أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامح عسكر - متاهة الإصلاح وفرص التغيير















المزيد.....


متاهة الإصلاح وفرص التغيير


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6365 - 2019 / 9 / 30 - 10:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في حواي مع وكالة أنباء فارس منذ أسبوع عن الأوضاع الحالية بمصر عرضنا لمشاهد الاحتجاجات التي دعا إليها المقاول الفنان "محمد علي" مع تشريح علمي موضوعي لطبيعة الحركة ومستقبلها، وقد ترجم الحوار إلى اللغة الفارسية ونشر في الوكالة منذ أيام على أن يطرح رابط الحوار في الوكالة نهاية المقالة..

الأستاذ سامح مرحبا بكم..

رأينا في الأيام الماضية أن مصر شهدت مرة أخرى احتجاجات شعبية ضد الحكومة المصرية ورئيسها عبد الفتاح السيسي؛ حيث طالب المشاركون فيها برحيل السيسي على غرار الاحتجاجات في السنوات الماضية وهذه المظاهرات هي الأولى من نوعها بعد اختيار السيسي رئيساً لجمهورية مصر،الأسئلة التي أريد منكم أن تتفضلوا بالاجابة كما يلي:

الأول؛ لم خرج المحتجون في مصر عشية استعداد السيسي للسفر إلي نيويورك للمشاركة اجتماعات الدورة الـ ٧٤ للجمعية العامة للأمم المتحدة؟ ما هي أسباب بدء الاحتجاجات وهل تعود إلى الفساد في الحكومة المصرية أم لها أسباب أخرى؟

قلت: في مصر حدثت تجارب ثورية سابقة في يناير 2011 وفي يونيو 2013 وكلا التجربتين صارتا شعبيا أشبه بالوهم أو الحلم المنتهي لشعور العامة بعدم تحقق أهدافهم العليا بالأمن الغذائي والشخصي والحريات معا، فاشتهر أن الربيع العربي في حقيقته كان خريفا عربيا أدى لكوارث في سوريا والعراق، لذلك صارت دعوات الثورة في مصر قبيحة المقصد والنتيجة، والحكومات المصرية المتعاقبة اطمئنت لهذا القُبح الثوري فبدأت تعمل في معزل عن الرأي الآخر وخصوصا اليسار الذي تم شيطنته واتهامه بالكُفر والخيانة.

مصر فيها تيار يساري قوي جدا من رجال أعمال ومثقفين وإعلاميين وقادة عسكريين وشباب وأحزاب هي التي قادت الجمهور لثورتي (يناير ويونيو) لكنهم لا ينشطون تحت اسم اليسار إنما بأسماء مختلفة تحت راية الدفاع عن الفقراء والطبقة الكادحة، ومعلوم أن الثورة هي أداة البروليتاريا للوصول إلى السلطة، لذلك طمح اليسار لأن يحكم مصر من نافذتين..

الأولى: التعاون مع الإخوان بعد ثورة يناير

الثانية: التعاون مع الجيش بعد ثورة يونيو

كلا النافذتين تبين بعد ذلك أنهما كمائن لليسار الذي لم يفقه وعي الشعب المصري بعد الذي يُقدس كُلّا من (الدين والوطن) دون اعتبار لأيدلوجيا ماركس والفقه الاشتراكي والفلسفة التقدمية، فالإسلاميين ممثلين عن الدين والجيش ممثلا عن الوطن، والنتيجة هي قمع وانهيار لعناصر اليسار ميدانيا مما أدى لتحجيم قدرتهم على النقد والوصول للجمهور كما كان متوافرا في عصر مبارك، حاولوا استغلال اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة السعودية التي أدت لتنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير" سنة 2016 ونجحوا في حشد المظاهرات لكن تم قمعها في النهاية واعتقال زعمائها، أدى ذلك لترسيخ حكم الفرد والرأي الواحد بعد استبعاد الإسلاميين واليسار معا.

