أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - مناقب الترك















المزيد.....

مناقب الترك


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6326 - 2019 / 8 / 20 - 12:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(رسالة في جيراننا الأتراك كتبها الجّاحظ قبل أكثر من ألف عام)

إلى الراحل عبد القادر عبد اللي ابن مدينة إدلب أهم مترجمي الأدب التركي

رسالة كتبها عمرو بن بحر, أبو عثمان, المشهور بالجّاحظ, إلى الفتح بن خاقان, من أبناء ملوك الترك. قدَّمه المتوكل وجعله وزيره الأول. ولما قُتِلَ المتوكل كان الفتح حاضراً. هجموا على المتوكل وقطَّعوه بالسيوف, فقام الفتح بن خاقان وألقى نفسه عليه وقال : يا أمير المؤمنين لا حياة لي بعدك. فقطَّعوه بالسيوف أيضاً. وقد جاء في الأثر أنَّ الفتح بن خاقان دخل يوماً على المتوكل, فرآه مطرقاً متفكّراً, فقال: يا أمير المؤمنين, ما هذا الفكر؟ فو الله ما على ظهر الأرض أطيب منك عيشاً, ولا أنعم منك بالاً. فقال: يا فتح أطيب عيشاً مني رجل له دار واسعة, وزوجة صالحة, ومعيشة حاضرة, لا يعرفنا فنؤذيه ولا يحتاج إلينا فنزدريه.

وأغلب الظن أنَّ الجاحظ كتب هذه الرسالة للنجاة من بطش الدولة والخروج سالماً من المحن التي أُنزلت بالمعتزلة. يقول الأستاذ أحمد أمين: نجا الجاحظ من نكبة المعتزلة لأنه مرن. وقد دفع عنه الشر بمرونته. وبما قدم من رسالته في إعلان شأن الأتراك واتصاله بالفتح بن خاقان. تألفت رسالة الجاحظ من خمسة عشر ورقة, وقد وردت ضمن كتاب رسائل الجاحظ شرحه وقدم له وعلق على حواشيه عبد مهنا صادر عن دار الحداثة الطبعة الأولى 1988.

ترك الجاحظ أكثر من مئة وسبعين كتاباً. وساعده على كثرة التأليف امتداد عمره, وانصراف الحكام وأهل الدولة عن استخدامه في قصورهم ودواوينهم للدمامة وجهه,ومرضه الطويل الذي اضطره إلى ملازمة بيته وقطع فراغه بالكتابة والتأليف.ومازال في علته إلى أن وقعت عليه مجلدات العلم فقضت عليه في البصرة نهاية سنة 255 هجرية 868 ميلادية.

قال الجاحظ في تأليفه هذه الرسالة إنَّ الفتح بن خاقان جالس أخلاطاً من قادة الجند ورجال الدولة وشيوخ الدين والمذاهب . وذهب الحديث كل مذهب. إلى أن انتبذ رجلاً رأياً ارتجله ارتجال مستبد وتفرد به تفرد معجب,وزعم أن جند الخلافة على اختلاف مللهم ونحلهم وتفرق وأوطانهم تآلفت قلوبهم على الطاعة برغم تباين أجناسهم وتحزبهم إلى فرق.وهم يشكلون هذا الجيش الإسلامي الذي يصون الحمى ويدافع عن دار الإسلام. وكان يتحزب لأهل خرسان ويتفنن في وصف مناقبهم ويدعي أنهم فتحوا البلد وقتلوا العباد وأبادوا العدو في كل واد. وهم أهل الدولة وأصحاب هذه الدعوة وبهم انتصرت الدعوة العباسية.

اعترض الفتح بن خاقان على المتكلم ورجح فكرة أن تكون هذه الأجناس التي تشكل جند الدولة قد انصهرت في بوتقة واحدة.فتشابهت في الطباع والصفات لعيشها المشترك في بيئة واحدة ومواطن متجاورة .وقال في رده على هذا المتكلم أن الخرساني والتركي أخوان, وهؤلاء وإن اختلفوا في بعض اللغة, وفرق بعضهم بعضاً في الصور, فقد تخالفت العرب في منابتها بين تميمي وقبسي وحجازي ونجدي وكلهم عربي خالص مع اختلاف لهجاتهم.وكذلك جميع فئات الناس التي تعيش في ربوع الشرق الإسلامي.

وقد أراد الجاحظ أن يثني على كلام الوزير وينصف الترك ويرفع من شأنهم فألف هذه الرسالة رداً على غطرسة وتعسف الخرساني . وقبل قراءة بعضاً مما جاء في هذه الرسالة لا بد من المرور على نقطة مهمة, تخص أهل السياسة, وأخص الحُكّام بالذكر, فقد جهدوا في عملهم لتشويه العلاقة ما بين الشعبين التركي والعربي.

