أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الفرفار العياشي - الديموقراطية بين فكري سبينوزا و علال الفاسي















المزيد.....

الديموقراطية بين فكري سبينوزا و علال الفاسي


الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب

(Elfarfar Elayachi)


الحوار المتمدن-العدد: 6397 - 2019 / 11 / 2 - 13:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اعتبر علال الفاسي ان تعريف الديموقراطية باعتبارها نظاما لحكومة الشعب وهو تحديد مستوحى من التصور اليوناني في لحظة التاسيس بتجربة المدينة الدولة حيت ولد النظام الديموقراطي بساحات اتينا , أي انها النظام الذي يتيح للشعب / الديموس ممارسة سلطة الحكم / كراطيا .
لكنه لا يكتفي بهذا التحديد و يعتبره تعريفا ناقصا و غير كاف , لانه لا يكفي لوصف نظام انه ديموقراطي ان يكون نابعا من الشعب , فانتماء الحكم للشعب وصدوره عنه، لا يكفي لجعله ديمقراطيا ، بل لابد أن يكون مصحوبا بمظاهر الفعل الديموقراطي .
علال الفاسي يرفض التصور الشكلاني و الذي يعتبر النظام الديموقراطي مجرد مفهوم شكلي , و انا يركز على مضمون الديموقراطية اكتر من تركيزه على مفهومها و شكلها .
يعتبر ان النظام الديموقراطي هو النظام الذي يضمن قيم الحرية و المساواة و واتاحة الفرصة امام الجميع فالنظام اليموقراطي و هى اطار لممارسة الحق و ليس لممارسة الحكم وحده انها ضمانة لكي يمارس المواطن حقوقه و قيمه .
تصور علال الفاسي يتقاطع مع رؤية حنا ارندت التي تعتبر ان قيمة الحق تكمن في تملك الحق و حيازته , و بالتالي تصبح الديموقراطية في منظور علال الفاسي هي تحويل الشعار المبادئ الى سلوك اجرائي ملموس يعاش داخل مؤسسات المجتمع و الدولة و في الفضاءات العمومية .
كما يشير في تصوره الى العلاقة ما بين الثقافي و المفاهيمي في بناء تحديد دقيق للديموقراطية معتبرا ان الشعب قد يميل بطبعه، أو بمقتضى عقيدته، إلى لون معين من الحكم، فيضفي عليه من القداسة ما يشاء .
أي ان هناك ترابطا بين الديموقراطية كنظام مهاجر قادم من بيئة تقافية سياسية مغايرة للبنئة المستقبلة وه ما يطرح اشكالية التعايش بيمن المحلي و العالمي بخصوص نظام الديموقراطية .
بعض الشعوب تتعاش مع المقدس و تعتبر انظمة الحكم مقدسة و ان الملوك باعتبارهم حكاما معصموم من الخطا و يخضون باعلى اشكال القدساةو التمجيد , فقي حين النظام الديموقراطي مؤسس على قيم المساءلة , و التقويم و النقد و احيانا التشهير و الاساءة في اطار التدافع السياسي العنيف و الحاد .
علال الفاسي كان حال معالجة اشكالية بناء نظام ديموقراطي في ظل نظام ملكي مؤسس على القداسة و ليس على المساءلة .
اشكالية علال الفاسي بقدر ما كانت عميقة ودالة و تكشف عمق فكر الرجل المتنور الملم بخصوصية و طبيعة النظام السياسي في علاقته بطبيعة الواقع الاجتماعي و السياسي كعلاقة متوثرة على اساس ان النظام الديموقراطي يهدف الى الحد من السلطة المطلقة او على الاقل تقييدها بقيم العدالة و المساواة و الحرية و تكافؤ الفرص , في ظل واقع سياسي يمتاز بحكم مطلق متمثل في النظام الملكي .