الآن اليسار منقسم ما بين جهة تقول بضرورة التحالف مع الإسلاميين وأخرى تمنع ذلك، نفس الشئ للإسلاميين منقسمين بضرورة المراجعة في موقفهم من العلمانية وحكم رجال الدين بين قولين الأول: يقول بأن العلمانية ليست قانونا مضادا للدين بل يمكن احتواءه والتعامل معه كما حدث في تركيا، والثاني يقول: أن ما يعيشه الإسلاميون هو محنة وابتلاء من الله لذنوبهم، السلطة الحالية في مصر الآن استفادت من هذا الخلاف والجدل اليساري الإسلامي في ترسيخ نفوذها أكثر مما أدى لقرارات فعلتها باطمئنان كإجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تسميها المعارضة (إفقار اقتصادي) ثم تمرير اتفاقية تيران وصنافير مع المملكة – رغم حُكم مجلس الدولة ببُطلانها - وأخيرا انتخاب الرئيس السيسي مرة ثانية وتعديل الدستور لإطالة مُدة حكمه.

كل ذلك أدى لاحتقان نفسي وسياسي بين المعارضة والسلطة بدوافع سيكولوجية مختلطة ما بين عجز المظلوم وعنجهية الظالم من ناحية المعارضة، وضرورة الإصلاح الفوري لاكتساب ثقة الجمهور من ناحية السلطة، لكن ولأسباب غلق المجال العام وتجريم نشاط الأحزاب والتيارات المعارضة وتوحيد الإعلام المحلي برأي واحد أخطأت السلطات في بعض القرارات التي تبين بعد ذلك عدم صحتها كبعض مشروعات الرئيس التي لم تؤدي لتحسين مستوى المعيشة، فحسب تقديرات البنك الدولي ارتفع مستوى الفقر ل 60% والبنك المركزي المصري ل 32%، ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك لاستغلال المعارضين كل اتهامات الفقراء للسلطة إضافة لقضية القصور الرئاسية التي اعترف بها الرئيس مما ضاعف من شحنات الغضب عند الفقراء وشعورهم بالتمييز.. أدى ذلك لخروج تظاهرات محدودة في القاهرة والاسكندرية والمنصورة ودمياط والسويس يوم الجمعة الماضي كتبت فيها مقالا منذ أيام بعنوان "هذيان الثورة والسلطة العمياء" عددت فيها أسباب ضعف الحشد وروشتة جامعة للإصلاح السياسي في مصر.

أما اتهامات الفساد للرئيس فلم يحقق فيها والمقاول الفنان "محمد علي" صرح قائلا أنه لم يتهم شخص الرئيس بالسرقة ولكن باتهامات أشبه بالتبديد والإهمال لم يحقق فيها بعد، ولن يصل المتابعين لنتيجة حاسمة ما دامت الأدلة غائبة ، وأخيرا فتوقيت المظاهرات عشية سفر الرئيس لأمريكا أظنه لم يكن مقصودا بل لاعتبارات خاصة بالمقاول الذي دعا للمظاهرات مستغلا حشد المصريين على القهاوي لمتابعة مباراة الأهلي والزمالك..والشعب المصري محب جدا لكرة القدم ولهذين الناديين تحديدا، فكان هذا قرارا منه يتناسب مع إمكانية الحشد، وفي رأيي أن الذي يربط بدء المظاهرات مع سفر الرئيس يظن أن هناك صراع أجنحة أو انقساما في أروقة الحكم..هذا شائع الآن في الشارع المصري لكني لا أظنه صحيحا، فالقادة العسكريون لا يختلفون حول طبيعة وسياسات الحُكم العليا..لكن يختلفون فقط في بعض التفاصيل، هذا بخلاف لو كان الحاكم مدنيا ربما يكون هناك انقساما حقيقيا لعدم ثقة الجيش في قدرة المدنيين على السيطرة.

السؤال الثاني؛ ما مدى تأثير الفيديوهات والمعلومات التي انتشرت في الأونة الأخيرة، لا سيما بعد ما قام به المقاول والممثل المصري محمد علي من كشف الفساد في الحكومة والمقربين من الرئيس السيسي والجيش المصري؟

