أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامح عسكر - حتمية البروباجاندا السوداء















المزيد.....

حتمية البروباجاندا السوداء


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6310 - 2019 / 8 / 4 - 01:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عادة ما يتم إلقاء اللوم في الإشاعات على الضحية والمتضررين منها لا على الذين يطلقوها أو ينشروها، وهذا مردّه إلى شهوة التسلط والدونية والبحث في فضائح وعيوب الآخرين، فالبشر عموما ينتشون بذكرعيوب الآخر ويغضبون مع ذكر عيوبهم الشخصية، لذا فعندما قامت الأديان والحركات الإصلاحية لم تجد سوى مبدأيّ التواضع ومحاسبة النفس لتشريع جوانب الأخلاق كمقدمة لثورة إصلاحية شاملة تعالج هذا الخلل المتراكم مع انتشار الفكر المحافظ والصراعات..

الإشاعات هي نوع من البروباجاندا أو الدعاية المقصودة لهدف معين، فالإعلانات مثلا هي نوع من الدعايا للتجميل والتسويق ، والكذب العمد بكل صنوفه هو نوع أيضا من الدعايا لكن هنا سأناقش جانب واحد فقط من تلك البروباجاندا وهو النوع "الأسود" الذي لا يفرق في استخدامه بين كبير وصغير، صالح وطالح ..غني وفقير.. مشهور وغير مشهور، وهو أيضا على نوعين دعائي إعلاني والآخر تشويه وكراهية..

من أمثلة النوع الأول:

1- منذ 16 عام تقريبا ظهرت إشاعة عن مطرب مصري شهير قتل زوجته وسيظهر في برنامج "خلف الأسوار" المتخصص في عرض المجرمين، لكن لم يظهر المطرب ، إنما ظهر ألبومه الجديد (3 دقائق) فحقق أرباح كبيرة تناسبت مع شهرة المطرب وقتها بعد الإشاعة.

2- نفس الفترة تقريبا ظهرت إشاعة عن مطربة لبنانية شهيرة شتمت الرسول محمد محمد ، وينتظر ظهورها في برنامج مع محمود سعد..لكن لم تظهر أيضا ولكن ظهر ألبومها الجديد (آه ونص) فحقق أرباح خيالية تناسبت مع شهرة المطربة في ظل الإشاعة.

3- حتى الشيوخ لم يسلموا من ذلك..بعد يناير ظهرت إشاعة عن مرض الشيخ محمد حسان وفقدانه للنطق وأنه أصبح رجلا أخرس، وامتلأت المواقع دعوات للشيخ وتذكار لماضيه في الدعوة..وظهر بعدها الشيخ عادي مؤيدا للدكتور مرسي وأن رئاسته نبوية من الله، ناهيك عن ما حصل في مؤتمر الاستاد..

البروباجاندا هدفها مادي باستغلال العواطف واللعب على الوتر الديماجوجي، وبما أن العرب يحبون الرسول ومطربة شهيرة شتمته إذن هذا حدث يستحق الاهتمام دفاعا عن عرض الأنبياء..فتستفيد المطربة من تلك العاطفة الشعبية بعد تحوّلها لاهتمام غير عادي في توقيت طرح الألبوم، ويكفي مجرد نفي بسيط وتصريح تعلن فيه المطربة احترامها للنبي في غلق ملف الإشاعة..نفس ما حدث مع مطرب 3 دقائق ، أما نموذج حسّان فإشاعته غرضها تحسين صورته وكسب تعاطف الجماهير وغفران أخطائه السابقة ليستفيد حسان من ذلك مستقبلا في وظيفته الجديدة وهي تشريع وتديين حُكم الإخوان وإصباغ سلطانهم بكافة ألقاب ومزايا الخلفاء في العصور الوسطى..

أما النوع الآخر من الدعايا السوداء هدفه التشويه والتضليل ، ويتنشر أكثر في زمن الحروب والفتن دون النظر لنتائجه تبعا لهويته الغرائزية بإشعال كافة مشاعر الحقد والاحتقار والعنف للآخرين بالمجمل..وأشهر تلك الدعايا السوداء التي مورست حديثا هي بروباجندا السنة ضد الشيعة بتكفيرهم وشيطنتهم واتهامهم بالخيانة والعمالة، بدأت هذه البروباجاندا منذ 13 عام تقريبا وانتهت الآن بحروب مذهبية طائفية قتلت الملايين من العرب

قديما مارسها النازيون ضد اليهود بإشراف وزير دعايا هتلر مستر "جوبلز" وقبلها مارسها الأتراك ضد الأرمن والسريان والآشوريين، ومارسها صدام حسين ضد الأكراد والفرس، وعبدالناصر والسادات ضد الشيوعيين .. والآن تُمارَس ضد أي معارض مصري عن طريق اتهامه بالأخونة ، حتى الإخوان مارسوها ضد كل معارض بتحميله أوزار جبهة الإنقاذ في رأيهم المتمثلة لديهم بكذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية المسئول عنها البرادعي..