ان كان سؤال علال الفاسي سؤالا اشكاليا عميقا و هو تساؤل مفكر فان جوابه كان جواب سياسي حذر يقيم الموازنات و يراعي خصوصية الواقع المدروس و يأخذ به بعين الاعتبار . فقد اعتبر ان يمكن اقامة تعايش حذر بين الديموقراطية و المقدس أي بين المتغير / الديموقراطية و الثابث/ المقدس من خلال اعتبار المقدس هو الاطار العام و الثابت الذي يحدد المتغير بحسب رهانات المرحلة و طبيعتها و حاجاتها . فالتغيير المنشود في النظام الديموقراطي يتحقق داخل اطار المقدس باعتباره الاطار العام الذي يضمن الوحدة و الثبات و الحفاظ على الهوية و على الانسجام . و هو ما عبر عنه علال الفاسي انه قد يتاح للشعب أن يختار نوابه في مجلس معين، ولكن في إطار من التوجيه الذي يقتضيه المذهب السياسي للدولة، .
فالمقدس هو الاطار الضامن للتغيير و الذي يحدد حدوده و طبيعته و حتى توقيته , كما يستدل بالكثير من الامثلة على وجود انظمة غير ديموقراطية تطبق الديموقراطية في شكلها الانتخابي من اجل تمكين مجالس منتخبة .
دفاع علال الفاسي عن لمقدس و مراعاته لخصوصياته مرتبط بطبيعة فكره و الذي يصنف حسب اغلب الباحثيين بانتمائه للسلفية الجديدة او السلفية الاصلاحية حت اعادة قراءة النص الديني بناء على فقه الواقع أي العمل على اعادة صياغة العلاقة بين المجالين لسياسي وطبيعة التقاطعات بينهما.
فالاساسي في فكر علال الفاسي كمفكر و كسياسي هو اقامة تعايش مرن و ايجابي بين بين واقع متغير و نص مقدس , من خلال اقامة علاقة مفتوحة بينهما بالدعوة الى اسلام متحرك ومرن و مفتح على وقائع المجتمع و حياة الناس أي النظر الى الاسلام كنص محايث للواقع , أي جعل النص الديني يخترق الواقع وبان يكون نصا وظيفيا متجاوبا مع خصوصية المرحلة و متطلباتها .
والحال أن على خلفية هذا الفهم عالج علال الفاسي معنى السلطة وعلاقتها بالمصلحة العامة. و اعتبر ان فـ” السلطة كامنة في الأمة، ومنها تصعد إلى أيدي الرؤساء وأولي الأمر، ومن حق الأمة وواجبها أن تظل حارسة على مواطن الاستعمال لما هو مـنها وإليها”[ ]. غير أن منزع التوفيق الذي طبع فكره لم يمهله في أن يذهب بعيدا في الدفاع عن استقلالية الأمة بسيادتها وحقها في التمتع بها واستثمار نتائجها الدستورية والسياسية. لذلك كان صريحا في الدعوة إلى الجمع بين المصادر العصرية لمبدأ السيادة والإرث التاريخي للنظام السياسي المغربي، مستخلصا ضرورة الإصلاح والتنقيح لتطويرالامة , و هو ما يكشف ان علال الفاسي في طرحه لاشكالية المتغير و الثابت , و النسبي و المقدس كان يفكر كسياسي اولا , أي انه يجمع بين صفتي التنظير و الممارسة , لذا نجده يعلن بصريح العبارة “نظامنا العتيق وجعله أكثر قدرة على مسايرة هذا العصر وحاجاته…”[ ] .
