أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - الطائفية بوصفها سلاحاً أيديولوجياً













المزيد.....

الطائفية بوصفها سلاحاً أيديولوجياً


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6421 - 2019 / 11 / 27 - 08:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل سنوات قليلة، قال لي صديق فرنسي هو من مشاهير المؤرخّين المختصّين بمنطقتنا: «طالما اتّهم العرب إسرائيل بالسعي وراء تقسيم المنطقة العربية على أساس طائفي، أما اليوم فإن إيران هي التي تُشرف على مثل هذا التقسيم». وقد محصت قوله في ذهني وما كان بوسعي سوى أن أقرّ له بأنه على حقّ. والحال أنه لمن البديهي أن تكون أية دولة قائمة على أساس ديني طائفي، ومن حيث طبيعتها بالذات، مناقضة للوحدة العربية التي تستند إلى توحيد الناطقين بلغة الضاد على اختلاف مذاهبهم ومللهم الطائفية. وينطبق هذا الأمر بكل وضوح على الدولة الصهيونية بوصفها دولة قائمة على هوية دينية يهودية وفي تصادم مع محيطها العربي، تقضي مصلحتها بتقسيم العرب إلى كيانات مؤسّسة على التمييز الطائفي. ومن المعلوم أن دولة إسرائيل طالما سعت وراء تحقيق ذلك المرمى من خلال تشجيعها للطائفية المارونية في لبنان بوجه خاص.
وينسحب الأمر ذاته بالتأكيد على المملكة السعودية التي قامت على أساس طائفي سنّي معادٍ للشيعة على الأخصّ، شهدت عليه مبكّراً الغزوة الهمجية التي ارتكبتها الدولة السعودية الأولى على مدينة كربلاء في مستهلّ القرن التاسع عشر (الثالث عشر الهجري). وإن لم تكن لدى المملكة السعودية اليوم مصلحة في تقسيم أية من الدول العربية خوفاً من أن يطالها التقسيم عينه، فإنها شجّعت استخدام النعرة الطائفية السنّية في مواجهة شتّى القوى والأيديولوجيات المنافسة، وكانت آخر مآثرها البارزة في هذا المجال محاربتها للأطراف الديمقراطية والعلمانية في المعارضة السورية بواسطة الداعية عدنان العرعور سيئ الصيت، المقيم في الرياض (تحتوي مذكّرات برهان غليون، الذي رأس المجلس الوطني السوري عند تأسيسه، على ما هو بليغ في هذا الصدد).
وكيف بالأمر ذاته لا ينطبق على «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» التي تقوم على أساس ديني طائفي، وهي الدولة «الثيوقراطية» الوحيدة في العالم (إذا استثنينا حاضرة الفاتيكان)، بمعنى أنها الدولة الوحيدة التي يحكمها رجال الدين بصورة مؤسّساتية، يقف على رأسهم، بحكم مبدأ «ولاية الفقيه»، «مرشدٌ أعلى» بات لقبه الرسمي «قائد الثورة الإسلامية المعظّم». وقد مال الحكم الإيراني إلى استخدام الطائفية الشيعية سلاحاً أيديولوجياً بصورة متزايدة منذ أن فُسح له مجال الهيمنة على العراق بفضل الاحتلال الأمريكي، الذي تواطأت طهران معه وشارك في إدارته أعوانها العراقيون. وقد تفاقم هذا الاستخدام للطائفية من خلال تدخّل إيران وأعوانها الإقليميين في الحرب السورية ومن ثمّ في النزاع اليمني، الأمر الذي ترافق بتسعير نار الطائفية الشيعية. فكان من الطبيعي أن ينعكس الأمر ذاته على لبنان حيث نشأ منذ أكثر من ثلاثين عاماً أول فصيل طائفي تابع رسمياً للحكم الإيراني خارج حدوده، وهو «حزب الله» الذي افتخر أمينه العام نفسه، وفي غير مناسبة، بأنه «حزب ولاية الفقيه».

