أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - كيف يفكِّر الجنرال؟














المزيد.....

كيف يفكِّر الجنرال؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6278 - 2019 / 7 / 2 - 13:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حكى لي صديق هو ابن أحد المُهاجرين العرب من الشام إلى كندا في خمسينات القرن العشرين هرباً من انقلابات الجنرالات في الشرق الأوسط. قائلاً:
جاء مسرعاً إلى جدتي "زينب" صارخاً لأن في أُذنيها "طرش" ثقيل: ديري بالك أولاد حارتنا يلعبون في عقل ابنك كي يتطوَّع في جهاز الأمن العسكري. ردت الجدة واثقة من كلامها: يشهد الله أنني أعرف ابني أكثر منهم جميعاً وإن وجدوا عقلاً في رأسه فليلعبوا به على كيفهم.

كلام الجدة هذا يحمل الكثير من الدلالات والحقائق الصريحة. والجدات على العموم صاحبات خبرة ودراية في أمور الدنيا، فقد أبلين البلاء الحسن وخبرن الحياة بحلوها ومرها واكتسبن حكمة وموعظة حسنة يندر أن تخيب. ولأن ابنها لا يملك عقلاً في رأسه فقد لعب به أولاد حارتنا وذهب في النتيجة النهائية وتطوَّع في الأمن العسكري. راح مع مرور السنين يتدرج في الرتب العسكرية التي بدأها عريفاً كحال أدولف هتلر وعلي عبد الله صالح والكثير من الشخصيات العسكرية في انحاء العالم، ثمَّ صار "جنرالاً" في مركز عالٍ يحل ويربط مع ذلك بقي يزود جدتي بين الحين والحين، يدخل إليها والنسر يقف على شاربه الكثِّ، كما يقول، والنسر يلمع مع النجوم والسيوف في "كتافتي" بذَّته العسكرية الفخمة، ينظر إلى أمه نظرة نسر في أعالي السماء.

وفي ليلة حالكة السواد دخل قمرها في "المحاق" والخلق نيام تدبر الأمر وامسك صولجان الملك وصار الآمر الناهي في شؤون البلاد والعباد. والجنرالات في العموم يحبون مسك الصولجان، ولو كان عصاً تشبه عصا الراعي. وانقطع الجنرال عن زيارة جدتي والسؤال عن حالها. قالت والحسرة تأكل قلبها قبل الرحيل عن الدنيا وأهلها: سيُقتل ابني في النهاية لا محال فأنا اعرف ان لا عقل له. قُتل الجنرال في النهاية شرَّ قتلة ووضعت جثته على "طرَّاحة" من الإسفنج الصناعي ليتفرج عليها الناس. كما فعلوا تماماً مع العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من أيلول في ليبيا أواخر عام 2011. وصدقت حكمة جدتي.

تبحث العلوم الاجتماعية والسياسية في نمط هذا الحكم التعسفي وتسأل كيف يفكِّر الجنرال عندما يحكم العباد من القصر الجمهوري؟ وكيف سمحت أعراف المجتمع وتقاليده أن يتسنم العرش وعمله في الأساس الذي تدرب عليه قيادة الجيوش وخوض المعارك وقتل الأعداء؟ نعم، كل جيوش العالم غايتها قتل الأعداء، هذا عملها، والجنرال يأمر بهذا القتل براً وبحراً وجواً، فهل يستطيع الجنرال قيادة المجتمع والوصول به إلى برِّ الأمان؟ ما هو مبرر ذلك، هل خلت البلاد من حاكم مدني-أستاذاً جامعياً مثلاً- يفهم في العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية يجلسه الناس بعد انتخابات تعددية ديمقراطية في القصر الجمهوري، وبعد انتهاء فترة حكمه يعود إلى ما كان عليه مُدرساً في الجامعة قبل ان يصير رئيساً؟ هل هذا الأمر ممكن؟ أم أنه أصعب مما نتصور في تلك البلاد التي يبحث فيها العباد عن لقمة العيش.

كيف يحتال الجنرال على دساتير الدول كي تسمح له بالحكم؟ من يقف مع الجنرال في طموحهم هذا؟ أليس من الأحسن له أ ن يكون في مكانه الطبيعي يقود قطعات الجيش والفروع الأمنية ومن ثمَّ ينام في السكنات العسكرية بدل أن ينام في القصر الجمهوري، والذي مهما ألفه، فهو ليس مكانه الطبيعي، ولا يليق بشخصه على كل حال. ومع ذلك يجلس هُناك متربعاً مستأنساً بتلك الامتيازات التي يحصل عليها-مال، نساء، خمور، حشيش- ويكون من المستحيل إخراجه من القصر الجمهوري دون سيل من دماء. والعسكر على العموم يحبون إراقة الدماء والنساء والخمور والحشيش، هم قتلة في نهاية الأمر، ابتليت بهم البشرية من قديم الزمان.