وبنفس القدر من الصراحة ان واضحا في موضوع الملكية وشرعيتها في قيادة البلاد. فالمغرب عنده لم “يعرف منذ أربعة عشر قرنا شكلا للحكم غير الملكية، فالعرش بقي رمز وحدته، ودليل ماضيه والذي سيكون عامل التوازن الاجتماعي فيه ولكن هذا لا يعني أن الملكية لا تتطور إلى شكل دستوري على غرار ما يجري في إنجلترا أو في البلدان الإسلامية اليوم وبالنتيجة يستوجب قبل كل شيء النظر”إلى صاحب العرش –جلالة الملك- كشخصية فوق الأحزاب وسائر الاعتبارات السياسية التي يمكن أن يتناقش فيها الرأي العام، بصفته الحارس الأمين لسير السلطة وأعمالها، ويجب أن تتكون من حوله صوفية الاستقرار الحكـومي والوعي الوطني والاستمرار الوجودي للدولة…” ونميل إلى الاستنتاج أن تصورات من هذا القبيل ساهمت بقسط وافر في صياغة الفصل التاسع عشر (19) من الدستور المغربي
بقي رقم هذا الفصل ثابتا في كل دساتير المغرب 1962،1970،1972،1992،1996 مع تعرضه لتعديل جوهري عام 1970 حين أضيفت كلمة “الممثل الأسمى للأمة”. أما نصه الكامل قيقضي ب:” الملك أمير المؤمنين ولممثل الأسمى للأمة، ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي الملة والدين والساهر على احترما الدستور وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة”.
و رغم ان دستور 2011 قد خفف من درجة القداسة و اعتبر ان الملك شخص لا تنتهك حرمته , فان فكر علال الفاسي يبقى حاضرا في الخلفية النظرية و الفكرية التي اسست عليها دساتير المملكة من خلال تاطير اشكالية العلاقة بين المتغير و المقدس .
فقد كان مقتنعا ان مزاحمة المؤسسة الملكية في احتكارها المجال الديني واستثمار موارده الرمزية امر غير جيد و غير ايجابي ، لأن الملكية أولى بالأحقية منه في هذا المضمار، بسبب سجلها المناقبي وانتسابها إلى آل البيت، لذا اعتبر من دعاة الإصلاح وإعادة التواصل مع الإسلام السامي والاجتهاد في مقاصده، السعي إلى نزع العتاقة عن المؤسسة وتطوير مفهومها للحكم عسى أن تصبح الظروف ناضجة لقبول مبدأ السيادة المشتركةLa co-souveraineté، التي تعني سياسيا قسمة السلطة وعدم الاستحواذ عليها.
في ذات السياق عبر في علاقة الديموقراطية بالملكية انه قال قال: «إن من أسباب كل ما جرى في وطننا من اضطرابات قبل الحماية الفرنسية) راجع إلى كون الملك مسؤولا مباشرة أمام الشعب، وذلك ما أحدث في بلادنا كثيرا من الثورات التي كان يمكن الاحتراز منها لو أن الوزارة المغربية أخذت صيغتها الديمقراطية فبدأت تتحمل هي مسؤولية أعمالها». ويقول: «ونحن نعتقد أن المسؤولية الوزارية خير حل للمشاكل التي تعرض لأنظمة الحكم، وهي ضرورية لكل الحكومات سواء كانت ملكية كما هي بلادنا أو جمهورية مثل فرنسا وغيرها.
لذا فهو يعتبر ان الضمانة لبناء الاستقرار هو ان يكون الحكم مؤسسا على المشاركة لإن أي تجربة سياسية يجب ان تكون مبنية على أساس الاشتراك المقبول بين الأمة ورؤسائها. وبهذا وحده يتم تحقيق الحق ومعارضته للقوة، لأن الحق معناه إلجام القوة عن طريق العقل، فهو بذلك سلطة أخلاقية تعارض السلطة الجسمية. ثم يضيف: «فحق الأمة في أن تحكم نفسها بنفسها يتفق تماما مع حقها في أن تختار من تنيبه في تسيير شؤونها، ومن حقها كذلك في الاستقرار الحكومي والتمتع بالنخوة الوطنية والشعور بالرضى عن الأشخاص الذين يمثلونها. وكل هذه الحيثيات، إلى جانب ما قدمناه، تصل بنا إلى نقطة واحدة هي ضرورة المراقبة الشعبية لأعمال القائمين بالحكم وهذه المراقبة حق لكل مواطن ذكر كان أو أنثى.