هكذا غدت الطائفية الشيعية سلاحاً أيديولوجياً رئيسياً لدى الحكم الإيراني في مدّ نفوذه الإقليمي وتدعيمه، بعد سنوات جمع طوالها بين استخدام خافت للطائفية وبين مزايدة جهورة على المملكة السعودية في التلويح براية الإسلام بصرف النظر عن فِرَقه، بحيث تتمكّن طهران من جذب جماعات إسلامية سنّية إلى جانبها، لاسيما منها حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الفلسطينيتان استغلالاً لما للقضية الفلسطينية من مكانة لدى الشعوب العربية. أما وبعد أن غدت لسلاح الطائفية أولوية على الدعوة الإسلامية الشاملة، على خلفيةٍ أصبحت فيها الطائفية الشيعية أساس هيمنة أعوان إيران في بلدين متعدّديّ الطوائف هما العراق ولبنان، فإن أي تهديد للنظام السياسي الطائفي بات في نظر هؤلاء، أي أعوان إيران، كما في نظر مرشدهم في طهران، «مؤامرة» ترمي إلى إبطال هيمنتهم.
من هذا المنظور بالذات، يأتي اتهام الحراكين الشعبيين في العراق ولبنان بأنهما يخدمان مرامٍ أجنبية، وذلك تبريراً للاعتداء عليهما إذ أنهما ثارا على الطائفية وأعادا إحياء الوحدة الوطنية برفضهما شتّى أصناف الهيمنة الأجنبية، سواء أكانت أمريكية (وسعودية) أم إيرانية، وهي وحدة للمستضعفين الحقيقيين في وجه المستكبرين الواقعيين (مهما ادّعى بعضهم مقارعة الاستكبار)، وحدة لا يتردّد فيها مستضعفو كافة الطوائف في شمل مستكبري طوائفهم جميعها بتمرّدهم («كلّن يعني كلّن»).
فمن الطبيعي أن يترافق الاعتداء عليهم بمساعٍ موتورة لإعادة إحياء الانقسام الطائفي بحيث تُعيد القوى الطائفية تمتين هيمنتها كلّ على طائفتها، بدءاً بطائفة المُعتدين، وتدرأ بالتالي الخطر المتمثّل بسحب بساط الطائفية من تحت أقدام زعمائها. ولعلّ أوقح مثال على تلك المساعي قيام من باتت تسمية «الشبّيحة» تُطلق عليهم في لبنان، تشبيهاً بالميليشيات التي ساهمت في قمع الانتفاضة السورية في مرحلتها السلمية، قيام هؤلاء بمواجهة هتاف المشاركين في الحراك «ثورة، ثورة» بهتاف «شيعة شيعة». والغاية الجليّة من مثل هذا السلوك خلق حالة تهتف فيها كل جماعة لطائفتها، «سنّة سنّة» و«موارنة موارنة» و«دروز دروز» وهلمّ جرّا، فتعود الأمور إلى نصابها ويتمّ وأد جمهورية المواطنة لأجل ترميم ائتلاف الزعامات الطائفية وأرباب الفساد والاستغلال.
فعسى ألّا يقع الحراك اللبناني في هذا الفخّ الطائفي البغيض وأن يتصدّى لكل من يحاول تجيير الانتفاضة الشعبية ضد طرف من الأطراف الطائفية دون سواه، إن لم يكن ما هو أخطر بعد ألا وهو التعاون مع أطراف طائفية ضد أخرى. فلا بدّ أن يحافظ الحراك اللبناني على مناهضته لزعماء الطوائف أجمعين، «كلّن» بلا أي استثناء.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة على أصحاب المليارات
- «الممانعة» والطغيان الأجنبي
- العراق ولبنان والنموذج السوداني
- تحيا «المؤامرات»!
- حراك لبنان، الطائفية والسيرورة الثورية في المنطقة
- الثورة عنوان هذا الزمن… وستبقى
- هديّة ترامب وأردوغان لبوتين والأسد
- في مخاطر الاتكال على «عرّاب» غريب الأطوار
- مصر تحت الاحتلال
- ثورة مصر والمعضلة العسكرية
- أهم دروس الانتخابات التونسية
- تضارب المصلحة الانتخابية بين نتنياهو وترامب
- صفاقة التفكير الصهيوني والاستعماري
- السلاح بيد الجهلة يجرح
- المملكة السعودية والعداء للإسلام
- هنيئاً لمناضلات المملكة السعودية والسودان!
- الثورة السودانية ومعضلتها الراهنة
- نظام الأبارتهايد اللبناني
- لا تنصر أخاك مظلوماً إن كان ظالمه شريكك
- ماركس والشرق الأوسط ٢/٢


المزيد.....




- -الصورة العائلية- المحرجة لقادة العالم
- باحثون يكشفون عن -لص معرفي- في أدمغتنا
- -روستيخ- تطور حواسب صغيرة بمواصفات خاصة
- الجراح غوتيه: روسيا رائدة في مجال زراعة الأعضاء
- أين ستعثر الولايات المتحدة على جنود جدد لقتال روسيا؟
- ترمب يعمل على سحب ورقة الناخبين السود من يد بايدن
- أبعد مسبار فضائي عن الأرض.. -فوياجر -1 التابع لناسا يعود للح ...
- الجثث تفحمت.. مصرع 9 أشخاص في احتراق -باص- يقل مسافرين وسط ا ...
- سوناك يتحدث عن شروط -مقبولة- لكييف ينبغي على أساسها -إحلال ا ...
- مصر.. الأرصاد تكشف حقيقة تعرض البلاد لموجة حر خلال أيام عيد ...


المزيد.....

- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - الطائفية بوصفها سلاحاً أيديولوجياً