|
|
90مليون شيوعي
عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري
الحوار المتمدن-العدد: 6369 - 2019 / 10 / 4 - 14:55
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
من بوابة تيان إنمين في قلب العاصمة الصينية بكين، وفي نفس المكان الذي أعلن منه ماو تسي تونغ، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1949 قيام جمهورية الصين الشعبية، أكّد الرئيس الصيني القوي شي جينبينغ، وقد ارتدى بزة ماوية داكنة اللون: ما من قوة يمكنها أن تهزّ دعائم أمّتنا العظيمة، ما من قوة يمكنها أن تمنع الشعب الصيني والأمة الصينية من المضي قدماً. تجمّع آلاف المشاركين في ساحة تيان أنمين، في الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، ملوحين بالرايات الحمراء مع مرور الرئيس الصيني أمام قوات العرض العسكري، قبيل بدئه، وهو أكبر عرض نظم في الصين على الإطلاق. وافتتحت مروحيات العرض العسكري بتشكيلها رقم "70" في سماء العاصمة الصينية. واستعرضت أهم التقنيات العسكرية الصينية، خصوصاً الصاروخ النووي العابر للقارات "دي أف-41"، الذي يعرض للمرة الأولى. وهذا الصاروخ الذي يبلغ مداه 14 ألف كيلومتر يمكن نظرياً أن يصل إلى الولايات المتحدة.
يعدّ شي جينبينغ، الذي عزز أكثر سلطة الحزب الشيوعي الصيني منذ وصوله إلى الحكم في عام 2012، أقوى رئيس صيني منذ حقبة ماو (1949-1976) وتمجد السلطة الصينية اليوم الدور التاريخي الذي لعبه ماو تسي تونغ في حياة أهل الصين كمؤسس للنظام الشيوعي. وقد بلغ اليوم عدد منتسبي الحزب الشيوعي الصيني نحو 90 مليون نسمة.
يتساءل الشهيد غسان كنفاني في كتابه الذي ظلَّ مغموراً عشرات الأعوام (ثمَّ أشرقت آسيا) والذي صدر أخيراً ضمن المجلد الخامس من الأعمال الكاملة عام 2015: تُرى هل يحتاج المرء إلى أربعين يوماً من الترحال، وعشرين ألف ميل، وثمانين ساعة في الطائرات والقطارات، كي يكتشف الحياة التي تدب في ربوع آسيا؟ مع أن نابليون بونابرت تمنى ذات يوم أن تظل آسيا نائمة، ولكن القدر الذي كان يخشاه أكثر من أي شيء آخر قد جاء يسعى، ثمَّ أشرقت آسيا. وها هو أحد أفراد أهل الصين السيد وانغ ين شانغ يقول لغسان كنفاني حين التقاه أثناء رحلته إلى الصين عام1965: سأوجز لك شعوري بجملة واحدة، بعد نصف قرن على الأكثر سترى العالم يأكل بعودي قصب.
نعم كانت كلمات هذا الصيني صادقة وحقيقية تحمل رؤية ثاقبة، كم كان السيد وانغ ين شانغ فطناً، فها هو العالم يسير في ركاب الصين، أو الصين تسير في ركاب العالم. وقد جاء في الحكايات أن الشاعر الصيني الأعظم (لي باي) كان تلميذاً كسولاً لا يحب الدراسة ويهرب من المدرسة أغلب الأوقات. فحدث مرة أن مر برجل فقير ينحت قضيباً من الحديد شديد الغلظة والخشونة. فسأله عما يصنع فأجاب: أصنع إبرة. فارتاع الشاعر (لي باي) وسأله: كيف تصنع إبرة من قضيب حديد؟ فقال: أنحت كل يوم مقداراً صغيراً منه. وأصبر عليه أيام وليالي حتى يستدق ويصير في قطر الإبرة. فرجع (لي باي) إلى منزله وقد تغير تفكيره كلياً. وانكب على الدراسة حتى صار من أعظم شعراء الصين.