علال الفاسي يرفض الاساس الشكلاني و الخارجي للديموقراطية و يراهن على بناء ديموقراطية جوهرية و حقيقية بمضامين حية , تعاش كفعل ملموس بالواقع من خلال قيمها الاساسية و حمايتها لكافة حقوق الانسان, و هو ما اشار اليه في رسالته حول الديموقراطية خلق : بل إن هنالك أنظمة تنتمي للديمقراطية ، وتتكيف بأشكالها، وهي في الواقع مجرد مظاهر متى تعمقت أسرارها، ولمست آثارها، لم تجد لها من الديمقراطية إلا الإسم
مفهوم علال الفاسي لشكل الدولة ووظائفها و مهام الملك وطبيعة النظام الديموقراطي يتقاطع مع تصورات فلسفة سبينوزا حول الدولة و التي اعتبر ان مشروعيتها تتحدد في ضمات الخير الاسمى للمواطنيين , ان قيمة الدولة ليس في شكلها و لكن في نتائجها .
فان تحقق الدولة الخير الاسمى و الفضيلة الكبرى للمواطنيين يعني الوصول إلى الفرح الحقيقي عندما يكون المواطنيين أحرارا بإزالة كل العوائق التي تمنع حريتهم , مع اعتبار الحرية كمسؤولية و ليس كفعل خارج الضوابط الاجتماعية و القيمية , أي انها علاقة مع الاخر و احترام له و بذلك يتحقق المجامع العقلاني .
نجاح الدولة يعني القدرة على بناء نظام سياسي يحافظ على العقل و يضمن الحرية كعلاقة و كمسؤولية و يتحقق ضلك عبر سلوك طويل و معقد من خلال العمل على التحكم في الجسد و في العزواطف و الاهواء و الخطابات الحماسية , انها نظام للعقل , بالعقل وحده يتحرر المواطن من الاهواء و الانفعالات و العواطف مما يمكنه من السير تأسيس المجتمع كخير و كفضيلة عقلية .
يعتبر سبينوزا ان العيش مع الاخرين هو الفرح الاكبر و الغبطة الكبرى التي يدعو اليها العقل عبر فعل التحكم في الجسد و في رغباته , فتحقيق النظام يتحقق عبر التحكم في الجسد لانه عائق امام بلوغ الحقيقة و بناء النظام وفق التصورات افكرية و الفلسفية العقلانية و التي تعود الى الاصول اليونانية لحظة افلاطون نموذجا , فبناء النظام و الحقيقة و السلم و الاستقرار مرهون بشرط التحكم في الجسد و التخلص من حماقاته
تصورات علال الفاسي تتقاطع الى حدود كبيرة مع تصورات سبينوزا باروخ ان المعرفة و العقل شرطان اساسيان للبناء دولة العقل و النظام , وان الغريزة و العواطف و الحماسة شروط تدمير لاي نظام سياسي , فبناء النظام السياسي الصلب يقتضي مراعاة الخصوصية الانسانية للبشر و هو ما يجعلنا امام فلسفة واقعية تفكر و تستحضر الشروط الواقعية للتاسيس بعيد عن التصورات المتعالية .
ان الديموقراطية علاقتها بالسلطة سواء في التاسيس الفكري لسبينوزا او علال الفاسي تجد أساسها في التحكم في الجسد و بناء العقل و العقلانية كأساس للنظام و الاستقرار و الحرية , فالحرية ليست هي التحرر المفضي الى الفوضى و لكن الحرية هي القدرة على الخضوع لعالم الضرورة الاخلاقية و السياسية و الاجتماعية انها وحدة المصير . بذلك يكون كل من علال الفاسي و سبينوزا قد انشغلا بالتفكير في النظام السياسي الذي يتلاءم مع الطبيعة الإنسانية الواقعية , حيت كل نظام سياسي يسير بالتعارض مع الطبيعة الانسانية يقدم الأسباب التي تجعل فناءه ممكنا.
