أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرزاق دحنون - يهشّون عند المائدة














المزيد.....

يهشّون عند المائدة


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6321 - 2019 / 8 / 15 - 20:11
المحور: الادب والفن
    


قيل لفقير جائع:
-كم اثنين في اثنين؟
قال:
-أربعة أرغفة.
1
جاءت امرأة إلى الليث بن سعد وفي يدها قدح، فسألت عسلاً، وقالت: زوجي مريض، فأمر لها براوية عسل، فقالوا: يا ابن سعد: إنما تسأل قدحاً. قال: سألت على قدرها ونعطيها على قدرنا. وقيل للمغيرة بن شعبة: من أحسن الناس؟ قال: من حسن في عيشه عيش غيره. وعن عمر بن الخطاب قال: أسعد الناس من سعد به الناس وأشقاهم من شقوا به. وعن سفيان الثوري: إنّي لألقى الرجل فيقول لي مرحباً فيلين له قلبي فكيف بمن أطأ بساطه وآكل ثريده وأزدرد عصيده؟
2
أبو حيان التوحيدي في الامتاع والمؤانسة جاء بأمثلة عن حالة البؤس التي انحدر إليها أهل الفكر في عصره. فقد كان أبو سليمان المنطقي السجستاني سيد علماء عصره بحاجة ماسة إلى رغيف، وحوله وقوته، عجزا عن أجرة مسكنه، ووجبة الغداء والعشاء. وكان أبو سعيد السيرافي عالم العالم، وشيخ الدنيا، ومقنع أهل الأرض، ينسخ في اليوم عشر وريقات بعشرة دراهم، ليعيش. وقد شوهد المعافى بن زكريا النهرواني في جامع الرصافة وقد نام مستدبر الشمس في يوم شات، وبه من أثر الفقر والبؤس أمر عظيم، مع غزارة علمه واتساع أدبه وفضله المشهور. ونرجع فنقول: نعوذ بالله من الفقر والجوع، وقد بلينا بهذا الدهر الفقير من الصالحين الذين يصلحون أنفسهم ويصلحون غيرهم بفضل صلاحهم ويهشون عند المائدة. وقد كان النبي يعوز من الكفر والفقر، فقال له رجل: أيستويان؟ فقال: نعم كان الفقر أن يكون كفراً.
3
وسُئل أعرابي: لو كنت خليفة كيف كنت تصنع؟ قال: كنت أولي شريف كل قوم ناحيته، ثم أخلو بالمطبخ، فآمر الطهاة، فيعظِّمون الثريد ويكثرون اللَّحم والعظم والمرق، فأبدأ فآكل لقماً، ثم آذن للناس، فأي صنيع يكون بعد هذا؟ لقد أدرك هذا الأعرابي القادم من مجاهل الصحراء في قوله هذا جوهر العلاقة بين الراعي والرعية. وأزعم –وعساه يكون زعماً مقبولاً- لا عيب أن تقوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على إطعام الجياع والمساكين وأهل السبيل. وأحسبها بادرة طيبة أن يكون للحاكم مطاعم شعبيَّة في الأحياء الفقيرة، بسيطة في شكلها، مجانيَّة في تعاملها مع الخلق، منتشرة في أرجاء البلاد، يجلس على موائدها من شاء، ليأكل ما شاء، كما يشاء، بلا حسيب أو رقيب. وإطعام الجياع مهمة جليلة تستحق الثناء والتقدير. وفي القرآن: ويطعمون الطّعام على حُبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً* إنما نُطعمِكُم لوجه الله لا نُريد منكم جزاءً ولا شكوراً.
4
والمطعمون من أهل الخير والكرم والبركة والصدقات لا يمل حديثهم مع أنه معاد، تقرؤه أو تسمعه كأنك تسمعه أول مرة. وقد خاض الناس قديماً وحديثاً خوضاً مشبعاً في هذا الموضوع، ونحن هنا إذ ننقب في بطون الكتب قصدنا أن نعيد هذا القول الطريف اللطيف من الكلام إلى الحياة، وأن نستحثّ أهل الخير على صنع المعروف بين الناس. وقد قال النبي: تجافوا عن ذنب السخي فإن الله يأخذ بيده كلما عثر. وقيل لإبراهيم الخليل -عليه السلام- بأي شيء اتخذك الله خليلاً؟ قال: ما خيرت بين أمرين إلا اخترت الذي لله، وما تغديت وما تعشيت إلا مع ضيف. وقال الأصمعي: قال بعض العرب: ليست الفتوة الفسق ولا الفجور، ولا شرب الخمور، وإنما الفتوة طعام موضوع، وصنيع مصنوع، ومكان مرفوع، ولسان معسول، ونائل مبذول، وعفاف معروف، وأذى مكفوف.
5
قال بعض الأعراب: قدم علينا الحكم بن المخزومي ولا مال لنا فأغنانا عن آخرنا، فقيل كيف ذلك؟ فقالوا: عَلَّمنا مكارم الأخلاق فعاد أغنياؤنا على فقرائنا فصرنا كلنا أجواداً. وقال إبراهيم بن الجنيد: أربع لا ينبغي لشريف أن يأنف منهن وإن كان أميراً: قيامه من مجلسه لأبيه، وخدمته للعالم يتعلم منه، والسؤال عما لا يعلم ممن هو أعلم منه، وخدمته الضيف بنفسه إكراماً له. وكان السلف الصالح من الكرام الذين يتسعون في أحوالهم يوسعون على غيرهم من سعتهم وكانوا يرون الغنيمة في الكرم، والربح في البذل، والحظ في الإيثار، والزيادة في النقص، والشاعر يقول:

أنت للمال إذا أمسكته
فإذا أنفقته فالمال لك
6
نعم، كانوا إذا ولوا عدلوا، وإذا ملكوا أنعموا، وإذا أعطوا أجزلوا، وإذا سئلوا أجابوا، وإذا افتقروا صبروا، وإذا نالوا شكروا. وكان لهم مع عباد الله معاملة جميلة. وكانوا إذا تلاقوا تواصوا بالخير، وتناهوا عن الشر، وتنافسوا في المعروف، لقد اجتهدوا أن يكونوا خلفاء الله على عباد الله بالرأفة والرحمة والعدل. أين نحن من أولئك القوم الأبرار؟



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكانطيون الجدد وعمي أحمد
- أين أنت يا جهاد أسعد محمد؟
- استعمل مخَّك و إلَّا فقدته
- فدائيون في جدارية بيروت آب 1982
- نساء بيكاسو الجميلات
- الجسارة في مشروع طيب تيزيني الفكري
- فيتامين الأشعة الشمسية
- هل كان لينين شيوعياً؟
- قومي إذا ما أيسروا أنا موسر
- فيلسوف معرة النعمان بين سجع الحمام وزئير الأسد
- ستالين شيوعياً
- خمس شهادات في عبد الباسط الساروت
- عندما كانت أمي صغيرة
- رَجُلٌ تُرفع له القُبَّعات
- في مفهوم الكفر
- رَجُلٌ اسمُهُ غَسَّانْ كَنَفْاني
- الشيخ إمام ...حادي قوافل الضمير
- حدثنا عن الملوك يا بَيدبا
- كيف يفكِّر الجنرال؟
- السيدة النحيلة التي يندف شعرها ثلجاً


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرزاق دحنون - يهشّون عند المائدة