البروباجاندا السوداء تقوم باختلاق الأكاذيب والبناء عليها..

مثلا إشاعة أن البرادعي هو المسئول عن غزو أمريكا للعراق كانت كذبة لأجهزة الأمن المصرية في عصر مبارك، والهدف منها إسقاط المعارضة المصرية وتقديم صورة مبارك بالوطني العروبي الخائف على دماء العراقيين، وفي النهاية صدق الناس الإشاعة واستفاد الإخوان منها بشيطنة البرادعي بعد ذلك، كذلك صدّقوا كل الإشاعات ضد الشيوعيين حتى بات الإسم نفسه مكروها في الشارع المصري وأصبح يُستعاض بدلا منه بكلمة "يسار"

أما دوليا فأشهر الدعايا السوداء التي أدت لعمليات اغتيال هو إشاعة زواج أنديرا غاندي من مسلم مما أدى لاغتيالها من أحد المتطرفين السيخ، وأن بشار الأسد يجبر الناس على عبادته من دون الله – فيديو لا إله إلا بشار المفبرك نموذج - مما أدى لحملات تطوّع جهادية أضخم من التي حدثت في أفغانستان ، وتظل الدعايا السوداء الموجهة ضد الأديان أكثر الإشاعات مساهمةً في كراهية الانتماءات كأن الهندوس يعبدون البقر والمجوس يعبدون النار والشيعة يعبدون عليّا واليهود بشكل مطلق خونة لا عهد لهم، والمسيحيين يعبدون المسيح من دون الله، وأساس تلك الإشاعات أحيانا تفاسير خاطئة للأديان وكتبهم المقدسة..فضلا عن تصديقهم للأكاذيب الواردة في كتب التاريخ منذ قرون.

نفس الشئ حدث بشيطنة القوميات والحكومات..فبعد انفصال تايوان عن الصين وعدم اعتراف الصينيين بذلك حدثت حرب دعائية بينهما أدت لتصوير التايوانيين بالخيانة والغباء والصينيين بالوحشية والقسوة، ولولا انفصال القائد الصيني "شيانج كاي شيك" وتكوينه حكومة تايوان المدعومة أمريكيا ما صدّق الناس تلك الدعايا، ويظهر أن ذلك هو أحد المنتجات الفكرية السيئة للحروب والنزاعات كما هو حاصل الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين الروس والأوكران وبين الفرس والعرب وبين الصوماليين وأثيوبيا والكوريين في الشمال والجنوب وبين الإنجليز والإيرلنديين..كراهية متبادلة وإشاعات كاذبة هدفها تصوير العدو والخصوم بكل شئ قبيح حتى يخضع العوام لمقاطعتهم والخشية من التعامل معهم والانفتاح بطمأنينة.

لكن هذا لا يمنع وجود دعايا سوداء مضحكة كشفت ضحالة عقول أصحابها، كإشاعة مقتل الأسد ثم هروبه على منصة الإخوان في ميدان رابعة العدوية، وأن الليبرالية تعني خلع الحجاب والدياثة وزنا المحارم ، وأن الأمريكيين أكلوا لحوم الفيتناميين في الحرب وأن معارضي القذافي محششين ومدمنين مخدرات وأن القذافي نفسه قصف مظاهرات الشعب ضده بالطيران الحربي..ثم أخيرا إشاعة ترامب عن مسئولية بعض نواب الحزب الديمقراطي المسلمين عن هجمات 11 سبتمبر..!! كذلك تكثر الدعايا السوداء جدا في الانتخابات عن طريق اختلاق الأكاذيب على المنافسين لإسقاطهم شعبيا فترة الانتخابات ، وقد يلجأ لذلك البعض فترة مؤقتة لحين مرور الانتخاب ثم يتصالح مع غريمه بعد ذلك لزوم المصلحة، فإذا ما دخلوا منافسة مرة أخرى ظهرت نفس الإشاعات والأغرب أن الناس يصدقوها في المرتين..!!