كي نُجيب عن هذه الأسئلة المُلحة نحتاج إلى الكثير من الحبر والوقت وآلاف الصفحات وإلى دراسة سيرة حياة العشرات أو المئات من الجنرالات التي مرت في التاريخ قديمه وحديثه وحكمت دولاً في الشرق والغرب. ولعل أمريكا اللاتينية وأفريقيا من أكثر القارات التي شهدت دولها حكماً عسكرياً في العصر الحديث. ولعل الجمهوريات العربية تُعطينا شواهد عديدة على حكم الجنرالات. ولعل قراءة رواية "ليلة الرَّيس الأخيرة" التي تحكي سيرة معمر القذافي للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا الذي يكتب بالفرنسية تفيدنا في هذا المسار العسير.

من طبيعة الأمور عندما يصل "الجنرال" إلى كرسي الحكم أن يقرب أهله ومعارفه ويُعطي الامتيازات إلى رفاقه في السلاح وبذلك تتحول الدولة في ظله إلى "سكنة عسكرية" يحكمها كما يشاء تحت سلطة قانون مرعب يخشاه الناس يقول هذا القانون غير المكتوب: المؤسسة العسكرية متمثلة في الجيش الوطني والأمن الوطني والمخابرات الوطنية والسجون الوطنية هي التي تُدافع عن الشعب وتحمي الوطن من كيد الكائدين والمتربصين -وهي على كل حال الأضخم بين مؤسسات الدولة- نعم، بهذه الروح العسكرية الوطنية ينشأ الأولاد في المدارس وهم يرتدون اللباس الموحد والذي يميل في شكله وألوانه إلى "العسكرة". وتُرسم الحدود بين الفرد الوطني والفرد الخائن. و "الجنرال" لم يطق صبراً على رؤية وجوه الخونة من أبناء وطنه فيفرض الأحكام العرفية التي تعطَّل الدستور والقوانين المرعية، ويسجن الخلق في سبيل الصالح العام، او يعمل بكل الوسائل على طردهم من نعيم الوطن لأنهم لا يستحقون العيش والتمتع بالخير العميم الذي يغدقه الجنرال على شعبه. تزعجه سيرة الرئيس السابق فيأمر بسجنه والتنكيل بأهله وعشيرته، ويقتله إذا لزم الأمر، ويُكمم الأفواه التي لا تُمجد مسيرته المجيدة ويُخرسها بالتي هي أحسن، فيعوم على سطح هذا المستنقع أهل النفاق والفساد والتزلف والرياء من كل الملل والنحل وينتشر الخوف القاتل في كل شارع وزقاق وزاوية، ويعم الرعب قلوب الناس فيمشون "جنب" الحيط ويقولون يا رب السترة.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيدة النحيلة التي يندف شعرها ثلجاً
- قوَّة غاشمة تُكمِّم الأفواه
- أوجاع ومسرات فنجان القهوة
- أزرق من أجل السودان
- قُل لي, الوردةُ عارية, أم هو فستانها الوحيد؟
- الشَّعرُ ...غزارة في الإنتاج و سوء في التوزيع
- هكذا تكلَّم عبد الرحمن الشهبندر
- مصطفى الحسين لا يأكل الدراق
- فكرة التطور
- الشيوعي الجيد
- هل تخلع كوبا معطف فيدل كاسترو؟
- المزارعون الأوائل قبل عشرة آلاف سنة
- هل القلب يصدأ كالحديد؟
- كتاب الثورات
- صاحب صحيح البخاري
- شيوعيون في الفيسبوك
- ستالين
- المُسْتَطْرَف الصَّغير
- رسائل بركات لطيف الحزينة إلى الأول من أيار
- الفأرة الحكيمة


المزيد.....




- فرنسا وألمانيا وبريطانيا تستعد لتقديم -عرض تفاوض شامل- لإيرا ...
- تحذير سعودي من استهداف المحطات النووية السلمية في إيران.. هذ ...
- أضرار في مناطق بإسرائيل جراء هجوم إيراني جديد.. ومراسل CNN ي ...
- نووي إسرائيل.. ماذا نعرف عن الترسانة -الغامضة- للدولة العبري ...
- الكرملين: الشرق الأوسط ينزلق إلى هاوية اللاستقرار والحرب
- خل التفاح.. هل يساعد فعلا على إنقاص الوزن؟
- التغير المناخي يدق ناقوس الخطر: سطح البحر إلى ارتفاع غير مسب ...
- إسرائيل تنشر صورا لتدمير منصات إطلاق صواريخ إيرانية
- إسرائيل تصادق على إقامة مستوطنة جديدة على جبل عيبال: خطوة نح ...
- المواجهة بين إسرائيل وإيران تدخل يومها الثامن.. حرب عالية ال ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - كيف يفكِّر الجنرال؟