قلت:أي اتهامات بالفساد لأي شخصية مسئولة يكون تأثيرها كاتهام الطبيب بالعجز والإهمال أو استغلال مرضاه ، بعدها يعاني الطبيب من انخفاض دخله وربما ينتهي مصداقا لحكمة مصرية تقول أن (الطبيب مالوش غير سُمعته) أي أن الطبيب ما هو إلا سمعة حسنة..هذا ينطبق على المسئول الذي إذا تلطخت سيرته الذاتية بأي فساد أخلاقي يهبط شعبيا فورا، أشير أن هذا أول اتهام بالفساد من المعارضين ضد المسئولين ولأنه الأول وخرج بشكل سينمائي بهروب المقاول لأسبانيا والذي كان يعمل مع الحكومة مدة 15 سنة عزز من صدقية تلك الاتهامات واتسعت أكثر بعد اعتراف الرئيس بها مبررا لها بالضرورة من أجل قيمة مصر كما نشر في الإعلام وشاهده مليارات الناس حول العالم، لا أضع نفسي قيما في الحقيقة على تصريح الرئيس لكن أتخيل لو اختار الصمت لكان أفضل ، وأظن أن توقيت مؤتمره للشباب بعد هروب المقاول كان سيئا أيضا لم يُراعِ حساسية المسألة بالنسبة لشخصه، لاسيما أن مؤتمرات الشباب التي تعقد في مصر يتحدث فيها الرئيس مدة طويلة أشبه بخطبة مطوّلة فيخرج المؤتمر في نهايته معبرا عن الرئيس لا عن الشباب أو الحضور.

السؤال الثالث؛ في ثورة يناير عام 2011 شهدنا أن الجيش أعلن دعمه للاحتجاجات ووقف إلى جانب المتظاهرين والشعب المصري؛ هل يمكن للمشهد أن يتكرر إذا اتسعت رقعة الاحتجاجات في مصر أم لا؟ يعني هل يمكن للجيش المصري أن ينقلب على وزير الدفاع السابق الجنرال السيسي؟

قلت:لا توجد عندي معلومات حول نوايا القوات المسلحة بتسليم الحكم للمدنيين، لكن ما أفقهه جيدا كمصري أن الشعب هنا محب لجيشه جدا ولا يقبل المساس به من الداخل والخارج، وعندما قام الإخوان بعد يونيو بالهجوم والطعن في الجيش ووصفه بالصهاينة أو حماة حدود إسرائيل خصم من رصيد الإسلاميين أكثر وساهم في ارتفاع شعبية السلطة، ظن الإسلاميون أنهم ثوريون لكن في الحقيقة الشعب رآهم مراهقون ..وإلى الآن ما زال الموقف منهم حائلا في تكوين جبهة معارضة قوية وينظر إليهم الخصوم دائما بالتوجس والريبة بمخاوف حقيقية من الانقضاض على السلطة والانتقام ممن ثاروا عليهم سنة 2013، لذلك فأي تظاهرات يحضرها الإخوان بشعاراتهم الخاصة لا يشاركهم فيها أحد..عزلة تامة عن التيار العلماني في مصر الذي يضم اليسار والليبراليين والحقوقيين والمثقفين..وهؤلاء قطاع النخبة المصري الذي ينادي بدولة مدنية تحترم حقوق الإنسان منذ زمن مبارك وهو المؤثر أيضا في الإعلام ويمثل رأي الطبقة الوسطى الفيصل بين الحكومة والكادحين....

أما في حال اتسعت المظاهرات ووصلت للحجم الذي كان في يناير ويونيو بالطبع سيختار الجيش التضحية بالرئيس واستبداله، فقواتنا المسلحة تؤمن بعصمة الدم المصري رغم وجود أخطاء بسيطة من بعض عناصرهم أعقاب ثورة يناير..لكن الاتجاه العام في الجيش يمنع المواجهة مع الشعب، وبشكل مؤكد إذا وضع القادة بين خيارين الجمهور أو الرئيس سيختار الجماهير، والسلطة الحالية تعرف ذلك وتؤمن أن مبارك كان جنرالا عسكريا أيضا ورغم ذلك اختار الجيش رأي الشعب ضده فضغط عليه لتقديم استقالته، لذا يمكن فهم سلوك السلطة حاليا في موقفها من المظاهرات على أنه دفاع وقائي مبدئي عن النفس يبدأ وينتهي قبل اتساع رقعة الاحتجاجات، وفي الحقيقة لا أعلم إلى أين ستسير الأزمة الحالية لكن مؤشراتي الخاصة تقول أنها مجرد موجة ستمر لانعدام التوافق بين المعارضين، لكنها في النهاية ستخصم من رصيد الحكومة لذلك كتبت مقالا منذ أيام أحذر فيه من نتائج غلق المجال العام المصري أمام المعارضين والنتيجة الطبيعية لذلك بلجوء الشعب للإسلاميين وتصديق رؤيتهم بما فيها الرؤى الطائفية والمذهبية الضيقة تجاه الآخر.