يعتبر سبينوزا ان الديمقراطية هي النظام المطابق للطبيعة البشرية , لان باعتبارها فلسفة للعقل لا تقصي الأهواء والانفعالات بل تعتبرها الماهية الحقيقية للإنسان. وتعتبر الديمقراطية النظام العقلاني الأكثر استقرارا وصلابة، بوصف السلوك العقلاني هو الضامن للحرية الذي لا يتعارض مع الأغلبية باعتبارها القوة الوحيدة المالكة للسيادة. فالنظام الديمقراطي لا يقوم على مبادئ أخلاقية أو دينية بل يستمد قوته ومشروعيته من تطابقه مع العقل، لأن فكرة الجوهر الواحد الذي لا يخضع إلا لقوانينه الداخلية ترادف، سياسيا، مجتمعا عقلانيا يخضع لمنطقه الداخلي اي العقل الجمعي الذي يعني عدم وضع أو تشريع قانون يكون في جوهره ضد الأغلبية " وهذه العقلانية، كمبدأ للالتحام و التكافؤ الداخلي للإرادات والرغبات، ستسير بقوة نحو الدفاع عن الحرية " ، فالمجتمع العقلاني ( الديمقراطي) هو الذي تتوحد فيه الرغبات الفردية مجسدة إرادة واحدة هي " إرادة الأغلبية " عبر التعاقد الذي ينقل الحق من فردي إلى جماعي. و ستكون الحرية هي الطريق نحو الغبطة حيث نتحرر من كل العوائق التي تمنعنا من تحقيق الفرح الحقيقي، و أولها التحرر من أخلاق الخوف والخطيئة والانفعالات التي تقودنا نحو الألم والحزن وتضعف من قوة الجسم والنفس .

ان الديموقراطية سواء في فكر سبينوزا او في فكر علال الفاسي تعني الانتصار للحق الجماعي هو حق الدولة أو حق الأغلبية، حيث يلتزم الأفراد بالخضوع للسلطة الناتجة عن التعاقد.
مشروعية الدولة تقوم على سمو غاياتها و هي تحرير الناس من الخوف و الارهاب و العوز و ليس السيطرة و التخويف , بل تحرير الفرد من الخوف، من أجل أن يعيش بقدر الإمكان في أمان، أي الاحتفاظ، بقدر استطاعته و دون التضرير بالغير، بحقه الطبيعي في الوجود والفعل. و أكرر، إن غاية الدولة ليس نقل الناس من موجودات عاقلة إلى بهائم أو آلات صماء، بل أُسست لإتاحة الفرصة لأجسامهم و أنفسهم لكي تقوم بوظائفها تامة...إذن في الواقع غاية الدولة هي الحرية " ، الغاية الحقيقية للدولة هي التطابق مع الطبيعة، أي ضمان الحق الطبيعي للأفراد المتمثل في الحرية، إنها " دولة الفرد الحر " و ليس " دولة القوة".
تكون إذن حرية الأفراد مضمونة في النظام الديمقراطي أكثر من غيره، حيث يتصرف الأفراد ليس وفق مشيئتهم الفردية ولكن وفق الإرادة العامة التي تملك حق صياغة القوانين و حق التقرير، لأنه من المستحيل الحديث عن الدولة بدون وجود حق السيادة الذي نتج من الانتقال من حال الانفعالات السلبية إلى حالة العقل، أو الانتقال من حق فردي إلى حق جماعي الذي هو الأغلبية، إذ سيصبح على الفرد طاعة هذه السلطة التي تسير عقلانيا، أي وفق القوانين السائدة، لكن الطاعة لا تفيد في شيء الخنوع أو العبودية إنها ترادف التقوى، أو الالتزام الحر، الداخلي النابع من ذات الفرد اتجاه قوانين الدولة باعتبارها الضامنة لحقه الطبيعي، ولذلك سعى سبينوزا إلى إعادة بناء تصور جديد للدين، الذي لا يقوم على مجرد طقوس وممارسات فارغة من المضمون، بل إن العقيدة الأساسية للكتاب المقدس هي العدل و الإحسان المتمثل في طاعة الله وحب الجار، ولأن السلم كشرط للاستمرار الدولة يقتضي الود واحترام الآخر المختلف في الفكر والرأي والعقيدة. لذلك يرفض سبينوزا أن يكون الدين هو حقائق فلسفية أو علمية؛ بل هو مجرد حقائق بسيطة تتمركز حول فكرة واحدة وهي أن الإيمان والتقوى هو طريق الخلاص. ونلحظ أن سبينوزا يربط الدين بسلامة الدولة وأمنها، وفُسرت تعاليمه الخاصة لكي تتلاءم مع القانون، فالفاسق عنده ليس من يتمرد على الكنيسة و يرفض الالتزام بطقوس جامدة لا تحمل معنى، بل إن الفسوق هو " أن يقوم أحد بشيء حسب حكمه الخاص ضد مشيئة السلطة السيادية " ، أي الذي يتمرد على قوانين الدولة وعلى سيادتها مؤديا إلى انهيار النظام الداخلي.