السوريون والعراقيون على العموم أقرب العرب إلى الترك موطناً وشراكة, وقد أكد على هذا الخط الكاتب التركي (عزيز نيسن) في مقدمة أول كتبه التي ترجمت إلى العربية تحت عنوان "مختارات قصصية" ترجمة فاضل جتكر صادر عن وزارة الثقافة السورية في دمشق عام 1983كتب بتاريخ 23تشرين الأول1981 مخاطباً القارئ العربي:

"تركيا وسورية جارتان, فإلى أي مدى نعرف نحن الأتراك جيراننا السوريين؟ وإلى أي مدى يعرف السوريون جيرانهم الأتراك؟ هل نستطيع أن نجيب بنعم على هذا السؤال؟ طبعاً لا. ألسنا جيراناً؟ ألم نتقاسم التاريخ نفسه في وقت من الأوقات؟ ألم نكن نملك ثقافتنا المشتركة؟ ماذا فعلنا بغية تمكين شعبينا من معرفة أحدهما الآخر؟ لكل تاريخ صفحاته السوداء والبشعة , من الواجب معرفة هذه الصفحات وعدم نسيانها. غير أننا إذا كنا نريد السلام, نريد صداقة الشعوب, فإن علينا أن نخرج صفحات التاريخ الناصعة والجميلة مش السوداء والبشعة إلى النور".

ودون أن أخالف وصية كاتبنا التركي الكبير أقرأ رسالة الجاحظ في مناقب الترك ضمن هذا السياق. يؤكد الجاحظ من مناقب الترك في زمانه الحنين إلى الموطن الأول, والشغف بحبه, والعودة إليه مهما طال البعاد والسفر.مع أن محبة الوطن ومسقط الرأس والمنزل الأول يشمل البشر والحيوان معاً. وقد قيل لبدوي في الصحراء: كيف تصنع في البادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وهل العيش إلا ذاك, يمشي أحدنا فينضح عرقاً, ثم ينصب عصاه ويلقي عليها كساءه ويجلس في فيئه يكتال الريح, فكأنه في إيوان كسرى. هذا الأعرابي يفضل موطنه المقفر على قصور الملوك والحكام. وكذلك الترك أحنُّ من الإبل إلى أوطانها. ومن المعروف أن البعير يخبط في كل واد حتى يأتي مبركه.و التركي أشد حنيناً وأكثر نزوعاً إلى مسقط رأسه من تلك الإبل.

مع هذا الحب العارم, فالتركي يشتدُّ عليه الحصر وطول اللبث والمكث, وقلَّة التصرف والتحرك, وأصل بنيته إنما وضع على الحركة, وليس للسكون فيها نصيب.ولو حصلت عمر التركي وحسبت أيامه لوجدت جلوسه على ظهر دابته أكثر من جلوسه على ظهر الأرض. وهو صاحب توقد وحرارة, واشتعال وفطنة, يرى القعود عجز, وطول المقام بلادة, والقناعة من قصر الهمة؛ وإن ترك مقاتلة العدو يورث الذل. وللتركي أربع أعين, عينان في وجهه, وعينان في قفاه.لأنه يصيب طريدته بسهمه وهو مقبل كما يصيبها وهو مدبر.والتركي يرمي الوحش والطير والشواخص الثابتة والمتحركة وإذا أقبل فهو السم الناقع. والتركي في حال شدته, معه كل شيء يحتاج إليه لنفسه وسلاحه ودابته وأداة دابته. فأما الصبر على الخبب وعلى مواصلة السفر وقطع البلاد, فعجيب جداً.

وقبل متابعة ما أورده الجّاحظ من مناقب الترك, لابد لي من التوقف عند إشارة هامة تؤكد أن الجاحظ كتب هذه الرسالة تكلُّفاً وهرباً من محنة تلوح في الأفق, فهو يقول في منتصف الرسالة فجأة:
كنتُ كتبتُ هذه الرسالة أيام المعتصم بالله, فلم تصل إليه, لأسباب يطول شرحها. وقد تكون الرسالة قد شابها الكذب والتكلف وخرج كلامها مخرج الاستكراه والعسر. ثم يمارس النقد الذاتي - كما نقول في عصرنا الحديث – من خلال بيت النابغة الذبياني القائل:

ولستُ بمستبق أخاً لا تلْمّه
على شَعَث أيُّ الرجال المهذَّبُ

ثم يقول: ونحن قائلون, ولا حول ولا قوة إلا بالله, فما انتهى إلينا من مناقب الترك إنهم لا يعرفون الملق ولا الخديعة ولا النفاق ولا التصنع ولا النميمة ولا الرياء ولم تفسدهم الأهواء, وإنما كان عيبهم, والذي يوحش منهم, الحنين إلى الأوطان, وشدة الإلف للعادة, مع ما كانوا يتذكرون من سرور الظفر وتتابعه, وحلاوة المغنم وكثرته, وملاعبهم في تلك الصحارى, وترددهم في تلك المروج. وإنما خصوا بالحنين من بين جميع العجم لأنهم في تركيبهم وأخلاط طبائعهم من تركيب بلدهم وتربتهم, ومشاكلة مياههم ومناسبة إخوانهم, ما ليس مع أحد سواهم. ألا ترى أنك ترى البصري فلا تدري أبصري هو أم كوفيّ, وترى المكي فلا تدري أمكي هو أم مدني وترى البدوي من الجزيرة العربية فلا تدري أجزري هو أم شامي. وأنت لا تغلط في التركي, ولا تحتاج فيه إلى قيافة ولا إلى فراسة, ولا إلى مساءلة. ونساؤهم كرجالهم, ودوابهم تركية مثلهم.

وينقل الجّاحظ عن الفضل بن العباس بن رزين حكاية ظريفة قال فيها: أتانا ذات يوم فرسان من الترك, فلم يبق أحد ممن كان خارجاً إلا دخل حصنه وأغلق بابه, وأحاطوا بحصن من ذلك الحصون, وأبصر فارس منهم شيخاً يطل إليهم من فوق, فقال له التركي: لئن لم تنزل إلي لأقتلك قتلة ما قتلتها أحداً. فنزل إليه وفتح الباب, ودخلوا الحصن, واكتسحوا كل شيء فيه, فضحك من نزوله إليه وفتحه له وهو في أحصن موضع وأمنع مكان, ثم أقبل به إلى حصن أنا فيه فقال: اشتروه مني. قلنا: لا حاجة لنا في ذلك. قال: فإني أبيعه بدرهم واحد. فرمينا إليه بدرهم فخلى سبيله, ثم أدبر مع أصحابه, فما لبث إلا قليلاً حتى عاد إلينا فوقف حيث نسمع كلامه, فراعنا ذلك, فأخرج الدرهم من فمه وكسره نصفين. وقال: لا يسوى درهماً, وهذا غبن فاحش, فخذوا هذا النصف, وهو على كل حال غال جداً بالنصف الآخر



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كان الحمام يطير محترقاً
- يهشّون عند المائدة
- الكانطيون الجدد وعمي أحمد
- أين أنت يا جهاد أسعد محمد؟
- استعمل مخَّك و إلَّا فقدته
- فدائيون في جدارية بيروت آب 1982
- نساء بيكاسو الجميلات
- الجسارة في مشروع طيب تيزيني الفكري
- فيتامين الأشعة الشمسية
- هل كان لينين شيوعياً؟
- قومي إذا ما أيسروا أنا موسر
- فيلسوف معرة النعمان بين سجع الحمام وزئير الأسد
- ستالين شيوعياً
- خمس شهادات في عبد الباسط الساروت
- عندما كانت أمي صغيرة
- رَجُلٌ تُرفع له القُبَّعات
- في مفهوم الكفر
- رَجُلٌ اسمُهُ غَسَّانْ كَنَفْاني
- الشيخ إمام ...حادي قوافل الضمير
- حدثنا عن الملوك يا بَيدبا


المزيد.....




- لعلها -المرة الأولى بالتاريخ-.. فيديو رفع أذان المغرب بمنزل ...
- مصدر سوري: غارات إسرائيلية على حلب تسفر عن سقوط ضحايا عسكريي ...
- المرصد: ارتفاع حصيلة -الضربات الإسرائيلية- على سوريا إلى 42 ...
- سقوط قتلى وجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من م ...
- خبراء ألمان: نشر أحادي لقوات في أوكرانيا لن يجعل الناتو طرفا ...
- خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ -ستورم شادو- بريطاني فر ...
- كم تستغرق وتكلف إعادة بناء الجسر المنهار في بالتيمور؟
- -بكرة هموت-.. 30 ثانية تشعل السوشيال ميديا وتنتهي بجثة -رحاب ...
- الهنود الحمر ووحش بحيرة شامبلين الغامض!
- مسلمو روسيا يقيمون الصلاة أمام مجمع -كروكوس- على أرواح ضحايا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - مناقب الترك