السؤال الرابع؛ هل الصحيح ما قال محمد على أن هناك في الحكومة والجيش من يسانده ويأيده في قيام ثورة ضد السيسي وما مدى جدية دعم وتأييد جبهة ضباط مصر القريبة من رئيس أركان الجيش السابق الفريق سامي عنان للاحتجاجات وأن هذه الجبهة ستقف إلى جانب الشعب والمتظاهرين مثلما حصل في عام 2011 والذي أدي إلى سقوط نظام حسني مبارك؟

قلت: إعلم ياأخي أن إجماع الناس مستحيل وكما لم يجمع الناس على الله والأنبياء طبيعي لن يجمعوا على الرئيس..بالتأكيد هناك من يخالف الرئيس في وجهة نظرة ممن حوله.. وربما يصل هذا الخلاف إلى درجة الحدة وربما الكراهية أحيانا، لكن الجيش المصري بحسب علمي به وخدمتي فيه قبل 20 عاما غير قابل للانشقاق كما نرى يحدث ذلك في دول أخرى، هذا كيان لم يؤسس على أسس طائفية أو مذهبية أو أيدلوجية..بل على أسس علمانية وطنية منذ عصر محمد علي باشا في القرن 19، لذا سيكون ويظل هو الضامن على عدم أخونة مصر وجنوحها لرأي الإسلاميين في تطبيق الشريعة، وبالتالي فلو وضع الجيش بين خيارين الشعب أو الرئيس سيختار الشعب بكل تأكيد..هذا أمر منتهي

السؤال الخامس؛ هل يمكن القول أن مظاهرات ليلة الجمعة وما تلتها من الاحتجاجات في بعض المدن المصرية هي استمرار للاحتجاجات الشعبية السابقة التي شهدتها مصر في سياق ما يعرف بالصحوة الاسلامية أو ما يعرف بالربيع العربي خاصة أن معظم الشعارات التي أطلقت تدعو إلى محاربة الفساد وحلول العدالة والمساواة في البلاد؟

جزء من فشل أي تظاهرات وثورات هو مبالغتها في مطالبها بما بتجاوز الواقع والفرص، والحركة الاحتجاجية الحالية رفعت شعار سقوط النظام، وفي رأيي هذا مطلب غير واقعي خصوصا وقد وضع في إطار إسلامي إخواني ضمن محطات الربيع العربي كما تفضلت حضرتكم، الشعب هنا كاره للإخوان المسلمين كما أنه كاره للسياسات الاقتصادية الحالية من السلطة وممتعض من غلق المجال العام، لكن لم يصل المصري بعد لدرجة الثورة لتغيير النظام، ربما يصل مستقبلا لكن الآن غير ممكن، فضلا عن هوية الداعين للثورة التي تقول في مضمونها أنها تأسيسا لجمهورية مختلفة عن السائدة كما صرح المقاول بانتخاب 50 شخص من كل محافظة يديرون شئون الدولة، مطلب كهذا قريب من شكل الجمهورية الشعبية وليس الجمهورية الرئاسية أو البرلمانية، وقد شوّه هذا المطلب موقف المعارضة من تحديات مثلا كتكوين وحقوق الأقليات والمرأة وضمان تمثيل هؤلاء عن الشعب بشكل صحيح، وهذه قضية ثقافية محضة لم يتطرق إليها المقاول لضعف قدرته الذهنية وجهله بأسس وأشكال بناء الدول.