وقد تظهر الدعايا السوداء بشكل غير مباشر، فظاهريا مثلا تؤدي قرارات بن سلمان في السعودية لتحصيل بعض حقوق النساء آخرها رفع الولاية الذكورية عن المرأة في السفر، لكن هذه القرارات لا تعكس إصلاحا اجتماعيا في جوهرها لبقاء نفس النصوص والثقافة العنصرية ضد نساء المملكة، ولبقاء هذه الرؤية العنصرية تجاه الأقلية الشيعية التي تتعرض كل يوم للاضطهاد وإعدام قادتها وشيوخها، والمرجح أن هدف قرارات بن سلمان اقتصادي مرتبط بأوامر ترامب له بالانفتاح بغية إنجاز مشروع نيوم الاقتصادي، لاسيما أن هذا المشروع لن يتحقق في بلد لا زال يُحرّم الاختلاط والخمور ويضربون الناس في الشوارع على الصلاه والحجاب، وهذا يعني أن قرارات بن سلمان هي دعاية سوداء هدفها كسب التعاطف الدولي الذي فقده بعد مقتل خاشقجي ولإقرار وتشريع حروبه الحالية في اليمن ومستقبلا ضد قطر وتركيا وإيران

وما يرجح هذه الرؤية أن الانفتاح السعودي الحاصل لم يتجاوز جانب الترفيه في استقدام مطربين وفنانين وعروض مصارعة حرة تهدف لتطمين المستثمر الأجنبي على أمواله في مشروع نيوم ، أما جوانب الانفتاح الأخرى كإقرار التعددية السياسية وكتابة دستور موقع عليه شعبيا وفصل سلطة رجل الدين عن الدولة وإقامة علاقات طبيعية مع دول الجوار واحترام خصوصيات الشعوب وعدم امتهان عقائدهم..فهذا بعيدا جدا ولن يحدث في عهد بن سلمان الذي أراه من أغبى حكام المملكة منذ عقود وأقلهم قدرة على الحوار والاعتراف بالآخرين..ويشهد على ذلك تحالفه العسكري الإسلامي وحرب اليمن الذين فشلوا فشلا ذريعا وأسقطوا المملكة من قوة إقليمية عظمى إلى مجرد دولة مثيرة للمشاكل ينفض عنها الحلفاء آخرهم الإمارات بانسحابها من حرب اليمن.

ويبقى السؤال: ما الذي يدعو الناس لتصديق البروباجاندا رغم طفرة العلوم والاتصالات؟

أعتقد أن الجواب عن ذلك في فلسفتي الخاصة عن الصورة التي طرحت مقدمة لها منذ فترة وفي طور التكوين لأبعادها ومناقشة اعتراضاتها، وملخص ذلك أن الإنسان تتشكل قناعاته حسب لقطة فوتوغرافية يأخذها عقله من الأشياء لحظيا، وبالتالي أي مؤثر خارجي وداخلي على تلك اللقطة سيؤثر مباشرة في تشكيل القناعات..ولا علاقة لذلك بالتعليم والتنوير..فالمستنيريين أيضا يقعون في فخ تصديق الإشاعات رغم تصدرهم للتحذير من ذلك، مما يطرح سؤالا آخر عن هدف وطبيعة التعليم الحقيقي ووظيفته في تنوير الجماهير، إنما الحادث أن البروباجاندا – خصوصا السوداء منها - تمثل معضلة معرفية لم تجد علاجا كما ينبغي، حتى في ظل طفرة الاتصالات وإنشاء مواقع وكيانات متخصصة في نفي الإشاعات بالأدلة..لكن أمواج البروباجاندا أكبر منها وكلما قويت واشتدت عناصر النفي..تشتد معها عناصر الإثبات.

ورأيي أن عناصر إثبات البروباجاندا تقوى أكثر بكثرة تحدياتها ومصالحها الخاصة وأحقادها الأزلية، مما يعني أن مشكلة البروباجاندا لا حل لها والأفضل هو البحث في كيفية تناولها واحتواءها والتقليل من أخطارها، لاسيما أن مجرد افتراض خاطئ هو يمثل في جوهره مشروع بروباجاندا مما يحيل تعريف الدعايا لشئون أوسع من فكرة تشويه الخصوم أو تحقيق المصالح..بل إلى المساس بالحقائق العلمية أحيانا..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة نقدية في سيكولوجيا المرأة
- نظرية المصيدة
- معضلة التحيز الديني..القرآنيون نموذجا
- العلمانية وأزمة مفهومها التآمري
- لماذا فشل العرب والأمريكيين في التواصل مع إيران؟
- بساط الريح..وخرافات القرطبي
- حديث خير القرون ونظرية التطور
- هل الإسلام بعث للعالم أجمع أم للعرب فقط؟
- ليبيا الموحدة ليست مصلحة مصرية
- التصعيد الإعلامي والديني لن يحل مشكلة اليمن
- الشروط العشرة للتأثير والحوار
- حكم ضرب الزوجة في الإسلام
- معضلة الأخلاق والسلوك في العقائد
- هل يعتذر المسلمون عن تاريخهم ؟
- ديكارت في مواجهة الإخوان
- ضغط عالي..والسينما الهادفة
- معنى الإلحاد في القرآن
- مصر وإيران..اللقاء الصعب
- فضيلة الشك
- جريمة نيوزيلندا..ثقب في الوعي الإنساني


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامح عسكر - حتمية البروباجاندا السوداء