نفس التصورات التي اسست عليها رؤية سبينوزا حول العلاقة بين الدولة و الديموقراطية حيت تكون وظيفة الدولة الاسمى هب بناء نظام للحرية وعبر العقل نجده لدى رؤية علال الفاسي في تاصيله لطبيعة السلطة السياسية بالمغرب و دور الملكية , حيت تصبح مهمة الدولة هو تنظيم ممارسة السلطة السياسية وفق الدستور كتعبيير اسمى عن ارادات المواطنيين , مع الاحتفاظ بدور الملكية و تطورها مع متطلبات العصر. لان كل تغيب للملكية من اللعبة السياسية. بل الدفاع عنها شريطة أن تكتسي مضمونا جديدا يساير العصر. وفي ذلك يقول علال الفاسي بضرورة "إعطاء العرش وصاحبه القيمة الحقيقية التي يقتضيها العهد الجديد" . والمقصود بالقيمة الحقيقية الخروج من عهد الملكية المطلقة إلى عهد الملكية المقيدة بدستور. بمعنى تكريس مبادئ الشرعية الدستورية التي تجد أبعادها في المجتمع التاريخي، في مقابل انتقاد الملكية المطلقة التي تجد مبرراتها خارج الطبيعة وخارج قوانين المجتمع. ذلك هو المسار التاريخي الذي تحكم في تطور الأنظمة الملكية الأوربية. علال الفاسي يستحضر التاريخ الأوربي خاصة مسلسل النضال من أجل تحويل الملكيات المطلقة إلى ملكيات دستورية.



#الفرفار_العياشي (هاشتاغ)       Elfarfar_Elayachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المؤسسات السجنية و المعمار : مقاربة سوسيولوجية
- هاجر و الخرطوم ؟
- مفهوم الديمقراطية في خطاب فلسفة ما بعد الحداثة
- الديموقراطية في فكر افلاطون
- الساديون الجدد
- الديمقراطية والعنف
- نساء الفريزا : حين تتحول المراة الى رجل . و مازق نظرية ا ...
- لا تتعبوا انفسكم السعادة ليست هنا
- الحمير و السياسة .
- مفهوم الديموقراطية في اللحظة التأسيسية : التجربة اليونانية .
- اطفال بويبلان : اطفال الجبال لايريديون صدقة .
- نساء الفريزا .
- المرأة وسؤال المساواة : الشعار المضلل
- حول سلوك المقاطعة : حليب ابيض و مال اسود .
- التجنييد الإجباري : قرار جيد لكنه لا يكفي . !
- ممفهوم الحق : مراجعة فلسفية
- حين لا ننصت للواقع ينتقم
- عنف الملاعب : حين تصبح الرياضة فعلا سياسيا .
- كرة القدم : ليست مجرد لعبة !
- المجتمع الافتراضي و التصور الدوركايمي : قراءة في طبيعة التحو ...


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الفرفار العياشي - الديموقراطية بين فكري سبينوزا و علال الفاسي