أما الإخوان الشق الأكبر من الداعين للثورة فهم لا يرون مصر جمهورية علمانية مدنية بل يروها إسلامية تطبق الشريعة، في الحقيقة قد يكون هذا مقبولا من الإخوان إذا أنتج الفكر السني الذي ينتمون إليها دولة ناجحة لكن الأنظمة الفاشلة التي نتجت من تطبيقات داعش والقاعدة والإخوان وطالبان من قبل لم تفلح في تقديم نموذج متقدم وعقلاني، لذا فمطالبهم هي في حقيقتها هدم لمؤسسات الدولة وعدم وجود برنامج لإحيائها مرة أخرى ومن الطبيعي أن يرفض ذلك المثقفون وأنصار الأحزاب العلمانية المعارضة للإخوان كالدستور والوفد والكرامة والتيار الشعبي وغيرهم، فضلا عن تبني الإخوان سلوك إقصاء الآخر وتكفيره وتخوينه كل هذا ساهم في رفض الناس دولة الإخوان من قبل وثورته عليهم قبل 6 سنوات.

أضيف أمر آخر يعد سببا مباشرا لكراهية المصريين للثورة هو جهل الثوار بالتكلفة الاقتصادية للثورة وفقدان أي برنامج لتعويض تلك التكلفة من الحكومات الثورية اللاحقة، وقد حدث ذلك مع حكومات عصام شرف والجنزوري وهشام قنديل من قبل الذين عجزوا عن توفير تلك التكلفة وبالتالي بدء الاقتصاد المصري في الانهيار ليُتوّج الآن بخطايا السلطة الحالية في رفع الدعم وتعويم العملة المحلية بشكل غير مدروس لم ينل حظه من المناقشة السياسية والإعلامية حتى ارتفعت نسب الفقر لأرقام كبيرة، إنما هذا القصور السلطوي في الأخير يظل في مساره الشعبي مجرد خلاف للعوام مع السلطة ليس دافعا أو حجة لقبولهم بعودة الإخوان أو أي ممثلين عن الثورات السابقة التي كما قلت سابقا ترتبط في ذهنية المصري بالفوضى والمراهقة والجهل.

السؤال السادس؛ الرئيس المصري قال سنة 2014 رداً على إمكانية وقوع ما وقع عام 2011 وقيام الجيش المصري بالتحرك ضده إنه "اذا خرج الناس فسأقول أنا تحت أمركم، لن انتظر الجيش، أنا بخاف على بلدي". برأيكم هل سيفي الرئيس السيسي بوعده متنحيا عن الحكومة ؟

قلت:لا أتوقع ذلك..فالرئيس الحالي غامض بشكل كبير وغير موثوق في تصريحاته الكثيرة التي تبين أنها غير واقعية وغير قابلة للتحقق، فقد سبق ذلك وعوده بتحسن الاقتصاد منذ 5 سنوات خلال عامين ولم يحدث أي تحسن بل ارتفعت الديون العامة كما هو معلن رسميا لمئات المليارات من الدولارات وما يترتب على ذلك من تخصيص جزء كبير من الموازنة العامة لخدمة الدين، وفي رأيي أن هذا الغموض يصاحبه قلة وعي سياسي تمثل في تصريحه برفض دراسات الجدوى للمشاريع التي يعقدها واختلال موازين الأولويات لديه التي يظهر منها أن الأولوية للبنى التحتية دون الاهتمام بالتعليم والصحة والمصانع مما أدى لاستنزاف ثروات مصر في بنية تحتية وإنشائية ضخمة غير منتجة أدت لتفاقم الدين العام بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر أو سبق بشكل ما في عصر الخديوي إسماعيل في القرن 19.

إنما الحل في رأيي والذي لم ينتبه إليه المعارضون أن إصلاح السلطات بهذا الشكل وفي ظل هذا الظرف لا يكون بالصدام الثوري الذي سيؤدي للاستخفاف بالقانون وانهيارا أمنيا شهدناه سنة 2011 إنما يكون بنشر الوعي والإلحاح باستخدام كافة الوسائل السلمية المتاحة في عرض الرأي والتحذير من خطورة تأثير سلوك هذه السلطة على الفقراء والكادحين، وقد سلك ذلك بعض المعارضين بالفعل وبدأوا في تشكيل منصات إعلامية على السوشال ميديا وفي الفضائيات لا تتبنى الخط الثوري ولكنها تتبنى الخط النقدي بما يكفل بقاء الدولة ومؤسساتها بالتوازي مع إصلاحها من الداخل بقوة القانون والدستور، وفي حال استعجال البعض أو عدم اقتناعهم من تلك الاستراتيجية نقول لهم أن الثورة في ذاتها ليست مبدأ أو غاية لكنها حالة تصل لها الشعوب إذا يأست من الإصلاح..أي أنها حالة غير مدروسة وغير مستهدفة كما يظنون، فالثورة تعني حُكم الدهماء والرعاع كما أشار ذلك جوستاف لوبون ، وفي ثورتكم على الشاه الإيراني لم يكن مطلب إزاحة الشاه هو الأول منذ بدء الانتفاضة عليه بل مجرد مطالب اقتصادية ضد الفقر سنة 77 تطورت لمواجهة مع السلطات حتى رحل الشاه بعدها بعامين..