أهل الصين من أصبر الشعوب على العمل والكدح، فهم كالنمل في السعي والكفاح. والمثل العربي يقول: أكسب من نمل، لأن ليس في الحيوان أكثر دأباً في الجمع منه. واليوم يمكن القول إن أهل الصين أكسب شعب على وجه الأرض، فهم يكسبون رزقهم بكدحهم وسعيهم وعرق جبينهم. وينتجون كل شيء ويطعمون نفوسهم التي تجاوز تعدادها المليار نسمة. ومن المتوقع أن تصبح الصين سيدة هذا العالم بحضارتها المثقفة التي عنيت بالمعرفة الفلسفية والفكر المنظم وأنتجت فلاسفة عظاماً ومدارس فلسفية كبرى، كما أنتجت علوماً وصناعات، والصين أم المخترعات التي قامت عليها النهضة الحديثة. وأعتقد من وجهة نظري أن أهل الصين يستحقون هذه السيادة وهم قادرون وسيصلون إليها. لأنهم يعيشون تراثهم الحي دون انقطاع. ويستمر ماضي الصين العريق في حاضرها المتجدد في سيرورة دائمة التطور والارتقاء. وإن تحقق هذا الأمل في الخمسين سنة القادمة سيغير وجه العالم من خلال انتشار قيم حضارة مثقفة حكيمة. وسيكون هذا بديلاً ناجحاً عن حداثة رعاة البقر وحكم ساستهم الذين ينفردون بفرض سلطتهم على أهل الأرض. وبهذا يتحقق حلم ماو تسي تونغ الذي سجله في إحدى قصائده الجميلة عندما حلق بالطائرة للمرة الأولى فوق الصين. كتب يقول: عندما يكون مصير الصين بأيدي أهلها، ستشرق الشمس الساطعة من الشرق، تضيء كل وجه الأرض تنظف كل بقايا الحكم الماضي.
ينتمي الصينيون إلى العرق المنغولي، وهو أحد الأعراق الثلاثة الكبرى للنوع البشري. وقد سموا باسم العرق الأصفر فتوهم الناس أنهم صُفر الوجوه. وحقيقة الحال أن ارتباطهم بالصفرة يأتي من تقليد البلاط الصيني الذي كان اللون الأصفر غالباً على أزيائه الرسمية. وبشرة الصيني تميل للسمرة، وهذا ما تأكد لي شخصياً من معايشتي للعمال والفنيين الصينيين عندما عملتُ معهم في أبو ظبي في العقد الأخير من القرن العشرين.
يتكلم أهل الصين لغة تنتمي إلى عائلة اللغات الصينية التبتية، وتتألف اللغة الصينية من مقاطع قصيرة تدل على المعنى بنفسها أو تتحد مع غيرها لإيجاد معنى جديد. والغالب أن يتحد مقطعين والأقل من ثلاثة. وهي تركيبة خاصة لا تقبل التصريف بتاتاً. إذن كيف يكتب الصينيون الأسماء الأجنبية؟ لو أرادنا مثلاً كتابة اسم كارل ماركس بالصينية ليلفظ كما هو في الأصل لما وجدنا المقاطع التي تصلح لذلك ولابد بالتالي من تقطيع الاسم وقد اختزلوه فراراً من التطويل إلى (ما - كو- سا) مكتفين باللقب دون الاسم.
وقد ذكر العلامة البغدادي هادي العلوي-رحمه الله- أن بعض الصينيين لما سمعوا بالاسم الذي يبدأ بالمقطع (ما) ونظروا إلى صورة كارل ماركس تصوروه النبي محمد. وصاروا يسمونه بما يعني محمد الكث اللحية. وهذا لأن (ما) هو أيضاً المقطع الأول من اسم النبي محمد عندهم. وصورة ماركس بوجهه الأسمر المدور ولحيته الضخمة تشبه إلى حد ما صورة أحد الحكماء العرب.
#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركس بلا ماركسية
-
عمّار الأمير في شتيمة موصوفة
-
هل الإسلام ضد الغرب؟
-
تجربتي مع الصيام
-
اشكالية العلمانية في العالم الإسلامي
-
حسيب كيالي في دبي
-
هل كان محمود درويش شيوعياً؟
-
بين سلمى وعيوني بندقية
-
من قاسيون أُطلُّ يا وطني!
-
تفتيش المرأة جسدياً
-
الإرهاب والكباب
-
صورة فيدل كاسترو
-
في رحيل الرفيق إبراهيم الخياط
-
فيلسوف معرة النعمان
-
ماركس فيلسوفاً
-
حكايةاختطاف أدغاردو مورتارا
-
مناقب الترك
-
كان الحمام يطير محترقاً
-
يهشّون عند المائدة
-
الكانطيون الجدد وعمي أحمد
المزيد.....
-
The Paradox Of “Moderate Jihadism” and the Controlled Chaos
...
-
The U.S. Must Designate the RSF Militia As a Terrorist Organ
...
-
The Perilous Norm Of Weapons Testing
-
Washington’s War On Academia Is a Gift To Its Rivals
-
Different Battles, Same Struggle: The U.S. War On China, Ven
...
-
Winter Is Coming To Gaza
-
“Regime Change” In Venezuela Is a Euphemism For U.S.-inflict
...
-
How Trump’s Immigration Dragnet Harms All U.S. Workers
-
Towards the Inevitable Clash To the Death Between Trump and
...
-
التحويلات النقدية تنعش صحة الفقراء.. دراسة تكشف السر
المزيد.....
-
الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو&
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|