحيطة البعيدة بالقرية. " مَسُّور" هكذا كانوا ينادونها مرتادو المستشفى .. فرنسية في الستين من العمر، اندمجت في حياة هؤلاء البدو، أحبتهم وأحبوها ، ولو وقفوا على دمها لما بخلت به على واحد منهم. حينما ماتت عمّ الحزن كبيرهم وصغيرهم وأكثر من ذلك غسلوها وصلوا عليها صلاة الجنازة ودفنوها في مقابرهم بالرعم من اختلافها معهم في الملة والعقيدة."
" ...... بعد نصف ساعة هاهو الممرض سعيد يحضر متجها غاضبا : ماذا هناك؟ الا تتركون الواحد يرشف كاس شاي بحريته!؟
ماذا تقول يا رجل.. نحن استاذان، وهذا زميلي يشرف على الموت."
مفارقة الموقف في سياق النص، تُكوّن للقارئ صورة في الذهن ثم في الحياة والواقع. رواية وادي الدموع، لوحة أدبية مكتوبة بأسلوب سلس، تغور عميقا في منافي القهر، والأمية والجهل والاستيلاب لمناطق جغرافية لا تزال حتى الآن محرومة من أبسط الحقوق الانسانية. إنهاررواية الكشف من خلال تطويع المكان لغاية الراوي الفكرية والنفسية. إن رواية وادي الدموع لوحة أدبية مكتوبة بأسلوب سلس. تغور عميقا في منافي القهر والأمية والجهل والاستيلاب في مناطق جغرافية لا تزال حتى الآن نائية محرومة من أبسط الحقوق الإنسانية . إنها رواية الكشف من خلال تطويع المكان لغاية الراوي الفكرية والنفسية. رواية عن الحب والآمال والنظال وعن طاعة الوالدين وعن التضحية، عن السحر والجن وعن العنصرية. رواية وادي الدموع من أخلص الروايات وأكثرها وفاء عن معاناة الاستاذ والمعلم في الوطن دون زعيق أو قرع طبول. إنها تصور الواقع المرير كما هو، وتبلغنا رسالة من أقرب سبيل. رواية خفيفة الوقع ثقيلة في آن تجذبنا اليها جذب حلو فنمضي نتابع أحداثها، فإذا نحن أمام نهاية حزينة مليئة بالمفارقات. وفي غمرة ألمنا نود لو كانت النهاية أقل قسوة وايلاما، ولكننا نعلم أن القدر لا يستأذن عواطفنا. إن النهاية الفاجعة التي تنتهي بها " وادي الدموع" تحوي المعنى الأعمق والأكثر احتجاجا على واقع محزن ينبغي أن ينتهي.



#زكية_خيرهم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منتدى موزاييك يستضيف العالم النفسي الدكتور البوسني زامير بوب ...
- المفكر احمد عصيد يصل الى النرويج
- قراءة في رواية لا أحد يصل الى هنا للكاتبين طلال شتوي وفاطمة ...
- فلسطنة أكادير لن تحرر فلسطين
- لقاء اللطف بالأدب
- مراكش البهيجة
- -الصمت في عصر الضوضاء-
- لمياء الراضي: التعايش عندما نتفق على أن أن نكون مختلفين
- الرذيلة تحت عنوان الفضيلة لقتل الهوية المغربية
- لاجئون بلا عنوان
- جواز سفر
- انتحار أحلام
- عقوق
- انكسار المرايا
- برنامج جاري يا جاري لمغرب كبير يتأرجح بين الحلم بالوحدة وعدو ...
- تعدد الزوجات والازواج في العالم الجزء الثاني
- قاتلنا من أجل النرويج
- قوس قزح
- في النهاية نحن جميعا شيكانا الجزء الثاني
- استطلاع حول قضية الصحراء المغربية مع الصحافي والمحلل السياسي ...


المزيد.....




- فشل محاولة إقصاء أيمن عودة ومخاوف استهداف التمثيل العربي بال ...
- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكية خيرهم - قراءة في رواية وادي الدموع للروائي المغربي محمد مكي