شئ آخر أن بقاء السلطة مدة طويلة هو دافع للثورة عليها بعد يأس إصلاحها ولولا أن الشاه مكث طويلا لكان لإيران شأن آخر أو تاريخ مختلف، لذلك قلنا بعد تعديل دستور مصر الأخير هذا العام أن بقاء الرئيس مدة طويلة ليس في صالحه وياليته يستجب ويحفظ مصر من شر الإخوان والطائفيين وقاصري الرؤية من المعارضين.

السؤال السابع وهو السوال الأخير؛ ما هو مصير الاحتجاجات الأخيرة، هل ستحول إلى ثورة تعم مصر وتأتي بتغييرات في البلاد أم لا؟ هل سيأتي يوم يحقق فيه ما يروم الشعب المصري؟

قلت: بالتأكيد سينصلح حال الشعب يوما ما وتصبح مصر جمهورية ديمقراطية على نموذجها الخاص بالفهم اليساري أو الليبرالي، لكن الاحتجاجات الحالية عشوائية المظهر فارغة المضمون لأسباب متعددة منها فقدان القيادات واعتمادها على إعلام الإخوان المتربص الذي في رأيي تسبب في تشويه الاحتجاجات برفع صور أردوجان وهو يهنئ المحتجين ويتمنى انتصارهم..هذا له أثر سلبي في نفوس المصريين، أردوجان مع احترامنا لقبول الشعب التركي له وصداقته مع الإيرانيين لكنه زعيم مكروه جدا في مصر ، يراه العامة هنا مراهقا عنجهيا طفوليا وطالبا للزعامة الدينية، الرفض الميكانيكي للاحتجاجات منبعه الرفض الثابت للإخوان وطائفيتهم التي نشروها في مصر خلال العام الذي مكثوه في حكم مصر، بدءا من قتل الشيعة وحرق الكنائس واضطهاد وتكفير الأحزاب..لم يترك الإخوان سمعة جيدة كي نقول بشكل حاسم أن هناك مبادرات للصلح تعالج أوضاع مع بعد يناير ويونيو.

أما متى الشعب المصري سينال الإصلاح فعندما يتخلى كل المصريين عن تحزبهم السياسي بشكل أيدلوجي، فالأقباط ينظرون للسلطة بعيون مدنية علمانية لا بوصفها تحميهم من بطش الإسلاميين، والإخوان والسلفيين يرون السلطة بعيون حقوقية لا بوصفها أداه لبخس وهضم حقوق الأقليات والمختلفين، والشعب كله يرى السلطة مجرد وكيل عنهم لا راعي ومسئول يقودهم لما يجهلوه ولا يهتمون به، عندنا في مصر لا زالت كلمة "ما البديل" في سياق تأييد سلطة الأمر الواقع، وهي كلمة تعبر عن أزمة ثقافية شعبية تعتقد أن الرئيس هو قائد وزعيم يتصرف من تلقاء نفسه دون مشورة الشعب، بينما الديمقراطية تفرض على الناس أن سؤال البديل غير مطروح أساسا لتعلق اختيار الحاكم من منظومة الاقتراع وصندوق الانتخاب، بالتالي فسؤال ما البديل هو كمن يضع العربة أمام الحصان وينتظر من الحصان أن يرى ويتحرك.

لذلك أقول أن مصر تمر بأزمة وعي وثقافة لعدم امتلاك ثقافة الديمقراطيين بعد، فالإسلاميون يرون الصندوق الانتخابي فرصة لتطبيق شريعتهم الوهابية..واليسار بأخطائه يرى الصندوق فرصة لتصفية حسابه مع الرأسماليين، وفي الحقيقة أن نشر الوعي سيمر بجميع هذه المحطات ويعالجها في إطار شعبي حواري يجري حاليا بعيدا عن أعين الإعلام المحلي المغلق، لذلك في اعتقادي أن أجهل صنوف الشعب البعيدة عن حركة الإصلاح هم مؤيدي السلطة والمتعصبين لها بشكل خاص..وكذلك الإسلاميين في الخارج والداخل إضافة لقطاع كبير من اليسار والليبراليين الذين يظنون أن الهدف الثوري كافيا لتحقق التغيير، بينما لم يتعظوا بعد من ثورة السودان التي امتلكت كل أدوات التغيير من قيادات ومراكز نفوذ قوية في الدولة سمحت لهم بتنفيذ إضرابات ناجحة وحشود ثورية لم تنقطع على مدار شهور..ومع ذلك لم يفقدوا الحس السياسي وتواصلوا مع السلطات العسكرية لإقناعهم بجدوى التغيير، أكيد لم يحصل السودانيون على هذا الفوز هباء بل بخطط ووعي ونشاط ثقافي على مدار سنوات وعقود..

نص الحوار في موقع وكالة أنباء فارس

https://www.farsnews.com/news/13980702001041/%D8%AF%D8%B1-%DA%AF%D9%81%D8%AA%E2%80%8C%D9%88%DA%AF%D9%88-%D8%A8%D8%A7-%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%7C-%D8%AA%D8%AD%D9%84%DB%8C%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D9%84%DB%8C%D9%84%DA%AF%D8%B1-%D9%85%D8%B5%D8%B1%DB%8C-%D8%A7%D8%B2-%D9%88%D8%B6%D8%B9-%DA%A9%D9%86%D9%88%D9%86%DB%8C-%D9%88-%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B6%E2%80%8C%D9%87%D8%A7-%D8%AF%D8%B1?fbclid=IwAR1r7hWWUUSx0Xks2yD5rnnQjIc6cFnFlpH7EwFOMo5Kcr874N3JPgTBDfI#show-comments



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنقذوا مصر بالديمقراطية والليبرالية
- هذيان الثورة والسلطة العمياء
- عشرة أمراض نفسية للزعماء
- أضواء على الزرادشتية
- الفكر الديني المتطرف..كاريمان حمزة نموذج
- السبيل إلى الثقافة.. مداخل وتعريفات (3)
- السبيل إلى الثقافة.. مداخل وتعريفات (2)
- السبيل إلى الثقافة.. مداخل وتعريفات (1)
- رحلة في عقل الفيلسوف كيركجارد
- أضواء على الهندوسية
- جدلية ولاية الفقيه..رؤية نقدية
- حتمية البروباجاندا السوداء
- رحلة نقدية في سيكولوجيا المرأة
- نظرية المصيدة
- معضلة التحيز الديني..القرآنيون نموذجا
- العلمانية وأزمة مفهومها التآمري
- لماذا فشل العرب والأمريكيين في التواصل مع إيران؟
- بساط الريح..وخرافات القرطبي
- حديث خير القرون ونظرية التطور
- هل الإسلام بعث للعالم أجمع أم للعرب فقط؟


المزيد.....




- ما هو مصير حماس في الأردن؟
- الناطق باسم اليونيفيل: القوة الأممية المؤقتة في لبنان محايدة ...
- ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟
- وزير الخارجية الجزائري: ما تعيشه القضية الفلسطينية يدفعنا لل ...
- السفارة الروسية لدى برلين: الهوس بتوجيه تهم التجسس متفش في أ ...
- نائب ستولتنبرغ: لا جدوى من دعوة أوكرانيا للانضمام إلى -النا ...
- توقيف مواطن بولندي يتهم بمساعدة الاستخبارات الروسية في التخط ...
- تونس.. القبض على إرهابي مصنف بأنه -خطير جدا-
- اتفاق سوري عراقي إيراني لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرها ...
- نيبينزيا: كل فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة يتسبب بمق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامح عسكر - متاهة الإصلاح وفرص التغيير